الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحضيض قوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ (1) لأنّ لولا هنا حرف تحضيض مثل هلا أي هلّا تأخير منك فتصدّق مني، وقد يرفع ما بعد الفاء إمّا على العطف كقوله تعالى: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (2) وإمّا على القطع كقول الشّاعر: (3)
ألم تسأل (4) الرّبع القواء فينطق
…
...
أي فهو ينطق، لأنه لم يجعل السؤال سببا للنطق بل جعله ينطق مع قطع النّظر عن السؤال، وللفاء بعد النفي معنيان:
أحدهما: ما تقدّم أعني مثال النفي وهو: ما تأتينا فتحدثنا أي لا إتيان فلا حديث/ لأنه إذا انتفى السّبب وهو الإتيان انتفى المسبّب وهو الحديث.
والثاني: أن يكون بانتفاء أحد الأجزاء وهو نفي الحديث وإن وقع الإتيان فكأنه يقول: كلّما أتيتني لم تحدثني أي لا يجتمع الإتيان والحديث، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم، «لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم» (5) أي لا يجتمع على أحد موت ثلاثة من الولد ومسّ النار وهو مغاير للمعنى الأول قطعا (6).
ذكر الواو الناصبة للفعل
(7)
أما الواو فتنصب الفعل بإضمار أن بشرطين: أحدهما: أن تكون الواو للجمع
(1) من الآية 10 من سورة المنافقون.
(2)
من الآية 36 من سورة المرسلات.
(3)
البيت لجميل بثينة ورد في ديوانه، 91 وعجزه:
وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
وروي البيت من غير نسبة في الكتاب، 3/ 37 وشرح المفصل، 7/ 36 - 37. وشرح الكافية، 2/ 245 - 248 والمغني، 1/ 168 واللسان سملق، وهمع الهوامع، 2/ 11 - 131. الربع: المنزل. القواء: القفر.
السملق: الأرض التي لا تنبت شيئا.
(4)
في الأصل تسل.
(5)
انظره في صحيح البخاري، 2/ 72 ومتن البخاري بحاشية السندي، 1/ 217، وإرشاد الساري، 2/ 433 والفائق للزمخشري، 1/ 144 والأمثال النبوية للغروي، 1/ 327 وانظر روح المعاني للآلوسي، 6/ 122.
(6)
شرح الوافية، 349 وإيضاح المفصل، 2/ 16.
(7)
الكافية، 417.
بين ما قبلها وما بعدها والثاني: أن يكون ما قبلها أحد الأمور المذكورة مع الفاء أعني الأمر أو النهي إلى آخرها. والعلّة في اشتراط الشرطين في الواو هي العلّة المذكورة في الفاء، والأحكام كالأحكام، لأنّ الواو والفاء للعطف ويلزم منه جعل الفعل الذي قبل الواو في تقدير المصدر، ليكون عطف الاسم على الاسم، فمثال الأمر: أكرمني وأكرمك أي فيجتمع الإكرامان (1)، ومنه قول الشّاعر (2):
فقلت ادعي وأدعو إنّ اندى
…
لصوت أن ينادي داعيان
بنصب أدعو أي ليجتمع الدّعاءان، ومثال النهي: لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن، أي لا تجمع بينهما بمعنى لا يكون منك أكل للسمك وشرب للّبن (3)، ومن ذلك (4):
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
أي لا يكن منك نهي عن شيء وإتيان ما نهيت، ومثال الاستفهام قول الشّاعر:(5)
ألم أك جاركم ويكون بيني
…
وبينكم المودّة والإخاء
(1) في شرح الوافية، 349 ليجتمع الإكرامان.
(2)
اختلف حول قائله، نسبه صاحب الكتاب، 3/ 45 إلى الأعشى، وليس في ديوانه، وفي شرح المفصل، 7/ 33 - 35 «وعزاه صاحب الكتاب - الزمخشري - إلى ربيعة بن جشم وقيل: هو للأعشى، وقيل:
للحطيئة» ونسبه صاحب الأغاني، 2/ 159 وابن بري فيما نقله العيني 3/ 307 إلى دثار بن شيبان. وروي بلا نسبة في الإنصاف، 2/ 531 وشرح شذور الذهب، 311 والمغني، 2/ 397 والهمع، 2/ 13، والأشموني، 3/ 307 وسجل الأزهري، 2/ 239 الخلاف حوله. اندى: أفعل تفضيل من الندى وهو بعد الصوت.
