الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عسى أن تأتي تلك الطريق بشرّ، والبأس مصدر وجمعه أبؤس، وقيل: لا يجوز أن يكون أن مع الفعل خبرا لاسم عسى، لأنّ ذلك في تأويل المصدر، والمصدر لا يخبر به عن الجثّة، إذ تقديره: عسى زيد الخروج، وأجيب عنه بجوابين: أحدهما: أنّ المصدر هنا بمعنى اسم المفعول، إذ تقديره: قارب زيد الخروج، والثاني: أنّه على تقدير حذف المضاف أي عسى زيد ذا خروج (1).
ذكر عسى التّامّة
وهي تقدّر بفعل لازم وهو قرب إذا تقدّم الخبر على اسمها نحو: عسى أن يقوم زيد، فقولك: أن يقوم فاعل عسى، وزيد فاعل يقوم، والتقدير قرب/ قيام زيد فإن قدمت زيدا على عسى، جاز أن تكون تامة وجاز أن تكون ناقصة، فإذا قلت: زيد عسى أن يقوم، فإن جعلت في عسى ضميرا يعود إلى زيد فعسى ناقصة، وأن يقوم في موضع نصب بأنه خبرها، وإن لم تجعل فيها ضميرا فهي التامّة، وأن يقوم في موضع رفع فاعل عسى، فتقول في الناقصة: الزيدان عسيا أن يقوما، وفي التامة: الزيدان عسى أن يقوما، فتبرز الضمير المستكنّ في الناقصة، والتامّة لا ضمير فيها؛ لأنّ ما بعدها هو الفاعل (2)، ويجوز في الناقصة حذف أن من خبرها حملا على كاد، فتقول: عسى زيد يخرج، ومنه قول الشّاعر:(3)
(1) قال السيوطي في الهمع، 1/ 130 ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بأن، أما المقرون بها، فزعم الكوفيون أنه بدل من الأول بدل المصدر فالمعنى في كاد أو عسى زيد أن يقوم، قرب قيام زيد، فقدّم الاسم وأخّر المصدر، وزعم آخرون أن موضعه نصب بإسقاط حرف الجر، لأنّه يسقط كثيرا مع أن، وقيل: يتضمّن الفعل معنى قارب، وزعم ابن مالك أن موضعه رفع فإنّ الفعل بدل من المرفوع سادّ مسدّ الجزءين وانظر إيضاح المفصل، 2/ 91 وشرح الكافية، 2/ 302.
(2)
نقل السيوطي في الهمع، 1/ 131 عن أبي حيان قوله: وقفت من قديم على نقل، وهو أن - التجريد لغة لقوم من العرب، والإلحاق لغة لآخرين ونسيت اسم القبيلتين فليس كلّ العرب تنطق باللغتين وإنما ذلك بالنسبة إلى لغتين.
(3)
البيت لهدبة بن الخشرم، نسب له في الكتاب، 3/ 158 - 159 وشرح المفصل، 7/ 121 وشرح الشواهد، 1/ 260 وشرح التصريح، 1/ 206 وشرح شواهد المغني، 1/ 443 وورد من غير نسبة في المقتضب، 3/ 70 وشرح الكافية، 2/ 304 والمغني، 1/ 52 والهمع، 1/ 130 وشرح الأشموني، 1/ 260 - 264.
عسى الهمّ الذي أمسيت فيه
…
يكون وراءه فرج قريب
فحذف أن من قوله يكون، والفصيح أن لا يحذف.
القسم الثاني من أقسام أفعال المقاربة (1) وهو كاد (2)
ووضع لمقاربة الخبر على سبيل الحصول، وكاد خبر محض فلذلك تصرّف، وفاعله اسم محض وخبره فعل مضارع من غير «أن» ليدلّ على تقريب حصول الخبر من الحال، نحو: كاد زيد يجيء (3)، وقد تدخل أن على خبره تشبيها بعسى كقولك:
كاد زيد أن يخرج، قالوا: ولا يحسن في سعة الكلام (4) لأنّ كاد للتقريب من الحال، وأن للاستقبال والفعل يتباعد
عن الحال بدخول أن، وقد جاء في الشعر كقول رؤبة:(5)
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
يصف ربعا، ومعنى أن يمصح: أن يعفو، يقال: مصح الأثر إذا ذهب (6) ولا يدخل حرف الاستقبال على كاد فلا يقال: سيكاد ولا سوف يكاد؛ لمنافاة السين لمعنى كاد؛ لأنّ كاد تفيد التقريب من الحال، ولذلك لا يقال: كاد زيد يسافر بعد سنة، ويقال ذلك في عسى كقولك: عسى زيد أن يسافر بعد سنة، وإذا دخل النفي
(1) بعدها في الأصل مشطوب عليه «الفعل الذي وضع لدنو الخبر على سبيل الحصول» وقد تكرر بعد قوله:
وهو كاد.
