الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاته: سنة (606 هـ) ست وستمائة.
من مصنفاته: "النهاية في غريب الحديث" و "جامع الأصول في أحاديث الرسول" و"الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف" أي الجمع بين تفسير الثعلبي المسمى بـ -الكشف والبيان في تفسير القرآن- وبين كتاب -الكشاف عن حقائق التنزيل- للزمخشري. وغيرها من المؤلفات.
2633 - مجاهد *
النحوي، اللغوي، المفسر، المقرئ: مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي الأسود، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي.
ولد: سنة (21 هـ) إحدى وعشرين للهجرة.
من مشايخه: ابن عباس، هو ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهم وغيرهم.
من تلامذته: عكرمة، وطاووس، هو ابن كثير الداريّ، وأبو عمرو بن العلاء وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
• ميزان الاعتدال: "سئل مجاهد عن قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسه معه على عرشه .. الخ كلامه" أ. هـ. وقد روى هذا الأثر الطبري في تفسيره فقال:
حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يُجلسه معه على عرشه (1).
* الجرح والتعديل (8/ 319)، طبقات ابن سعد (5/ 466)، تاريخ البخاري (7/ 411)، حلية الأولياء (3/ 279)، معجم الأدباء (5/ 2272)، تاريخ بغداد (5/ 204)، تذكرة الحفاظ (1/ 92)، تاريخ الإِسلام (الطبقة 11) ط. تدمري، ميزان الاعتدال (6/ 25)، معرفة القراء (1/ 66)، السير (4/ 449)، العبر (1/ 125)، تهذيب الكمال (27/ 228)، البداية (9/ 232)، غاية النهاية (2/ 41)، تهذيب التهذيب (10/ 38)، طبقات الحفاظ (35)، طبقات المفسرين للداودي (2/ 305)، الشذرات (2/ 19)، الأعلام (5/ 278)، معجم المؤلفين (3/ 14)، "تفسير الإمام مجاهد بن جبر" تحقيق د. عبد السلام أبو النيل -طبعة دار الفكر الإِسلامي الحديثة- الطبعة الأولى (1410 هـ- 1989 م).
(1)
تخريج الأثر:
1 -
عباد بن يعقوب الأسدي الشيعي، أبو سعيد الرواجني [خ ت ق] ثقة، كان يغلو في الشيخ، قال أبو حاتم: شيخ ثقة، وقال ابن خزيمة: حدثنا الثقة في روايته، المتهم في دينه عباد بن يعقوب.
2 -
وليس في شيوخ عبّاد بن فضيل، لكن فيهم: محمد بن الفضل بن عطية ومحمد بن فضل بن غزوان (انظر تهذيب الكمال (14/ 175) والراجح أنه الثاني فإنه روى عن الليث (تهذيب الكمال)(24/ 286) وهو محمد بن فضيل بن غزوان بن جرير الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي.
عن ليث بن أبي سليم ولم يذكر عباد من تلامذته.
وثقه ابن معين، وقال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم، وقال أبو حاتم: شيخ وقال أبو داود: كان شيعيًا محترقا، وقال النسائي: ليس به بأس روى له الجماعة [تهذيب الكمال (26/ 293 - 298)].
وفي الميزان: كوفي صدوق مشهور، قال أحمد: حسن الحديث شيعي وقال ابن سعد: بعضهم لا يحتج بحديثه. أ. هـ.
وفي التقريب: صدوق عارف رمي بالتشيع أ. هـ.
3 -
ليث بن أبي سُليم بن زَنيم القرشي [خت م ع] عن مجاهد [خت]
عنه: فضيل بن عياض (ت)، محمد بن فضيل بن غزوان (بخ) مجمع على ضعفه، قال أبو عبد الله الحاكم: مجمع على سوء حفظه. أ. هـ. [تهذيب الكمال (24/ 279) وفيه كلام كثير، وقد لخص قولهم الحافظ في التقريب حيث قال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه أ. هـ.
قلت: لذلك فهو ضعيف لا يحتج به. وآفة الإسناد منه فإنه مجمع على ضعفه كما تقدم. والله أعلم.
