الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
24 -
كِتابُ الزَّكَاةِ
1 - باب وُجُوبِ الزَّكَاةِ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ رضي الله عنه، فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَأْمُرُناَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ.
(كتاب الزَّكاة)
هي لغةً: النَّماء، والتَّطهير، فالمال يُنمَّى بها من حيث لا يُرى، أو ينمِّي أجرَها عند الله، وهي مُطهِّرةٌ لمؤدِّيها من الذُّنوب، وهي مشتركةٌ بين العين المُخرَجة وبين المعنَى، وهو الإخراج، وتسمَّى صدقةً لتَصديق صاحبها في صِحَّة إيمانه.
والغرَض بها المواساة، ومحلُّها مالٌ له بالٌ، وهو النِّصاب يُتوقَّع نماؤه، وذلك: النَّعَم، والذَّهب، والفِضَّة، والمُقتات من النَّبات، والقِيم في التِّجارة، وأكثَر المُخرَج فيها زكاة الرِّكَاز، ففيه الخُمُس، ثم
النَّبات ففيه العُشْر أو نصفُه، ثم الذَّهب والفِضَّة عَينًا وقِيمةً، وهو ربُع العُشر، ثم ما لا ضَبْط له بجزئيَّته وهو المَواشي.
(قال ابن عباس) سبَق وصْلُ البخاريِّ له في (باب بَدْء الوَحْي)، وسبق شرحه، وسيأتي في (التَّفسير) بهذه الزيادة.
* * *
1395 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صيْفِي، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ:"ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ".
الحديث الأول:
(فرض عليهم صدقة) قال (ك): إنْ قيل: توقُّف الصلاة على الشَّهادتين ظاهر؛ لأن الصلاة لا تصحُّ إلا بعد الإسلام، فما وجْهُ توقُّف الزَّكاة على الصلاة مع استوائهما في كونهما رُكنَين من الإسلام، وفَرعين من الدِّين؟
قال (خ): أخَّر ذكْرَ الصدقة؛ لأنها إنما تجب على قومٍ من النَّاس، وبمضيِّ حولٍ على المال، انتهى.
ولكنْ ما نقلَه عن (خ) لا يُلاقي السُّؤال، ولا يحصُل به جوابه، وللنَّاس أجوبةٌ عن هذا، أحسنُها أن المعنى: فإنْ أطاعوا باعتِقاد الصَّلاة فَرْضًا، فاذكُر لهم الزَّكاة، والغرَض بذلك التدرُّج، حتى لا يَنفِروا من كثْرتها لو جُمِعت.
(من أغنيائهم) يشمل الصَّغير، فتجب الزَّكاة في ماله، ويتعلَّق به من يَرى الدَّين مانِعًا من وجوب الزَّكاة من حيثُ إنَّ ما معه مُستحَقٌّ للوفاء، فكأنه لا مالَ له.
قلت: وجوابه أنه غنيٌّ باعتبار المال الحاضِر، ورجاءِ نمائه، وليس متعيِّنًا لإخراجه من يَدِه في الدَّين.
(في فقرائهم) فيه منْع نَقْل الزَّكاة عن بلَد المال، وإنما اقتَصر على الفُقراء ومستَحِقُّ الزكاة أصنافٌ أُخرى لمُقابَلة الأغنياء؛ لأن الفُقراء هم الأغلب، والإضافة تَقتضي منْعَ صرْف الزَّكاة لكافرٍ.
وإنما لم يَذكُر في هذا الحديث الصَّوم والحجَّ؛ لأن اهتمام الشَّرع بالصلاة والزكاة أكثر، ولهذا كُرِّرا في القُرآن كثيرًا، وأيضًا فإن الصَّوم قد يسقُط بالفِدْية، والحجَّ بفعل الغير في المعضوب، أو أن الحج لم يكن شُرع.
* * *
1396 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه أَنَّ
رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ:"مَا لَهُ مَا لَهُ"، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَرَبٌ مَالَهُ، تَعْبُدُ اللهَ، وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ".
وَقَالَ بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُّمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُوبَ بِهَذَا.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو.
