الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزُّهْريُّ: أخبرني أنسُ بنُ مالِكٍ أنَّ المُسْلِمِين بَيْنَا هُمْ في الْفَجْرِ يَوْمَ الاِثْنَينِ، وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يُصَلِّي بِهِمْ، فَفَجَأَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فتبسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّلَاةِ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا في صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَوْهُ، فأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِي ذَلِكَ الْيَوْمَ.
(ففجأهم) بفتح الجيم، وكسرها، أي: فاجأَهم.
(نكص) بالصَّاد، أو بالسِّين المُهملَتين، أي: رجَع، أي: إلى وَراء بحيث لم يَستدبِر القِبْلةَ.
(أن أتموا)، (أنْ) تَفسيريَّةٌ خلافًا لقول (ك): أي التقدير: بالإتمام؛ أي: فتكون مصدرية.
* * *
7 - بابٌ إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا في الصَّلَاةِ
1206 -
وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَادَتِ امْرَأةٌ ابْنَهَا، وَهْوَ في صَوْمَعَةٍ قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ! قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي،
قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ! قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ! قَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، قَالَتِ: اللهُمَّ لَا يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ في وَجْهِ الْمَيَامِيسِ، وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ، فَوَلَدَتْ، فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، نزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، قَالَ جُرَيْجٌ: أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا لِي؟ قَالَ: يَا بَابُوسُ! مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: رَاعِيِ الْغَنَمِ".
(باب إذا دَعَتِ الأُمُّ ولَدَها في الصَّلاة)
(وقال الليث) وصلَه الإِسْمَاعِيْلي، وأبو نُعَيْم، وغيرهما.
(صومعته) بفتح الميم: فَوْعَلَتُه؛ من صَمَعتُ: إذا وَقَفْتَ؛ لأنها دَقيقة الرَّأْس.
(جريج): بضمِّ الجيم، ثم راءٍ مفتوحةٍ، ثم مثنَّاةٍ ساكنةٍ، ثم جيمٍ.
(أمي وصلاتي)؛ أي: اجتمَع إجابةُ أُمِّي وإتْمامُ صَلاتي، فوفِّقْني يا رَبِّ لأَيِّهما أُقَدِّم.
(لا يموت) نفيٌ بمعنى الدُّعاء.
(المواميس) جمع مُوْمِسَة، أي: فاجِرَةٌ مُتجَاهِرةٌ به، أو البَغِيُّ، وقد يُجمَع على مَيَامِيْس، والمحدِّثون يقولون: مَيَامِيْس.
(يا بَابُوسُ) بموحَّدتين ثانيتُهما مضمومةٌ، بوزْن فَاعُول: اسمٌ للولَد الرَّضِيع.
قال (ط): إنه بالفارسيَّة كقول الشاعر:
حَنَّتْ قَلُوصِي إِلى بَابُوسِها جَزَعًا
وآخرُه مضمومٌ؛ لأنه مُنادَى مَعرِفةٌ، فإنْ صحَّتْ رواية كسْر السِّين تكون مُنادى مضافٌ لـ (بُوْس)، أي: يا أَبا الشِّدَّة.
قال (ن): فيه أنَّه آثَر الصَّلاة على إجابة الأُمِّ فاستَجاب الله تعالى، فدلَّ أن الأفضلَ كان إجابتُها؛ لأن الاستمرار في صلاة النَّفْل تطوُّعٌ، وإجابةُ الأُمِّ من البِرِّ الواجب، وكان يُمكنُه أن يُخفِّف ويُجيبها، ولعلَّه خَشي أن تَدعُوَه إلى مُفارقة صَومعته، والعَود إلى الدُّنيا وتعلُّقاتها.
وفيه عِظَمُ بِرِّ الوالدَين وأنَّ دُعاءَهما مُجابٌ، والبِداءَة بالأَهمِّ في الأُمور إذا تعارضَتْ، وأن الله يَجعل لأوليائه مَخارِج عند ابتلائهم غالبًا، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وقد لا يَجعَل تهذيبًا لهم ولُطفًا، وإثباتُ كرامات الأَولياء.
وقال (ط): يُمكن أن يكون نبَيًّا، فيكون ذلك معجزةً، وأنه لم يكن الكلام في الصلاة مَمنوعًا في شريعته، فلمَّا لم يُجب استُجيب دعاؤها، وفي شَرْعنا لا يجوز قَطْع الصلاة لإجابة الأُمِّ؛ إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في مَعصية الخالِق، ثم إنَّ الله تعالى عاقَبَ جُرَيجًا على تَرْك الإجابة بما ابتَلاه به، ثم تفضَّل عليه بما آثَر من التِزام الخشوع، فجعَل له آيةً من كلام الطِّفْل، فخلَّصَه.
* * *