دراسة المتن:
وأما المتن فإنه منكر مخالف لما ثبت عن السلف في تفسير الآية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (أي المقام المحمود) الشفاعه.
وكذا ثبت عن السلف تفسيرهم له بالشفاعة وفي تفسير الطبري: "وأولى القولين في ذلك بالصواب ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذلك ما حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن داود بن يزيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} سئل عنها: قال: "هي الشفاعة".
حدثنا علي بن حرب، قال: ثنا مَكي بن إبراهيم، قال: ثنا داود بن يزيد الأَوْدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: "هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي".
حدثنا أبو عُتبةِ الحِمصي أحمد بن الفَرَج: قال: ثنا بقية بن الوليد، عن الزُّبيديّ، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يُحشرُ النَّاسُ يومَ القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، فَيَكْسوني رَبي حلة خضراءَ، ثمْ يؤْذنَ لي، فأقول ما شاءَ الله أنْ أقولَ، فَذلكَ المَقامُ المَحمُودُ".
ثم ذكر الطبري بعد سرد عدة أدلة إضافة إلى ما ذكرنا عنه: "وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه التابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدًا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك. فأما من جهة النظر، فإن جميع من ينتحل الإِسلام إنما اختلفوا في معنى ذلك على أوجه ثلاثة: فقالت فرقة منهم: الله عز وجل بائن من خلقه كان قبل خلقه الأشياء، ثم خلق الأشياء فلم يماسها، وهو كما لم يزل، غير أن الأشياء التي خلقها إذ لم يكن هو لها مماسًا، وجب أن يكون مباينًا، إذ لا فعال للأشياء إلا وهو مماس للأجسام أو مباين لها. قالوا: فهذا كان ذلك كذلك، وكان الله عز وجل فاعل الأشياء، ولم يجز في قولهم: إنه يوصف بأنه مماس للأشياء، وجب بزعمهم أنه لها مباين، فعلى مذهب هؤلاء سواء أقعد محمدًا صلى الله عليه وسلم على عرشه، أو على الأرض إذ كان من قولهم إن بيونته على عرشه، وبيونته من أرضه بمعنى واحد في أنه بائن منهما كليهما، غير مماس لواحد منهما.
وقالت فرقة أخرى: كان الله تعالى ذكره قبل خلقه الأشياء، لا شيء يماسه، ولا شيء يباينه، ثم خلق الأشياء فأقامها بقدرته، وهو كما لم يزل قبل الأشياء خلقه لا شيء يماسه ولا شيء يباينه، فعلى قول هؤلاء أيضًا سراء أقعد محمدًا صلى الله عليه وسلم على عرشه، أو على أرضه، إذ كان سواء على قولهم عرشه وأرضه في أنه لا مماس ولا مباين لهذا، كما أنه لا مماس ولا مباين لهذه.
وقالت فرقة أخرى: كان الله عز ذكره قبل خلقه الأشياء لا شيء يماسه، ولا شيء يباينه، ثم أحدث الأشياء وخلقها، فخلق لنفسه عرشًا استوى عليه جالسًا، وصار له مماسًا، كما أنه قد كان قبل خلقه الأشياء لا شيء يرزقه رزقًا، ولا شيء يحرمه ذلك، ثم خلق الأشياء فرزق هذا وحرم هذا، وأعطى هذا، ومنع هذا. ثم قال:
فإن قال قائل: فإنا لا ننكر إقعاد الله محمدًا على عرشه، وإنما ننكر إقعاده.
حدثني عباس بن عبد العظيم، قال: ثنا يحيى بن كثير، عن الجريريّ، عن سيف السدوسي، عن عبد الله بن سلام، قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب تبارك وتعالى، وإنما ينكر إقعاده إياه معه. قيل: أفجائز عندك أن يقعده عليه لا معه. فإن أجاز ذلك صار إلى الإقرار بأنه إما معه، أو إلى أنه يقعده، والله للعرش مباين، أو لا مماس ولا مباين، وبأي ذلك قال كان منه دخولًا في بعض ما كان ينكره وإن قال ذلك غير جائز كان منه خروجًا من قول جميع الفرق التي حكينا قولهم، وذلك فراق لقول جميع من ينتحل الإِسلام، إذ كان لا قول في ذلك إلا الأقوال الثلاثة التي حكيناها، وغير محال في قول منها ما قال مجاهد في ذلك" أ. هـ.