(3)
شرح الوافية، 350.
(4)
اختلف حول قائله فنسب للأخطل في الكتاب، 3/ 41 - 42 وشرح المفصل، 7/ 24 وورد في ملحلقات ديوان الأخطل، 397 ونسب أيضا لأبي الأسود الدؤلي في شرح الشواهد، 3/ 307 وقال: من نسبه إلى الأخطل فقد أخطأ قال وحكى أبو عبيد أنه للمتوكل الكناني وشرح التصريح، 2/ 238 وشرح شواهد المغني، 2/ 571 وورد من غير نسبة في المقتضب، 2/ 26، وشرح الكافية، 2/ 249 وشذور الذهب، 312 والمغني، 2/ 361 وشرح ابن عقيل، 4/ 15.
(5)
البيت للحطيئة ورد في ديوانه، 26 وورد منسوبا له في الكتاب، 3/ 43 وشرح الشواهد، 3/ 307 ومن غير نسبة في المقتضب، 2/ 217 وشرح ابن عقيل، 4/ 16 وشرح الأشموني، 3/ 307 وحاشية الخضري، 2/ 116.
فالمسؤول عنه اجتماع الجوار والمودّة، ومثال النفي: ما تأتيني وتحدثني، فالمنفي اجتماع الأمرين، ومثال التمني: قوله تعالى: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (1) قريء في السبعة نكذّب ونكون بالنصب (2) فيهما والمعنى تمني اجتماع الأمرين وهو الردّ وانتفاء التكذيب (3) ومثال العرض: ألا تنزل عندنا وتصيب خيرا، ومثال التحضيض: هلّا تأتيني وتكرمني، وهذا معنى الجمعيّة في كلّ واحد من الأمثلة المذكورة، ويجوز الرفع بعد هذه الواو إمّا على العطف، وإمّا على القطع والاستئناف بحسب ما قبلها (4)، وينتصب أيضا بعد الواو العاطفة بتقدير أن إذا عطفت فعلا مضارعا على اسم ليكون في تأويل الاسم فيستقيم عطفه على الاسم نحو (5):
للبس عباءة وتقرّ عيني
…
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف
بنصب تقرّ، وأمّا نحو قوله تعالى: وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ (6) في قراءة - غير (7) نافع وابن عامر - النصب (8) فإنّه قدّر معطوفا على فعل مقدّر منصوب أي لينتقم ويعلم، وعند الكوفيين أنّ الفعل المضارع إذا صرف عن جواب الشرط إلى غيره كانت الواو ناصبة (9).
(1) من الآية 27 من سورة الأنعام.
(2)
قرأ حمزة وحفص ولا نكذّب بالنصب، وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويكون بالنصب ورفعهما الباقون.
انظر الكشف، 1/ 427 والتبيان، 1/ 489 والنشر، 2/ 257.
(3)
التبيان، 1/ 489 وشرح المفصل، 7/ 25 - 26.
(4)
الكتاب، 3/ 44 - 52.
(5)
البيت لميسون بنت بحدل زوج معاوية بن أبي سفيان، ورد منسوبا إليها في المغني، 1/ 267 - 283 - 2/ 361 - 479 - 551 وشرح شذور الذهب. 314 وشرح التصريح، 2/ 244 وروي من غير نسبة في الكتاب، 3/ 45 والمقتضب، 2/ 27 والمحتسب، 1/ 326 وأمالي ابن الشجري، 1/ 280 وشرح المفصل، 7/ 25 وشرح الكافية، 2/ 250 وشرح ابن عقيل، 4/ 20 وهمع الهوامع، 2/ 17 وشرح الأشموني، 3/ 313.
(6)
من الآيتين 34 - 35 من سورة الشورى.
(7)
زيادة يستقيم بها الكلام، لأن نافعا وابن عامر قد قرآ ويعلم بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب، انظر الكشف، 2/ 251، والنشر، 2/ 367.
(8)
في الأصل بالنصب.
(9)
شرح الوافية، 351.