الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حروف الجرّ
(1)
حرف الجرّ ما وضع للإفضاء بفعل أو شبهه أو معناه إلى ما يليه، قوله: ما وضع للإفضاء أي للإيصال، وقوله: إلى ما يليه، أي إلى ما يلي حرف الجرّ من الأسماء وقوله: بفعل احتراز من الاسم، والحرف، فإنّ الأصل/ في الاسم أن لا يعمل، وما عمل منه (2) إنّما كان لشبهه بالفعل، وكذلك الحرف قوله: وشبهه (3) أو معناه أي شبه الفعل من الأسماء أو معنى الفعل من الأسماء كاسم الفاعل والمفعول وغير ذلك، أمّا الفعل فنحو: مررت بزيد، وأمّا شبه الفعل فنحو: أنا مارّ بزيد، ومروري بزيد حسن فالباء هي التي أوصلت الفعل وشبهه إلى ما يليها من الاسم، وأمّا معنى الفعل فنحو: زيد في الدار لإكرامك، فاللّام متعلّقة بما في الدّار من معنى الاستقرار، وكذلك هذا أبوك في الدّار، فإنّ العامل ما في هذا من معنى الإشارة وإذا قلت: خرجت من البصرة فمن أوصلت معنى الخروج إلى البصرة على سبيل الابتداء، وكذلك قدمت إلى بغداد فإلى أوصلت معنى القدوم إلى بغداد، على سبيل الانتهاء.
وسمّيت حروف الجرّ إمّا لأنّها تجرّ معاني الأفعال إلى الأسماء (4) وإما لأنّها أضيفت إلى عملها كقولهم: حروف الجزم وحروف النصب (5).
وحروف الجرّ ثمانية عشر حرفا وهي: من وإلى وحتّى وفي والباء واللام وربّ وواو ربّ وواو القسم وتاؤه وعن وعلى والكاف ومنذ ومذ وحاشا وعدا وخلا.
واعلم أنّ عشرة من هذه الحروف وهي: من وإلى وحتّى وفي والباء واللّام وربّ وواو ربّ وواو القسم وتاؤه لا تكون إلّا حروفا، وخمسة تكون حروفا وأسماء وهي: عن وعلى والكاف ومنذ ومذ، والثلاثة البواقي تكون حروفا وأفعالا وهي:
(1) في الكافية، 423 حروف الجر ما وضع للإفضاء بفعل أو معناه إلى ما يليه ونحوه في شرح الوافية، 380.
(2)
في الأصل منها.
(3)
قوله: وشبهه سقط من الحد المذكور في الكافية، ومن شرح الوافية، 380، وذكر عند الرضي، 2/ 399.
(4)
نسبه السيوطي في الهمع، 2/ 19 إلى ابن الحاجب ونحوه في شرح الوافية، 380.
(5)
نسب إلى الكوفيين في الهمع، 2/ 19 وفي إيضاح المفصل، 2/ 140 بعد ذكره الرأي الأول قال «وكذلك تجره» وانظر شرح المفصل، 8/ 7 وشرح الكافية، 2/ 319 وحاشية الخضري، 1/ 226.
حاشا وعدا وخلا.
أما من (1) فتكون للتبعيض وللبيان وللابتداء فالتي للتبعيض هي التي يحسن مكانها بعض نحو: أخذت من الدّراهم، والتي للتبيين، هي التي يحسن مكانها الذي نحو قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ (2) أي الرجس الذي هو وثن (3) والتي للابتداء تعرف بأن يحسن في مقابلتها إلى، إمّا لفظا أو تقديرا نحو: سرت من البصرة إلى الكوفة، وزيد أفضل من عمرو، فإنّ معناه أنّ ابتداء فضله كان متراقيا في الزيادة من عمرو (4) وأما أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فابتداء الاستعاذة كان من الشيطان مع قطع النّظر عن الانتهاء، لأنّه لا يتعلّق به غرض، وكذلك أخاف من عقاب الله فإنّ ابتداء الخوف من العقاب لا يقبل الانتهاء، والبصريون يخصّصونها بأنّها للابتداء في غير الزّمان (5)، والكوفيون يعمّمونها في الزمان وغيره، ويستدلّون بقوله تعالى: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ (6) فقد دخلت على الزمان وتأولها البصريون بمعنى من تأسيس أول يوم (7) وتقع من زائدة وتعرف بأنّك لو حذفتها لكان المعنى الأصلي على حاله ولا يفوت بحذفها سوى التأكيد، كقولك: ما جاءني من أحد (8) وهي مختصّة عند البصريين بغير الموجب، وجوّز الكوفيون والأخفش زيادتها في الموجب أيضا (9) واستشهدوا/ بقولهم «قد كان من مطر» وتأويله قد كان شيء من مطر، فيكون
(1) الكافية، 423.
