الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قسم الصدقات
قوله: ولو كان المخرج بعيرًا جموحًا كان على المالك العقال، لقول أبي بكر:((والله، لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم عليه))، قاله القاضي الحسين في كتاب الجنايات، لكنه قال في أول الزكاة: إن المالك يسترده. والمذكور في ((التتمة)) قبيل الفصل الثالث المعقود للتمكن هو الأول، وقد قيل: إنه- عليه السلام أراد بالعقال صدقة عام، فإنه يطلق عليها في اللغة. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن كلامه يوهم أو يقتضي أن المتولي صرح بالرد حتى تكون المسألة خلافية، وليس كذلك، فقد راجعت كلام المتولي فلم أر فيه إلا وجوب تسليمه به على وفق ما نقله عن القاضي أولًا، وحينئذ فما قاله القاضي في الزكاة زيادة لا معارض لها.
الأمر الثاني: أن تعبيره في آخر كلامه بقوله: إنه- عليه الصلاة والسلام أراد بالعقال صدقة عام، ذهولٌ عجيب، فإن هذا اللفظ من كلام أبي بكر لا من كلامه، عليه السلام.
قوله- في الحديث-: ((من أعطاها مؤتجرًا فله أجرة المؤتجر)) بكسر الجيم على وزن ((المقتدر)) و ((المنتظر)).
هو قاصد الأجر.
قوله: وإن مات وعليه زكاة مال ودين لآدمي فأقوال، أصحها: تقديم الزكاة، والثاني: الدين، والثالث: تقسيم ينهما.
ثم قال: ولو اجتمع الدين وزكاة الفطر فقيل بإجراء الأقوال، وقيل: إن كانت التركة عبدًا والفطرة عنه قدمت الفطرة قولًا واحدًا، لأنها متعلقة به فأشبه أرش الجناية، وهذه الطريقة هي التي نص عليها في ((المختصر)) حيث قال: ولو مات بعد أن أهل شوال وله رقيق، فزكاة الفطرة عنه وعنهم في ماله مبدأة على الديون. انتهى كلامه.
وما ذكره من دلالة نص ((المختصر)) مع الطريقة المتقدمة على شيء واحد، ذهول
عجيب، فإن الطريقة محلها في فطرة العبد خاصة دون فطرة نفسه، والتعليل بمشابهة أرش الجناية يوضحه- أيضًا- والنص قائل به في العبد وفي نفسه، والتعليل بأرش الجناية لا يأتي في الحر.
قوله- في المسألة: وفي ((الرافعي)): أن الروياني حكى طريقة قاطعة بتقديم فطرة نفسه، لقلتها في الغالب، والذي رأيته في ((البحر)) و ((الحاوي)): أن ابن سلمة قال: إن الفطرة تقدم على الدين قولًا واحدًا، لقلتها في الغالب وتعلقها بالرقبة، زاد الماوردي: فاستحقت كأرش الجناية. وهذا هو عين الطريق السابق، لكن الروياني حكى الطريقة الأولى، ثم حكى عن ابن سلمة ما ذكرناه، فظن أنه غيره. انتهى.
وما ذكره في آخر كلامه عن ((البحر)) يقتضي اتحاد ما قاله ابن سلمة مع الطريقة المتقدمة، لاسيما مع تأكيده بقوله: فظن أنه غيره، وليس الأمر كما توهمه، فإن صاحب ((البحر)) قد حكى عن أبي إسحاق أنها- أي فطرة العبد- تحتمل وجهين: أحدهما: أنها كفطرة نفسه حتى تتخرج على الأقوال الثلاثة في اجتماع الدين والزكاة، والثاني: القطع بتقديمها. ثم حكى عن ابن سلمة تقديمها قطعًا من غير تردد، وهذا غير الأول، لكن اعتراض المصنف على الرافعي صحيح، وقد أوضحته في ((المهمات)).
