الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما تقدّم، وإذا خفضت كانا في تقدير اثنين مضافين وإن كانا مبنيين (1) كقوله تعالى:
مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (2) وهما لابتداء الغاية في الزمان الماضي، كما أنّ من الابتداء الغاية في المكان نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة، ويدخلان على الزمن الحاضر فيكونان بمعنى في نحو: ما رأيته مذ يومنا أو مذ شهرنا، أي في يومنا أو شهرنا (3)، والبصريون يخصّون من بغير الزمان فلا يجيزون: ما رأيته من يوم الجمعة، والكوفيون يجيزونه (4).
وأمّا حاشا وعدا وخلا (5): ففيها معنى الاستثناء، وإذا جررت بها تكون حروفا (6)، وإذا نصبت بها تكون أفعالا قد أضمر فاعلوها، فإن دخلت «ما» عليها كقولك: قام القوم ما عدا عمرا، تعيّنت للفعليّة وتعيّن النصب، واعلم أنّ «كي» عند الزمخشري (7) وغيره من البصريين حرف جرّ بمنزلة اللام إذا قال: جئتك لأمر، فتقول: كيمه كما تقول: لمه، لأنّ كي دخلت على ما الاستفهاميّة وهي اسم فلا بدّ من أن تكون كي حرفا من حروف الجرّ لدخولها على الاسم، لأنّها لو كانت هي الناصبة للفعل لم تدخل على الاسم، لأنّ عوامل الأفعال لا تدخل على الأسماء.
ذكر حذف حرف الجرّ
(8)
ويحذف حرف الجرّ فيتعدّى الفعل بنفسه كقوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (9) أي من قومه وكقول الشاعر: (10)
(1) ورده ابن هشام في المغني 1/ 335 حيث قال: والصحيح أنّهما حرفا جرّ. وانظر الإنصاف، 1/ 382 وشرح التصريح، 2/ 20 - 21.
(2)
من الآية 6 من سورة النمل.
(3)
شرح الوافية، 385.
(4)
الإنصاف، 1/ 370 والنقل من شرح الوافية، 385.
(5)
الكافية، 424.
(6)
شرح المفصل، 8/ 49 والهمع، 1/ 31.
(7)
المفصل، 291، والإنصاف، 2/ 570.
(8)
المفصل، 291 وإيضاح المفصل، 2/ 160.
(9)
من الآية 155 من سورة الأعراف.
(10)
هذا صدر بيت لم يعرف قائله وعجزه:
ربّ العباد إليه الوجه والعمل
ورد في الكتاب، 1/ 37 والمقتضب، 2/ 320 والخصائص، 3/ 247 وشرح المفصل، 7/ 63، -
أستغفر الله ذنبا لست محصيه
…
...
أي من ذنب، ودخلت الدار أي في الدار، وكقول الشّاعر:(1)
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
…
فقد تركتك ذا مال وذا نشب
أي أمرتك بالخير، وكقولك: كلت زيدا، ووزنت زيدا، أي كلت لزيد الطعام، ووزنت لزيد الدراهم، فحذفوا حرف الجرّ، وحذفوا أيضا الطعام والدراهم، لأنّ معناه: كلت الطعام ووزنت الدراهم لزيد (2) وإذا حذفت حروف الجرّ وجب النصب لأنه مفعول، فلا وجه إلا النصب، ويحذف حرف الجرّ مع أنّ المفتوحة المشددة وأن المفتوحة المخففة كثيرا مستمرا والمراد بالمفتوحة/ المخففة الناصبة للفعل لا المخففة من الثقيلة، ولا المفسرة نحو: عجبت أنك قائم وجئت أنّك أكرمتني أي من أنك ولأنّك (3) وكقوله تعالى: يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (4) أي وبأن تقولوا، ومثل ذلك كثير في الكتاب العزيز وغيره، وجميع ذلك إمّا منصوب أو في موضع النصب.
