المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كفارة الإحرام - الهداية إلى أوهام الكفاية - جـ ٢٠

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب السواك

- ‌باب صفة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وسننه

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب ما ينقض الوضوء

- ‌باب الاستطابة

- ‌باب ما يوجب الغسل

- ‌باب صفة الغسل

- ‌باب الغسل المسنون

- ‌باب التيمم

- ‌باب الحيض

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب مواقيت الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب طهارة البدن والثوب وموضع الصلاة

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب فروض الصلاة

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌باب ما يفسد الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صفة الأئمة

- ‌باب موقف الإمام والمأموم

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب ما يكره لبسه وما لا يكره

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب هيئة الجمعة

- ‌باب صلاة العيد

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌باب ما يفعل بالميت

- ‌باب غسل الميت

- ‌باب الكفن

- ‌باب الصلاة على الميت

- ‌باب حمل الجنازة والدفن

- ‌باب التعزية والبكاء على الميت

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب صدقة المواشي

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة الناض

- ‌باب زكاة المعدن والركاز

- ‌باب زكاة التجارة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب صدقة التطوع

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب صوم التطوع

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام وما يحرم فيه

- ‌باب كفارة الإحرام

- ‌باب صفة الحج

- ‌باب صفة العمرة

- ‌باب فرض الحج والعمرة وسننها

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الأضحية

- ‌باب العقيقة

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأطعمة

- ‌باب النذر

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب ما يتم به البيع

- ‌باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌باب الربا

- ‌باب بيع الأصول والثمار

- ‌باب بيع المصراة والرد بالعيب

- ‌باب بيع المرابحة والنجش، والبيع على بيع أخيهوبيع الحاضر للبادي والتسعير والاحتكار

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب التفليس

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب العارية

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌باب العبد المأذون

- ‌باب المساقاة

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب الجعالة

- ‌باب المسابقة

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوقف

- ‌باب الهبة

- ‌باب الوصية

- ‌باب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب عتق أم الولد

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب الفرائض

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب ما يحرم من النكاح

- ‌باب الخيار في النكاح والرد بالعيب

- ‌باب نكاح المشرك

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء والقسم والنشوز

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب عدد الطلاق والاستثناء فيه

- ‌باب الشرط في الطلاق

- ‌باب الشك في الطلاق وطلاق المريض

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌باب اللعان

- ‌باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب كفارة اليمين

- ‌باب العدد

- ‌باب الاستبراء

- ‌باب الرضاع

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الزوجات

- ‌باب نفقة الأقارب والرقيق والبهائم

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب من يجب عليه القصاص ومن لا يجب

- ‌باب ما يجب به القصاص من الجنايات

- ‌باب العفو والقصاص

- ‌باب ما تجب به الدية من الجنايات

- ‌باب الديات

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب قتال البغاة

- ‌باب قتال المشركين

- ‌باب قسم الفيء والغنيمة

- ‌باب عقد الذمة وضر بالجزية

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد قاطع الطريق

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب التعزير

- ‌باب أدب السلطان

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب ولاية القضاء وأدب القاضي

- ‌باب صفة القضاء

- ‌باب القسمة

الفصل: ‌باب كفارة الإحرام

‌باب كفارة الإحرام

قوله: تنبيهان: أحدهما: أن كلام الشيخ يفهم أن المباشرة فيما دون الفرج بغير شهوة لا توجب الكفارة، وظني أني رأيته كذلك في كتب العراقيين، ويؤيده تقييدهم إيجاب الفدية بوجود الشهوة، سواء أنزل أم لم تنزل، لكن الماوردي قال فيما إذا قبل زوجته بشهوة: وجبت الفدية، وإنما قبلها وهو قاصد غير الشهوة، كما إذا قبل زوجته عند قدومه، وقصد تحية القادم، ولا شهوة- فلا تجب وإن لم يكن له قصد أصلًا، لكن ظاهر الحال يدل على أنه لم تكن شهوةٌ، كما إذا قبلها عند القدوم وهو غافل عن القصدين: فهل تجب؟ فيه وجهان، ووجه المنع: اعتبار ظاهر الحال، وهذا يدل على أن مجرد المباشرة توجب الفدية، إلا أن يقصد بغير شهوة. انتهى كلامه.