قوله: واعلم أن النووي- رحمه الله قال: إن تعبير الأصحاب في التعجيل بقولهم: وأن يسلف بمسألة الفقراء ونحو ذلك، المراد به: جميع أصناف الزكاة، من باب التعبير بالبعض عن الكل، وخصوا به الفقراء، لأنهم أهم الأصناف. قلت: ويجوز أن يحمل كلامهم على حقيقته، لأن للإمام أن يصرف زكاة الواحد لواحد من الأصناف، وحينئذ فلا حاجة إلى صرف اللفظ عن حقيقته. انتهى كلامه.
وما نقله عن النووي قد ذكره- أيضًا- الرافعي، والكلام الذي ذكره المصنف وإن كان صحيحًا في نفسه إلا أن الحكم أنه ليس خاصًا بالفقراء، بل سائر الأصناف كذلك- أيضًا- فيكون ذكر الفقهاء من باب التمثيل، فلابد من صرف اللفظ عن حقيقته.
قوله: وإن عجل شاة، أي: جارة في الحول، عن مائة وعشرين، ثم نتجت شاةٌ سخلةً قبل الحول-ضم المخرج إلى ماله، ولزمه شاة أخرى.
ثم قال بعد ذلك: أما لو كانت المعجلة غير جارية في الحول، لكونه ابتاعها، فأخرجها، أو كانت معلوفة- فلا يلزمه شيء آخر، صرح به الرافعي والقاضي
الحسين. انتهى كلامه.
وما ذكره من عدم لزوم شيء آخر في هذه المسألة غلط فاحش، بل تلزمه شاة أخرى بلا خلاف، وإن كان المخرج معلوفًا أو مشترى، لأن المال الذي عجل الزكاة عنه نصاب تام، وحينئذ فلا يتوقف إيجاب الشاة الثانية إلا على واحدة فقط، لأن الفرض أنه لم ينقص شيء، وقد وجدت تلك الواحدة، بل إيجاب الشاة الأخرى فيما إذا اشترى وأخرج أو كانت معلوفة، أولى مما إذا أخرج من الذي عنده، لأن الذي عنده والحالة هذه باقٍ على حاله، بخلاف ما إذا أخرج من الذي عنده، فإنه قد نقص حسًا، ولهذا لم يجعل أبو حنيفة له أثرًا، وأصحابنا يقولون: لا أثر للنقصان الحسي، ويجعلون المخرج كالمقدر على ملكه، فظهر أنه سهو.
وأما نقله ذلك عن القاضي حسين فغلظٌ سببه الانتقال من مسألة على مسألة، فإن القاضي قال: والمعجل عندنا يقع عن الفرض، وعند أبي حنيفة يقع عن النفل، فلو عجل شاة في مائة وعشرين، ثم نتج واحدة- فعندنا: يلزمه أن يعطي شاة أخرى، وعنده: لا يلزمه، لأن عندنا المعجل مضموم إلى ملكه حكمًا. ولو كان له مائتا شاة، فعجل شاتين منها، ثم نتجت واحدة عند آخر الحول- أخرج شاة أخرى. وكذلك لو عجل من ألف شاة عشر شياه، ثم تلفت وبقي أربعمائة إلا عشرة- يضم المؤدى إلى ما عنده حتى تصير أربعمائة، ونوجب عليه أربع شياه، وله أن يسترد ست شياه. هذا كله إذا عجل من عين النصاب الذي انعقد عليه الحول، فأما إذا كان له مائة وعشرون شاة إلا واحدة، فاشترى شاة، وأعطى إلى المساكين، أو كان له شاة معلوفة فأعطاها إلى المساكين، ونتجت واحدة عند الحول- لا نوجب عليه شاة أخرى، لأن المعجل لم يكن مما انعقد عليه الحول، ولو بقي ذلك في ملكه لم يكن مضمومًا إلى ما عنده حتى نوجب عليه شاتين.
