الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الغسل
قوله: نقلًا عن الشيخ-: ومن أراد الغسل نوى الغسل من الجنابة، أي: إن كان جنبًا، أو الحيض، أي: إن كان حائضًا، لأنه الذي عليه.
ثم قال: ولو حملنا ((أو)) في كلام المصنف على التخيير كان له وجه، لأنه حكى وجه فيما إذا كان عليه حدث الحيض فنوى رفع حدث الجنابة، أو بالعكس- أنه يجزئه، كما لو نوى المتيمم استباحة الصلاة من الجنابة، وكان حدثه حدثًا أصغر، فإنه يجزئه، والصحيح: أنه لا يجزئ، لأنه نوى غير ما هو عليه، والحدث الأكبر والأصغر بالنسبة إلى المتيمم على حد واحد، لأنه لا يختلف الواجب فيه بسببهما، وعليه يتعين حمل كلام الشيخ على ما ذكرنا. انتهى كلامه.
وهذا الفرق الذي ذكره سهو، فإن الواجب في الغسل من الجنابة والحيض- أيضًا- لا يختلف، وكأن المصنف- رحمه الله ظن أن الكلام في أصل المسألة إنما هو في الحدث الأكبر والأصغر- أيضًا- وحينئذ فيكون الواجب فيهما من الغسل مختلفًا. ثم إن تصحيحه عدم الإجزاء محله في حالة العلم، فأما إذا ظن أن الذي نواه هو الذي عليه، ثم تبين خلافه- فيجزئه، كما في نظيره من الحدث الأصغر. وأيضًا: فتصريحه بالتخيير صريح في أن ذلك مع التعمد من المغتسل، وإذا تقرر أن الكلام في الغسل هنا مع العلم فيكون الحكم في الغسل كالحكم في التيمم سواء، وقد صرح به في ((الروضة)) في باب التيمم من ((زوائده)) فقال: ولو تيمم بنية الاستباحة ظانًا أن حدث أصغر، فبان أكبر، أو عكسه- صح قطعًا، لأن موجبهما واحد، ولو تعمد لم يصح في الأصح، ذكره المتولي.
هذا كلام ((الروضة))، ولاشك أن المصنف لم يطلع على هذا الخلاف بالكلية، فضلًا عن أن يكون الصحيح البطلان.
قوله: ولو نوى- أي الجنب- باغتساله رفع الحدث الأصغر، فإن تعمد لم يصح غسله في أصح الوجهين، وإن غلط فظن أن الأصغر حدثه لم يرتفع الحدث عن غير أعضاء الوضوء، وفي ارتفاعه عن المغسول من أعضاء الوضوء وجهان، أصحهما:
الارتفاع، وعلى هذا في ارتفاعه عن الرأس وجهان، لأن واجبها في الوضوء المسح، وفي الغسل الغسل، والمسح لا يقوم مقام الغسل. قلت: وليت شعري القائل بارتفاعه هل يقول بارتفاعه عن جملة الرأس، أو عن القدر المجزئ في الوضوء؟ والظاهر الثاني، وإن صح فأي موضع هو؟ انتهى كلامه.
والبحث الذي ذكره عجيب، بل الصواب عند هذا القائل ارتفاعه عن الجميع كما هو مدلول عبارتهم، لأنه لا يعقل مع التبعيض الذي لم يتعين موضعه الأمر بغسل الباقي، وذلك بناء على أن الجميع يقع فرضًا، فإن قلنا: إن الزائد على مقدار الواجب يقع نفلًا- وهو ما صححه المصنف في ((باب فرض الوضوء)) - فلا يرتفع عن الرأس، وحينئذ يكون للمنع علتان: إحداهما: هذه، والثانية: ما ذكره.
واعلم أن ما ذكره في تعليل المنع إنما يتضح بزيادة ذكره الرافعي، فإنه قال- أعني الرافعي-: ولا يرتفع عن الرأس في أصح الوجهين، لأن فرض الرأس في الوضوء المسح، والذي نواه: إنما هو المسح، والمسح لا يغني عن الغسل. ورأيت في ((شرح الفروع)) للشيخ أبي علي السنجي: أنه ينبغي ألا يرتفع عن اللحية إذا كانت كثيفة، لأن فرضها الإفاضة على الظاهر، وغسل باطنها سنة. قال: إلا أن يتخرج على أن النفل هل يسد مسد الفرض؟
قوله: ثم في الأمر بالإتيان بالوضوء الكامل في أول الغسل، ما يغني عن التصريح بأمرين، أحدهما: الأمر بالإتيان بالتسمية في أوله كما صرح بذكرها العراقيون والمارودي.