الحديث الثاني:
(إنَّ رجلًا) حكى ابن قتيبة في "غريب الحديث": أنه أبو أيوب نفسه، وأفاد أبو إسحاق الصُّرَيْفيني: أنه لَقِيط بن صَبِرَةَ وافد بني المُنْتَفِق.
(يدخلني) بالرفع؛ لأن الجُملة صفةٌ لقوله: (بعمَلٍ).
(ما له)، قال (ط): هو استفهامٌ، وكرَّر للتَّأْكيد.
(أرب ماله) قال (ش): فيه أربع روايات:
أحدها: أَرِبَ، فعلٌ ماضٍ بوزْن عَلِمَ مِن أَرِبَ يَأْرَب: إذا احتاج، أي: فيسأل عن حاجته، ثم قال: ما لَه، أيُّ شيءٍ به، وقيل: بمعنى تَفَطَّن، أي: عَقَل، فهو أريبٌ، وقيل: دعَا عليه، أي: سقَطتْ آرابُه، أي: أعضاؤُه لا لقَصْد وُقوعه به، بل هو كـ: تَرِبَتْ يداه.
الثانية: أَرِبٌ، بكسر الرَّاء، والرفعِ منوَّنًا: اسم فاعلٍ كحَذِرٍ، ومعناه: حاذِقٌ فَطِنٌ، يسأل عما يعنيه، أي: هو أَرِبٌ، فحُذف المبتدأ، ثم قال: ما لَهُ، أي: ما شأْنه.
الثالث: هو بفتح الهمزة والرَّاء، وضمِّ الباء منوَّنًا، كجَمَل، أي: حاجَةٌ جاءتْ به، وهو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: له أَرَبٌ، وتكون (ما) زائدةٌ للتَّقليل، أي: له حاجةٌ يسيرةٌ، وفي سائر الوجوه هي استفهاميةٌ، وقيل:(ما له) إعادةٌ لكلامهم على جهة الإنْكار.
الرابعة: أرَبَ، بفتح الجميع، رواه أبو ذَرٍّ.
قال (ع): ولا وجْهَ له، انتهى.
وقال (ك): في الرواية الأُولى قال النَضْر بن شُمَيل: أَرِبَ الرَّجل في الأمر: إذا بلَغ فيه جُهدَه، وأن تفسيره: سقَطتْ آرابُه، قولُ ابن الأَنْباري، وأن ذلك يُستعمل عند التعجُّب.
قال: وقيل: لما رأَى الرَّجلَ يزاحم، دعا عليه دعاء لا يُستجاب في المدعوِّ عليه.
قال: وقال الأَصْمَعي: أَرِبَ في الشيء: إذا صار ماهرًا فيه، فيكون المعنى: التعجُّب من حُسْن فِطْنته، والتَّهدِّي إلى مَوضع حاجته، وقال في الثَّانية: إنها ليست بمحفوظةٍ عند أهل الحديث.
قال: وفي روايةٍ: قال الناس: ما لَه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَربٌ
ما لَهُ؟ "، أي: حاجةٌ ما له؟ أو أمرٌ مَا له؟.
(وتصل الرحم)؛ أي: يحسن لقَرابته، وذكره ذلك كأنه بالنَّظَر إلى حال السَّائل كأنه قاطعًا للرحم فأمره به؛ لأنه المُهمُّ بالنسبة إليه.
(وقال بَهْز) بفتح الموحَّدة، وسكون الهاء، وبالزَّاي.
(قال أبو عبد الله)، أي: البخاري، قال: أخشَى أن يكون تحدُّث عُثمان غير محفوظٍ لشُعبة؛ إذ الصواب هو: عُمر بن عُثمان.
قال الكَلابَاذِي: روى شعبة عن عُمر بن عُثمان، ووَهِمَ في اسمه، فقال: محمد بن عُثمان في أوَّل (الزَّكاة).