(2)
من الآية 30 من سورة الحج.
(3)
شرح الوافية، 381 وإيضاح المفصل، 2/ 142 وفي المغني، 1/ 319 أنكر وقوعها قوم، قال: وهذا تكلف.
(4)
هذا رأي سيبويه والمبرد في من الواقعة بعد أفعل التفضيل، الكتاب، 4/ 225 والمقتضب، 1/ 44 - 45 وانظر بقية الآراء في معاني الحروف، للرماني 97 والمغني، 1/ 321 وشرح الأشموني، 3/ 45.
(5)
في الكتاب، 4/ 224 «وأما من فتكون لابتداء الغاية في الأماكن» .
(6)
من الآية 108 من سورة التوبة.
(7)
اقتصر أبو الفداء على إيراد دليل واحد، وثمة أدلة أخرى انظرها في الإنصاف، 1/ 370 وشرح الكافية، 2/ 320 ورصف المباني، 322 والمغني، 1/ 318.
(8)
في الكتاب، 4/ 225 «ولو أخرجت من كان الكلام حسنا ولكنه آكد بمن» .
(9)
بشرط تنكير مجرورها فقط، ونسب إلى الأخفش والكسائي وهشام جواز زيادتها بلا شرط، شرح التصريح، 2/ 8 - 9، وانظر شروط زيادتها في المغني، 1/ 323.
للتبعيض واستدلّوا أيضا بقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (1) وقد قال: يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً (2) والجواب: أنّ من هاهنا أيضا للتبعيض، أي يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو خطاب لقوم نوح (3).
وأمّا إلى وحتّى (4) فلانتهاء الغاية، إلّا أنّ حتّى تفيد معنى، «مع» أي يدخل ما بعدها فيما قبلها (5) بخلاف إلى، فإذا قلت: قدم الحاجّ حتّى المشاة فكأنك قلت: مع المشاة، وأكلت السمكة حتى رأسها ونمت البارحة حتّى الصباح أي أكلت الرأس مع السمكة ونمت الصباح مع البارحة، هذا هو المختار، وقيل: الضابط في دخول ما بعد حتّى فيما قبلها، أن يكون ما بعدها داخلا في مسمّى ما قبلها فيدخل الرأس في الأكل لدخوله في مسمّى السمكة ولا يدخل الصباح في النوم، لأنّه غير داخل في مسمّى البارحة وإلى لا يدخل ما بعدها فيما قبلها في الأصحّ (6) وقيل: يدخل، وقيل: إن كان من جنس ما قبله دخل وإلا لم يدخل (7)، وعلى الأصحّ فإنّما دخلت المرافق والكعبان في قوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (8) ببيان ذلك من النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفعل، ولولا ذلك لم يحكم بدخوله (9).
وتجئ إلى بمعنى مع قليلا (10) كقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ (11) وأمّا قوله تعالى: كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى
(1) من الآية 31 من سورة الأحقاف.
(2)
من الآية 53 من سورة الزمر.
(3)
المسألة خلافية انظرها في رصف المباني، 325 وشرح الكافية، 2/ 322 وشرح المفصل، 8/ 13 والمغني، 1/ 325.
(4)
الكافية، 8/ 13 والمغني، 1/ 325.
(5)
في الجنى، 545 وذهب المبرد وابن السراج وأبو علي وأكثر المتأخرين إلى أنه داخل.
(6)
وهو قول أكثر المحققين، الجنى، 385 - 546.
(7)
شرح الوافية، 381 - 382.
(8)
من الآية 6 من سورة المائدة.
(9)
إيضاح المفصل، 2/ 144 وشرح الوافية، 382 والنقل منه.
