الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشفعة
قوله: أما إذا بيع البناء أو الغراس مع الأرض الحاملة له لا غير، وكان ذلك عريضًا بحيث يقبل القسمة- ففي ثبوت الشفعة وجهان.
أقيسهما في ((الرافعي)): المنع، لأن الأرض في هذه الحالة تابعة، والمنقول متبوع.
ثم قال: ولا فرق في جريان الخلاف بين أن ينص على إدراج المغارس والأساس في البيع، أو يقول باندراجها في البيع عند إطلاق بيع البناء والغراس على وجه، صرح بذلك الرافعي. انتهى كلامه بحروفه.
والمتبادر إلى الفهم منه: أن ما نقله عن الرافعي عائد إلى الحالتين وهما التنصيص والإطلاق، وقد صرح بنقله عنه في ((المطلب))، ولم يتعرض الرافعي لشيء من ذلك، وإنما حكى الوجهين ورجح بلفظ ((الأشبه))، ولولا ما ذكره في ((المطلب)) وتعبيره- أيضًا- بقوله: ذلك، الذي هو إشارة للبعيد، ولم يعبر بقوله: به لأعدناه على الوجه.
قوله: بطول أغصانها وبسوقها.
البسوق- ببناء موحدة مضمومة، ثم سين، مهملة وقاف- هو الطول، تقول بسق النخل- بالفتح- بسوقا، قال تعالى:{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10].
قوله: لقول عثمان: ((لا شفعة في بئر ولا نخل، والأرف تقطع كل شفعة)).
وحكى الجيلي عن الأزهري أن ((الأرف)) - بضم الهمزة، وفتح الراء المهلمة، وضم الفاء-: الحدود بين المواضع. انتهى كلامه.
واعلم أن ضم الفاء وإن كان صحيحًا في هذا التركيب بخصوصه، لكنه لا مدخل له في تفسير المدلول اللغوي، فإنه لا فرق في ذلك بين ضمها وفتحها وكسرها، لأنه حرف إعراب، فلا يحسن من المصنف متابعة الجيلي عليه. وذكر الجوهري أن ((الأرف)) المذكور جمع ((أرفة)) بضم الهمزة وسكون الراء، كغرفة وغرف، ثم ذكر هذا الحديث.
قوله: وفي ((أمالي)) أبي الفرج أن صاحب ((التقريب)) قال: إذا كان ما يقابل الشقص مما لا يثبت في الذمة بالسلم ولا بالقرض فلا شفعة فيه، لأنه تعذر أخذه بما ملك به
المتملك. وهو غريب. انتهى كلامه.
ونسبة هذه المقالة إلى صاحب ((التقريب)) سهو، إنما هو صاحب ((التلخيص))، فإن المصنف قد أخذ هذا الكلام من الرافعي، والرافعي قد نقله كما ذكرته لك، فقال: ويجوز أن يعلم- بالواو- لأن في ((أمالي)) أبي الفرج السرخسي أن صاحب ((التلخيص)) قال: إذا كان ما يقابل الشقص مما لا يثبت في الذمة بالسلم ولا بالقرض فلا شفعة فيه، لأنه تعذر أخذه بما ملك به المتملك. وهو غريب. هذا لفظ الرافعي بحروفه، وهو لفظ المصنف، وبه يعلم أنه أخذه منه، وأيضًا: فإن المصنف لم يقف على كتاب السرخسي، وإنما ينقل عنه بوساطة الرافعي، وقد تفطن في ((المطلب)) إلى الصواب فقال: وعن صاحب ((التلخيص)).
قوله: لو حضر جل مغنما، فأعطاه الإمام لحضوره شقصا من دار- فهل تثبت فيه الشفعة؟ نظر: إن أعطاه عن رضخٍ فلا، لأنه تبرع.
وإن أخذه بسهم مستحق ففيه وجهان. انتهى.
وما ذكره من كون الرضخ تبرعًا قد خالفه في باب قسم الفيء والغنيمة، فقال: المشهور: أنه واجب، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتركه قط، ولنا فيه أسوة حسنة. هذا كلامه، ونقل الرافعي- أيضًا- أن الأكثرين عليه، فثبت مع ما وقع فيه من الاختلاف اندفاع ما ذكره من عدم الشفعة.
قوله: والشفعة على الفور في قول، لقوله صلى الله عليه وسلم:((الشفعة لمن واثبها))، أي: بادر.
وروي: ((كنشطة العقال: إن قيدت ثبتت، وإن تركت فاللوم على من تركها)). انتهى.
النشطة: بنون مفتوحة، ثم شين معجمة ساكنة، وطاء مهملة.
قال ابن فارس وغيره: الأنشوطة تنحل إذا مد طرفاها، تقول: نشطت- بلا همز- إذا أردت العقد، فإن أردت الحل.