فيه أمران: أحدهما: أن توقفه لا وجه له، فإن المعروف أنه لا حرمة ولا فدية حتى قال النووي في ((شرح المهذب)): وأما اللمس بغير شهوة فليس بحرام بلا خلاف، ولا فدية فيه بلا خلاف، وأما قول الغزالي: تحرم كل مباشرة تنقض الوضوء، فغلطوه فيه، هذا لفظه. نعم، ما ذكره النووي في انفراد الغزالي بذلك وتغليظه، ليس بجيد، فإن الإمام قد جزم بذلك أيضًا.

الثاني: أن ما ادعاه من أن كلام الماودري يدل على إيجاب الفدية لمجرد المباشرة، غير مستقيم، لأن تقبيل المرأة موضوع للاستمتاع، فلا ينصرف إلا بقصده، فكيف يدل الإيجاب فيها على الإيجاب لمجرد المباشرة، مع أن المباشرة تتناول اللمس وغيره؟!

قوله: أما القارن: فإن فسد حجه بالجماع فسدت- أيضًا- عمرته، وإن لم يفسد، كما إذا وجد منه بعد الرمي وقبل الطواف- لم تفسد عمرته وإن لم يأت بشيء من أعمالها، وهذا بناء على الصحيح في أن الحج لا يفسد بالجماع بعد التحلل الأول، أما إذا قلنا بفساده فسدت- أيضًا- وبه قال الأودني. انتهى كلامه.

وحاصل ما نقله آخرًا عن الأدوني: أنه يوافق غيره في أن العمرة تبع للحج في الإفساد وعدمه، وأنه إنما أفسد العمرة في الحج بعد التحلل الأول، لأنه قائل بفساد

ص: 292

الحج، وما نقله عنه غلط لم أره في كلام أحد، فإن الأودني قائل بأن الحج لا يفسد، ولكن تفسد العمرة، لأنه لم يأت بشيء من أعمالها، هكذا ذكره البغوي والرافعي والنووي، وجميع من تعرض للنقل عنه، فالتبس الأمر على المصنف.

قوله: أما إذا جامع الصبي فقد تقدم ذكر الخلاف في أنه هل يفسد نسكه، أو لا بناء، على أنه يسلك بعمده مسلك عمد البالغ أم لا؟ ويظهر أن يكون جماع المجنون إذا صح إحرامه كذلك، ولو جامع ناسيًا أو جاهلًا فقد تقدم حكمه. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره في المجنون يقتضي أنه لم يقف فيه على نقل، وهو غريب، فإنه جريان قولي الناسي فيه مشهور في كتب المذهب، حتى في ((الرافعي)) وإن كان الرافعي قد مثل بما إذا أحرم عاقلًا ثم جن، لكنه لا فرق.

الأمر الثاني: أن ما ذكره من أن وطء الناسي تقدم فصحيح، وموضعه في الباب السابق، وهو باب الإحرام، لا في هذا الباب، فإنه لم يذكره، وأما ذكره من تقدم وطء الجاهل فليس كذلك، فإنه لا ذكر له في الباب الذي نحن فيه. ولا فيما قبله.

قوله: ويجب عليه القضاء: أما في الحج، فلما روي أن رجلًا أفسد حجه، فسال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه فقال: تقضي من قابل. ثم سأل ابن عباس- رضي الله عنهما فقال: تقضي من قابل. ثم سأل ابن عمر- رضي الله عنهما فقال مثل ما قالاه، ولا يعرف لهم مخالف. انتهى كلامه.

وهذه القصة التي ذكرها قد غلط في حكايتها، فإن عمر لا ذكر له فيها، وقد ذكر القصة جماعة من أصحابنا المحدثين والفقهاء، ومنهم البيهقي في ((سننه))، ونقله عنه النووي في ((شرح المهذب))، فروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه: أن رجلًا أتى عبد الله بن عمرو- يعني ابن العاص- فسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله. قال شعيب: فلم يعرفه الرجل، فذهب معه فسألت ابن عمر، فقال: بطل حجك، فقال الرجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع الناس واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلًا فحج وأهد، فرجع على عبد الله بن عمرو وأنا معه، فأخبره، فقال: اذهب على ابن عباس فاسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو وأنا معه، فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول أنت؟ فقال: قولي مثل ما قالا. قال البيهقي: إسناده صحيح. قال: وفيه دليل على صحة سماع شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص من جده عبد الله بن عمرو. انتهى.