(10)
وبه قال الكوفيون وجماعة من البصريين المغني، 1/ 75، والجنى، 386.
(11)
من الآية 2 من سورة النساء.
اللَّهَ (1) فهي للغاية أي من ينصرني إلى أن يتمّ أمر الله (2) وحتّى لا تدخل إلّا على اسم ظاهر (3) فلا يقال حتّاه كما يقال: إليه، خلافا للمبرّد (4).
وأمّا في (5) فمعناها الظرفيّة كقولك: جلست في المسجد وتكون كعلى قليلا كقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (6) أي على (7).
وأمّا الباء (8) فتكون للإلصاق كقولك: به داء أي التصق الدّاء به، وكقولك:
أقسمت بالله أي ألصقت قسمي بالله، وللاستعانة كقولك: كتبت بالقلم، وللمصاحبة كقولك: اشتريت الفرس بسرجه ولجامه، وللتعدية كخرجت به (9)، ومنه قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (10) أي أهبط القرآن جبريل، وللمقابلة نحو: بعت هذا بهذا، وبمعنى في كقولك: ظننت به خيرا، وتكون زائدة في غير الموجب في خبر المبتدأ نفيا واستفهاما قياسا نحو: ما زيد بقائم، وهل زيد بقائم، وفي الموجب سماعا نحو: ألقى بيده، وبحسبك زيد (11).
وأمّا الّلام (12) فتستعمل لمعان:
1 -
للاختصاص نحو: الجلّ (13) للفرس، والمال لزيد.
2 -
للتعليل نحو: ضربته للتأديب.
(1) من الآية 14 من سورة الصف، وفي الأصل وإذ قال.
(2)
الخصائص، 2/ 308 وحروف المعاني، 115 وتفسير النسفي، 4/ 190.
(3)
هذا مذهب سيبويه، انظر الكتاب، 2/ 283.
(4)
شرح المفصل، 8/ 16.
(5)
الكافية، 423.
(6)
من الآية 71 من سورة طه.
(7)
هذا رأي الزمخشري ورده كثير من النحويين انظر المقتضب، 2/ 318 وإيضاح المفصل، 2/ 147 ورصف المباني، 388 والمغني، 1/ 168.
(8)
الكافية، 423.
(9)
بعدها في شرح الوافية، 382 بمعنى أخرجته.
(10)
من الآية 193 من سورة الشعراء.
(11)
شرح الوافية، 382.
(12)
الكافية، 423.
(13)
الجلّ: ما تلبسه الدابّة لتصان به. القاموس المحيط، جلل.
3 -
للزيادة كقوله تعالى: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ (1) أي ردفكم (2).
4 -
أن تكون بمعنى «عن» إذا استعملت مع القول كقوله تعالى: قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (3) وليس معنى الآية أنّ الكافرين/ خاطبوا المؤمنين لأنّه لو كان كذلك لوجب أن يقول: سبقتمونا إليه، فعلم أنّ معناه قال الذين كفروا عن الذين آمنوا (4).
5 -
أن تكون بمعنى واو القسم في التعجّب في اسم الله تعالى كقول الشّاعر: (5)
لله يبقى على الأيّام ذو حيد
…
بمشمخرّ به الظّيّان والآس
وأمّا ربّ فللتقليل (6) كما أنّ كم للتكثير، ولربّ أحكام:
أحدها: أنّ لها صدر الكلام لكونها لإنشاء التقليل.
والثاني: اختصاصها بنكرة موصوفة بمفرد أو جملة نحو: ربّ رجل كريم اجتمعت به، وربّ رجل أبوه عالم، وربّ رجل مررت به، واختصّت بالنكرة لعدم الاحتياج إلى المعرفة، ووجب أن تكون النكرة موصوفة على الأصحّ (7) ليتحقّق
(1) من الآية 72 من سورة النمل.
(2)
في المقتضب، 2/ 36 وقال بعض المفسرين في قوله (الآية) معناه ردفكم، وفي المغني، 1/ 215 بل ضمن ردف معنى اقترب، وانظر البيان، للأنباري 2/ 227.
(3)
من الآية 11 من سورة الأحقاف.
(4)
تفسير النسفي، 4/ 108.