وفي مجموع الفتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية ما نصه:
" .. فقد حدّث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه .. ".
قلت: ثم يسرد شيخ الإِسلام رواية الطبري في معنى آية الإسراء ويذكر ما قاله منها. ويبدوا أن شيخ الإِسلام =
• السير: "شيخ القراء والمفسرين الإِمام المثبت
…
قال مجاهد: عرضتُ القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة. وقال: عرضت القرآن على ابن عباس، أقفه عند كل آية، أسأله فيم نزلت، وكيف كانت أ. هـ
…
قال الثوري: خذوا التفسير من أربعة: مجاهد، وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك. وقال خصيف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسير
…
وعن مجاهد قال: صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني، وقال: ربما أخذ ابن عمر لي بالرِّكاب
…
قال مجاهد: ما أدري أيُّ النعْمتين أعظم، أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء".
فقال الذهبي: "مثل الرفض والقدر والتجهم
…
جاء يعقوب بن مجاهد فقال: يا أبتاه، إن لنا أصحابا يزعمون أن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد، فقال: يا بني، ما هؤلاء بأصحابي، لا يجعل الله من هو منغمس في الخطايا كمن لا ذنب له. أ. هـ. ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تستنكر
…
من ذلك ذهابه إلى بئر بَرَهوت، بحضرموت ويقال إنه مقر أرواح الكفار، وذهب إلى بابل لرؤية هاروت وماروت قال الأعمش: كان مجاهد لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب فنظر إليها، ذهب إلى بئر بَرَهوت وذهب إلى بابل " أ. هـ.
* معرفة القراء: "قال سلمة بن كهيل: كان مجاهد ممن يريد بعلمه الله، قال قتادة: أعلم مَن بقي في التفسير مجاهد .. " أ. هـ.
• البداية: "أحد أئمة التابعين والمفسرين كان من أخصاء أصحاب ابن عباس
…
وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير. حتى قيل إنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاووس. مات مجاهد وهو ساجد" أ. هـ.
• الشذرات: "الإِمام الحبر المكي
…
قال له ابن عمر: وددت أن نافعًا يحفظ حفظك
…
وقال الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدًا تراه مغمومًا فقيل له في ذلك. فقال: أخذ عبد الله -يعني ابن عمر- بيدي، ثم قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال لي:" يا عبد الله! كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .. " أ. هـ.
• الأعلام: "تابعي مفسر .. أما كتابه في "التفسير" فيتقيه المفسرون، وسئل الأعمش عن ذلك، فقال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب، يعني النصارى واليهود ويقال إنه مات وهو ساجد .. " أ. هـ.
• قلت: ومن كتاب "تفسير الإمام مجاهد بن جبر" ننقل ما ورد من مؤاخذات عليه:
"جاء في هامش ص (687) عند تفسير قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء.
ويرى ذلك المعتزلة وجهم بن صفوان، وحجتهم:
1.
أن موسى عليه السلام لما طلب من ربه رؤيته، أجابه بالنفي المؤيد، حيث يقول سبحانه:{قَال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ قَال لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143].
2.
أن الله علق رؤيته على مستحيل وهو
= يوافق الطبري فيما ذهب إليه من أن قول مجاهد غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر. إذ لم يستدرك على الطبري فيما ذهب إليه كعادته في الرد على من ينكر عليهم أقوالهم والله أعلم. انتهى.
استقرار الجبل، حيث يقول {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143].
3.
قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام: 103].
4.
إن الرؤية تقتضي أن يكون المزني مقابلًا للرائي، فيكون في جهة وحيز، والله منزه عن ذلك.
وأما قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ونحوها، لاخبار الرسول برؤية الله، فليس على ظاهره، وإنما المعنى تنتظر الثواب والرحمة، أو ترون رحمة ربكم.
