الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا".
(أجر)؛ أي: من أجْرٍ، فنُصب بنزْع الخافِض.
(شيئًا) هو مفعول (ينقُص)، أو يقال: نقَصَ يتعدَّى لمفعولَين كـ (زَادَ)، فـ (أجْرًا) و (شيئًا) مَفعولاه.
ووجه مطابقة التَّرجمة: أن الخازِن هو الخادِم، وكذا المرأَة، وكلُّ ذلك إذا أمرَهما المالِك بذلك، أو جرَت العادةُ به، وكذا قال (خ): أنه على العُرف الجاري، وهو إطلاقُ ربِّ البيت لزَوجته إطعامَ الضَّيف، والتصدُّق على السَّائل، فندَب الشَّارعُ ربَّة البيت لذلك، ورغَّبها في الجَميل، أي: وعلى وجه الإصلاح لا الفَساد والإسراف، والخازِن كذلك؛ لأن الغالب أن الشيء تحت يَدِه، فحَضَّ كُلًّا منهما على الخير، وحِيازَة الأجْر.
* * *
18 - بابٌ لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى
وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهْوَ مُحْتَاجٌ، أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ، أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبةِ، وَهْوَ رَدٌّ عَلَيْهِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ
يُتلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أتلَفَهُ اللهُ"، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ كفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ آثَرَ الأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ، وَنهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ.
وَقَالَ كعْبٌ رضي الله عنه: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبتَيِ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ.
(باب: لا صدَقةَ إلا عَنْ ظَهْر غِنًى)
(فالدين أحق) هو جواب الشرط، لكنْ لبعض السَّابِق، فجواب الباقي محذوفٌ، والأصل: فهو وأهلُه والدَّين أحقُّ، كما أنَّ في الجَواب ما لم يسبق له شَرطٌ، وهو قوله:(والعتق والهبة)، وكلُّ ذلك لظُهور المعنى المقصود.
(رد)؛ أي: لا يُقبل؛ لأن قضاء الدَّين واجبٌ، والصَّدقة تطوُّعٌ، فهو داخلٌ بأخْذه الدَّين ولا يَجِدُ ما يَقضيه تحت وَعِيْد:"مَن أخَذَ أموالَ النَّاسِ"، ولذلك عقَّبه بقوله:(قال النبي صلى الله عليه وسلم) الحديثَ، وصلَه البخاري في (باب الاستقراض).
(إلا أن يكون معروفًا) هو استثناءٌ من التَّرجمة، أو من قوله:(ومَن تَصدَّق)، والمعنى: أن الضَّارَّ له أن يُؤثر على نفسه ويتصدَّق،
وليس بغنيٍّ أو محتاجًا.
(خصاصة)؛ أي: فَقْر وخلَلٌ.
(بماله)؛ أي: بجميع ماله، لأنه كان صابرًا، وقد يُقال: إنه تصدَّق به عن ظَهْر غِنًى، أي: وغِناه بقُوَّة توكُّله، وقد روى أبو داود، والترمذي، والحاكم قِصَّة أبي بكر، وحديثَ عُمر، وكذا عَبْدُ بن حُميد، والدَّارِمي، وأما الأنصار، فسيأتي بيان قصَّتهم في (كتاب الهبة).
(ونهى) هو طرَفٌ من حديث المُغيرة، وقد سبق وصْلُ البخاري له في (الصلاة).
(وقال كعب) وصلَه أيضًا في حديث تَوْبةِ كَعْب في غَزوة تَبوك، وإنما منعه دون أبي بكر؛ لأنه ليس مثلَه في شِدَّة الصَّبْر، وقوَّة التوكُّل.
* * *
1426 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".
الحديث الأول:
(عن ظهر غنى) قال البَغَوي: أي: غنى يَستظْهِر به على النَّوائب التي تَنوبُه، وقال التُّوْرِبِشْتي: هو مِثْل قولهم: راكبٌ مَتْنَ السَّلامة ونحوه مما يُعبَّر به عن التمكُّن من الشيء والاستعلاء عليه، والتَّنكير فيه للتَّفخيم، وقال (خ): الظَّهْر في مثْل هذا يُراد إشباعًا للكلام،
والمعنى: أفضَلُ الصَّدقة ما أخرجَه من مالهِ بعد استيفاء قَدْر كفاية أهله وعياله، ولذا قال:(وابدأ) بالهمز وتَركه.
(بمن تعول)؛ أي: بمن يَلْزمك مؤونته، مِن عَال أهلَه: إذا قام بما يحتاجون إليه من قُوتٍ وكسوةٍ.
* * *
1427 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَكِيم بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله".
1428 -
وَعَنْ وُهيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بِهَذَا.
الثاني:
(يستعفف) يَطلُب العِفَّة، وهي الكَفُّ عن الحرام والسُّؤال من الناس.
(يُعِفَّهُ) بفتح الفاء.
(ومن يَسْتَغْن يُغْنه الله) مجزومان شَرْطًا وجزاءً بحذف الياء، أي: من يَطلُب من الله العفاف والغِنَى يُعطه الله ذلك، وقيل: المراد: مَن يطلُب من نَفْسه العفَّة عن السُّؤال، ولا يُظهر الاستغناء؛ يُصيِّره الله
عَفيفًا، ومن تَرقَّى عن هذه المرتبة، فأظهَر الغنى عن الخلْق ملأَ الله قلبَه غِنًى، لكن إن أُعطي شيئًا لم يَرُدَّه.
* * *
1429 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (ح).
1429 / -م - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلةَ:"الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ".
الثالث:
(المنفقة) اسم فاعلٍ من أنفَق، ورواه أبو داود:(المتعفِّفة)، بمثناةٍ فوق، وعينٍ مهملةٍ، وفاءين، ورجَّحه (خ)، قال: لأنَّ السِّياق في التعفُف عن السُّؤال، والمراد بالعُلوِّ عُلوَّ الفضائل، وكثْرةَ الثَّواب.
قال (ك): وفي السياق النَّفقة أيضًا.
وقال (ع): قيل العُليا الآخِذة، والسُّفلى المانحة.
قال (ك): ويحتمل أن العُليا الآخذة، و (1) أن السُّفلى المنفقة؛
(1)"و" ليست في الأصل.