ص: 293

قوله: ويجب عليه القضاء من حيث أحرم، لأنه تعين عليه بالشروع فيه.

ثم قال ما نصه: وهذا بخلاف ما لو أحرم في أول أشهر الحج بالحج أو بالعمرة في شهر من شهور السنة، لا يلزمه قضاء الإحرام في ذلك الوقت، والفرق: أن الإحرام من الأمكنة المعينة مما يلزم بالنذر، فلزم بالشروع، ولا كذلك الأزمنة، فإنه لو نذر الإحرام من أول شوال- مثلًا- لم يجب عليه مراعاة الزمان في إحرامه، قال الرافعي: وهذا الفرق لا يسلم عن نزاع، وقد قال القاضي الحسين: إن فيه إشكالًا، لأن طول الإحرام عبادة، وما كان عبادة يلزم بالنذر. انتهى كلامه.

وفيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره هاهنا من أن زمان الإحرام لا يتعين بالنذر، ولم يحك فيه خلافًا- قد ناقضه في كتاب النذر، فإنه حكى فيه وفي تعيين مكان الإحرام وجهين، وصحح منهما التعيين، وستعرف لفظه في موضعه.

الأمر الثاني: أن كلامه في النقل عن القاضي يوهم أنه مستشكل لهذا الحكم، لا قائل باللزوم، وليس كذلك، بل قد ذهب إلى أن الزمان كالمكان في وجوب الإحرام منه بالنذر وبالإفساد، كذا نقله عنه تلميذه صاحب ((التتمة)) في الاستئجار للحج في الكلام على تعيين الميقات.

قوله: ولو كان قد أحرم في الأداء دون الميقات نظر: فإن كان قد عاد إلى وطنه أحرم في القضاء من الميقات، وإن لم تعد إليه فكذلك على أحد الوجهين، وهو المختار في ((المرشد)) وغيره، وبه جزم البغوي وغيره. ومقابله: أنه يحرم به من حيث أحرم في الأداء، وهو ما اقتضاه إطلاق الشيخ، وصححه الشيخ أبو علي. انتهى كلامه.

وما نقله عن صاحب ((التهذيب)) من أنه إذا لم يعد يجب عليه- أيضًا- أن يحرم من الميقات، وأنه جزم بذلك- غلط، فإن صاحب ((التهذيب)) لم يذكر هذه المسألة، وإنما تكلم فيما إذا عاد، ففي ((التهذيب)) لم يذكر هذه المسألة، وإنما تكلم فيما إذا عاد، ففي ((التهذيب)) ما نصه: قال الشيخ: فإن كان قد جاوز الميقات غير مريد للنسك، ثم بدا له أن يحرم، فأحرم، ثم أفسد الحج- قال- رحمه الله: يجب أن يحرم من الميقات في القضاء، فإن جاوزه ثم أحرم فعليه دم، لأنه جاوزه مريدًا للنسك. هذا لفظه، فهذا التعليل الذي ذكره، وهو المجاوزة على إرادة النسك- يبين أن صورة المسألة فيما إذا عاد إلى بلده كما هو الغالب، أو ما هو في معنى بلده مما يحاذي الميقات أو فوقه، وانتهى إلى الميقات على قصد النسك، وإلا لم يصح التعليل المذكور، فإنه قد يجاوز الميقات لحاجة، ثم يعن له عند انتهائه إلى

ص: 294

المكان الذي أحرم فيه بالأداء أن يحرم بالقضاء. واعلم أن هذه المسألة قد بسطتها في كتاب ((المهمات)) فلتطالع منها.

قوله: وأما الكفارة الواجبة من غير عدوان فهي على التراخي لا محالة. انتهى.