ولكن فريقًا آخر من العلماء -وعلى رأسهم أهل السنة والأشاعرة والماتريدية .. يرى أن رؤية الله عز وجل جائزة عقلا دنيا وأخرى؛ لأنه سبحانه موجود، وكل موجود تمكن رؤيته، ولكن لم تقع في الدنيا لغير نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم، وستكون في الآخرة للمؤمنين وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
أما الكتاب، فقوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] وقوله: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)} [المطففين: 23] وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] فجمهور المفسرين على أن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي رؤية الله تعالى، ولو لم يره المؤمنون لما عُير الكافرون بالحجاب، حيث يقول سبحانه {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15].
وأما السنة، فمنها ما رواه الإِمام أحمد ومسلم عن صهيب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} وقال:"إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا، يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم".
وما رواه مسلم أيضًا: حدثني زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن ناسًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك
…
وأما الإجماع، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مجمعين على وقوع الرؤية في الآخرة.
وقال الإمام مالك رضي الله عنه: لما حجب أعداءه فلم يروه، تجلى لأوليائه حتى رأوه، وقال الشافعي رضي الله عنه: لما حجب قومًا بالسخط، دل على أن قومًا يرونه بالرضا.
ويردون على المعتزلة بقولهم:
إن سؤال موسى عليه السلام لأقوى دليل على جواز الرؤية، فهو من أعلم الناس بما يجوز في حق ربه وما لا يجوز، ولو كانت الرؤية غير
جائزة ما طلبها.
إن الله سبحانه علق رؤيته على جائز، وهو استقرار الجبل، والمستحيل هو اجتماع الحركة والسكون معًا.
وأما قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فإن هناك فرقًا كبيرًا بين الإدراك والرؤية، فالإدراك إحاطة وشمول، والرؤية بخلاف ذلك، فأنت تقول: رأيت السماء ولا تقول: أدركتها، وقال ابن حزم رحمه الله: لا حجة لهم في هذه الآية؛ لأن الله تعالى إنما نفى الإدراك، والإدراك عندنا في اللغة معنى زائد على النظر والرؤية، وهو معنى الإحاطة، فالادراك منفى عن الله تعالى على كل حال، في الدنيا والآخرة، برهان ذلك قول الله عز وجل:{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَال كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61، 62] ففرق الله عز وجل بين الإدراك والرؤية فرقًا جليًا؛ لأنه تعالى أثبت الرؤية بقوله {) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} وأخبر أنه رأى بعضهم بعضًا، ونفى الإدراك بقوله {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} ولا شك أن ما نفاه الله عز وجل هو غير ما أثبته.
أما قولهم: إن الرؤية تقتضي مكانا وجهة، فذلك في أحوال الدنيا، أما الرؤية يوم القيامة، فهي من أحوال ذلك اليوم التي اختص الله بعلمها وكيفها وأحوالها، ولا نعلم عنها إلا العبارات المثبتة لها من غير كيف، وفوق ذلك فإن قياس رؤية الله على رؤية الأجسام، قياس غير صحيح، لأن قياس الغائب على الشاهد لا يجوز إذا كان الغائب من غير جنس الشاهد.
وقال ابن حزم أيضًا في الرد على هذا: وقد وافقتنا المعتزلة على أنه لا عالم عندنا إلا بضمير، وأنه لا فعال إلا بمعاناة، ولا رحيم إلا برقة قلب، ثم أجمعوا على أن الله تعالى عالم بكل ما يكون بلا ضمير، وأنه عز وجل فعال بلا معاناة، ورحيم بلا رقة، فأي فرق بين تجويزهم ما ذكرنا وبين تجويزهم رؤية بقوة غير القوة المعهودة، لولا الخذلان ومخالفة القرآن والسنة، نعوذ بالله من ذلك.
