الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قتال البغاة
قوله: والبغاة طائفة لهم شوكة خرجت على الإمام بتأويل باطل ظنا، فلو كان بطلان التأويل مقطوعًا به ففيه وجهان.
قال الرافعي: أوفقهما لما أطلقه الأكثرون: أنه لا يعتبر.
والثاني: يعتبر، ويكفي تغليطهم في القطعيات، وقد يغلط في القطعيات غالطون.
قال الرافعي: وعلى الوجهين يخرج أن معاوية ومن تبعه مخطئون فيما اعتقدوه قطعًا أو ظنًا، لأنهم باغون عند الأئمة بلا شك، وعليه يدل الخبر المشهور ((أن عمارًا تقتله الفئة الباغية))، فإن شرطنا في البغي أن يكون بطلان التأويل مظنونًا، فنقول: كان مبطلًا فيما هذب إليه ظنًا، وإن لم نشترطه وأثبتنا اسم البغي وحكمه مع القطع ببطلان التأويل، فنقول: كان معاوية مبطلًا قطعًا، وهذا الكلام لم يظهر لي توجيهه. انتهى كلامه بحروفه.
واعلم أن الرافعي- رحمه الله نقل في أول كلامه عن العلماء: أن البغاة ليسوا كفرة ولا فسقة، وأن البغي ليس باسم ذم، وإنما هو الخروج على الإمام بتأويل ظنوه صحيحًا، أي: فيكون لهم فيه أجر، ثم ذكر بعد ذلك هذا الكلام الذي ذكر ابن الرفعة أن توجيهه لم يظهر له، ومعنى كلام الرافعي: أن معاوية باغ بلا شك، وليس بمعاند ولا محق، فإن شرطنا في البغي بطلان التأويل بالظن لزمنا أن نقول: إن معاوية كان تأويله باطلًا ظنًا، وإن لم نشترط ذلك جاز أن يقال: إنه باطل بالقطع، هذا معنى كلام الرافعي، وهو واضح جلي، فإن الرافعي عبر بقوله: وبنى على الوجهين أن العلماء أطلقوا القول بأن معاوية ومن بايعه كانوا باغين، وعليه يدل الخبر المشهور ((أن عمارًا تقتله الفئة الباغية))، فإن شرطنا في البغي أن يكون بطلان التأويل مظنونًا، فنقول: إن معاوية كان مبطلًا فيما ذهب إليه ظنًا، وإن لم نشترطه وأثبتنا اسم البغي وحكمه مع القطع ببطلان التأويل فقد نقول: إن معاوية كان مبطلًا قطعًا. قال الإمام: وهذا مخاض لا نخوض فيه ولسنا للتشاغل به.
هذه عبارة الرافعي وهي تدل على ما ذكرناه دلالة واضحة، فلما نقله المصنف قدم
وأخر وأسقط لفظة ((قد))، فحصل الخلل.
قوله: ولا يتبع في الحرب مدبرهم ولا يذفف على جريحهم.
قال الجيلي: فلو قتل المدبر، أو ذفف على الجريح، لم يجب القصاص على فاعل ذلك. انتهى كلامه.
واقتصاره على نقل ذلك عن هذا الكتاب المتأخر الذي لا يوثق بما فيه يقتضي عدم الوقوف عليه في كلام غيره، وهو عجيب، فقد نص الشافعي- رحمه الله في البويطي على المسألة، وأجاب بأنه لا قصاص، وممن نقله عنه صاحب البحر، ولم يصرح الرافعي بالمسألة، وإنما حكى وجهين في قتل الأسير، وصحح منهما في الروضة من ((زوائده)) عدم القصاص، لشبهة خلاف أبي حنيفة، وهو أيضًا قريب من مسألتنا، فإن أبا حنيفة خالف في الجميع.