وما اقتضاه كلامه من نفي الخلاف ليس كذلك، فقد حكى هو خلافًا في كفارة القتل من ((شرح الوسيط)).

قوله: والبدنة- لغة- تطلق على الذكر والأنثى، صرح به صاحب ((العين))، وقال كثير من أئمة اللغة أو أكثرهم: إنها تطلق على البعير والبقرة.

وقال الأزهري: تكون من الإبل والبقر والغنم. انتهى كلامه.

وما نقله- رحمه الله عن الأزهري من أن البدنة تطلق على الثلاثة، غلط سببه تقليده للنووي، فإنه قد وقع له- أيضًا- هذا الغلط في ((لغات التنبيه)) و ((تهذيب الأسماء واللغات)) وغيرهما، والمصنف ينقل في هذا الكتاب ما في ((لغات التنبيه)) بحروفه غالبًا، وقد راجعت كلام الأزهري في ((شرحه)) لألفاظ ((مختصر)) المزني، وهو الذي ينقل النووي منه، فقال ما نصه: والبدنة لا تكون إلا من الإبل خاصة، وأما الهدي فيكون من الإبل والبقر والغنم. هذا لفظه، ومن كلامه نقلت، فسقط من قوله:((لا تكون)) إلى قوله: ((يكون))، إما لغلط في النسخة التي وقعت للنووي، أو لانتقال نظره من أحد الموضعين إلى الآخر كما يقع كثيرًا، ويدل على ما قلت من السقوط أو انتقال النظر: أنه في ((نكت التنبيه)) نقل ما قاله الأزهري قبيل هذا الكلام بلفظه، ثم قال في آخره ما نصه. قال- يعني الأزهي- والبدنة لا تكون إلا من الإبل والبقر والغنم. وقد راجعت- أيضًا- كلام الأزهري في كتابه الكبير المسمى بـ ((التهذيب)) فرأيت فيه أن البدنة لا تطلق على الشاة، ولكنه نقل إطلاقها على البقرة- أيضًا- فقال ما نصه: قال الليث وغيره: البدنة- بالباء- تقع على الناقة والبقر والبعير الذكر مما يجوز في الهدي والأضاحي، ولا تقع على الشاة. هذا لفظه بحروفه، ولم يذكر ما يخالفه، وإن كان مخالفًا لكلامه على ((المختصر)).

قوله: نعم، اختلفوا في البدنة والبقرة والغنم الواجبة على المجامع: هل هي على الترتيب أو التخيير؟ على وجهين، ووجه الأول بأنه لما كانت كفارة الوطء أغلظ كفارات الحج تقديرًا وجب أن تكون أغلظتها ترتيبًا، ووجه الآخر- وهو الصحيح والمنصوص في ((الأوسط)) -: أن البدنة لا تجب في الحج والعمرة إلا في قتل النعامة والإفساد، فلما وجبت في قتل النعامة على وجه التخيير اقتضى أن تجب في إفسادهما

ص: 295

على وجه التخيير، وهذه طريقة القاضي أبي الطيب والماوردي. انتهى كلامه.

وما ذكره من كون الصحيح هو التخيير، وأنه المنصوص عليه في ((الأوساط))، وأنها طريقة القاضي أبي الطيب والماوردي- فغلط في الجميع، فإن الصحيح المنصوص عليه في الكتاب المذكور، وقال به القاضيان أبو الطيب والماوردي- إنما هو الترتيب، فانعكس ذلك على المصنف، فأما كونه الصحيح فيكفي عن تعداد من صحح الترتيب ما قاله النووي في ((شرح المهذب))، فإنه قال: فيه طرق، أصحها عند المصنف وسائر الأصحاب، وهو المنصوص في ((المختصر)) وغيره، ونقله القاضي أبو الطيب في ((تعليقه)) عن نص الشافي في عامة كتبه-: أنه دم ترتيب. هذا كلامه، وأما القاضي أبو الطيب فقد قال: وهل يجب الترتيب في الثلاث؟ نص الشافعي على أنه يجب، وهو الصحيح، لأنه قال في ((الأوسط)): فإن لم يجد المفسد بدنة فبقرة، فإن لم يجد فسبعًا من الغنم، وإذا كان معسرًا عن هذا كله قومت البدنة بمكة. هذا لفظه، ونقله عنه- أيضًا- هكذا صاحب ((البحر))، وأما الماودري فقال بعد نقله له عن المنصوص: إنه أصح مذهب الشافعي.

