الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - بابُ فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ، وَقَالَ اللهُ عز وجل:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}
(باب فَضْل مَن ماتَ له ولَدٌ فاحتَسَب)؛ أي: صبَر راضيًا بقَضاء الله راجيًا رحمتَه وغُفرانه، وما أَورده من الحديث وإن لم يُصرَّح فيه بالاحتساب؛ لكنَّه معلومٌ من مواضع كثيرةٍ من خارج.
1248 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ".
الحديث الأول:
(من مسلم)، (مِنْ) زائدةٌ، بخلاف (مِن) في قوله:(من الناس) فإنها للبَيان، أو التبعيض، وعكَسَه (ش)، وفيه نظَرٌ، وسيأتي آخر (الجنائز) توضيح ذلك، وهي:(ما من الناس مسلم يموت له ثلاثةٌ).
(يُتوفى) بضمِّ أوله مبنيًّا للمفعول.
(ثلاثة)؛ أي: ثلاثةُ أولاد، وفي بعضها:(ثلاث)؛ لكون المُميِّز محذوفًا، فيجوز الأمران.
(إياهم) الظَّاهر أنه عائدٌ على الرَّجل لكونه عامًّا؛ لأنه نَكِرةٌ في نفْىٍ، لا على الأولاد.
* * *
1250 -
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ.
(وقال شريك) وصلَه ابن أبي شَيبة.
(ابن الأصبهاني)؛ أي: عبد الرَّحمن بن عبد الله، والأصبهاني: بكسر الهمزة وفتحها، وبالفاء وبالموحَّدة، وفي بعضها بدون لفظ:(ابن).
(أبو صالح) ذَكْوان.
(لم يبلغوا الحنث)؛ أي: فَزَادَها أبو هُريرة على رواية سعيد، ومعناه: لم يَبلُغوا أن يُكتَب عليهم الحِنْث، وهو الإثْم، وقال الرَّاغِب: عبَّر بالحِنْث عن البُلوغ لما كان الإنسانُ يُؤخذ بما يَرتكبه فيه بخلاف ما قبلَه، وإنَّما لم يقُل: يَبلُغوا الثَّواب، لأنَّ الثَّواب قد يحصُل للصغير، ثم قيل: إنما قيَّد بذلك، لأنَّ الصَّغير حبُّه أَشدُّ، والمشقَّة عليه أعظم، ولهذا مُنِعَ من التَّفريق بين الأُمِّ والولَد، حتى يُميِّز، وقيل: حتى يَبلُغ.
* * *
1249 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا. فَوَعَظَهُنَّ، وَقَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ
كَانُوا حِجَابًا مِنَ النَّارِ"، قَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَانِ؟، قَالَ: "وَاثْنَانِ".
الحديث الثاني:
(كن)؛ أي: الأَولاد، وأنَّث الضَّمير، ولم يقُل: كانوا؛ لكون الأطفال كالنِّساء في نقْص العقل، والمراد: كان النِّساءُ محجوباتٍ.
(فقالت امرأة: واثنان)؛ أي: وإنْ مات لها اثنان؟ ففيه استفهامٌ مقدَّرٌ.
قال (ك): إنه عطفٌ على (ثلاثةٌ)، ويسمى مثلُه: العَطْف التَّلْقيني، أي: قُل: واثنان، ومرَّ الحديث في (كتاب العِلْم) في (باب: هل يَجعل للنِّساء يومًا؟)، وهذه المرأة هي أم مُبَشِّر، قاله ابن بَشْكُوال في حديث جابر.
قال: وقيل: أُمُّ هانِئ، وفي "فوائد ابن أبي مُرَّةَ": أنَّ أُمَّ سُلَيم سألتْ عن ذلك، وأُجيبتْ.
قال (ط): يحتمل أنه لمَّا قالت المرأة: واثنان؟، نزَلَ الوحي بأن يُجيبها بقوله:(واثنان)، ولا يمتنع أن يكون ذلك في طَرْفة عينٍ.
