الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقِّ العُبودية، فهو أمارةٌ، وتبيَّن لهم أن كُلًّا مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له، وأن عمَله في العاجل دليلٌ لما في الآجِل، فلذلك تَمثَّل بآية:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} [الليل: 5]، ونظيره الرِّزق المَقسوم مع الأَمْر بالكَسْب، والأجَل المضْروب مع الطِّبِّ، فالباطن على موجبه، والظاهر سببٌ مخيل، ولم يُترك الظاهر للباطن.
قال (ك): فالمدْح والذمُّ، والثَّواب والعقاب باعتبار المَحلِّية لا باعتبار الفاعليَّة، وهو المراد بالكسْب المَشهور عن الأشاعرة.
قال (ن): في الحديث إثبات القَدَر في جميع الواقِعات: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23]، وأنَّ سِرَّ القدَر ينكشف بدخول الجنة والنار، لا قَبْلَ ذلك.
* * *
83 - بابُ مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ
(باب ما جاءَ في قاتِل النَّفْس)
1363 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كمَا قَالَ، وَمَنْ قتلَ نَفْسَهُ
بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ".
الحديث الأول:
(فهو كما قال)؛ أي: يكون على غير مِلَّةِ الإسلام، وهذا على ظاهره إنَّ قَصَدَه إذا وقَع المَحلُوف عليه؛ لأنَّ مُريد الكفر كافرٌ، وإلا فلا، فإنْ قصَد البُعد عن ذلك كبُعده من هذا فيكون هذا اللَّفظ من الزَّجْر والتَّغليظ في كونه لا يتلفَّظ به، فلو قال: إنْ فعَل كذا فهو يهوديٌّ لم تنعقد يمينه، بل عليه أن يستغفر الله، ويقول: لا إلله إلا الله، والكفَّارة سواءٌ فعلَه أو لا، عزَاه (ك) إلى (ن)، وهو قُصورٌ، ثم قال: فيه مجالٌ للمُناقشة؛ لقول الفُقهاء: لو علَّق تَرك الإسلام بمثْل دُخول زيدٍ يَكفُر في الحال.
قلتُ: هذا عجيبٌ، فإنَّ مَوضع المسألة حيثُ لم يقصد تعليقَه الكُفر به لا سيَّما وقد ورَد الحديث الصَّحيح صريحًا في ذلك.
(بها)؛ أي: بالحَديدة، ففيه أن الجزاءَ من جِنْس العمَل.
* * *
1364 -
وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ رضي الله عنه فِي هَذَا الْمَسْجدِ فَمَا نَسِينَا، وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كان بِرَجلٍ جِرَاحٌ قَتَلَ نَفسَهُ، فقالَ اللهُ: بَدَرَني عَبْدِي بِنَفسِهِ، حرَّمْتُ عَلَيهِ الجَنَّةَ.
الحديث الثاني:
(وقال حجاج) وصلَه البخاري بأتمَّ من ذلك في (باب: ذكْر بني إسرائيل) فقال: (حدثنا محمد، ثنا حجَّاج).
(هذا المسجد) الظاهر أنه مسجد البَصْرة، وذِكْره، وذِكْر عدَم النِّسيان، والخوف؛ للتأْكيد والتخفيف.
(جِراح) بكسر الجيم، وفي بعضها بضمِّ المعجَمة، وتخفيف الرَّاء: ما يَخرج في البدَن من القُروح.
(فقتل نفسه)؛ أي: بسبَب فعْله في الجِراح، والجملة صفةٌ، وفي بعضها:(فقُتل).
(بدرني)؛ أي: لم يَصبِر حتى أَقبضَ رُوحَه، بل استعجَل وأراد أن يموت قبل الأجَل.
(حرمت عليه) مُؤَوَّل بالمُستحِلِّ، أو حرَّمها عليه قبل أن يُعذِّبه بالكبيرة، أو حرَّم عليه جنةً خاصةً؛ لأن الجنان كثيرةٌ، أو هو من باب التَّغليظ، أو أن هذا جزاؤُه، وقد يُعفى عنه، أو هو مقدَّرٌ بمشيئة الله.
قلت: الأخير لا يُخلِّص في الجواب عن كون العاصي المؤمن لا بُدَّ له من الجنَّة.