فإن قيل: إذا كان الفعل لا يتعدّى إلّا بحرف الجرّ فكيف تعدّى بعد حذفه فنصب المفعول؟ فالجواب: أنّ الفعل إذا تعدّى بحرف الجرّ وكثر استعماله وصار ذلك معلوما حذف اختصارا حين علم أنّ أصل الكلام كذلك كما حذفوا أشياء كثيرة من الكلام لحصول العلم بها تخفيفا، كحذف المبتدأ والخبر ونحوهما، وهذا هو المسمّى بالمنصوب بنزع الخافض وقد يزاد حرف الجرّ مع الفعل المتعدّي تأكيدا
- 8/ 51 وشرح الشواهد، 2/ 194، وشرح التصريح، 1/ 394 وهمع الهوامع، 2/ 82 وشرح الأشموني، 2/ 194.
(1)
البيت اختلف حول قائله، ورد منسوبا لعمرو بن معد يكرب في الكتاب، 1/ 37. وأمالي ابن الشجري، 1/ 165 - 2/ 240 والحلل، 34 ومغني
اللبيب، 1/ 315 وذكر البطيلوسي في الحلل، 34 أن البحري نسبه في نوادره لأعشى طرود. وورد البيت من غير نسبة في المقتضب، 2/ 35 - 320 والمحتسب، 1/ 51 وشرح المفصل، 2/ 44 - 8/ 50 وهمع الهوامع، 2/ 82. النشب: الأشياء الثابتة التي لا براح لها كالدور والضياع.
(2)
قوله لزيد كرر في الأصل.
(3)
إيضاح المفصل، 2/ 160 والنقل منه مع اختلاف يسير.
(4)
من الآية 169 من سورة البقرة.
للمعنى وتقوية لعمل العامل نحو: نصحت زيدا ونصحت له وشكرته وشكرت له (1)، وقد يزاد حملا على تداخل المعنيين كقوله:(2)
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
فعدّى نرجو بالباء لمّا كان الرجاء بمعنى الطّمع أي ونطمع بالفرج، والقياس أن لا يضمر حرف الجرّ، لأنّه والمجرور كشيء واحد، وقد جاء ذلك في مواضع لا يقاس عليها منها: إضمار ربّ وإضمار باء القسم قليلا في قولك: الله لأفعلنّ بجرّ اسم الله تعالى، وجرّ هذا عند المحققين لا يجوز إلّا مع همزة الاستفهام أو هاء التنبيه كقولك: الله لأفعلنّ وها الله لأفعلنّ، ليكون عوضا عن حرف القسم (3)، وأضمر حرف الجرّ شاذا، فمنه إضماره في قول رؤبة:(4)«خير عافاك الله» بجرّ خير، إذ قيل له: كيف أصبحت، وأجاز سيبويه في قول زهير:(5)
بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى
…
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
خفض سابق على إضمار الباء في مدرك، أي لست بمدرك ولا سابق (6).
(1) الهمع، 2/ 82.
(2)
النابغة الجعدي، ورد في ديوانه، 216 ونسب له في رصف المباني، 142 ورد من غير نسبة في الإنصاف، 1/ 284 والمغني، 1/ 108.
(3)
الكتاب، 3/ 496 والمقتضب، 2/ 322 وشرح الكافية، 2/ 336.
(4)
انظر القول في إيضاح المفصل 2/ 162 والإنصاف 2/ 530 وشرح المفصل 8/ 53 والأشباه والنظائر، 3/ 8.
(5)
البيت اختلف حول قائله. ورد في ديوان زهير، 227 برواية:
ولا سابقي شيء إذا كان جائيا
وورد في الكتاب، 1/ 165 برواية ولا سابقا وفي 3/ 29 - 51 - 100 برواية ولا سابق منسوبا لزهير أيضا، ونسبه أيضا لصرمة الأنصاري في
الكتاب، 1/ 306 ورواه من غير نسبة أيضا في الكتاب، 2/ 155 ورواه البطليوسي في الحلل، 110 منسوبا لزهير وقال: يروى لصرمة الأنصاري ورواه ابن الأنباري في الإنصاف، 1/ 191 - 395 منسوبا لزهير ولابن صرمة الأنصاري، في حين رواه ابن هشام في المغني 1/ 96 - 288 - 2/ 476 - 478 منسوبا لزهير، ومن غير نسبة في 2/ 460 - 478 - 551 - 678 وورد البيت من غير نسبة في الخصائص، 2/ 353 - 424 ورواه السيوطي منسوبا لزهير في شرح شواهد المغني، 2/ 695 والهمع، 2/ 141.
(6)
الكتاب، 3/ 29.