قوله: ولو استعان أهل البغي بأهل العهد إلى مدة، قال القاضي أبو الطيب: كان ذلك نقضًا لعهدهم إلا في مسألة واحدة، وهي إذا كانوا مكرهين، وأقاموا بذلك بينة دون ما إذا ادعوا ذلك، أو ادعوا الجهل بالحال، والفرق بينهم وبين أهل الذمة حيث قبلنا دعواهم للإكراه والجهل بلا بينة- أن الذمة أقوى، وبهذا نقول: يجوز أن ينبذ إليهم عهدهم لخوف الخيانة، ولا كذلك في أهل الذمة، وعلى ما قاله جرى الأئمة، ولم أر له مخالفًا فيما وقفت عليه. انتهى كلامه.
وما ذكره من عدم الوقوف على ما يخالفه عجيب، فقد خالفه صاحب التتمة فقال في آخر الباب الثاني عشر: إذا استعانوا على قتال أهل العدل بالمستأمنين فأعونهم، فإن ادعوا إكراهًا وجهلًا، فالحكم على ما ذكرنا في أهل الذمة. هذا لفظه.
تنبيه: وقع في الباب ألفاظ منها:
ربقة: اسم للحبل الذي يجعل في عنق وقت الحلب- هو بكسر الراء المهملة وإسكان الباء الموحدة وبالقاف.
ومنها في حديث الحديبية أنه كتب كتاب القضية هو- بالقاف والضاد المعجمة بعدها ياء مشددة بنقطتين من تحت- ومعناه: القضاء: أي الحكم.
ومنها غزوة العشيرة- هو: بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة- على أنها تصغير عشرة.
ومن ذلك ((صير الباب)) أي: شقه الذي ينظر منه لما في البيت- هو: بكسر الصاد المهملة وبعدها ياء ساكنة بنقطتين من تحت ثم راء مهملة.
ومنه ((المدرا)) - وهو: بميم مكسورة ودال مهملة ساكنة وراء مهملة ثم ألف مقصورة- جريدة صغيرة يفرق بها شعر الرأس.
ومنها ((القضم)) و ((الخضم)) فالقصم- بالقاف والضاد المعجمة- هو: العض بالأسنان، والخضم- بالخاء والضاد المعجمتين- هو: الأكل بجميع الفم، يقول: منه خضمت الشيء- بالكسر- أخضمه بالفتح خضمًا، وفسره المصنف بأنه العض بالأضراس.
قوله: ولا تصح ردة الصبي، وفي كلام الإمارة إشارة إلى حكاية خلاف في صحة ردته، فإنه قال: وسبيل الردة الصادرة منه كسبيل صدور الإسلام منه، كما ذكرناه في ((اللقيط)) انتهى كلامه.
وهذا الكلام دليل على أنه لم يظفر بالخلاف مصرحًا به، وهو عجيب، فقد صرح به الرافعي في اللقيط، وجزم بأن ردته صحيحة إذا صححنا إسلامه، واستدرك عليه في الروضة وصوب عدم صحة الردة.
قوله: ويصح ردة السكران في أصح القولين.
ثم قال: وفي صحة استثنائه في حالة السكر وجهان:
أحدهما: أنها تصح كما تصح ردته، لكن المستحب أن تؤخر إلى الإفاقة.
قال الماوردي: وهذا ظاهر مذهب الشافعي وبه قال أبو إسحاق.
والثاني: وهو المذكور في الشامل المنع، لأن الشبهة لا تزول في تكل الحالة، ولو عاد إلى الإسلام صح إسلامه وارتفع حكم الردة. انتهى كلامه.