قوله: وقيل: اختصر القاضي مجلي ما سبق في فداء الذكر بالأنثى وعكسه، فحكى فيه سبعة أوجه: أحدها: يجوز فداء أحدهما بالآخر، والثاني: لا، والثالث: تجزئ الأنثى عن الذكر، بخلاف العكس، والرابع: إن أراد الذبح لم تجزئ الأنثى عن الذكر، ويجزئ الذكر عن الأنثى، وإن أراد التقويم فبالعكس، والخامس: تعتبر القيمة وطيب اللحم، فإن كان أحدهما أكثر قيمة وأطيب لحمًا لم يجزئ عنه الأدون ولا الخبيث اللحم، ويجزئ الأكثر قيمة والأطيب عن الأدون والخبيث، والسادس: يجزئ الذكر عن الأنثى، وأما الأنثى عن الذكر: فإن كان صغيرين جاز، وإلا فلا. والسابع

انتهى ملخصًا.

ولم يبين- أعني ابن الرفعة- هذا الوجه وهو السابع، بل ترك موضعه بخطه بياضًا، وقد رأيته في ((الذخائر)) مبينًا، فقال: يجزئ الذكر عن الأنثى مطلقًا، وأما الأنثى عن الذكر فتجزئ إن لم تلد، فإن ولدت فلا. وقد ذكر المصنف بعض هذا الوجه في أوائل كلامه.

قوله: وقد قال الماوردي: إن الأصحاب لم يختلفوا في أن الأنثى أفضل عند إرادة التقويم. نعم، اختلفوا عند إرادة الذبح على قولين: أحدهما- وبه قال ابن أبي هريرة-: أنها أفضل أيضًا، والثاني: لا، وبه قال أبو إسحاق. انتهى.

ص: 296

ثم ذكر بعده عن القاضي أبي حامد نحوه، وادعى مغايرته لقول أبي إسحاق، مع أنه ليس مغايرًا له، فاعلمه.

قوله- في الكلام على قول الشيخ-: وإن أتلف ظبيًا ما خضًا ضمنه بقيمة شاة ماخض، وكذا أخذ عليه في قوله: بقيمة شاة، لأن الواجب عليه عنز، كما قال النووي، والشاة- كما ذكرنا- تطلق على الذكر والأنثى، وجواب هذا: أن الشيخ اتبع فيه الشافعي، والمراد: العنز. نعم، لو قال: بقيمة عنز، كان أوضح. انتهى كلامه.

وهذا السؤال الذي ذكره على هذا الوجه غلط، فإن الشاة وإن كانت تطلق على الذكر والأنثى، لكن الشيخ قد قيدها بكونها ماخضًا، فقال: بقيمة شاة ماخض، فاندفع احتمال إرادة الذكر وتعينت الأنثى. وهذا السؤال ذكره النووي في ((لغات التنبيه)) على وجه صحيح، فقال ما نصه: وقوله: بقيمة شاة، المراد: عنز، ولو قال بقيمة عنز، لكان أوضح. هذا لفظه من غير زيادة ولا نقصان، وهذا سؤال صحيح، فإن ((الشاة)) تطلق على الضأن والمعز، والواجب في الظبي إنما هو المعز، فلو قال: بقيمة عنز، فتعين الواجب، بخلاف الشاة، فتوهم ابن الرفعة أن السؤال جاء لكونها تطلق على الذكر والأنثى، فصرح به ذاهلًا عن ذكر ((الماخض)) بعد ذلك، فوقع في الغلط.

قوله: الثاني: قال الأزهري: قال الشافعي: الحمام: كل ما عب وهدر، وإن تفرقت أسماؤه إلى: اليمام، والدباسي، والقماري، والفواخت، وغيرها.

وقال الكسائي: الحمام: هو الذي لا يألف البيوت، وهو الوحشي، واليمام: هو الذي يألف البيوت.

