الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ستر العورة
قوله: فإن قيل: الستر لا يختص وجوبه بالصلاة، فوجب ألا يكون شرطًا فيها كالنظر إلى المحرمات- فجوابه: أنا لا نسلم أنه لا يختص بالصلاة: أما على قولنا: إنه لا يجب في الخلوة، فظاهر، وأما على قولنا: إنه يجب في الخلوة، فهو يجوز في حال دخول الخلاء وحلق العانة ونحو ذلك، وبه يظهر أنه يختص بالصلاة. انتهى كلامه.
وهذا البحث الذي ذكره عجيب: فأما دعواه أن اختصاصها بالصلاة واضح إذا لم نوجب الستر في الخلوة فذهول عن وجوب الستر بين الناس، وأما دعواه الاختصاص- أيضًا- مع القول بإيجاب ذلك، فأغرب، فإن الوجوب كما هو ثابت في حال الصلاة فهو ثابت- أيضًا- في الخلوة عند عدم الحاجة وبين الناس مطلقًا، فأين الاختصاص؟!
قوله: ويكفي المتخذ من الجلود والرقوق والخرق والورق المصنوع والمخلوف والليف، وما لا يلبس أصلًا كالماء الكدر والطين والتراب والدنان الضيقة الرأس والحفرة في الأرض، لأن ذلك يستر البشرة، وهو كذلك عند الأصحاب إلا الماوردي، فإنه قال: إذا قلنا بوجوب الستر في الخلوة، فهل يجوز أن ينزل في ماء النهر والعين بغير مئزر؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، لأن الماء يقوم مقام التراب في ستر عورته.
والثاني: لا، لما روي أنه- عليه الصلاة والسلام نهى أن ينزل بغير مئزر، وقال ((إن للماء لسكانا)).
وتعليل الوجه الأول يؤذن بأن محل الخلاف إذا كان الماء كدرًا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ادعاه من اتفاق الأصحاب على ذلك، وأنه لم يخالف إلا الماوردي في الماء الكدر- عجيب، فقد ذرك الروياني في ((البحر)) وجهين- أيضًا- وكذلك الشاشي في ((الحلية))، وزاد على ذلك فصحح بطلان الصلاة. ونقل في ((البحر)) - أيضًا- عن ابن أبي أحمد- يعني ابن القاص- أن الماء لا يكفي ولو كان
ساترًا للبشرة، ذكره في شروط الصلاة، ونقل الرافعي عن القفال أنه لا يكفي، وهو أجل من الماوردي وأقدم منه. ثم إن المصنف قد نقل بعد هذا بنحو ورقة عن القاضي الحسين حكاية وجهين فيه وفي الطين- أيضًا- وهذا يدل على قدم الخلاف.
الأمر الثاني: أن كلام الماوردي صريح في أن الممتنع إنما هو النزول في النهر ونحوه لأجل سكانه، وليس فيه تعرض للماء من حيث هو، كمن أخذ ماء وجعله في إجانة وفسقية ونحوهما.
و ((المصنوع)) في كلام المصنف هو بالصاد المهملة والنون، وأشار به إلى الورق الذي يكتب فيه، وأشار بـ ((المخلوق)) إلى ورق الشجر.
قوله: تنبيه: قول الشيخ: وهو شرط في صحة الصلاة، يفهم أنه شرط مطلق، وقوله من بعد: فإن لم يجد صلى عريانًا، ولا إعادة عليه- يدل على أنه شرط عند القدرة، أما مع العدم فلا. نعم، إذا قلنا: يصلي عاريًا ويعيد، كان شرطًا مطلقًا. انتهى كلامه.
وما ذكره في آخره من دعوى الشرطية على القول بوجوب الإعادة غلط، فإن القول بوجوب الإعادة لا يخرجها عن كونها صحيحة، فكيف تكون السترة في هذه الحالة شرطًا في الصحة؟!
قوله: وقد اختار هذا ابن بنت أبي أحمد، أي: ابن القاص. انتهى.
اعلم أن لفظ ((البنت)) هنا غلط، فإن المذكور اسمه أحمد، ويكنى أبوه به، فيقال له: ابن أبي أحمد، كذا ذكره الأصحاب، وأوضحته في كتاب ((الطبقات)).
قوله: وروي: أن جابرًا صلى في داره ورداؤه على المشجب.
اعلم أن ((المشجب)) - بميم مكسورة وشين معجمة ساكنة، بعدها جيم مفتوحة ثم باء موحدة- هو الخشبة التي تعلق عليها الثياب، قال الجوهري.
قوله: وأورد بعضهم على الشيخ سؤالًا، وأجاب عنه فقال: قوله: إن المستحب أن يصلى الرجل في ثوبين قميص ورداء، يفهم أن الثوبين ليس بشرط، فأي فائدة لقوله بعد ذلك: فإن اقتصر على ستر العورة جاز؟! وأجاب بقوله
…
إلى آخر ما ذكره
وما ادعاه من الإفهام عجيب لا أدري ما سببه، ونتبرع فنقول: بينهما واسطة، ولهذا أن الإمام أحمد لا يوجب الثوبين، ولا يجوز الاقتصار على سائر العورة، بل يوجب وضع شيء على العاتق ولو حبلًا.
قوله: فإن وجد ما يكفي إحدى السوئتين ستر القبل، وقيل: الدبر، وعلى هذا: الخنثى المشكل يتخير، وفي المسألة وجه ثالث: أنه يتخير بين القبل والدبر.
ثم قال: وقيل: إن ستر القبل في حق الرجل أولى، والدبر في المرأة أولى، حكاه القاضي وصاحب ((الروضة)). انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن المذكور في ((الروضة)) إنما هو عكس هذا الوجه، وقد صرح به هكذا القاضي الحسين في كتاب التيمم، فقال: إن كان الواجد امرأة سترت القبل، وإن كان رجلًا ستر به الدبر، لأن دبر الرجل وفرج المرأة أكبر في الغلظ في أعين الناظرين من الفرج الآخر. هذا كلامه، وذكر مثله- أيضًا- في أثناء شروط الصلاة، ثم إنه أيضًا اختاره.
الأمر الثاني: أن ما ذكره في الخنثى يقتضي أنه يتخير بين القبل والدبر، تفريعًا على أنه يتعين الدبر في حق غيره، وهذا ظاهر الفساد، بل الصواب تفريعه على الأول، وحينئذ ينحصر التخيير في القبلين، وهكذا ذكره الرافعي، وجعل محل التخيير إذا لم يجد إلا ساتر أحد القبلين خاصة، فإن وجد ما يسترهما تعين عليه ذلك، وهو واضح، وقد القول فيه في الكتاب المسمى ((إيضاح المشكل من أحكام الخنثى المشكل))
قوله: وأطلق أبو مجالد البصري، وهو من متأخري الأصحاب
…
إلى أخره.
صوابه: أبو مخلد، بسكون الخاء المعجمة وفتح اللام.