الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحوالة
قوله: ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ((مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع)). ألف ((أتبع)) مضمومة، وتاؤه تسكن وتخفف، وتاء ((فليتبع)) مشددة انتهى كلامه.
وما ذكره جازمًا به من تشديد التاء في ((يتبع)) فإنه مقالة ضعيفة جدًا، قال النووي في ((شرح مسلم)): والصواب المعروف في كتب الحديث وغيرها: هو التخفيف.
قوله- رحمه الله: ولا تفتقر إلى رضا المحال غيره، على المنصوص، أي: في ((المختصر)).
ثم قال: ومقابله: أنه لابد من رضاه، وقد رواه أبو العباس بن القاص عن نصه في ((الإملاء)). انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ادعاه من أن الشافعي نص في ((المختصر)) على ذلك سهو، فإنه لم ينص فيه على المسألة. نعم نص في باب الطعام منه- أي: من ((المختصر)) - على أن الحوالة بيع، وحينئذ فيمكن أن يتفرع عليه عدم اشتراط رضا المحال عليه، وقد صرح المصنف في ((المطلب)) بذلك، وجعل المسألة مستنبطة من هذا النص، لا منصوصًا عليها.
الثاني: أن ما ادعاه من نسبة مقابله إلى ((الإملاء))، وأن ابن القاص نقل ذلك- ففي ((الرافعي)) عن المذكور- وهو: ابن القاص نسبته إلى ((الأم))، ولم ينسبه على ((الإملاء)).
قوله: وفي وجهٍ تجوز الحوالة بمال الكتابة ودين السلم، وعليهما.
ثم قال: وقد بناه الرافعي والماوردي في مسألة المسلم فيه على أنها استيفاء لا معاوضة، ويشبه أن يبني في مسألة الكتابة عليه أيضًا. انتهى كلامه.
وهو يقتضي أن ما ذكره في الكتابة من البناء لم يقف عليه منقولًا، لكن قد صرح القاضي الحسين في باب الكتابة من ((تعليقه)) بالبناء المذكور موافقًا لبحثه، فإنه ذكر أن السيد ليس له أن يحيل على المكاتب بمال الكتابة، ثم قال ما نصه: هذا إذا قلنا:
الحوالة معاوضة، فإن قلنا: إنهاء استيفاء الحق، فتجوز الحوالة بمال الكتابة، سواء أحال المكاتب السيد على رجل له عليه دين، أو أحال السيد رجلا على المكاتب. هذا لفظه، ذكره بعد نصف الباب بقليل.
قوله: وقيل إذا قلنا: إنهاء استيفاء، جاز أن يحيل بالحال عن المؤجل، وبالمؤجل إلى شهر عن المؤجل إلى أكثر منه، وبالصحيح عن المكسر، وبالجيد عن الرديء، ولا يجوز العكس.
وفي ((الوسيط)) عكس هذا، فإنه قال: كل ما يمنع الاستيفاء، إلا بمعاونة تمتنع الحوالة فيه. ولو كان لا يمنع الاستيفاء، بل يجب القبول، ولا يشترط رضا المستحق به: كتسليم الصحيح عن المكسر، والأجود عن الرديء، والحال عن المؤجل في بعض الأحوال- جازت الحوالة به وإن كان يفتقر إلى الرضا المجرد دون المعاوضة، ففيه وجهان، وهذا ما حكاه الإمام عن شيخه. انتهى كلامه.
وما توهمه من أن كلام ((الوسيط)) على العكس من ذلك الوجه ليس كذلك، فإن حاصل ذلك الوجه: أن الدين المحال عليه إذا كان أجود صفة من المحال به، جازت الحوالة، وسببه- كما قال الرافعي-: أنه يجوز للمحيل إعطاؤه، فإذا أحال المؤجل مثلًا على الحال، فقد عجل. وكلام الغزالي يوافق الوجه، فإنه ذكر ثلاثة أقسام:
الأول: ما يتوقف على المعاوضة لاختلاف الجنس، ولا كلام فيه.
والثاني: ما لا يتوقف عليها، بل ولا على الرضا من المستحق كتسليم الصحيح عن المكسر، فتجوز الحوالة، فإذا لزمه مكسر فأحال بصحيح عنه جاز، وهو الذي جزم به الغزالي هو الوجه المتقدم. وقد تقدم تعليله عن الرافعي.
والثالث: ما يتوقف على الرضا دون المعاوضة، كما لو لزمه صحيح، فأحال عنه بمكسر- ففيه وجهان. هذا ما قاله الغزالي، وحاصله: أنه جزم بذلك الوجه، وذكر معه وجهين في حوالة الأجود على الأردأ ونحوه، وأما ما ادعاه من أن في ((الوسيط)) عكس ذلك الوجه حتى يحال بالجيد على الرديء مثلًا دون العكس، فلا ذكر له في ((الوسيط)) ولا في غيره.
قوله: وإذا قال لمن له عليه دين: أحلتك على فلان، فقبل، ثم اختلفا، فقال: أردت الوكالة، وقال المحتال: بل أردت الحوالة- فالصحيح، وبه قال المزني: أن القول قول المحيل.
ثم قال: فإن قلنا بقول المزني، فإن كان المحتال لم يقبض الحق بعد، لم يكن له
قبضه، فلو قبضه فهل يكون مضمونًا عليه؟ فيه وجهان.
قال الماوردي: مأخوذان من اختلاف أصحابنا في أن هذه وكالة فاسدة أو حوالة فاسدة؟
فإن قلنا: وكالة فاسدة، لم يضمن، وإلا ضمن.
وإن كان قد قبضه برئ المحال عليه.
وحكى الرافعي عن الإمام رواية وجهٍ ضعيف عن صاحب ((التقريب)) أنه لا يبرأ، والذي فهمته من كلام الإمام: ما حكيته عن الماوردي من قبل. انتهى كلامه.
وما ادعاه من مغايرة كلام الإمام لما نقله عنه الرافعي، وتنزيل ذلك على ما قاله الماوردي- غلط عجيب، بل الموجوج في ((النهاية)) كما نقل الرافعي، فإنه ذكر المسألة في أواخر الباب، وحكى عن صاحب ((التقريب)) خلافًا فيما إذا صدقه المحيل: هل يكون ذلك بمثابة حوالة فاسدة أم لا؟ ثم قال ما نصه: فإن قلنا: إن سبيله سبيل الحوالة الفاسدة، فإذا كان المحال عليه سلم المال إلى المحتال فهل يبرأ بالتسليم إليه عما عليه؟ فعلى وجهين ذكرهما، يعني صاحب ((التقريب)). هذا لفظه بحروفه، والعجب كيف قال المصنف ما قال مستدركًا به على غيره لا سيما الرافعي.