(2)
الكافية، 421.
(3)
شرح الوافية، 369.
(4)
قصره الأندلسيون على الشعر. انظر شرح الكافية، 2/ 304 وشرح ابن عقيل، 1/ 330 والهمع، 1/ 130.
(5)
الرجز لرؤبة بن العجّاج، يكنى أبا الجحاف شاعر رجّاز وهو أكثر شعرا من أبيه توفي في البصرة سنة 145 هـ انظر أخباره في طبقات فحول الشعراء، 2/ 761 والشعر والشعراء، 2/ 495 ومعجم الشعراء، 121 ووفيات الأعيان لابن خلكان، 2/ 303 ورد البيت في ملحقات ديوانه، 3/ 172 وقبله:
رسم عفا من بعد ما قد انمحى
ورد منسوبا له في الكتاب، 3/ 160 والحلل، 274 وشرح المفصل، 7/ 121 وورد من غير نسبة في المقتضب، 3/ 75 والإنصاف، 2/ 566 وشرح الكافية، 2/ 305 وهمع الهوامع، 1/ 130.
(6)
لسان العرب، مصح.
على كاد ففيها ثلاثة مذاهب (1):
الأول: وهو الأصحّ، أنّها كالأفعال إذا دخل عليها النفي كان معناها نفيا، وإذا تجرّدت من النفي كان معناها إثباتا، لأنّ قولك: كاد زيد يقوم، معناه إثبات قرب القيام لا إثبات نفس القيام، فإذا قلت: ما كاد زيد يقوم، فمعناه نفي قرب القيام.
والمذهب الثاني: أن تكون (2) كاد على العكس من الأفعال الماضيّة والمستقبلة، إثباتها نفي ونفيها إثبات، كما إذا قلت: كاد زيد يخرج، فالخروج غير حاصل، وما كاد زيد يخرج، فالخروج حاصل.
والمذهب الثالث: أن تكون كاد في نفي المستقبل كالأفعال تمسّكا بقوله تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها (3) لأنّه لا يستقيم أن يكون المعنى إلّا كذلك لأنه واقع بعد قوله تعالى: يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ «3» وفي الماضي خاصة/ على العكس من الأفعال نفيا وإثباتا تمسّكا بقوله تعالى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (4) ووجه التمسّك أنّ فعل الذّبح واقع بلا شك، واللفظ منفيّ، أعني ما كاد، والجواب: أنه محمول على أنّ حالهم كانت قبل الذّبح في التعنّت حال من لم يقارب الفعل، فالإخبار عن نفي مقاربة الذّبح قبل الذّبح عند ذلك التعنّت، والإخبار عن الذّبح بعد ذلك، أي فذبحوها وما كادوا قبل ذلك يقاربون أن يفعلوا (5) وقد أخذ على ذي الرّمة من يرى أنّ كاد نفيها إثبات في قوله:(6)
إذا غيّر الهجر المحبين لم يكد
…
رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح
وهو أنه فهم من ذلك الإثبات وهو زوال رسيس الهوى، والصواب حمل البيت المذكور على الصّحة، لأنّ المعنى؛ إذا غيّر الهجر المحبين لم يقارب حبّي التغيير
(1) إيضاح المفصل، 2/ 93 وشرح الكافية، 2/ 306 والهمع، 1/ 132 وشرح الأشموني، 1/ 268.
(2)
في الأصل يكون.
(3)
من الآية 40 من سورة النور.
(4)
من الآية 71 من سورة البقرة.
(5)
إيضاح المفصل، 2/ 63 وشرح الوافية، 371.
(6)
البيت لغيلان بن عقبة المشهور بذي الرمة ورد في ديوانه، 78 وروي منسوبا له في إيضاح المفصل، 2/ 95 وشرح الوافية، 370 وشرح المفصل، 7/ 124 وشرح الأشموني، 1/ 268 ورواه الرضي في شرح الكافية، من غير نسبة، 2/ 308.