الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
83 -
كتاب الأيمان والنُّذور
1 - قولُ اللهِ تعالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِ
يرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
(كتاب الأيمان والنذور)
اليمين: تحقيقُ ما لم يجب وجودُه بذكر اسم الله، والنذر: التزامُ المكلفِ قربةً أو صفتَها.
6621 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْر رضي الله عنه لَمْ يَكُنْ يحنَثُ فِي يَمِينٍ قَطُّ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتُ غَيْرها خَيْرًا مِنْها، إِلَّا أتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني.
الحديث الأول:
(لم يكن يحنث)؛ أي: ليس من شأنه ذلك، فلهذا ذكر الكون، ولم يقل: لم يحنث؛ لقصد المبالغة في امتناعه من ذلك.
(أنزل الله)؛ أي: قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الآية.
(وقال: لا أحلف) قيل: قال ذلك لما حلف لا يَبَرُّ مِسْطحًا في قضية الإفك.
(على يمين) ليس المراد: لا أحلف على حلف؛ بل إما على بمعنى الباء؛ أي: بيمين، وإما أن المراد باليمين: المحلوفُ عليه، أو بتقدير مضاف؛ أي: على محلوف يمين، ولهذا قال بعده:(منها)، فالضمير للخصلة المحلوف عليها فعلًا أو تركًا، أو تأنيثه مراعاة للفظ يمين.
* * *
6622 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ سَمُرَةَ! قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ ئنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فَإنَّكَ إِنْ أُوتيتَها عَنْ مَسْئَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيها، وَإِنْ أُوتيتَها مِنْ غَيْرِ مَسْئَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْها، وإذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِيِنكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ".
الثاني:
(الإمارة) بكسر الهمزة: الولاية.
(وكلت) بالتشديد والتخفيف.
فيه: كراهة سؤال ما يتعلق بحكم؛ من قضاءٍ وحِسْبةٍ ونحوِهما، وأن من سألها لا يعينه الله، فينبغي أن لا يُولى، وأن من حلف على فعل أو ترك، وكان الحنث خيرًا من التمادي عليه، استُحبَّ له الحنثُ؛ بل قد يجب، وأما تقديم الكفارة، فالسياق يرشد إلى جوازه، وبه قال مالك، والشافعي. قال: إلا في الصوم؛ فإن البدني لا يقدم على وقته؛ كالصلاة؛ بخلاف المالي؛ كتعجيل الزكاة.
* * *
6623 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أتيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحمِلُهُ، فَقَالَ:"وَاللهِ لَا أحمِلُكُم، وَمَا عِنْدِي مَا أَحمِلُكُم عَلَيْهِ"، قَالَ: ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ نلبَثَ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُرَى، فَحَمَلَنَا عَلَيْها، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا أَوْ قَالَ بَعضُنَا: وَاللهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا، أتيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَسْتحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنُذَكِّرُهُ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ:"مَا أَنَا حَمَلْتكم، بَلِ اللهُ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأرَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني، وَأتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"،
أَوْ: "أتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني".
الثالث:
(أستحمله)؛ أي: أطلبُ منه ما يحملُنا، ويحملُ أثقالنا من الإبل، وذلك في غزوة تبوك، وفيه قال تعالى:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 92].
(ثلاث ذَوْد) الذود: ثلاثة إلى عشرة من الإبل، ولا ينافي قوله هنا:(ثلاث) ما في (الجهاد) في (باب الخُمس): (خمس ذود)، وفي (غزوة تبوك):(ستة أبعرة)؛ لأن ذكر عدد لا ينفي غيره.
(غُرّ)؛ أي: بيض.
(الذُّرى) بضم الذال وكسرها: جمع ذُروة -بالكسر والضم-، وذروةُ كل شيء: أعلاه، والمراد هنا: الأسنمة.
(بلِ اللهُ حملكم) ترجم له البخاري: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]؛ بناء على مذهب أهل السُّنَّة أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وقال المازَري: معناه: إن الله تعالى أعطاني ما أحملكم عليه، ولولا ذلك، لم يكن عندي ما أحملكم.
وقال (ع): ويجوز أن يكون الله تعالى أوحى إليه أن يحملهم.
(أو أتيت) إما شكٌّ من الراوي في تقديم (أتيت) على (كَفَّرْت)، والعكس، وإما تنويع من رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارةً إلى جواز الأمرين.
* * *
6624 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أبو هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
6625 -
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللهِ لأَنْ يَلِجَّ أَحَدكم بِيَمِينهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهو عِنْدَ اللهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارتهُ الَّتي افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ".
