الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُؤدِّيها عنه إحسانًا إليه، وبِرًّا به.
قال (ك): وقيل: إنَّ معناه: سيتصدَّق بها ومثلِها معها كرَمًا، وقيل: المعنى: فأموالُه عليه كالصَّدَقة؛ لأنه استَدانَ في مُفاداة نفْسه وعَقِيْل، فصار من الغارِمين الذين لا زكاةَ عليهم، وقيل: القِصَّة في صدَقة التطوُّع.
وقال (ط): اختُلف في المراد بالرِّقاب، فقال مالك: تُشترى رقابٌ وتُعْتَق، وقال أبو حنيفة، والشافعي: يُصرَف للمكاتبين؛ لأنه عبَّر في غيرهم بما يقتضي التَّمليك، فكذلك الرِّقاب، وأيضًا فقد جمَع اللهُ كلَّ اثنين متقارِبين في المعنى كالفقير والمسكين، وكالعاملين والمؤلَّفة؛ لما فيها من المُعاوَنة، وكابن السَّبيل وسبيل الله؛ لاشتراكهما في قطْع المسافة، والرِّقاب والغارِمين؛ لأن كُلًّا منهما عليه دَينٌ، وقال مالك: لو أريد ذلك لاكتفَى بالغارمين.
واختُلف في (سبيل الله)، فقال الأكثر: الغُزاة؛ لأنه حيثُما أُطلق سبيل الله فالمراد الجهاد، وسبق ما قاله ابن عبَّاس.
* * *
50 - بابُ الاِسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ
(باب الاستِعفاف عَن المَسأَلة)
1469 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه إنَّ ناَسًا مِنَ الأَنْصَارِ سأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ:"مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وما أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْر".
الحديث الأول:
(نفد) بكسر الفاء، أي: فَنِيَ.
(ما يكون)، (ما) موصولةٌ متضمِّنةٌ معنى الشرط.
(أدخره) أجعلُه ذَخيرةً لغيركم، وهو بإهمال الدال في الفَصيح، وجاء بإعجامها مُدغمًا، وغير مدغمٍ.
(عطاء)؛ أي: يُعطي، أو شيئًا من العَطاء، وهو المفعول الثاني لـ (أَعطَى).
(خيرًا) بالنَّصب صفةٌ، وبالرفع خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هو خيرٌ، (وأوسع) عطفٌ عليه، فأعطاهم صلى الله عليه وسلم لحاجتهم، ثم نبَّههم على موضع الفَضيلة.
فيه الحَثُّ على الصَّبر على ضِيْق العيش وغيره من المَكارِه، وأن الغنى والعِفَّة والصبر بيد الله.
قال الطِّيْبِي: مَن عَفَّ لكنْ إن أُعطيَ شيئًا لم يَرُدَّه؛ يملأُ الله قلبَه
غنًى، ومَن فاز بالقدَح المُعلَّى وتصبَّر، وإن أُعطي لم يَقبلْ؛ فهو هو؛ إذ الصبر جامعٌ لمكارم الأخلاق.
* * *
1470 -
حدثنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا مالِكٌ، عن أبي الزِّنادِ، عنِ الأَعْرَجِ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ".
الثاني:
(خير له) لأنه إن أعطاه ففيه ثِقَل المِنَّة، وذلُّ السُّؤال، وإنْ منعه فذُلٌّ وخَيْبةٌ، وكان السلف إذا سقَطَ سَوطُ أحدهم لا يسأل مَن يُناوله.
وفيه التحريض على الأكْل من عمَل اليد، والاكتسابِ من المباحات.
* * *
1471 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ".
الثالث:
(لأن) إما لام الابتداء، أو جواب قسمٍ محذوفٍ.
(حُزْمة) بضمِّ المهملة، وسكون الزاي.
(فيكف)(1) أي: فيمنع الله بها وجْهَه من أن يُريق ماءَه بالسُّؤال من الناس، فهو إنْ لم يجد من الحِرَف إلا الاحتطابَ فهو مع ما فيه من الامتهان خيرٌ من المَسأَلة.
* * *
1472 -
وَحَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ:"يَا حَكِيمُ! إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"، قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكِيمًا إلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّيَ.
(1)"فيكف" ليس في الأصل، وفي "ف":"فكيف"، والمثبت من "ب".
الرابع:
(خضرة)؛ أي: رَوْضةٌ خَضْراء، أو شجرةٌ ناعمةٌ، وسبق في تأنيثه وتأنيث (حلوة) -أي: مُستحلاةٌ- أَوجهٌ، وجمع بينهما حُسن المنظَر، وحلاوة الطَّعم.
(بسخاوة)؛ أي: بطِيْب (نفس) من غير حرصٍ عليه، قال (خ): أي: أخذَه ليُنفقه ويتصدَّق به، وأصل السَّخاوة: السُّهولة والسَّعَة.
قال (ع): فيحتمل عَوده للأخْذ بلا حرصٍ وطمَعٍ، وإلى الدَّافع، أي: بانشِراحٍ وطيب نفْسٍ.
(بإشراف)؛ أي: بتعرُّضٍ له، واطلاعٍ عليه، والإشراف على الشيء الاطلاع عليه، ومنه الشَّرَف وهو العُلوُّ.
(كالذي)؛ أي: لذي الجُوع الكاذب، ويسمَّى جُوع الكلب كلما ازدادَ أكلًا ازداد جُوعًا.
(واليد العليا) سبق بيانه في (باب: لا صدقةَ إلَّا عن ظَهْر غنًى).
(أرزأ) بتقديم الراء على الزاي المفتوحة، ثم همز، أي: نقص، قاله الجَوْهَرِيّ، ومعناه: أُصيبُ، يقال: رزَأْتُه، أي: أَصبْتُه منه.
(بعدك)؛ أي: بعد سُؤالك، أو لا أرزأُ غيرَك، وامتناعه من الأخذ مطلقًا مع أنَّه بسَعة الصَّدر وعدَم الإسراف مبارك = مبالغةٌ في التحرُّز؛ إذ مقتضى الجِبلَّة الإسراف والحِرْص، ومَن حامَ حول الحِمَى يُوشك أن يقَع فيه.