الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الطَّحَاوِي: هو استعارةٌ عن تحكُّمه فيه، وانقياده له، وقال التُّوْرِبِشْتي: يحتمل أنه ملأَ سمعه بالأباطيل، فأحدَث في أذُنه وَقْرًا عن استماع دعوة الحقِّ، وخصَّ الأذُن بالذِّكْر وإنْ كانت العين في النَّوم أنسَبَ إشارةً إلى ثِقَل النَّوم؟ فإن المَسامِع هي موارد الانتباه، وخصَّ البول؛ لأنه أسهَلُ في الدُّخول في التجاويف، وأسرعُ نُفوذًا في العُروق، فيُورِثُ الكسَل في جميع الأعضاء.
* * *
14 - بابُ الدُّعَاء وَالصَّلَاةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ
وَقَالَ: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} ؛ أَيْ: مَا يَنَامُونَ، {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} .
(باب الدُّعاء والصلاة مِن آخر اللَّيل)
(يهجعون)؛ أي: يَنامون، و (ما) إما زائدةٌ، و (قليلًا) ظرفٌ، أو صفةٌ لمصدر، أي: هُجوعًا قليلًا، أو مصدريةٌ، أو موصولةٌ، أي: كانوا قليلًا من اللَّيل، أي: هجوعهم، أو ما يَهجعون فيه، وارتفاعه بـ (قليلًا) على الفاعلية.
* * *
1145 -
حَدَّثَنا عَبدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَن ابنِ شِهَابٍ،
عَن أَبِي سَلَمَةَ، وأَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَن أَبِي هُريرةَ رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَنْزِلُ رَبنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُوني فَأسْتَجيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ".
(عن أبي عبد الله الأغر) كنَّاه احترازًا عن أبي مُسلِم الأَغَرِّ، يرويان عن أبي هريرة.
قال الغَسَّانِي: ومنهم مَنْ جعلهما كذلك واحدًا.
(ينزل) هو من المُتشابه، بفتح أوَّله لتنزُّهه تعالى عن الحرَكة، وما يليق بالأجْسام، وفيه الطَّريقان: التَّفويض مع التَّنزيه، والتَّأويل.
قال (خ): ولما سُئل عن ذلك ابن المُبارك قال بالفارسيَّة: ينزل كما يشاء، فقيل: يَنزل أمرُه، أو ملائكتُه، قيل: استعارةٌ، أي: التلطُّف بالدَّاعِين والإجابة لهم، وقال: البَيْضَاوي: المراد دُنوُّ رحمته، وقد رُوي:"يَهبِطُ من السَّماء العُليا إلى السَّماء الدنيا"، أي: ينتقل من صفات الجلال التي تقتضي الأنَفة من الأَراذل، وقَهْر الأعداء، والانتقام من العُصاة إلى مقتضى الإكرام للرأْفة والرَّحمة والعفْو، وقيل: إنما هو (يُنزَل) بضمِّ أوله، فمفعوله محذوف، أي: يُنزِل ملَكًا، ورواية الحذْف يُحمل عليها على حذْف مضاف كما سبق، نحو:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، ويؤيِّده رواية النَّسائي:(أمَرَ اللهُ ملَكًا يُنادي).
قال في "المُفهِم": وبه يرتفع الإشكال.
قال (ش): لكن في ابن حِبَّان: "يَنزِلُ اللهُ إلى سَماءِ الدُّنيا، فيقول: لا أَساَلُ عن عبادي غَيري".
تبارك وتعالى ما أحسَن الاعتراض بها بين الجُملتين؛ لدلالتها على التَّنزيه في مقام إسنادِ ما لا يَليقُ إسنادُه حقيقة.
(الآخر) بالرَّفع صفةٌ لـ (ثلُث)، والتَّخصيص بهذا الثُّلُث؛ لأنه وقْتُ التعرُّض لنفَحات رحمة الله تعالى، وزمانُ عبادة المخلصين، ففيه أن آخِر الليل أفضلُ للدُّعاء والاستغفار، قال تعالى:{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17].
(من يدعوني) إلى آخر الثَّلاثة، إما أنها بمعنًى واحدٍ، فذكَرها للتوكيد، وإما لأن المَطلوب رفْعُ ما لا يُلائم، أو جَلْب المُلائم، وهذا إما دنيويٌّ أو دينيٌّ، فأشير بالاستغفار للأوَّل، وبالسُّؤال للثَّاني، وبالدُّعاء للثالث، وإما أن السؤال فيه طلَب، والدُّعاء ما لا طلَب فيه نحو: يا الله، يا رحمن.
(فاستجيب) قال أبو البقاء: الجيِّد نَصْب هذه الأفعال في جواب الاستفهام نحو: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} [الأعراف: 53]، أو يجوز الرفْع على تقدير مبتدأ، أي: فأنا أُعطِيه.
* * *