(5)
البيت اختلف حول قائله فقد نسبه سيبويه في الكتاب، 3/ 497 إلى أمية بن أبي عائذ، ونسبه السكري في كتاب شرح أشعار العرب، 1/ 439 وابن منظور في لسان العرب، حيد، إلى مالك بن خالد الخناعي الهذلي، ونسبه ابن السيد البطليوسي في كتابه الحلل، 96 إلى أبي ذؤيب الهذلي، قال: وأبو عمرو يروي هذا الشعر للفضل بن عبّاس، ونسبه ابن يعيش في شرح المفصل، 9/ 99 لأمية بن أبي عائذ وأضاف قيل: بأن البيت لأبي ذؤيب أو للفضل بن العباس الليثي. وورد البيت من غير نسبة في المقتضب، 2/ 323، وشرح الكافية، 2/ 340 ورصف المباني، 118 - 171 - 221 ومغني اللبيب، 1/ 214 وهمع الهوامع، 2/ 32 - 39 وشرح الأشموني، 2/ 216. الحيد جمع حيد بالفتح وهو كلّ نتوء
في قرن أو جبل، والمشمخرّ: الجبل العالي، الظيّان: ياسمين البر، الآس: الريحان، يبقى: أراد لا يبقى، وهو حذف قياسيّ لأنّ المضارع وقع جوابا للقسم.
(6)
الكافية، 423 وانظر إيضاح المفصل، 2/ 149 وشرح الوافية، 383.
(7)
هذا مذهب ابن السراج والفارسي وأكثر المتأخرين وقال الأخفش والفراء والزجاج وابن طاهر وابن -
التقليل الذي هو مدلول ربّ، لأنّه إذا وصف الشيء صار أخصّ مما لم يوصف (1).
والثالث: أن يكون فعلها أي جوابها وعاملها فعلا ماضيا محذوفا غالبا؛ لأنّ وضعها لتقليل تحقّق، ولأنّ الصفة قد أغنت عنه وسدّت مسدّه، وإنّما قيّد الحذف بالغالب (2)، لأنّه قد يظهر نحو: ربّ رجل كريم اجتمعت به، فكريم صفة لمجرور ربّ، واجتمعت به هو فعلها الماضي، وهو جوابها، وعاملها الذي يتعلّق به ربّ، ولا يتعلّق إلّا بما بعدها لما ذكرنا من أنّ لها صدر الكلام فلا يكون العامل إلّا بعدها، وجوّز بعضهم (3) كون فعلها مضارعا نحو: ربّ رجل وجيه يقول ذلك، وقد تدخل ربّ على مضمر يميّز ذلك المضمر بنكرة منصوبة نحو: ربّه رجلا، وهذا الضمير مبهم كالضمير المستتر في: نعم رجلا زيد، وهذا الضمير مفرد مذكّر عند البصريين نحو:
ربّه رجلا، وربّه رجلين، وربّه رجالا، وربّه امرأة وربّه امرأتين، وربّه نساء، لكونه راجعا إلى مقدّر ذهني لا لشيء مقدّم ذكره لتجب مطابقته، خلافا للكوفيين فإنهم قالوا: بمطابقة هذا الضمير للتمييز في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فيقولون: ربّهما وربّهم وربّها وربّهنّ (4).
وتلحق ربّ ما الكافة فتدخل على الجملة سواء كانت فعلية أو اسمية إذا قصدوا تقليل النسبة المفهومة من الجمل نحو: ربّما قام زيد، وربّما زيد قائم، ولا يقال:
ربّما يقوم زيد، لأنّ ربّ للزمان الماضي (5)، وأمّا قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (6) فهو بمنزلة المضيّ لصدق الوعد به (7).
وأما واو ربّ فهي الواو التي يبتدأ بها في أول الكلام بمعنى ربّ ولهذا تدخل
- خروف: لا يجب ذلك. انظر الأصول لابن السراج، 1/ 417 - 418 وشرح الكافية، 2/ 331 وهمع الهوامع، 2/ 26.
(1)
شرح المفصل، 8/ 28.
(2)
مراده ابن الحاجب في قوله في الكافية، 423 «وفعلها ماض محذوف غالبا» .
(3)
كابن هشام في المغني، 1/ 137 وانظر رصف المباني، 192.
(4)
شرح الوافية، 383 وانظر الهمع، 2/ 26 - 27.