هذا كله كلام القاضي الحسين، وهو صحيح: فأما ما ذكره في المسالة الأخيرة فواضح، لأنه فرضها في مائة وتسعة عشر، وحينئذٍ فلا يتأتى ضم المخرج إلى ما عنده، وأما تعبيره قبل ذلك بقوله: هذا كله إذا عجل من عين النصاب، فلأنه قد ذكر قبل ذلك ما إذا ملك ألفًا فعجل عنها عشر شياه، ثم تلفت ولم يبق منها إلا ثلاثمائة وتسعون، فإنه لابد من التفصيل الذي ذكره، وذلك لأنه إن أخرج من عينها فالمخرج كالباقي عنده، فيكون عند حولان الحول كأنه مالك لأربعمائة فيجب عليه أربع شياه، ويسترد ستًا وإن أخرج مما لم ينعقد عليه الحول فلا يجب عليه إلا ثلاث شياه، لأنها
واجب ثلاثمائة وتسعين، فاعلم ذلك كله.
وأما نقله ذلك عن الرافعي فموجود فيه كما قال، ولا شك أنه نقل ذلك عن البغوي على عادته فلم ينقله على وجهه، والرافعي هو الموقع للمصنف في غلطه في النقل عن القاضي الحسين، فإنه لما رأى ذلك في كلام الرافعي ارتسم في ذهنه بحيث حمل كلام القاضي عليه، ولم يتأمله حق التأمل.
قوله: وجمع ((السخلة)): سخال- بكسر السين- وسخلٌ، وهو ولد الضأن والمعز، يطلق على الذكر والأنثى إلى استكمال أربعة أشهر. انتهى.
لم يضبط الجمع الثاني، وهو أهم من ضبط الأول، وهو- أي ((سخل)) بفتح السين وسكون الخاء، كـ ((تمرة وتمر))، كذا ضبطه الجوهري.
قوله: ثم إذا أوجبنا قيمة المعجل فبأي وقت تعتبر؟ فيه أوجه: أحدها: قيمة وقت القبض، والثاني: قيمة يوم التلف، وحكى البندنيجي عوضه: قيمة يوم الاسترجاع، فإن صح كان ثالثًا، والرابع: أقصى القيم. انتهى ملخصًا.
وما نقله المصنف عن البندنيجي قد رأيته في ((تعليقه)) - كما ذكره المصنف عنه- ولكن من النسخة التي كان ينقل منها، والظاهر أنه سهو من الناسخ، لأن الفرض أن المعجل تالف، وقد رأيت ((الذخيرة)) للبندنيجي فلم يذكر فيها يوم الاسترجاع، بل ذكر عوضه يوم التلف. نعم، نقله عنه- أيضًا- النووي في ((شرح المهذب)) كما نقله عنه المصنف وقال: إنه غلط. فيجوز أن يكونا قد نقلا من نسخة واحدة.
قوله: فروع: إذا أتلف المالك النصاب أو بعضه بعد التعجيل فأصح الوجهين: أنه كما لو تلف بنفسه حتى يسترجع.
ثم قال ما نصه: والثاني: لا، لأنه يريد نقض الأداء بقصده. قيل: وقضية هذا التعليل ألا يجري هذا الوجه فيما إذا أتلفه إنفاقًا أو لحاجة. انتهى لفظه.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ذكره استنباطًا من التعليل، واقتضى كلامه عدم الوقوف عليه- غريب، فقد ص رح به في ((شرح المهذب)) فقال: قال أصحابنا: إن كان لحاجة- كالنفقة، أو للخوف عليه، أو ذبحه للأكل وغير ذلك- ثبت الرجوع قطعًا. هذه عبارته، وعبر في ((الروضة)) بنحوها أيضًا.