وقال في قولهم: تنتظر ثواب ربها، إن هذا فاسد جدًّا؛ لأنه لا يقال في اللغة نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته. وقال: إن حمل الكلام في الآيات والأحاديث على ظاهره الذي وضع له في اللغة فرض لا يجوز تعديه إلا بنص أو إجماع؛ لأن من فعل ذلك أفسد الحقائق كلها والشرائع كلها والمعقول كله، فإن قال قائل: إن حمل اللفظ على المعهود أولى من حمله على غير المعهود، قيل له: الأولى في ذلك حمل الأمور على معهودها في اللغة ما لم يمنع من ذلك نص أو إجماع أو ضرورة، ولم يأت نص ولا إجماع ولا ضرورة تمنع ما ذكرنا في معنى النظر.
ثم قال: والآية المذكورة والأحاديث الصحاح المأثورة في رؤية الله تعالى يوم القيامة موجبة القبول، لتظاهرها، وتباعد ديار الناقلين لها، ورؤية الله يوم القيامة كرامة للمؤمنين -لا حرمنا الله ذلك بفضله-، ومحال أن تكون هذه الرؤية رؤية القلب؛ لأن جميع العارفين به تعالى يرونه في الدنيا بقلوبهم، وكذلك الكفار في الآخرة".
وفي موضع آخر:
"نظرًا لتعدد الروايات عن مجاهد -جاء في تفسيره بعض التناقض، ففي (ص 205) عند تفسير قوله تعالى:{كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] قال: لم يمسخوا قردة، ولكنه كقوله تعالى:{كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] وفي ط (1)، قال: مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، بينما نجده في ص (312) عند تفسير قوله تعالى:{وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة: 60] يقول: القردة والخنازير مسخت من يهود.
وفي هامش ص (388) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] قال: بين الله لنوح أنه ليس بابنه، مع أنه في ط، (12/ 65): حدثنا ابن وكيع: قال: ثنا أبي عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة في قوله تعالى:{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ} [هود: 45] قالا: هو ابنه كما ذكر مجاهد في بقية تفسير الآية (46){إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ} قال: سؤالك إياي عمل غير صالح {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} .
وقد ذكرت في هامش الصفحة ما يؤكد أنه ابن نوح عليه السلام.
وجاء في ص (395) عند تفسير قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26] قال: يعني قميصه، أي القميص هو الشاهد، والشاهد إن كان مشقوقًا من دبره، فتلك الشهادة، مع أن المروي عنه في ط، قال: لم يكن من الإنس، وفيها أيضًا من ثلاثة طرق، قال: رجل، كان رجلًا.
انظر هامش الصفحة.
غرائب تفسيره:
ورد عن مجاهد في تفسير بعض الآيات ما يعد من غرائب التفسير، منها: ما جاء في ص (324) في قوله: {وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74] قال: آزر اسم صنم.
1.
ما جاء عند تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44] قال: جبل في الجزيرة تشامخت الجبال يومئذ من الغرق، وتواضع الجودي فلم يغرق، مع أن الجمادات كلها لا تعرف إلا الخضوع والإذعان. انظر ص (388).
2.
ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26] قال؛ يعني قميصه أي القميص هو الشاهد -كما سبق.
مع أن الله يقول {مِنْ أَهْلِهَا} أي من أهل المرأة، وقد ورد عن مجاهد أيضًا، أنه كان رجلًا.
3.
ما جاء في ص (397) عند تفسير قوله تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] حيث يقول: وذلك لأن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده. مع أن الشيطان لا سلطان له مطلقًا على رسل الله بنص القرآن، وفي الآية ما يشهد بأن الناسي هو الناجي، كما أن طلب يوسف عليه السلام الخلاص هو عين الصواب.
4.
ما جاء في هامش ص (398) عند تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيبِ} [يوسف: 52] يوسف يقوله: لم أخن سيدي.
مع أن الكلام سابقًا ولاحقًا من كلام امرأة العزيز.
(1) أحد النسخ المعتمدة عند المحقق لكتاب "تفسير مجاهد".
وفي هامش الصفحة نفسها تحقيق عن أئمة المفسرين يؤيد ذلك.
5.
ما جاء في ص (449) عند تفسير قوله تعالى: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] يقول: اتبع موسى وفتاه أثر الحوت يشقان البحر.
مع أن الله يقول: (آثارهما) ولم يقل أثره.