(5)
شرح الوافية، 383 وإيضاح المفصل، 2/ 152.
(6)
من الآية 2 من سورة الحجر.
(7)
انظر المغني، 1/ 137.
على النكرة الموصوفة وتحتاج إلى جواب مذكور أو محذوف ماض، كما قيل في ربّ وهذا مذهب الكوفيين والمبرّد (1) فإنّ الجرّ عندهم بالواو لا بربّ، والمذهب الآخر مذهب سيبويه (2) وغالب البصريين أنّ واو ربّ إنّما تجرّ بربّ مضمرة بعدها لأنّ ربّ تضمر بعد ثلاثة أحرف/ الواو والفاء وبل، أمّا الواو فكقوله:(3)
وبلدة ليس بها أنيس
…
إلّا اليعافير وإلّا العيس
فجرّ بلدة بربّ مضمرة قالوا: (4) لأنّ الواو حرف عطف في الأصل، وهو لا يعمل، وأمّا الفاء فكقوله:(5)
فإن أهلك فذي حنق لظاه
…
عليّ يكاد يلتهب التهابا
أي فربّ ذي حنق، ومثله قوله:(6)
فحور قد لهوت بهنّ عين
أي فربّ حور، وأمّا بل فكقوله:(7)
بل بلد ملء الفجاج قتمه
(1) المقتضب، 2/ 318 - 346 والإنصاف، 1/ 376 وشرح الكافية، 2/ 333.
(2)
الكتاب، 2/ 162 - 164.
(3)
قد تقدم الكلام على هذا الرجز ومواضع وروده في 1/ 196 بما يغنينا عن إعادته.
(4)
والقول للبصريين، انظر الإنصاف، 1/ 381.
(5)
البيت لربيعة بن مقروم الضبي، ورد منسوبا له في أمالي ابن الشجري، 1/ 143 برواية تكاد عليّ مكان عليّ يكاد، وشرح شواهد المغني، 1/ 466 وورد من غير نسبة في شرح الكافية، 2/ 333 والمغني، 1/ 164.
(6)
هذا صدر بيت لمالك بن عويمر الهذلي وعجزه:
نواعم في المروط وفي الرّياط
ورد منسوبا له في شرح الشواهد، 2/ 232 وورد من غير نسبة في الإنصاف، 1/ 380 وشرح المفصل، 2/ 118 وشرح الأشموني، على الألفية، 2/ 232.
(7)
الرجز لرؤبة بن العجاج وقد ورد في ديوانه، 3/ 150 وبعده:
لا يشترى كتّانه وجهرمه
ورد منسوبا له في لسان العرب، جهرم، وشرح الشواهد، 2/ 232 وورد من غير نسبة في الإنصاف، 2/ 529 ومغني اللبيب، 1/ 112 وشرح الأشموني، 2/ 232. القتام بزنة سحاب: الغبار، الفجاج جمع فجّ وهو الطريق الواسع.
وأمّا واو القسم وتاؤه (1) فيتوقّفان على معرفة القسم، وهو مصدر أقسمت، والقسم في العرف اليمين، والأفعال الموضوعة للقسم: أقسمت وحلفت وآليت وقد أجري مجراها: علم الله، ويعلم الله، وهو خبر في اللفظ، إنشاء في المعنى، بمنزلة قولك: بعت واشتريت وطلّقت ونحوها، ولا يتمّ القسم إلّا بجملتين أولى وثانية، الأولى نحو: حلفت بالله، والثانية نحو: لقد قام زيد، أو لتقومنّ، ولكلّ واحدة منهما أحكام تخصّها:
منها أنّ الأولى لا تكون إلّا إنشائيّة بخلاف الثانية فإنّها تكون خبريّة وطلبيّة، والأولى لا تكون إلّا مؤكّدة للثانية، والثانية مؤكّدة بالأولى، والأولى هي القسم بالحقيقة لأنّها تشتمل على الاسم الذي يلصق به القسم ليعظم به ويفخّم وهو المقسم به كاسم الله في حلفت بالله، والثانية هي المقسم عليها، وإذا كانت الثانية خبريّة فهو القسم لغير الاستعطاف نحو: حلفت بالله لقد قام زيد، وإذا كانت طلبيّة فهو القسم للاستعطاف نحو: حلفت بالله لتقومنّ، ولكثرة القسم في كلامهم أكثروا التصرّف فيه على وجوه من التخفيف:
منها أنّهم حذفوا الفعل وحرف القسم كما سنذكر، وحذفوا الخبر من الجملة الأولى وهو قسمي في قولك: لعمري ولعمر أبيك، ولعمر الله ويمين الله وايمن الله وايم الله وأمانة الله وعمر بفتح العين وضمّها بمعنى، ولكنّ المستعمل في القسم المفتوح العين، ومعنى لعمر الله، الحلف ببقاء الله ودوامه، وإذا قلت: لعمرك الله فكأنّك قلت: بتعميرك الله أي بإقرارك له بالبقاء، وأمّا ايمن الله فاسم مفرد عند البصريين موضوع للقسم مأخوذ من اليمين والبركة كأنهم أقسموا بيمين الله، وهمزته همزة وصل مفتوحة (2) وتدخل عليه لام الابتداء كما تدخل في قولك: لعمرك وذهب الكوفيون: إلى (3) أن أيمن جمع يمين وهمزته همزة قطع وإنما سقطت في الوصل
(1) الكافية، 423 - 424 وانظر إيضاح المفصل، 2/ 155 وشرح الوافية، 383 وما ذكره أبو الفداء بعد من أحكام القسم منقول بجملته من شرح المفصل، 9/ 90 - 91.
(2)
هذا مذهب سيبويه، 4/ 503 والمسألة خلافية انظر الإنصاف، 1/ 404 وشرح المفصل، 9/ 92، وقد حكى يونس كسرها أيضا.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
لكثرة الاستعمال، وتحذف نونه فيبقى: ايم الله، ويجوز في: ايم الله بحذف النون، فتح الهمزة وكسرها، وأمانة الله كذلك (1) مرفوعة بالابتداء والخبر محذوف، ومن ذلك: عليّ عهد الله، فعهد الله مرفوع بالابتداء وعليّ الخبر (2) ولمّا كانت أفعال القسم غير متعدية بنفسها، عدّيت بالحروف التي هي واو القسم وتاؤه والباء.
أمّا الواو: (3) فلا تكون إلّا عند حذف الجملة الأولى المقسم بها فلا يقال:
حلفت والله، لأنّ الواو عوض عن الباء والفعل/ لأنّ الواو للجمع والباء للإلصاق وما ألصق بالشيء فقد جامعه، ولا تستعمل أيضا في قسم الاستعطاف، فلا يقال:
والله أخبرني كما يقال: بالله أخبرني، ولا تدخل على المضمر فلا يقال: وك لأفعلنّ كما يقال: بك لأفعلنّ وبه لأقومنّ، وإنّما اختصّت الواو بالظاهر، لأنّها بدل عن الباء، والمضمر بدل عن المظهر، فلم يجوّزوا دخولها على المضمر، لئلا يجمعوا بين البدلين (4).
وقد يحذف حرف القسم وحذفه على ضربين: بعوض وبغير عوض، أمّا حذفه بعوض فنحو: ها الله لأفعلنّ أي والله لأفعلنّ، وها الله لا أفعلنّ أي والله لا أفعلنّ، فهنا قد عوّض من حرف القسم حرف التنبيه، وكذلك يعوّض منه ألف الاستفهام نحو: آلله لأفعلنّ بالمدّ، وجرّ اسم الله كما هو مع حرف التنبيه (5)، وأمّا حذفه بغير عوض فنحو: الله لأفعلنّ بنصب اسم الله تعالى بفعل القسم المقدّر قال امرؤ القيس: (6)
فقالت يمين الله مالك حيلة
(1) في الأصل لذلك.
(2)
الكتاب، 3/ 503 والمقتضب، 2/ 324.
(3)
الكتاب، 4/ 496.
(4)
إيضاح المفصل، 2/ 154 وشرح المفصل، 9/ 99 والهمع، 2/ 39.
(5)
الكتاب، 4/ 500 والمقتضب، 2/ 322 - 323.
(6)
ديوانه، 72 وعجزه:
وما إن أرى عنك العماية تنجلي
وروي بالضم، على الابتداء، والخبر محذوف والتقدير: لازمني يمين الله.