الثاني: أن كون التعليل يقتضيه أو لا غير محتاج إلى نقل، بل يكفي فيه عرضه على فكرته. ثم إن التقسيم إلى الإنفاق أو الحاجة في غاية الركة، ولا شك أن أصل هذا قد
أخذه من الرافعي إلا أنه غيره إلى ما يراه، فإن الرافعي قد عبر بقوله: وقيل: لا، لتقصيره، وقضية هذا التعليل: ألا يجري الخلاف فيما إذا أتلفه بالإنفاق وغيره من وجوه الحاجات. هذه عبارته، وهي حسنة.
الثالث: أن الخلاف في إتلاف بعض النصاب نقله الرافعي عن تخريج الإصطخري، ومثل بما إذا ملك مائتين، فعجل عنها خمسة، ثم أتلف درهمًا واحدًا، وقد صرح به- أيضًا- في ((البحر))، وعلل منع السقوط بقوله: لأنه متهم في إتلاف درهم لاسترجاع خمسة. وهذا التعليل يقتضي أنه لا يطرد في الكثير، لأنه علله بمتهم خاصة، لا مطلق التهمة.
قوله: أما إذا لم يبين أنها زكاة معجلة، ولا علم بها القابض- فالمنصوص في ((المختصر)): أنه إن كان الدافع هو المالك لم يرجع، وإن كان هو الإمام رجع. فاختلفوا على طرق، أصحها- وبه قال العراقيون وبعض المراوزة-: تقرير النصين، والثانية: أن فيهما قولين بالنقل والتخريج، والثالثة: لا رجوع فيهما قطعًا، وتأويل النص في الإمام.
ثم قال ما نصه: قال الرافعي: وهذا الطريق هو الذي أورده الجامعون لطريقة القفال، وصححها في ((الإبانة))، وذكر في ((الشامل)) أن الشيخ أبا حامد حكاها- أيضًا- والأظهر: أنه لا يثبت الرجوع، سواء أثبتنا الخلاف أم لا، وهو فيما إذا دفع المالك بنفسه أولى وأظهر. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما أفهمه كلامه من نسبه أواخر الكلام كله إلى الرافعي هو كذلك، إلا النقل عن ((إبانة)) الرافعي، فإن الرافعي لم يذكره.
الأمر الثاني: أن ما ذكره في آخره من تصحيح عدم الرجوع في المسألتين إذا لم نثبت فيهما الخلاف، بل قررنا النصين- عجيبٌ لا ينتظم. نعم، تستقيم هذه العبارة- أعني التعبير بقوله: سواء أثبتنا الخلاف أم لا- إذا كانت الطريقة القاطعة موافقة للصحيح، ولا شك أن الرافعي نقلها من مثل ذلك المواطن إلى هاهنا ذهولًا، فتبعه المصنف.
قوله: ويأتي فيما إذا كان ذهبًا أو فضة وجه: أنه لا ينضم، بناء على أن الدين لا زكاة فيه. انتهى.
وما ذكره من كون الدين لا تجب فيه الزكاة مطلقًا على وجهٍ، كلامٌ باطل سبق
التنبيه عليه في أوائل الزكاة، فراجعه.
قوله: ويجوز أن يدفع الزكاة إلى الإمام، لأنه نائب المستحقين. نعم، هل له المطالبة بها بأن يقول له: إما أن تدفع بنفسك، أو تدفع لي حتى أوصلها لهم؟ قال الرافعي: فيه وجهان في بعض الشروح. وهذا الكلام من الرافعي يقتضي فرض الخلاف في حالة امتناع رب المال من الدفع، والمتولي ذكر الوجهين في حق من علم الإمام أنه يخرج الزكاة. انتهى.
وما توهمه من فرض الرافعي الوجهين عند الامتناع، عجيب سبقه إليه النووي- أيضًا- ولعله الذي أوقعه فيه، بل حاصل كلام الرافعي فرض المسألة فيما إذا كان المالك يؤديها لكن لا بنفسه، بل بوكيله، ولهذا عبر بقوله: إما أن تدفع بنفسك، فتأمله. وقد بسطت المسألة في ((المهمات)) فراجعها في الكلام على الأموال الباطنة.