وقد ذكرت في هامش الصفحة أثرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها.
6.
ما جاء في ص (471) عند تفسير قوله تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] خلق آدم عليه السلام حين خلق بعد كل شيء في آخر النهار من يوم خلق الخلق، فلما أحيى الروح عينيه ولسانه ورأسه ولم يبلغ أسفله، قال: يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.
مع أن ما بعد ذلك يشهد بأن المراد زجرنا عن الاستعجال، كما أن كلمة عجل هي الطين بلغة حمير، وفي القاموس هي: الطين والحمأة.
وقد ذكرت في هامش ص (471) تفسير الزمخشري لهذه الآية ويفهم منه أنه رد مثل هذا التفسير.
7.
ما جاء في هامش ص (639) في تفسير قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56] قال: إذا جامع الرجل ولم يسم، انطوى الجان على إحيله فجامع معه، فذلك قوله {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} .
مع أن السورة تتحدث عن الثقلين؛ الإنس والجن، فالحورية من الإنس لم يطمثها إنسي والحورية من الجن لم يطمثها جني، على أن الآية في وصف الحور العين في الدار الأخيرة.
8.
ما جاء في ص (696) في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] قال: الروح: أمر من أمر الله، خلق من خلق الله صورهم على صور بني آدم، ما نزل من السماء ملك إلا معه واحد من الروح.
مع أن القرآن الكريم قد فسّر الروح حين يقول: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193، 194].
9.
ما جاء في ص (720) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)} [الطارق: 8]، قال: يقول؛ إنه على رجع النطفة في الإحليل لقادر".
وفي موضع آخر فيما يتعلق بالتفسير بالرأي عند مجاهد:
"الرأي في تفسير مجاهد ومداه:
القدر المسموح به من القول بالرأي:
مطابقة منهجه للقدر المسموح به منهجه وذلك لندرة ما جاء عنه من ذلك.
بطلان رأي من تحاموا تفسيره.
القدر المسموح به من القول بالرأي:
يرى ابن تيمية رحمه الله أن تفسير القرآن بمجرد الرأي حرام، ووافقه على ذلك كثيرون، فقد ذكر في كتابه:"حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى، عن. سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"، وبه إلى الترمذي، قال: حدثنا عبد بن حميد، حدثني حبان بن هلال، قال: حدثنا سهيل، أخو حزم القطعي، قال: حدثنا أبو عمران الجوني، عن جندب، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ" قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم".
مطابقة منهج مجاهد للتفسير بالرأي:
فإذا نحن طبقنا ذلك على ما جاء عن مجاهد من قول بالرأي في تفسير في بعض الآيات، وجدناه بعيدًا كل البعد عن المحرم، فمجاهد كان من أعلم الناس بقواعد اللغة، وبمعرفة الناسخ والمنسوخ، ومعرفة أسباب النزول، كما كان من أحفظهم عن الصحابة -رضوان الله عليهم- كما ذكر من قبل ولم يغلب عليه الهوى ليعضد رأيًا له، وإن الذي حدث منه كان بعد أن أتقن قواعد اللغة وأصول التفسير، فحق له أن يتوسع في الاستنباط بعد توسعه في الفهم وقد قال ابن تيمية -مدافعًا-: وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم، أنهم فسروا القرآن، فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم، وقد روى عنهم ما يدل على ما قلنا: إنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم.
وجاء في (التفسير والمفسرون) ما يؤكد ذلك، حيث روي عن ابن مجاهد أنه قال: قال رجل لأبي: أنت الذي يفسر القرآن برأيك؟ فبكى أبي ثم قال: إني إذا لجريء، لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ندرة ما روي عن مجاهد من تفسير بالرأي:
الحق أن ما جاء في تفسيره من هذا شيء قليل لا يجعل الحق مع من تحاموا تفسيره لأنه يقول بالرأي.
ومن ذلك ما يتعلق برؤية الله، ففي هامش ص (687) في تفسير قوله تعالى:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء.
