الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن تسمية الغني من جملة التَّرجمة، ولم يذكر فيما ذكره ما يدلُّ عليها، إما لأنَّه لم يجدْه على شَرطه كحديث "المصابيح" للبغَوي مرفوعًا:"مَن سأل وعندَهُ ما يُغْنيه؛ فإنما يَستكثِر من النَّار"، قالوا: يَا رسول الله! وما يُغنيه؟، قال:"قَدْر ما يُغدِّيه ويُعشِّيه"، وفي أخرى:"شِبَعُ يومٍ وليلةٍ"، وفي أُخرى:"خمسون دِرْهمًا، أو قيمتُها"، وفي أخرى:"أُوقيَّةٌ، أو عَدْلها"، ويحتمل أن ذلك يُستفاد من لفظ:(غنًى يُغنيه)؛ فإنَّ معناه شيئًا يقَع موقعًا من حاجته، فمَن له ذلك فهو الغنيُّ.
* * *
54 - بابُ خَرْصِ التَّمْرِ
(باب خَرْص التَّمْر)
1481 -
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ:"اخْرُصُوا"، وَخَرَصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا:"أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا"، فَلَمَّا أتيْنَا تبوكَ قَالَ:"أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ"، فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلقَتْهُ بِجَبَلِ
طَيِّيءٍ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ، فَلَمَّا أَتى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ: كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ؟ "، قَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ"، فَلَمَّا -قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كلِمَةً مَعْنَاهَا- أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: "هَذِهِ طَابَةُ"، فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ: "هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ" قَالُوا: بَلَى، قَالَ:"دُورُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ، أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَج، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ يَعْنِي خَيْرًا".
1482 -
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو:"ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ".
1482 / -م - وَقَالَ سُلَيْمَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبَّاس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهْوَ حَدِيقَةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يَقُلْ: حَدِيقَةٌ.
(تَبُوك) بفتح المثنَّاة فوق، وخِفَّة الموحَّدة المضمومة، والكاف، غير منصرفٍ: بينها وبين المدينة أربع عشرة مرحلةً من طرَف الشَّام.
(إذا امرأة) قال ابن مالك: سوَّغ الابتداءَ بالنَّكِرة الاعتمادُ على (إذا) الفُجائية، فمتى كانتْ قرينةٌ صحَّ الابتداء.
(اخرَصوا) بفتح الراء، والخَرْص بفتح الخاء: حَزْرُ التَّمْر، مِنَ الخَرْص، وهو الظَّنُّ؛ لأن الخَرْص يُقدَّر بظَنٍّ.
(أحصي)؛ أي: عُدِّيه، واحفَظي قدْره.
(أما) بتخفيف الميم.
(إنها) بكسر (1) الهمزة إنْ جُعلت (أمَا) استفتاحيةً، وبفتحها إنْ جُعلتْ بمعنى حقًّا.
(فليعقله)؛ أي: يشُدُّه بعِقَال.
(فعقلناها) ويُروى: (ففَعلْنا).
(بجبل طيءٍ) في بعضها: (بجبلَي)، أي: وهما: أَجَاء -بفتح الهمزة، والجيم، والمدِّ- وسَلْمى.
(ملك أيلة) بفتح الهمزة، وسكون المثنَّاة تحت، وباللام: قَلْعةٌ على ساحِل البحْر، آخرَ الحجاز، وأوَّل الشَّام، واسم المَلِك: يُوحَنَّا بن رُوْبَة؛ قاله الحَرْبي في "كتاب الهدايا"، نعَمْ، في "مسلم": جاءَ رسولُ ابنُ العَلْمَاء صاحب أَيْلَة، يُستفاد منه أنَّ العَلْماء أُمُّه، وذاك اسمه، واسم البَغْلة: دُلْدُل، وذلك سنة تسْعٍ، أما البغلة التي كان عليها في حُنَين، ويقال لها: النَّدى، فأهداها له فَرْوة بن نعامَة الجُذَامي كما في "مسلم".
(1) في الأصل: "بفتح"، والمثبت من "ف" و"ب".
(وكساه)؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم كسَى ملِكَ أَيْلَة.
(ببحرهم)؛ أي: بأرضهم وبلْدتهم، تقول العرب: هذه بَحريُّنا، وفي بعضها:(ببحْرتهم)، كأنه صلى الله عليه وسلم أقطعه ذلك، وفوَّض إليه حُكومته.
(جاء حديقتك)؛ أي: قدْر ثَمَر حديقتك.
(عشرة) نصب بنَزْع الخافض، أي: جاءَت، بمقدار كذا، أو خبر (جاء) بإجرائها مَجرى كان.
قال (ش): وجوَّز بعضهم أن يكون حالًا.
(خَرْص) منصوبٌ بدلٌ من عشَرة، أو بيانٌ، وجاء الرفْع فيهما، أي؛ الحاصل عشرة، أو ثمرتها، وجاء الرَّفع في خَرْص خبرَ مبتدأ محذوفٍ، ورُوي بالفتح مصدرًا، وبالكسر اسمًا.
(فلما) هو مِن قَول ابن بكَّار.
(قال ابن بكار) هو مَقول البُخَارِيّ.
(طابة)؛ أي: المدينة، فهو من أسمائها كطَيْبة غير منصرفٍ للعلَمية والتأنيث، بمعنى الطَّيِّبة، وكان اسمها يَثْرِب، فسماها صلى الله عليه وسلم بذلك.
(يحبنا ونحبه) قيل: على حَذْف مضافٍ، أي: يُحبُّنا أهلُه ونحبُّه، وأهلُه الْأَنصار سكَّان المدينة، أو على المجاز، أي: نفْرح برُؤيته وقُربه منا، ويَفْرح هو بنا لو كان ممن يَعقل، وقيل: بل حقيقةٌ، جعَل الله فيه إدراكًا ومحبَّةً كما في تَسبيح الحصَا، وحَنيْن الجِذْع، وثبَت أنَّه صلى الله عليه وسلم كلَّمه، فقال:"اُثْبُت أُحُد، فليس عليكَ إلَّا نبيٌّ، أو شهيدٌ".