قلت: أنشطت- بالهمز- ومنه في خبر الرقيا: ((كأنما أنشط من عقال)).
قوله: وفي ((ابن يونس)) حكاية وجه عن المراوزة: أن الشفعة لا تبطل بذلك، أي بقوله. بعني: ولم أقف عليه فيما وقفت عليه من كتبهم إلا على قولنا: إن الشفعة على التأبيد. انتهى.
وما اقتضاه كلامه من إنكار هذا الوجه، تفريعًا على الفور- غريب، فقد صرح به الإمام في ((النهاية)) نقلًا عن رواية صاحب ((التقريب))، وحكاه المصنف عنه في ((المطلب))، وعلله بأنه قد يقصد أخذه رخيصًا، وأيضًا: فقد يقصد بذلك تطييب نفسه
وعدم القهر.
قوله: وإن أخر، وقال: لم أصدق المخبر، وكان المخبر صبيًا أو امرأة أو عبدًا- لم تبطل شفعته.
ثم قال: وفي ((المهذب)) قول: أنها تسقط بإخبار العبد والمرأة، تغليبًا لكم الخبر لا لحكم الشهادة، وهو في ((الوجيز)) و ((الرافعي)) الأظهر عند إخبار العدل. انتهى كلامه.
وهو يوهم إيهامًا ظاهرًا أن الرافعي غاير بين المرأة والعبد، وأنه سلم عدم السقوط في إخبار المرأة، وليس كذلك، بل الصحيح فيهما معًا عند الرافعي: سقوط الشفعة، فاعلمه.
قوله: وإن توكل في بيعه سقطت شفعته على وجه، لأنه قد يتهاون في طلب زيادة عليه، فصار كما لو باع الوصي شقصا له فيه شفعة.
وقيل: لا تسقط كما لو توكل في الشراء.
ثم قال ما نصه وعن رواية صاحب ((التقريب)) جريانه في الوصي- أيضًا- وبه قال ابن القطان والقفال- أيضًا- كما حكاه ابن الصباغ، ووجهه بأنه ذلك يجب على المشتري بعد تمام العقد. انتهى كلامه.
واعلم أن لفظ القفال هنا مجرور عطفًا على ((القطان))، تقديره: وابن القفال، كذا صرح به الذي نقله المصنف عنه- وهو ابن الصباغ- فقال في ((الشامل)): وحكى ابن القفال وجهًا آخر: أن له أخذه، لأن ذلك يجب له على المشتري بعد تمام العقد. هذا لفظه.
إذا علمت ذلك فاعلم أن صاحب ((التقريب)) هو ابن القفال كما صرح به الرافعي في كتابه المسمى بـ ((التذنيب))، فقال: صاحب ((التقريب)) هو القاسم بن محمد بن على بن إسماعيل الشاشي، وهو ابن أبي بكر القفال الشاشي، مشهور بالفضل وحسن النظر، وبه تخرج كثير من فقهاء خراسان، وكتابه ((التقريب)) يدل على كماله. هذا لفظ الرافعي، وذكر النووي في ((تهذيب الأسماء واللغات)) نحوه- أيضًا- وعبر الرافعي في باب أدب القضاء، في آخر الأدب الثالث بقوله: وقال القاسم- يعني صاحب ((التقريب)) إن شاء الله. وإنما أتى بالمشيئة، لأنه يفسر مراد غيره بـ ((القاسم)). وما توهمه المصنف من المغايرة أوقعه فيه تعبير بعضهم بصاحب ((التقريب)) وبعضهم بابن القفال مع عدم علمه بالإلحاد وقد أوضحت حال الرجل في كتاب الطبقات
إيضاحًا بالغًا فليطلب منه.
قوله: وإن اشترى شقصين من أرضين في عقد واحد جاز أن يأخذ أحدهما. وقيل لا يجوز.
ثم قال: أما إذا لم يكن شريكًا في الشقصين أخذ ما هو شريك فيه مقتصرًا عليه وجهًا واحدًا. انتهى كلامه.
وما ادعاه من عدم الخلاف ليس كذلك فإنه لو اشترى شقصا وسيفًا لم يكن له تبعيض الصفقة في قول بل يأخذهما أو يتركهما كذا حكاه ابن القاص في باب تفريق الصفقة من ((التلخيص)) وحكاه في ((المطلب)) عنه.
قال: ولو باع حصته قبل العلم بالشفعة ثم علم بطلت شفعته في أصح الوجهين عند جماعة، فعلى هذا لو باع بعض حصته فوجهان وجه الثبوت في حال الجهل وهو الأصح في ((التهذيب)) بقاء الضرر انتهى وهو يشعر بحكاية خلاف في ((التهذيب)) وليس كذلك بل في ((التهذيب)) الجزم بالثبوت.