ومما لا شك فيه أن هذا الرأي كان مُتكأ للمعتزلة فيما ذهبوا إليه من معارضة في رؤية الله. وقد جاء في مذاهب التفسير الإِسلامي عند الكلام عن رؤية الله تعالى ومعارضة المعتزلة في ذلك؛ ونحن نقوم على أرض أمتن وأثبت إذا علمنا من أسانيد كثيرة من رؤية السعداء لله أن واحدًا من ثقات الرواة، هو مجاهد المكي، من أوثق تلاميذ ابن عباس، ويعترف الثقات القدماء بأن تقسيره أصح وجوه التفسير، قد استبعد التفسير بالمألوف لتعبير الآية.
ومنه أيضًا، ما روي عنه من أن المائدة لم تنزل، وإنما هو مثل، انظر ص (318) من التفسير.
ومنه كذلك، ما يتعلق بمسخ اليهود قردة، فقد جاء في ص (205) عند تفسير قوله تعالى:{كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] قال لم يمسخوا قردة، ولكنه كقوله تعالى:{كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5].
وفي ط: مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة. وقد ذكر في آية المائدة نقيض ذلك، حيث قال في قوله تعالى:{وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة: 60] ، القردة والخنازير مسخت من يهود.
وعلى ذلك، فليس مجاهد من المفسرين بالرأي، لأن ثلاث روايات لا تنقله من زمرة المفسرين بالتلقي والرواية إلى زمرة المفسرين بالرأي، وإن
الذي كان منه إنما هو في حدود ما سمح به رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسوله معاذ حين بعثه إلى اليمن، فقد أقره على القول برأيه فيما لا نص فيه -كما سبق-.
بطلان رأي من تحاموا تفسيره:
ولست مع أستاذنا الفاضل الدكتور الذهبي فيما ذهب إليه من أن مجاهدًا أعطى نفسه حرية واسعة في القول بالرأي، لما سبق، ولا في قوله:(ولعل هذا المسلك هو الذي جعل بعض المتورعين الذين يتحرجون من القول في القرآن برأيهم يتقون تفسيره)؛ لأن الوارد أن من يتقي منهم تفسيره، إنما يتقيه لأنه يسأل أهل الكتاب. وقد رد فضيلته عليهم بقوله: ولم لا يسألهم ويخالفهم؟
موقفه من الإسرائيليات:
ندرتها في تفسيره.
بطلان رأي من تحاموا تفسيره لسؤاله أهل الكتاب.
مناقشة ما جاء منه في تفسيره.
ذكرنا من قبل أن مجاهدًا -كما يروي الرواة- كان يسأل أهل الكتاب وربما يأخذ عنهم وكان في هذا أكثر من أستاذه، مما جعل بعض العلماء يتقون تفسيره.
ولقد جاء في تفسيره بعض إسرائيليات ورد مثلها أو أكثر منها عن غيره. ولكن ما مدى هذه الإسرائيليات، وما موقفنا منها؟
إن السمة الغالبة على تفسير مجاهد سواء منه ما جاء بالمخطوطة أو ما هو مدون بالطبري أنه تفسير يعمد إلى توضيح المعنى اللغوي بأوجز عبارة مع استنباط للأحكام وذكر لسبب النزول، كما هو الحال عند ابن عباس ورفقائه من الصحابة رضوان الله عليهم.
ندرتها في تفسيره وبطلان رأي من تحاموا تفسيره:
ولكن كان بحانب ذلك قدر يسير جدًّا من الإسرائيليات لا يقلل من شأن هذا التفسير العظيم بأي حال من الأحوال، ولا يجعل الحق مع الذين كانوا يتحامون تفسيره معللين بأنه يسأل أهل الكتاب، فأين أثر ذلك في تفسيره؟
مناقشة تلك الروايات:
ولعله من الواجب أن نقف وقفة نناقش فيها هذه الروايات حتى ننقي بعون الله هذا السفر العظيم من كل شائبة، كما سأناقش ما ورد من إسرائيليات عن غيره:
1.
ففي هامش ص (200) عند تفسير قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]، قال: آدم وإبليس والحية، ذرية بعضهم أعداء لبعض.