الرابع:
(السابقون)؛ أي: المتأخرون في الدنيا، المتقدمون في القيامة، ووجهُ ذكر هذا هنا: أنه أولُ حديث في صحيفة همَّامٍ عن أبي هريرةَ، وكان همامٌ إذا روى هذا الصحيفةَ، استفتحَ بذكره، ثم يسردُ الأحاديث، فذكره الراوي أيضًا كذلك، ومر مثله في آخر (الوضوء)، وأول (الجمعة)، وغيرهما، وهذا معنى قول (ط): إن وجه إدخاله: أن يكون سمع من أبي هريرة أحاديث في أوائلها ذلك، فذكرها على الترتيب الذي سمعه.
(لأن) بفتح اللام، لأنها للقسم.
(يَلَجّ) بفتح الياء واللام وكسرها وتشديد الجيم؛ أي: يصبر ويقيم عليه، ولا يتحلل منه بالكفارة.
(آثم) بهمزة ممدودة وثاء مثلثة؛ أي: أكثر إثمًا؛ لكن أفعلَ التفضيلِ تقتضي المشاركةَ، فيمشعر بأن إعطاء الكفارة فيه آثَمُ، فيؤؤل بالحنث؛ لما فيه من عدم تعظيم اسم الله تعالى، وبينه وبين التكفير
ملازمة عادة.
وقال (ن): بني الكلام على توهم الحالف بأنه يتوهم أن عليه إثمًا في الحنث، ولهذا يلجُّ في التحلل بالكفارة، فقال صلى الله عليه وسلم:[الإثم] في اللجاج أكثر لو ثبت الإثم. ومعنى الحديث: أنه إذا حلف يمينًا تتعلق بأهله، ويتضررون بعدم حنثه فيه، وليس في الحنث معصية، ينبغي له أن يحنث، ويكفِّر، فإن قال: لا أحنثُ، وأخاف الإثمَ فيه، فهو مخطئ؛ بل استمرارُه في إدامة الضرر على أهله أكثر إثمًا من الحنث، ولا بد من تنزيله على ما لم يكن الحنثُ فيه معصيةً؛ إذ لا يجوز الحنث في المعاصي.
* * *
6626 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ يَعْنِي بْنَ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ صَالحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ استَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهْوَ أَعْظَمُ إِثْمًا، لِيَبَرَّ". يَعْنِي الْكَفَّارَةَ.
الخامس:
(إسحاق) قال الغساني: يشبه أن يكون ابنَ منصور.
(استلج) بالجيم: استفعل من اللجاج، ومعناه: أنه يحلف على شيء، ويرى أن غيره خير منه، فيتم على يمينه، ولا يحنث، ويكفِّر، فذلك آثم له.
وقيل: هو أن يرى أنه صادق فيها، فيلجُّ، ولا يكفِّرها.
ويروى: (استلجج) بفك الإدغام، وهي لغة قريش يظهرون مع الجزم.
(ليس تعني الكفارة) قال القرطبي: ضبط في بعض الأُمهات بتاء مضمومة وغين معجمة، وليس بشيء، ووجدناه في الأصل المعتمد عليه بمثناة مفتوحة وعين مهملة، وعليه علامة الأصيلي، وفيه بُعد، ووجدناه في أصل بياء؛ أي: مفتوحة، وهي أقرب، وعند ابن السكن: يعني ليس الكفارة، بتقديم يعني، وهذا عندي أشبهها، على أن ليس استثناء بمعنى إلا؛ أي إذا ألَجَّ في يمينه، كان أعظم، إلا أن يكفّر.
وقال أبو الفرج: قوله: (ليس يعني الكفارة)، كأنه إشارة إلى أن إثمه في قصده أن لا يبر، ولا يفعل الخير، فلو كَفّر، لم ترفع الكفارةُ سبقَ ذلك القصد، وبعضهم بفتح نون (يعني)، والمعنى: يترك؛ كما قال عثمان: أعنها عنا؛ أي: اصرفْها واتركْها، فيكون المعنى: لا ينبغي أن يترك.
وقال (ك): وفي بعضها: (ليبر)، بلفظ أمر الغائب، قال: والأولى؛ أي: رواية فتح الياء وسكون المهملة، وكسر النون أَولى؛ إذ هو تفسير لاستلجّ؛ يعني الاستلجاج هو عدم عناية الكفارة وإرادتها، وأما المفضل عليه، فهو محذوف؛ أي: أعظمُ من الحنث. قال: وصَحَّفه بعضُهم، فقال: هو بإعجام العين، والجملة استئناف، أو صفة