قال الغَسَّاني: هذا مما عُدَّ على شُعبة أنه وَهِمَ فيه حيث قال: محمَّد بدَل: عُمر، وقد قال البخاري في (الأدب): حدَّثني عبد الرَّحمن، ثنا بَهْز، ثنا شُعبة، ثنا ابن عُثمان بن عبد الله غيرَ مُسمًّى، فيكون أقربَ للصَّواب، وقد خرَّجه مسلم عن عَمْرو بن عُثمان، عن موسَى بن طَلْحة، عن أَيُّوب.
* * *
1397 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ:"تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ"، قَالَ: وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا".
1397 / -م - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو زُرْعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا.
الحديث الثالث:
سبق شرحه في (باب: سُؤال جبريل) من (كتاب الإيمان).
(دُلَّني) بضمِّ الدَّال، وفتح اللَّام مشدَّدةً.
(المكتوبة) مُقتبَسٌ من قوله تعالى: {كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، كما سبَق فيه وفي غيره.
(وَلَّى)؛ أي: أَدبَر.
(من أهل الجنة) فيه أن المُبشَّر بها أكثرُ من العشَرة كما ورَد النَّصُّ في الحسَن والحُسين، وأُمِّهما، وجَدَّتهما، وأزواج الرَّسول صلى الله عليه وسلم، فتُحمل بشارة العشَرة أنهم بُشِّروا دَفعةً واحدةً، أو بلفظ: بشِّرْه بالجنَّة، أو أن العددَ لا يَنفي الزَّائد.
* * *
1398 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ
مُضَرَ، وَلَسْنَا نخلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْناَ بِشَيْءٍ نأْخُذُهُ عَنْكَ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَناَ، قَالَ:"آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأنهَكمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإيمَانِ بِاللهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ -وَعَقَدَ بِيَدِهِ هَكَذَا- وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزكَّاَةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأنهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءَ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ"، وَقَالَ سُلَيْمَانُ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادٍ:"الإِيمَانِ بِاللهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ".
الرابع:
سبق شرحه في (باب: أداء الخمُس من الإيمان).
(أن هذا الحي): في بعضها: (إنَّا هذا الحَيَّ) فهو نصبٌ على الاختصاص، أي: أعني هذا الحيَّ، وقال (ط): إنه رفعٌ خبر إنَّ، وهكذا كما يَعقِد الذي يعدُّ واحدةً.
وذكْر الصِّيام هناك وعدَمُ ذكره هنا، فقال (ع): إغْفالٌ من الرَّاوي لا أنَّ ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، بل الرُّواة يَتفاوتون في الضَّبْط.
(في الشهر الحرام) في "سُنن البَيْهقي": إلا في شَهْر رجَب.
(وقال سليمان)؛ أي: ابن حَرْب، وصلَه البخاري في (المَغازِي).
(وأبو النعمان) وصلَه في (باب: الخمُس)، أي: روياه بلا واوٍ في: و (شهادة)، كما في الرِّواية الأُولى.
وجْهُه على الثُّبوت أنه عطفٌ تفسيريٌّ، أو ذكر الإيمان تمهيدًا
للأَربعة؛ لأنه الأَصْل لا سيَّما والوَفْد كانوا مؤمنين عند السُّؤال، فابتداءُ الأربعة بالإيمان والشَّهادة واحدٌ.
قال (ط): الواو مُقحَمةٌ كـ: فُلانٌ حسَنٌ وجميلٌ، أي: جميل، وأما كونها خمسًا أو أربعًا فسبَق بيانه هناك.
* * *
1399 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ ناَفِعٍ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا تُوُفِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ"؟.
1400 -
فَقَالَ وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَعَرَفْتُ أنَّهُ الْحَقُّ.
الحديث الخامس:
(وكان أبو بكر)؛ أي: خَليفةً، وسبق شرحه في (باب: {فَإِنَّ
تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [التوبة: 5]).