واعلم أن توبة المرتد لا تحصل إلا بما يحصل به إسلام سائر الكفار، وهو التلفظ بالشهادتين، وحينئذ فجزمه بصحة إسلامه في حال السكر بعد حكاية الوجهين جزم منه بصحة توبته، وذلك عين المسألة الأولى على خلاف ما اقتضاه كلامه من التغاير، ولا يصح أن نريد بالمسألة الأولى حكاية الخلاف في صحة امتناعه حتى ترتب عليه جواز القتل إن صححناه، لأنه علل عدم الصحة بأن الشبهة لا تزول، وهذا إنما يستقيم أن يكون تعليلًا لعدم صحة الإسلام المانع من القتل، لا لعدم صحة الامتناع، وهذا الكلام جميعه وقع للرافعي، فنقله المصنف منه على ما هو عليه غير متفطن لما وقع فيه، والظاهر أن قوله:((ولو عاد)) محله بعد الوجه الأول على أنه تفريع عليه، ويكون بالفاء لا بالواو، فأخره الناسخ من المسودة إلى ما بعد ذلك.
قوله: قال- يعني الشيخ-: وإن ارتد وله مال ففيه قولان، أي منصوصان في صدقة الورق.
أحدهما: أنه باق على ملكه، لأن الكفر لا ينافي الملك، كالكفر الأصلي، ولأن الردة سبب لهدر الدم، فلا يزيل الملك، كالزنى والقتل في الحرابة، وهذا قد نص عليه أيضًا في زكاة المواشي، وهو الأصح في ((الحاوي)) واختاره المزني والنووي. انتهى كلامه.
وما نقله عن النووي من اختيار بقاء الملك غلط، فإن الذي صححه النووي في كتبه كلها، إنما هو الوقف.
قوله: وإن علقت من المرتد كافرة بولد في حال الردة وانفصل وهما كذلك، فهل هو كافر أصلي أو مرتد؟ على قولين:
قلت: ولو قيل بأن ولد المرتد من الكافرة الأصلية كفره أصلي، ومن المرتدة يكون مرتدًا، لم يبعد بناء على أصلين:
أحدهما: أن الذمي لا يقتل بالمرتد، لكونه أشرف منه مع اشتراكهما في الكفر.
والثاني: أن المتولد بين وثني وكتابية تقعد له الذمة لحكمنا بتبعيته في هذه الحالة لها في الدين، لكونها أشرف دينًا من أبيه، كما يتبعها في الإسلام لشرفه. انتهى كلامه.
وما ذكره بحثًا واقتضى كلامه عدم الوقوف عليه، قد ذركه البغوي في ((التهذيب))، ونقله عنه النووي في الروضة من زوائده، وجزم به على القول بكفره، وصرح بأنه لا فرق في ذلك بين أن يكون أبوه مرتدًا وأمه كافرة أصلية أو بالعكس.
تنبيه: وقع في الباب ألفاظ، منها:
((مغربة خير)) هو بالإضافة، ومعناه غريب، قال الجوهري: يقال: هل جاءكم مغربة خير، يعني: الخير الذي طرأ عليهم من بلد سوى بلدهم.
ومنها: الباطنية والثنوية والبراهمة.
فأما الباطنية: ففرقة من الزنادقة يعتقدون حل إتيان النساء المحارم.
والثنوية- بالثاء المثلثة المفتوحة بعدها نون مفتوحة أيضًا- وهو نسبة إلى الاثنين، أحد أسماء العدد، سموا بذلك لاعتقادهم صدور الخير من النور والشر من الظلمة.
والبراهمة- بالباء الموحدة- قوم يوحدون الله- تعالى- إلا أنهم ينكرون الشرائع.
قال الجوهري: هم قوم لا يجوزون على الله- تعالى- بعثه الرسل.
ومنها: أن وفدًا من بزاخة وغطفان ممن كانوا قد ارتدوا جاءوا إلى أبي بكر.
اعلم أن بزاخة- بباء موحدة مضمومة بعدها زاي ثم خاء معجمتان- هو اسم موضع كما قاله الجوهري.
وأما غطفان- فبالغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء- وهو أبو قبيلة وهو غطفان بن سعد بن سعد بن قيس غيلان، مأخوذ من الغطف وهو سعة العيش، يقال: عيش أغطف، أي: واسع.