وفي الأفضل ثلاثة أوجه، أحدها: أن يفرق بنفسه، والثاني: أن يدفع إلى الإمام وإن كان جائزًا، لما روى مسلم عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن ناسًا من المصدقين يأتوننا ليظلمونا، فقال أرضوا مصدقيكم. انتهى.
وهذا إنما هو استدلال على الأموال الظاهرة، وكلامه في الباطنة.
قوله: وقال بعضهم: إن زكاة الفطر من الأموال الظاهرة، ونقله الماوردي عن الأصحاب. انتهى.
لكن الماوردي اختار مع ذلك خلافه، فتفطن له، فإذا المتبادر إلى الذهن من هذا الكلام غيره.
قوله: أما الصبي والمجنون فينوى عنهما الولي وجوبًا، لأن المؤدى عنه ليس أهلًا للنية، ومساق التعليل يقتضي منع إلحاق السفيه بهما، لأنه من أهل النية، وفي الاعتداد بنيته نظر. انتهى كلامه.
وهذه المسألة التي توقف فيها فيها ولم يظفر فيها بنقل قد صرح بها الجرجاني في ((الشافي))، فقال- بعد أن ذكر وجوبها على الصبي والمجنون والسفيه-: ويخرجها الولي عنهم وينوي لهم. هذه عبارته، وصرح بها- أيضًا- النووي في ((شرح المهذب)) فقال: إن ولي الثلاثة يلزمه النية بالاتفاق، فلو دفع من غير نية لم تقع الموقع، وضمن، صرح به ابن كج والرافعي وغيرهما. انتهى. مع أن الرافعي لم يذكر
المسألة، ثم إن المغمى عليه قد يولى عليه كما هو مذكور في الحجر، وحينئذٍ فينوي عنه الولي أيضًا.
قوله: ويجوز أن ينوي قبل حال الدفع، أي: وبعد العزل.
ثم قال: والزكاة في ذلك كالكفارة بلا فرق. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن تقييد المسألة بما بعد العزل حتى تمتنع- أيضًا- في المقارنة له خطأ، بل تصح عند الاقتران- مخالف للمنقول، بل صورته: أن ينوي مع العزل. كذا صرح به خلائق كثيرون، وجزم به النووي في ((شرح المهذب)) وقال: لا خلاف فيه. وإن كان- أي النووي- قد ذكر في الفصل ما يقتضي خلافه كما أوضحته في ((المهمات))، وقد ذكره المصنف في الكلام على كفارة الظهار على الصواب، فإنه ذكر تقديم الزكاة والكفارة، ثم نقل عن الماوردي اشتراط المقارنة، ولم يذكر غيره.
الأمر الثاني: أن المصنف في كتاب الأيمان في الكلام على كفارة اليمين قد نقل عن الماوردي: أن الوكيل إذا نوى التكفير، ولم ينو رب المال- أجزأه، على خلاف ما قالوه هاهنا، فيحتاج للفرق.
قوله: ومؤلفة المسلمين ضربان: ضرب لهم شرف يرجى بعطيتهم إسلام نظرائهم، وقوم يرجى حسن إسلامهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم، لأنه أعطى الزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم وهما من الضرب الأول، وأعطى صفوان بن أمية والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن كلا منهم مائة من الإبل وهم من الضرب الثاني. انتهى كلامه.
فيه أمران يعرفان من كلام الشافعي في ((المختصر))، فإنه قال فيه ما نصه: وأعطى صفوان ابن أمية ولم يسلم، ولكنه أعاره أداة.
ثم قال بعد ذلك: والذي أحفظه فيه من متقدم الخبر: أن عدي بن حاتم جاء لأبي بكر الصديق- أحسبه- بثلاثمائة من الإبل من صدقات قومه، أعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرًا، وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد. هذا لفظ الشافعي بحروفه.
إذا علمت ذلك فأحد الأمرين في نسبة إعطاء عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علمت ن نص الشافعي أن الذي أعطاه ذلك هو أبو بكر، رضي الله عنه!