قوله: وإن هلك بعض الشقص بغرق أخذ الباقي بحصته من الثمن ثم قال فعلى هذا يقوم الجميع حال العقد فإذا قيل مائة قوم بعد الغرق فإذا قالوا تسعين علم أن الفائت العشر فيأخذ الموجود بتسعة أعشار الثمن. انتهى.
وما ذكره المصنف من تقويمه بعد الغرق غلط فإن مقتضاه اعتبار الزيادة والنقصان الحاصلين بعد العقد وهو باطل، بل الصواب أن يقول: قوم الباقي يوم العقد أيضًا.
قوله: فرع لو كان بين ثلاثة عقار فوكل أحدهم واحد من شركائه في بيع نصف نصيبه وجعل له إذا أراد أن يبيع مع ذلك نصيبه أو بضعه أن يفعل فباع نصف ما يملكه ونصف ما يملكه موكله من شخص.
قال الماوردي: فللموكل أخذ نصيب الوكيل وللوكيل أخذ نصيب الموكل، ولا يجوز للثالث أخذ نصيب أحدهما دون الآخر، لأن البائع واحد فإما أن يأخذ الجميع أو يدع.
وما قاله مبنى على أن اتحاد الصفقة وتفرقها يكون بالنسبة على العاقد وأن الوكيل له أخذ ما باعه وفي كل ذلك خلاف قد تقدم في موضعه.
وقد حكى الرافعي: إنه يمتنع على أحدهما أخذ نصيب صاحبه، لأجل تفريق الصفقة عليه. انتهى كلامه.
واعلم أن الرافعي حكى ذلك وجهًا ضعيفًا في أخذ الموكل نصيب الوكيل ولم يتعرض لأخذ الوكيل نصيب الموكل فاعلم ذلك.
قوله: والحيلة في إبطال الشفعة بالجوار مباحة قبل العقد، وبعده.
قال البندنيجي: لأنها حيلة في إبطال ما ليس بواجب.
وأما الحيلة في إبطال الشفعة بالمشاركة فينظر فيها، فإن كان بعد وجوبها فلا يحل ذلك، لأنه حق قد وجب، فلا يجوز السعي فلا إسقاطه، وأما قبل وجوبها كما إذا فعل شيئًا يزهد الشفيع فيها.
قال أبو العباس: يكره ذلك، فإذا فعل صح.
وقال أبو بكر الصيرفي في كتاب ((الحيل)): هو مباح كما حكاه عنه البندنيجي.
وفي كلام الدبيلي في ((أدب القضاء)) له ما يدل على المنع، فإنه قال: ((إذا أراد أحد الشريكين في عقار أن يبيع نصيبه من غير شريكه، فلقنه إنسان أن يهب بعض نصيبه من المشتري ويبيع الباقي منه، فإن هذا التلقين لا يجوز، لأن فيه إسقاط حق الشفيع، والمشهور الأول.
وقد ذكر الأصحاب في ذلك صورًا.
منها: أن يبيع الشقص الذي قيمته مائة بمائتين، ثم يأخذ عرضًا قيمته مائة عن المائتين.
ومنها: أن يشتري الشقص بمائة وهو يساوي خمسين، ثم يحط عن المشتري بعد المجلس خمسين.
وفي هاتين الصورتين تغرير على المشتري.
ومنها: أن يشتري عرضًا من المشتري بمائتين وهو يساوي مائة، ثم يعطيه عن المائتين الشقص، وهو يساوي مائة إلى آخر ما ذكر.
وهو صريح في أن الخلاف المذكور في كراهة ذلك، لا فرق بين أن يكون مسقطًا للشفعة، أو مزهدًا فيها، وأن الدبيلي قائل بعدم الجواز مطلقًا، وليس كذلك، بل هو أعني أبا الحسين بن أحمد الدبيلي جازم بالجواز مع الكراهة فيما لا يمنع الأخذ، بل يزهد فيه كالتحيل في زيادة الثمر ونحوه وبالتحريم فيما يمنعه بالكلية، سواء كان مانعًا لأخذ الجميع، أو لأخذ البعض كما مثل المصنف، كذا رأيته في كتابه الذي نقل عنه المصنف وهو أدب القضاء المسمى ((منهاج القضاء))، وهذه المسألة مذكورة في أواخره، وابن الرفعة إنما صور المسألة التي حكى فيها هذه الأوجه فيما
يزهد خاصة، لا في مطلق التحيل، والحاصل أن ابن الرفعة توهم أن الدبيلي لا يقول بالفرق، فذكر ما ذكر وهو غلط فاحش، ورأيت في كتاب ((الحيل)) لابن سراق العامري أحد كبار الأصحاب ومتقدميهم استحباب الحيلة في دفع شفعة الجوار، وإطلاق تحريمها في المشترك ولم يفصل بين ما قبل البيع وبعده.
واعلم أن الكلام على الدبيلي قد ذكرته مستوفى في طبقات الفقهاء، فراجعه.