وعن الأصمعي أنه قال: كل ذات طوق كالفواخت والقماري وأشباهها فهي حمام، وفي ((المهذب)): أنه ينظر في الطائر: فإن كان حمامًا- وهو الذي يعب ويهدر- كالذي تقتنيه الناس في البيوت والدبسي والقمري، فإنه يجب فيه شاة.

وهذا مغاير لجميع ما ذكرناه، فتأمله. انتهى كلامه.

وما ذكره من مغايرة كلام ((المهذب)) لجميع ما تقدم سهو، فإن الذي نقله عن ((المهذب)) هو عين ما نقله أولًا عن الأزهري نقلًا عن الشافعي، وذلك لأن في بعض نسخ ((المهذب)): والدبسي- بالواو- وهو الذي نقله عنه المصنف كما تقدم في عبارته، وعلى هذا فواضح، وفي بعضها: كالدبسي- بالكاف- وهو أيضًا عين المنقول عن الأزهري، غير أنه زاد فمثل بما يقتنى في البيوت بالدبسي والقمري، واقتناء ذلك فيها معلوم، وإن لم تكن تألف البيوت، فأين مخالفة هذا التفسير لما نقله الأزهري؟!

ص: 297

قوله- نقلًا عن الشيخ-: وإن جرح صيدًا له مثلٌ، فنقص عشر قيمته- لزمه عشر ثمن المثل، وعلى هذا يكون مخيرًا بين إخراج الطعام والصوم عن كل مد يومًا بلا خلاف، وهل يكون مع ذلك مخيرًا في التصدق بالدراهم وعشر المثل؟ قيل: نعم، وحينئذٍ يكون مخيرًا بين أربعة أشياء.

ثم قال ما نصه: وعليه ينطبق ما حكاه الرافعي عن ابن أبي هريرة: أن له إخراج القيمة وإن وجد شريكًا في الذبح معه. انتهى كلامه.

وما حكاه عن ابن أبي هريرة ليس كذلك، فإن الرافعي قال ما نصه: فعلى هذا- أي وجوب عشر القيمة- لو لم يرد الإطعام ولا الصيام، ما الذي يخرج؟ حكى القاضي الحسين عن بعضهم: أنه إن وجد شريكًا أخرجه- أي العشر- ولم يخرج الدراهم، وإلا فله إخراجها، وعن ابن أبي هريرة: أن له إخراجها وإن وجد شريكًا، وعن أبي إسحاق: أنه مخير بين إخراج العشر وبين إخراج الدراهم، فهذه ثلاثة أوجه. هذا لفظ الرافعي بحروفه، وهو صريح في مغايرة قول ابن أبي هريرة لقول التخيير بينهما، وإلالم تكن ثلاثة، وسبب ما وقع فيه المصنف: أنه نظر إلى قول الرافعي في النقل عن ابن أبي هريرة: إن له إخراجها، ذاهلًا عما بعده، فتوهم أنه قائل بعدم اللزوم.

قوله: وإن جرح صيدًا، فأزال امتناعه- ضمنه بكمال الجزاء، وقيل: يلزم أرش ما نقص، وهذا الثاني يحكى عن ابن سريج كما قاله الرافعي.

ثم قال ما نصه: وإن قلنا بالقول المنسوب إلى ابن سريج قومناه صحيحًا، ثم مندمل الجرح، فإذا عرف ما بينهما نقول: هو الواجب، أو نقدره من المثل إن كان الصيد مثليًا؟ فيه الخلاف السابق. انتهى.

وما ذكره في حكاية الخلاف مخالف لما قاله الأصحاب، حتى لما قاله الرافعي في كتبه والنووي في ((شرح المهذب)) مع تتبعه، فقال- أعني الرافعي-: والثاني، ويحكي عن ابن سريج: أنه يجب قدر النقصان.