والثاني: أنه عد صفوان بن أمية مع الذين أعطى لهم، لكونهم من مؤلفة المسلمين، مع أنه كان مشركًا كما قاله الشافعي، ويدل عليه: أن إعطاءه المائة كان من مال هوازن في وقعة حنين، وكان إذ ذاك مشركًا، وإسلامه وقع بعد ذلك كما هو معروف، وقد
صرح بذلك النووي في ((شرح المهذب)) فقال: حديث إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم مؤلفة الكفار صحيح مشهور، من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية من غنائم حنين، وصفوان يومئذ كافر. هذا كلامه، وقد وقع صاحب ((المهذب)) في الأمرين معًا، فلم يتكلم النووي في ((شرحه)) على إعطاء عدي بالكلية، ولما ذكر حديث صفوان ذكره على الصواب، ولم ينبه على ما وقع في ((المهذب))، وكأنه ظن أن الشيخ ذكره على وجهه فلم يناقشه، والموقع للمصنف في الاعتراضين المذكورين: أن الرافعي ذكرها هكذا تبعًا لصاحب ((التتمة)) في عدي، وللقاضي الحسين في صفوان.
قوله: ولو فقد الصنف في بلد المال ووجد في غيره ففيه ثلاث طرق، إحداها- قالها الماوردي-: أنه ينقل سهم الغزاة، وفي غيرهم وجهان، أحدهما: لا، بل يصرف إلى الموجودين، والثاني: نعم.
ثم قال: والطريقة الثالثة: إجراء الوجهين في جميع الأصناف، بناء على القولين في جواز النقل: فإن قلنا: يجوز، جاز هنا، وإلا فلا يجوز، وهذه طريقة أبي علي بن أبي هريرة، وقد صحح الأول منهما الغزالي والرافعي والقاضي أبو الطيب في أثناء كلامه، وصحح الثاني القاضي الحسين وغيره. انتهى كلامه.
وما دل عليه كلامه من أن الغزالي والرافعي وأبا الطيب قد صححوا الأول- وهو جاز النقل- غلط:
أما الغزالي فقد قال ما نصه: فعلى وجهين، أظهرهما: الرد على الباقين، لعسر النقل. هذا لفظه في ((الوجيز))، ولم يصحح شيئًا في ((الوسيط)) وغيره.
وأما الرافعي فعبر بقوله: أصحهما: الرد إلى الباقين.
وأما القاضي فنقل عن ابن أبي هريرة: أنه مبني على جواز النقل. ولم يزد على ذلك، وقد صحح القاضي المذكور قبل ذلك: أن النقل ممتنع، فلزم امتناع هذه. واعلم أنه لا يمكن عود ما نقله عن المذكورين إلى الطريقة الأولى، لأنهم لم يذكروها بالكلية.
تنبيه: وقع في الباب ألفاظ:
منها: ما تقدم.
ومنها في حديث خالد: وأعتده، وشرحه مذكور في الوقف وغيره.
ومنها: حجية بن عدي، هو بحاء مهملة مضمومة، ثم جيم مفتوحة بعدها ياء للنسب.
ومنها: قال الإمام: الفقير: من لا يملك سبدًا ولا لبدًا، ولا طارفًا لا تالدًا.
أما ((السبد)) - فبسين مهملة ثم باء موحدة مفتوحتين، ودال مهملة- فهو القليل، و ((اللبد)) - بالفتح والموحدة أيضًا- هو الكثير، يقال: ما له سبد ولا لبد، أي: لا قليل ولا كثير، و ((السبد)) أصله للشعر النابت، واللبد أصله للصوف، ومنه سمي ((اللباد)). وأما ((التالد)) فهو الحيوان القديم الذي ولد عندك، وكذلك ((التلاد)) وأصل بابه واوٌ، و ((الطارف)) - بطاء وراء مهملتين- عكسه.