الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّى صَدَقَتَهَا» . قَالَ نَعَمْ. قَالَ «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا» . أطرافه 2633، 3923، 6165
38 - باب مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ
1453 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنِى ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا - رضى الله عنه - حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِى أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ
ــ
ويحك! إن شأنها شديد) لأنه ترك الوطن، ومفارقته الأصحاب والأحباب إلى دار الغربة، وقولهم: ويحك: كلمة زجر، وهذا إنما كان قبل الفتح؛ لأن بعد الفتح لا هجرة.
فإن قلت: الهجرة قبل الفتح كانت واجبة؟ قلت: كانت واجبة على أهل مكة، وهي واجبة على من لا يمكنه إظهار دينه إلى يوم القيامة. وهذا السائل كان أعرابيًّا، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ سكناه بالمدينة تشق عليه، وسأل عن قدرته على إقامة دينه، فأجابه بأنه قادر، ولذلك قال له:(اعمل من وراء البحار؛ فإن الله لن يترك من عملك شيئًا) البحار: جمع البحر والبحر البلد، وقد جاء في الحديث ذكره في هذا المعنى في البخاري وغيره، قال ابن الأثير: العرب تسمي المدن والقرى البحار، ومن لم يقف على هذا سأل، وأشكل عليه أن وراء البحار لا يسكن أحد، وتكلف في الجواب بما لا ضرورة فيه، ومعنى "لا يترك " لا ينقصك، قال تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] ويروى بسكون التاء من الترك.
باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده
1453 -
روى في الباب حديث أنس ([أن] أبا بكر كتب له فريضة الصدقة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقد سلف آنفًا بشرحه، لكن نشير إلى بعض ألفاظه. تقدم في الأبواب السَّابقة: "الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهنا قال: (فرض الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)، والتحقيق: أن لا حكم إلا الله، وإسناد أمثاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إنه مبلغ أحكامه، والواسطة بين الله وبين عباده (الجذعة) -بفتح الجيم والذال والعين- من الإبل ما كملت لها أربع سنين وطعنت في الخامسة من الجذع؛ وهو القوة، وحداثة السن، قال الجوهري:
وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَاّ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِى شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِى مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ». طرفه 1448
ــ
الجذعة: اسم لها في زمن لا ينبت فيه سن ولا يسقط، وبه سقط ما يقال: إنما سميت بذلك لسقوط أسنانها، والظاهر أنه اشتبه عليه بالدال المهملة؛ فإن الجذع سقوط الأطراف؛ كما في الحديث:"اسمعوا وأطيعوا وإن ولي عليكم عبد مجذع الأطراف".
(وعنده حقة) -بكسر الحاء- التي تمت لها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة، سميت بذلك إمَّا لأنها استحقت طروق الفحل؛ أو لأنها استحقت الركوب والحمل، والأول هو الظاهر؛ لما في بعض الروايات "حقة طروقه الجمل" وبنت لبون، وبنت مخاض، قد سبقت الإشارة إلى وجه التسوية.
فإن قلت: وضع الباب فيمن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وليس لذلك ذكر في الحديث؟ قلت: قد أشرنا مرارًا إلى أنَّ دأبه الاستدلال بما في دلالته خفاء، وقد ذكر في الحديث أن من وجبت عليه بنت لبون ولم يوجد عنده يُؤخذ منه بنت مخاض مع عشرين درهمًا جبرانًا فعلم منه حكم العكس؛ وهو أنَّ من عليه بنت مخاض ولم توجد عنده تؤخذ منه بنت لبون، ويعطى السَّاعي عشرين درهمًا جبرانًا، وكذا عكس المراتب المقدمة، يعلم من الأمثلة المذكورة فكما ينزل من الجذعة إلى الحقة فكذلك يصعد منها إلى الجذعة، فمن نسب الغفلة إلى البخاري فقد غفل عن دقة نظره، وإذا علم الصعود والنزول بدرجة يقاس عليه الأكثر.