ثم قال: فعلى هذا: يجب قسطه من المثل، أو من قيمة المثل؟ فيه الكلام السابق. هذا لفظه بحروفه، فعلمنا أن الذي لا يوجب الحصة من المثل يوجب التفاوت من قيمة المثل لا من الصيد، فكأنه سقط ذلك من لفظه، وأصله: فهل نقول: هو الواجب من المثل

قوله: واعلم أنه كما يحرم عليهما صيد الحرم يحرم الاصطياد فيه لصيد الحل،

ص: 298

مثل أن يرمي من الحرم سهمًا إلى صيد في الحل، أو يرسل عليه كلبًا، لأن كونه في الحرم يوجب تحريم الصيد عليه، كذا قال الأصحاب، وقد ألحقوا بذلك ما لو حبس صيدًا في الحرم وله فراخ في الحل، فماتت جوعًا، وقالوا: إنه يضمنها. وليس في كلام الشيخ تعرض لهاتين الصورتين، إلا أن يستعمل قوله: وصيد الحرم حرام، في معنيين مختلفين: وهو الاصطياد في الحرم، ونفس صيد الحرم، ولا يمكن ذلك، لأن اللفظ الواحد لا يستعمل كذلك، وأيضًا: فيعكر عليه قوله من بعد: فمن قبله منهما، فإنه يقوى أن مراده المعنى الثاني لا غير. انتهى كلامه.

واعلم أن تقرير المعنى الذي حاول حمل كلام الشيخ عليه: أن ((الصيد)) مصدر، والمصدر يصح إطلاقه على اسم المفعول مجازًا، كقولهم: درهم ضرب الأمير، أي: مضروبه، وحينئذٍ: فيصح أن يراد بالصيدٌ، المصيد مع إرادة المدلول الحقيقي وهو الاصطياد، وحاصله: الجمع في استعمال اللفظ الواحد بين حقيقته ومجازه. إذا علمت ذلك، فاعلم أن اذكره من عدم الإمكان، وتعليل ذلك بعدم جواز استعمال اللفظ الواحد كذلك- عجيب، فإن مذهب الشافعي- رضي الله عنه جواز هذا الاستعمال، - كما هو مشهور عنه في أصول الفقه- وقد أوضحته في ((شرح منهاج الأصول))، وقد نقله- أيضًا- النووي في كتاب الأيمان من ((الروضة)) في الكلام على ما إذا حلف: لا يشتري.

قوله- نقلًا عن الشيخ-: ويحرم على الحلال والمحرم قلع شجر الحرم، أي: إذا كان رطبًا.

ثم قال: أما إذا كان الشجر قد حف، فقلعه- فلا شيء عليه، قال القاضي الحسين: كما إذا قطع الصيد الميت إربًا إربًا، قال الماوردي والبندنيجي: ولا فرق في ذلك بين أن يستهلكه أم لا. انتهى كلامه.

واعلم أن المسألة التي يتكلم فيها المصنف على كلام الشيخ إنما هي مسالة القلع- باللام- ما تقدم من عبارة الشيخ وعبارته أيضًا. والذي ذكره القاضي الحسين إنما هو القطع- بالطاء- ولهذا قاسه على قطع الصيد، وأين إحداهما من الأخرى؟! فإنه لا يلزم من جواز القطع جواز القلع، ويؤيده الحشيش اليابس، فإنه يجوز قطعه لا قلعه، ولم يتكلم في ((الروضة)) ولا في ((شرح المهذب)) على قلع اليابس، بل كلامه ربما يوهم المنع، فإنه إنما عبر بالقطع. نعم، ذكر الماودري أن قلعه جائز كما نقله عنه المصنف.

ص: 299

قوله: ولك أن تقول: الخلاء- بفتح الخاء، مقصور- النابت ما دام رطبًا، وكذلك العشب، فإذا يبس فهو الحشيش والهشيم، ولا يقال له رطبًا: حشيش

إلى آخر كلامه.

اعلم: أن اختصاص الحشيش باليابس نقله البطليوسي في كتاب ((الاقتضاب شرح أدب الكتاب)) عن الأصمعي خاصة، ثم حكى عن أبي حاتم أنه سأل أبا عبيد، فقال: يكون للرطب واليابس. وهو يبطل ما ادعاه المصنف. ثم إن الجوهري قد قال في الكلام على ((حش)): إن الحشيش هو اليابس خاصة))، كما نقله المصنف، لكنه قال في لفظة ((خلا)): الخلا مقصور: هو الرطب من الحشيش. هذا كلامه، فجعل ((الحشيش)) يطلق على الرطب.