ثم قال: وفي ((التتمة)) حكاية وجه آخر: أنه يكره له التسمية، وهو في ((تعليق)) القاضي وقال: إن من أصحابنا من قال: الأولى أن يقول: باسم الله العظيم- أو: الحليم- الحمد لله على الإسلام، حتى لا يكون على نظم القرآن. انتهى كلامه.
وما نقله عن ((التتمة)) و ((التعليق)) من حكاية وجه في كراهة التسمية ليس كذلك، فإنهما إنما حكياه في عدم استحبابها، ولا يلزم منه كراهتها، ولفظ ((التتمة)): الثانية: هل تسن له التسمية أم لا؟ فيه وجهان، أحدهما: تسن، كما في حق المتوضئ، والثاني: لا تسن، لأن التسمية وإن كان يقصد بها التبرك فالنظم نظم القرآن، والقراءة محرمة على الجنب. هذا لفظه، وذكر القاضي نحوه.
قوله: فائدة: هذا الوضوء هل يحتاج إلى نية تخصه أو لا، لأنه من سنن الغسل فنيته تشمله، كما تشمل نية الوضوء المضمضة والاستنشاق؟ الذي حكاه الرافعي:
الثاني، وهو ظاهر كلام الأصحاب والشيخ.
وقال في ((الروضة)): المختار: أنه ينوي به سنة الغسل. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أنه قد تقرر أن الغسل بنية الغسل المطلق لا يصح، بل لابد أن ينوي الغسل من الجنابة أو فريضة الغسل أو غيرهما من الأمور المشروحة في موضعها، فهذه النية إن تأخرت عن الوضوء لم يحصل له عليه ثواب، ولم يكن وضوءًا شرعيًا. وإن قارنت أوله- وهو ما يدل عليه فحوى كلام المصنف- ارتفعت الجنابة عن المغسول من هذه الأعضاء بلا نزاع، لوجود النية المعتبرة مع ما يجوز غسله، إذ لا ترتيب في الغسل، وبقي عليه سنة التبييت، فلا يتصور ما قاله المصنف من كون نية الغسل تشمله، وقياسه على حصول المضمضة والاستنشاق عند نية الوضوء قياس فاسد، لأن هاتين السنتين محلهما غير محل الواجب، إذ لا يجب إيصال الماء إلى باطن الفم والأنف، وأما نقله ذلك عن الرافعي فإنه ظاهر عبارته، إلا أنه لم يصرح به، بل قال ما معناه: أنه إذا كان جنبًا غير محدث، أو جنبًا محدثًا، وقلنا بالمذهب: وهو اندراج الأصغر تحت الأكبر- فالوضوء من محبوبات الغسل. قال: ولا يحتاج إلى إفراده بنية. هذه عبارته، ونقل النووي في ((شرح المهذب)) عن الأصحاب: أنه لا فرق في حصول سنة الغسل بين أن يقدم الوضوء كله أو بضعه أو يؤخره أو يفعله في أثناء الغسل، ولكن الأفضل تقديمه. فإن سلم الرافعي ما ذكره النووي فأخره صح أن يقال: إنه لا يحتاج إلى إفراده بالنية، لأنه من سننه ونية الغسل قد تقدمت، ولكن ظاهر كلام الرافعي يشعر بالتقديم لا غير، ولم يرد في الأحاديث الصحيحة غيره، وهو قياس ما ذكروه في سنن الوضوء من اشتراط تقديم غسل الكفين ثم المضمضة ثم الاستنشاق، وعللوه بأنه الوارد في الأحاديث. ثم إن المصنف قد ذكر بعد ذلك- قبيل قول الشيخ:((ثم يدلك)) - كلامًا آخر ضعيفًا متعلقًا بما نحن فيه لا يخفى ضعفه على متأمله، فليعلم.
الأمر الثاني: أن ما نقله عن ((الروضة)) ليس مطابقًا لما فيها، فإنه قد قال: قلت: المختار: أنه إن تجددت الجنابة نوى بوضوئه سنة الغسل، وإن اجتمعنا نوى به رفع الحدث الأصغر، والله أعلم. هذا لفظ ((الروضة))، فالذي نقله المصنف عنه إنما ذكره في قسم واحد، وهو أندر القسمين وقوعًا، لأن الغالب في الجنابة أن يصاحبها الحدث، وما ذكره النووي قد سبقه إليه ابن الصلاح في مشكل ((الوسيط)) وهو حسن
جدًا، وهو مخالف في الحقيقة لقول الرافعي: إنه لا يحتاج إلى إفراده بالنية. إلا أن ما ذكره النووي صحيح فيما إذا قدم الوضوء، فأما إذا أخره- على مقتضى ما ذكره في ((شرح المهذب)) - وقد اجتمع عليه الحدثان، فلا يتجه القول بأنه ينوي به رفع الحدث، لأنه يعتقد ارتفاعه بغسل الجنابة فيكون متلاعبًا.