(فَرَّق) بالتَّشديد والتَّخفيف، أي قال: أحدُهما واجبةٌ دون الأُخرى، أو منَعَ، ووجْه الجمْع بين هذا المقتضي لإيمانهم لا سيَّما وهم متعلِّقون في المنْع بقوله تعالى:{إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]، وصلاة غيره ليستْ سكَنًا، بل مثْل هذه الشُّبهة يوجب العُذْرَ لهم، والوقوفَ عن قتالهم، وبين قوله أوَّلًا:(وكفَر من كفَر) = أنَّ بعضهم كفَر، وبعضهم منع الزكاة، والمعنى أن مُناظَرة الشَّيخين واتفاقَهم على قتال مانعي الزكاة حين كان الخليفة أبا بكر، وحين ارتدَّ بعضُ العرب، أو أطلَق لفْظ الكفر على مانعي الزكاة تَغليظًا، وكذا أجاب (خ) بالأوَّل، وأن الذين ارتدُّوا كأصحاب مُسَيلِمَة، والذين منَعوا الزكاة بُغاةً، ولكنْ غلَب على الكلِّ اسمُ الرِّدَّة؛ لأنها كانت أعظم خَطْبًا، وصار مبدأُ قتال أهل البَغْي مُؤرَّخًا بأيام عليٍّ؛ إذ كانوا منفردين في عصره لم يختلطوا بأهل الشِّرك.
فإن قيل: كيف يكونون بُغاةً، ومُنكِر الزكاة كافرٌ؟.
قيل: هذا إنما هو في زماننا لتقرُّر الأركان، وصارتْ مُجمَعًا عليها معلومةً من الدِّين ضرورةً، وأما أولئك فكانوا قَريبي عهْدٍ بزمان الشريعة التي يقع فيها تبديل الأحكام، وبوُقوع الفَتْرة بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا جُهَّالًا بأمور الدِّين، أضلَّتهم الشُّبهة، فغَدَروا، وسُموا بُغاةً.
(فقال عُمر)؛ أي: أخذ بظاهر: (أُمرتُ) الحديثَ، قبل أن ينظُر في آخره، وقال أبو بكر: إن الزَّكاة حقُّ المال، فدخلتْ في قوله: (إلا
بحقِّه)، وقاسَه على المُمتنِع من الصلاة؛ لأنها كانتْ بالإجماع، فيُرَدُّ المختلَفُ فيه للمُتفَق عليه، والعُموم يُخَصُّ بالقياس، على أن هذه الرواية مختصرةٌ من رواية التَّصريح بالزكاة التي فيها:"حتَى يُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتُوا الزَّكاةَ"، وسبَب الاختِصار أن حكايةَ ما جَرى بين الشَّيخين لا جميعَ القصَّة اعتمادًا على عِلْم المُخاطبين بها، أو اكتُفي بما هو الغرَض حينئذٍ.
وقال (خ) أيضًا: الخِطاب في كتاب الله ثلاثةٌ: عامٌّ نحو: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6]، وخاصٌّ بالرَّسول نحو:{فَتَهَجَّدْ} [الإسراء: 79]، حيث قيَّد ذلك، وخطابٌ يُواجَه به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو والأُمةُ فيه سواءٌ، كقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103]، فعلى القائم مقام الأئمة ذلك أيضًا، وأما التطهُّر، والبرَكة، والدُّعاء من الإمام لصاحبها، فإن الفاعلَ فيها يَنالُه ذلك بطاعة الله ورسوله فيها، وكلُّ ثوابٍ موعودٍ على عمَلٍ كان في زمَنه، فهو باقٍ، فيُستحبُّ للإمام أن يَدعوَ للمُتصدِّق، ويُرجى أن يستجيب الله ذلك منه ولا يُخيِّبَه.
(عَناقًا) بفتح المهملة: الأُنثى من المَعْز.
(شرح)؛ أي: فتَح ووسَّعَ، فلما استقرَّ عنده صحَّةُ رأْي أبي بكر [و] بانَ له صوابُه تابعَه على القِتال، وقال:(فعرفت أنه الحق)؛ أي: الدَّليل الذي أقامَه الصِّدِّيق لا أنَّه قلَّده؛ لأن المجتهِد لا يُقلِّد مجتهدًا.
وفيه فَضيلة أبي بكر، وجوازُ القِياس والعمل به، والحَلِفُ وإنْ كان في غير مجلِس الحُكم، واجتهادُ الأئمة في النُّوازِل، والمُناظرةُ،