قوله: وألحق الأصحاب بجواز قطع الإذخر ما يتداوى به كالسنا، لأن إباحة الإذخر إنما كانت لأجل الانتفاع، فألحق به ما ينتفع به دواء، وفي ((الوسيط)) حكاية وجه آخر: أنه لا يلحق بالإذخر غيره- وإن مست إليها الحاجة كما في الإذخر- وحكاه الإمام عن رواية عن رواية صاحب ((التلخيص)). انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا النقل عن صاحب ((التخليص))، وحكاية نقله عن الإمام- غلط أيضًا، فإن صاحب ((التلخيص)) قال ما نصه: ولا يقطع من حشيش الحرم إلا ثلاثة، وهو الإذخر، وما كان لدواء، وما أنبته الناس. هذا لفظه بحروفه، ومنه نقلت، وأما الإمام فإنه إنما نقله عن الشيخ أبي على في ((شرح التلخيص)) فقال ما نصه: فلو مست الحاجة إلى شيء من كلأ الحرام في دواء فهل يجوز قطعة، تشيبهًا بالإذخر؟ فعلى وجهين ذكرهما الشيخ في ((شرح التخليص)). هذا لفظ الإمام بحروفه.

الأمر الثاني: أن حكاية الخلاف في جواز القطع للدواء غلط، فإن الإمام قد نقله عن الشيخ أبي علي كما تقدم، فتابع الإمام علي ذلك من جاء بعده كالغزالي والرافعي وغيرهما، مع أن المذكور- أعني الشيخ- إنما حكى التردد في وجوب الضمان خاصة، فقال بعد حكاية استثناء الثلاثة المتقدمة عن ((التلخيص)) ما نصه: والثاني: قال: ما كان لدواء فله قطعه. قلت: يحتمل إذا قطع أن يكون عليه الفدية، لأنه قطعه لحاجته، فصار كما لو قتل الصيد للمجاعة، واحتمل أن يكون الجواب على ما ذكره، لأنه إنما يبيح له قطع الحشيش للقبور والبيوت ولعلف الدواب للحاجة، وحاجته إلى الدواء أعظم من حاجته إلى علف الدابة، ولا تكون حاجته دون حاجة دابته، فلهذا

ص: 300

قلنا: لا شيء عليه. هذا كلام الشيخ أبي علي بحروفه، ومن ((شرحه)) نقلت، وحكاية الخلاف هكذا هو الصواب.

ثم إن الإمام قد حكاهما وجهين، والشيخ أبو علي إنما ذكرهما احتمالين له، لكنه قريب، فإن احتمالات أصحاب الوجوه عندهم ملحقة بالوجوه.

وقد ظهر لك من هذا الكلام غلط آخر وقع فيه المصنف، فإنه مع كونه قد غلط من شارح ((التلخيص)) إلى صاحب ((التخليص)) قد عبر عن الخلاف بقوله: رواه، فاقتضى أن يكون لغيره، وسببه: أن الإمام تصرف، فعبر بقوله: ذكرهما- كما تقدم- ثم إن المصنف تصرف في عبارة الإمام فعبر بقوله: رواه، فحصل الغلط، وهذه آفات النقل عن المتأخرين وعدم مراجعة الأصول. [أو].

قوله: قال- يعني الشيخ-: وما وجب على المحرم، أي: بسبب الإحرام، من طعام وجب تفرقته على مساكين الحرم كالهدي، لكن ما يعطى كل مسكين منهم؟ أطلق بعض الشراح فيه حكاية وجهين:

أحدهما: مد، وهو اختيار ابن أبي هريرة.

والثاني: ما شاء، ومراده: فيما عدا كفارة الأذى، فقد نص النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كعب على القدر المدفوع. انتهى كلامه.

وهو يشعر بأنه لم يقف على الوجهين في كتاب مشهور، وإلا لم يسنده إلى بعض الشرح المجهولة، وهو غريب، فإن الوجهين- على ما هما عليه من الإطلاق- مذكوران في ((الروضة)) في آخر باب الدماء.

ص: 301