وقد بينت خطأ إقحام الحية هنا، وأن ذلك مأخوذ عن اليهود؛ لأنه موجود في سفر التكوين إصحاح (3)، كما ذكرت أيضًا لوم ابن كثير المفسرين على نقلهم مثل هذه الأخبار الإسرائيلية، وبينت رأي الزمخشري في تفسير الآية وأن المقصود: آدم وحواء.
2.
ما جاء في هامش ص (206) عند تفسير قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] قال: لكثرة ثمنها، أخذوها بملء مسكها ذهبًا من مال المقتول، فكان سواء لم يكن فيه فضل فذبحوها.
وقد بينت أن الواقع يبطل هذا، لأنهم كانوا في
التيه كما أوضحت سر تثاقلهم عن الفعل.
3.
ما جاء في ص (241) في تفسير قوله تعالى: {وَقَال لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة: 247]، قال بعد أن ذكر ما اشترطه داود ليقتل جالوت: فأخذ داود مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات يعني ثلاثة أحجار، وسمى أحجاره إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ثم أدخل يده فقال: باسم الله إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب، فخرج الذي على اسم إبراهيم فجعله في مرجمته به جالوت فخرق ثلاثًا وثلاثين بيضة على رأسه وقتل ما وراء ثلاثين ألفًا.
وهذه مبالغات ممجوجة، فمتى عهد أن يلبس المحارب ثلاثًا وثلاثين بيضة؟ وكم كان عدد جند جالوت حتى يقتل الحجر منهم ثلاثين ألفًا، قرابة ما تفعله القنبلة الذرية، وإذا كانت حفنة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي رمى بها في وجوه المشركين يوم بدر لم تقتل أحدًا وإنما أصابت أعينهم فقط، فما بال حجر داود عليه السلام؟ !
وما من شك في أن هذا من نسج أهل الكتاب، وإنك لتجد مثله في سفر صموئيل الأول، إلا أن هناك أوصافًا لآلات الحرب التي يلبسها جالوت وأطوالها وأوزانها التي تنوء بحملها لبابة، وهناك أيضًا أن داود أخذ خمسة أحجار وقد ذكر:
وأخذ عصاه بيده وانتخب له خمسة حجارة ملس من الوادي وجعلها في كنف الرعاة الذي له أي في الجراب ومقلاعه بيده وتقدم نحو الفلسطيني .. ومد داود يده إلى الكنف وأخذ منه حجرًا ورماه بالمقلاع وضرب الفلسطيني في جبهته فارتز الحجر في جبهته وسقط على وجهه إلى الأرض.
وعلى ذلك فهذا مردود ولا يقبله عقل.
ومن حسن الحظ أنه لم يرد عن مجاهد بالسلسلة المعهودة وإنما جاء بعد تفسير {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} أن طالوت كان على الجيش ثم بعث والد داود بشيء لأبنائه مع داود، ثم إن داود طلب ثمنًا لقتله جالوت
…
ويمكن أن يكون هذا من خلط الرواة والنقلة.
4.
وجاء في ص (242) أيضًا في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 248]، وقال ابن أبي نجيح: وسمعت مجاهدًا يقول: أقبلت السكينة والورد وجبريل عليه السلام مع إبراهيم خليل الرحمن عز وجل من الشام، قال مجاهد: فبلغني أن السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان.
ومثل هذا أو شبهه مروي عن غير مجاهد، ففي الكشاف (1/ 380) وفي البحر (2/ 262)، وعن علي رضي الله عنه: كان لها وجه كوجه الإنسان وفيها ريح هفافة. ومما لا شك فيه أن هذا وذاك من خيالات القصاصين من أهل الكتاب ومن لفّ لفهم.
والذي ترتاح النفس إليه ويقبله العقل ما ذكره الزمخشري من أن التابوت صندوق التوراة، وكان موسى عليه السلام، إذا قاتل قدمه، فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون، والسكينة: السكون والطمأنينة.
ومن عجيب أن السكينة في سورة الفتح فسرت بما فسرت به السكينة هنا، فقد جاء في ص (607) عن مجاهد في تفسير قوله تعالى:{أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} ، قال: السكينة من الله عز وجل كهيئة