قوله: في قول الشيخ يفعل ذلك ثلاثًا-: أي الإفاضة، والتخليل، والدلك.
ثم قال: وظاهر كلام الشيخ أن التخليل والإفاضة على الرأس والجسد يفعل مرة ثم مرة ثم مرة، والخبر يقتضي موالاة التخليل وموالاة الإفاضة على الرأس، ثم غسل باقي الجسد، وهو ما نص عليه في ((المختصر)) والأصحاب كافة. انتهى.
وما ذكره من استحباب الموالاة في التخليل، ناقلًا له عن الحدث ونص الشافعي والأصحاب قاطبةً- صريح في استحباب التثليث فيه، مع أن ذلك لم يرد لا في الحديث ولا في كلام الشافعي ولا كلام أصحابه.
واعلم أن ما ذكره من بعد هذا في الكلام على غسل المرأة موهم جدًا، فاعلمه، وتعلم صوابه من ((المهمات)).
قوله: وفي ((مسلم)): كان إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب.
قال: والحلاب: إناء ضخم يحلب فيه. انتهى.
هو بحاء مهملة مكسورة، كذا ضبطه ابن الأثير، ونقل عن الأزهري أن جماعة ضبطوه هكذا، ثم اختار الأزهري أنه بجيم مضمومة، وهو ماء الورد، فارسي معرب.
قوله: والسك- بضم السين-: طيبٌ معجون بالمسك، فإن لم يكن فيه مسك سمي سكيكة. انتهى.
والسين مضمومة، والسكيكة: تصغير ((السك)).
قوله: وقد أفهم قول الشيخ: والمستحب ألا ينقص الماء في الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مد- أن الزيادة على ذلك فيهما ليست مكروهة، وكلام الأصحاب يدل على أن المستحب الاقتصار على الصاع والمد، لأن الرفق محبوب، وعليه يدل ما روي أنه- عليه الصلاة والسلام قال:((سيأتي أقوام يستقلون هذا، فمن رغب في سنتي وتمسك بها بعث معي في حظيرة القدس)). انتهى كلامه.
وما ذكره من أن كلام الأصحاب يدل على خلاف ما ذكره الشيخ عجيب، بل عبارة الأصحاب- حتى الرافعي في كتبه كلها، وكذلك النووي- كعبارة الشيخ، بل الذي ذكره الأصحاب في السنن لا يتصور معه في العادة الاقتصار على هذا القدر،
فكيف يتصور منهم القول باستحباب الاقتصار؟!
قوله: وصورة الغسل الذي لا ينتقض معه الوضوء: أن يولج في دبر ذكر أو فرج بهيمة، وكذا لو لف على ذكره خرقة وأولج في فرج امرأة على الصحيح، وبها صوره الشيخ أبو محمد، وعدل عن التصوير بما إذا نظر بشهوة فأنزل، لأن خروج المني عنده يحصل الحدثين كما ذهب إليه القاضي أبو الطيب.
ووجه ذلك بأنه لا يتصور خروج المني وحده، بل تخرج معه رطوبة يتعلق بها وجوب الوضوء، قال الإمام: وفي هذا نظر، فإن المني إذا انفصل طاهرًا، وتلك الرطوبة التي قدرناها ينبغي أن تكون نجسة ثم يجب الحكم بنجاسة المني. قلت: وهذا قاله الإمام، بناء على اعتقاد أن رطوبة باطن الذكر كرطوبة باطن فرج المرأة، وإنا المنع من الحكم بنجاسة رطوبة باطن الذكر: أنها لا تخرج كرطوبة فرج المرأة، وكلام غيره يدل على طهارتها. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن القاضي أبا الطيب قد جزم في ((تعليقه)) بأن المني لا ينقض الوضوء، ذكر ذلك في مسألة من وجب عليه وضوء وغسل.
الأمر الثاني: أن ما أسنده المصنف إلى الشيخ أبي محمد من أن خروج المني ناقض، ومن تعليله بكونه لا يتصور خروجه وحده- ليس كذلك، بل الذي ذكر هذا كله هو الإمام نفسه، ولم يسنده إلى أحد، ثم اعترض عليه بما ذكره المصنف.