قال: وفيه أنَّ أولاد المسلمين في الجنَّة بخلاف مَن قال: الأَطفال في المَشيئة.
* * *
1251 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} .
الثالث:
(فيلج) قال (ط): بالنَّصب جوابًا للنَّفي بالفاء، ومنَعَ الطِّيْبِيُّ ذلك؛ لأنَّ شَرْطه السَّببيَّة، وليس مَوت الأَولاد ولا عَدَمه سبَبًا لوُلوجهم النَّار، فالفاء بمعنى واو المعيَّة، أي: لا يجتمع الأَمران، فإنْ كانت الرِّواية بالنَّصْب فلا مَحيْد عن ذلك، أو بالرفع فالمعنى: لا يُوجد الوُلوجُ عَقِبَ الموت إلا مِقدارًا يَسيرًا، ومعنى التَّعقيب هنا كمعنى المُضِيِّ في:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44] في أنَّ ما سيكونُ بمنزلة الكائن، انتهى.
وقال ابن الحَاجِب ما معناه: أنه ليس مثْل: (ما تأْتينا فتُحدِّثُنا) إذا كان المعنى أن الإتيان سببٌ للتَّحديث؛ لأنَّه يُؤدي إلى عكْس المقصود؛ إذْ يصير المعنى: إن مَوتَ الأولاد سببٌ لوُلوج النَّار، فإنْ حُمل على معنى: إنَّك لا تأْتينا فتُعقِّبَ إتيانَك بحديثك استقامَ؛ إذ يصير المعنى: لا يكون عَقيبَ موت الأولاد مَسُّ النار، بل دُخول الجنَّة؛ إذ لا مَنزلة بين الجنة والنار في الآخرة.
(إلا تحلة القسم) قال (ط): المراد به تَقليل مُكْث الشَّيء، شبَّهوه بتحليل القسَم.
قال الجَوْهَرِي: التَّحليل ضِدُّ التَّحريم، تقول: حلَّلته تحليلًا،
وتَحِلَّةَ، وتقول: فعلتُه تَحِلَّةَ القَسَم، أي: لم أفعَلْ إلا بقَدْر ما حلَّلت به يميني، ولم أُبالِغ، وفي الحديث:"إلا تَحِلَّةَ القَسَم"، أي: قدْر مَا يُبِرُّ اللهُ قسَمَه فيه بقوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} [مريم: 71].
وقال (خ): إن ذلك تأويلُ الآية، أي: لا يدخُل النَّار ليُعاقَب بها، ولكنْ يجوز عليها، فلا يكون ذلك إلا بقَدْر ما يُبِرُّ الله قسَمَه، والقسَم مضمرٌ، كأنه قال: وإنْ منكم والله إلا واردُها، وقيل: مردودٌ إلى قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: 68]، وقال الطِّيْبِي: هو مثَلٌ في القَليل المُفرِط في القِلَّة، ولعلَّ المراد بالقسَم: ما دلَّ على القَطْع والبَتِّ من الكلام؛ لتَذْييله بقوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71]، ولفظ:(كان)، و (على)، والحتْم، والقَضاء يدلُّ عليه.
قال (ك): ففيه حينئذٍ أربعة أوجهٍ: القسَم مقدَّرٌ، وملفوظٌ به، وحكم القسَم في القَطْع به، وحُكْمه في حُصول القَصْد منه بالقَليل.
قال: كما أن في: (ما تأْتينا فتُحدِّثُنا)، أربعة أوجهٍ: وجْهان على تقدير الفاء سببيةً الناصبة: نفْي التَّحديث فقط، أو نفْي الإتيان والتَّحديث كليهما، ووجْهان على الرفع العطف على (تأْتينا) فالتَّحديث منتفٍ، أو على (ما تأتينا) فالتحديث ثابثٌ.
* * *