الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ.
الثالث والعشرون:
(هل نفعت) تمامه: "لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ في ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ"، وسبق آنفًا.
* * *
52 - باب الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ
(باب: الصراط جسر جهنم)
جسر: بكسر الجيم وفتحها.
6573 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونها سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:"هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ
يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا ربُّنَا، فَإِذَا أتانَا ربُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ ربُّنَا؟ فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللهُ، فتخْطَفُ الناسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ الْمُوبِقُ، بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلنِي غَيْرَه؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ
يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ قَرِّبْني إِلَى باب الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلْنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَلَا يَزَالُ يَدْعُو، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلنِي غَيْرَه؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيُعْطِي اللهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى باب الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَوَ لَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلنِي غَيْرَه؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى حَتَّى تنقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ، فَيَقُولُ لَهُ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا.
6574 -
قَالَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثهِ حَتَّى انتهَى إِلَى قَوْلِهِ:"هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَفِظْتُ: "مِثْلُهُ مَعَهُ".
(سعيد) هو ابن المُسَيَّب.
(تُضَارُّون) بالتشديد مبني للفاعل أو المفعول؛ أي: هل تضرون
أحدًا، وهل يضركم أحد بمنازعة أو بمضايقة، وبالتخفيف: من الضير بمعنى الضر.
(كذلك)؛ أي: واضحًا جليًّا بلا مضارة، ولا يلزم منه المشابهةُ في الجهة، والمقابلةُ، وخروجُ الشعاع ونحوها؛ لأنها أمور لازمة للرؤية عادة لا عقلًا.
(الطواغيت) الشياطين، والأصنام، ورؤوس الضلال، ولفظ الشمس، والقمر، والطواغيت مكرر، وفي بعضها بلا تكرر، فيقدر: ويومئذ، وإن لم يكن شمس ولا قمر؛ أي: على هيئتهما؛ بل الشمس مكورة، والقمرُ منخسفٌ، أو أن ذكرهما على سبيل التمثيل.
(منافقوها) ظنوا أن تسترهم باختلاطهم بالمؤمنين ينفعهم حينئذ! {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13].
(فيأتيهم الله) هو من المتشابه، وفيه الطريقان: التفويض، والتأويل؛ فمن يُؤوّل قال: المراد: التجلي، وكشفُ الحجاب، وإن المراد بالصورة: الصفة، أو أن الكلام أُخرج على سبيل المطابقة. وقال بعض الأئمة: يتجلى لكلٍّ، فيراه بحسب عقيدته، فالمراد بقوله:(غير الصورة التي يعرفونها): أن ذلك للمنافقين، ومن كان يعتقده على خلاف ما هو به، وأما تجليه على ما هو به من نعوت الجلال، فهو في حق المؤمنين؛ فالاختلاف إنما هو في الرائين بحسب أحوالهم، وأما ربنا تعالى، فلا يلحقه تحوّل، ولا زوال، ولا تبدّل، ولا انتقال،
ولا تضرب له الأمثال.
وقيل: إن المراد: أن الله تعالى سيظهر لهم صورة هائلة امتحانًا لهم؛ كما قال مسلم: إن قوله: في صورة معناه: بصورة، فـ (في) بمعنى الباء؛ كما في:{يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ} [البقرة:210]؛ أي: بظُلَل.
(فيقولون: أنت ربنا) فيعرّفهم الله تعالى بخلق علم فيهم، أو بما عرفوا من وصف الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
قلت: وكان شيخنا شيخ الإسلام البُلْقِيني رحمه الله يقرر لنا في مثله عقيدة لطيفة عظيمة: وهو أنه تعالى استأثر بصفات لم يكلف بها عباده؛ فإذا تجلى لهم في تلك الصفات، أنكروه، وإذا تجلى لهم في الصفة التي تعبّدهم بها في دار التكليف، عرفوه بذلك؛ فاعلمه!
(جسر)؛ أي: ممدود على متن جهنم، أدقُّ من الشعر، وأحدُّ من السيف.
(يُجيز) من أَجَزْت الواديَ، وجُزْتُه: قطعتُه، وقيل: معناه: لا يجوز أحد على الصراط حتى يجيزه هو صلى الله عليه وسلم؛ أي: فهو يجيز الناس، أو الضمير في (يجيز) عائد إلى الله تعالى؛ أي: فأكون أولَ من يُجيزه الله تعالى.
(كلاليب) جمع كَلُّوب؛ كتنّور، ويقال فيه: كُلَّاب، كزُنَّار، وهو المنشال.
(السَّعْدَان): نبت من أفضل مراعي الإبل، له شوك عظيم من الجوانب مثل الحَسَك.
(فتخطف) بفتح الطاء وكسرها.
(الموبَق): المهلَك.
(المُخَرْدَل)؛ أي: المقطَّع بقدرِ الخردل، وقال الأصيلي: بالجيم: من الجردلة، وهي الإشراف على السقوط.
(فرغ)؛ أي: أتم الحكم بين العباد.
(أثر السجود)؛ أي: الجبهة، ويحتمل أن المراد: الأَعْظُمُ السبعةُ.
(امتحشوا) بمهملة ثم معجمة: احترقوا، وفي بعضها بالبناء للمفعول.
(الحِبّة) بكسر الحاء: بزر الرياحين.
(قشبني) بقاف ومعجمة وموحدة: آذاني، والقشب: الإصابة بكل ما يُكره ويُستقذر.
(ذَكاها) بفتح المعجمة والقصر: شدة الحر، واللهيب، والاشتعال، وقيل: بالمد أيضًا لغة.
(أَغْدَرَكَ) فعلُ تعجب من الغدر، وهو نقضُ العهد، وتركُ الوفاء.
(أشقى)؛ أي: شقيًّا، وإلا فمَنْ في جهنَم أشقى منه، أو المراد: أشقى الخلق الخارجين من النار بالإيمان.
(ضحك) مجاز عن الرضا به، وإلا فهو محال على الله تعالى.