الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإجارة
قوله: الإجارة- بكسر الهمزة: وقيل بضمها- مصدر أجره يؤجره إجارة، وهي مشتقة من الأجر، والجر ثواب العمل. انتهى.
والذي ذكره- رحمه الله في الاشتقاق غير مستقيم، فإن المصدر غير مشتق على المعروف، ولو فرعنا على اشتقاقه كما قال به الكوفيون، فإن المشتق منه إنما هو الفعل لا اسم آخر، وقد سبق نحو هذا الاعتراض في أول الكتاب.
قوله: وروى أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد إبراهيم استأجر له ظئرًا يقال لها: أم سيف امرأة حبر بالمدينة يقال له: أبو سيف. انتهى.
الظئر- بظاء معجمة مشالة مكسورة بعدها همزة ساكنة- هي المرضعة، والحبر اليهودي: العالم بشريعتهم، وهو بالحاء المهملة.
قوله: تنبيه: كلام الشيخ مصرح بأن الغناء حرام.
ثم قال ما نصه: وكلام القاضي أبي الطيب في ((باب بيع المصراة)) يقتضي خلافه، فإنه قال: وأما قول مالك: إن الغناء حرام فلا نسلم ذلك، وإنما قال الشافعي: إنه لهو ولعب وسخف، وليس من أهل الدين.
قلت: وليس ذلك بخلاف في المسألة، بل كلام الشيخ محمول على ما إذا اتبعه شيء من آلات الملاهي المحرمة، كالمزمار ونحوه، وما قاله القاضي محمول على ما إذا لم يصحبه شيء من آلة الملاهي، وقصد صرح بهذا الحكم في الحالتين الماوردي والشاشي. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره من نفي الخلاف في المسألة وحمل الكلامين على حالتين قد ذكر ما يخالفه في كتاب الشهادات، وستقف هناك على لفظه، إن شاء الله.
الأمر الثاني: أن ما نقله عن القاضي أبي الطيب أنه ذكره في باب ((بيع المصراة)) غلط، ليس له ذكر في ذلك الباب، وإنما ذكره في ((باب الخراج بالضمان))، وهذا الباب هو بعد باب المصراة فاعلمه، وقد ذكره في البيع من شرح الوسيط على الصواب.
قوله: فروع: إذا اكترى دابة إلى بلد فبلغ عمارتها، فللمكري استرداد الدابة، ولا يلزمه تبليغه داره، كذا أطلقه بعضهم.
وقال الماوردي: مثل ذلك إذا كان البلد واسعًا، فإن كان صغيرًا فله أن يركب إلى منزله.
قلت: ويتجه أن يتخرج على القولين فيما إذا استأجر حمالًا لحمل وقر إلى داره وهي ضيفة الباب هل عليه إدخاله الدار أم لا؟
ووجه الثبوت النظر إلى العرف انتهى كلامه.
وهو يقتضي أن القول الثاني في الحمال هو وجوب إدخال الحطب إلى الدار بل لا يستقيم التخريج الذي يحاوله إلا بذلك، والذي ذكره غلط، بل الثاني إنما هو فساد العقد، وسبب الغلط أن الرافعي في أواخر هذا الباب عن زيادات العبادي فقال: وإنه إذا استأجر حمالًا ليحمل وقرًا إلى داره وهي ضيقة الباب، هل عليه إدخاله الدار؟ فيه قولان للعرف هذا كلامه، وتبعه عليه في الروضة، وهو يقتضي الجزم بصحة العقد، وإن القولين في الإدخال وعدمه فراجعت نسختين من ((الزوائد)) المذكورة، أحدهما بخط الفخر بن عساكر شيخ الشام في وقته وبمقابلته أيضًا، فرأيته قد عبر بقوله فيه قولان:
أحدهما: يجب للعرف.
والثاني: أنه يفسد إلا أن يشترطه، هذه عبارته فلما توهم ابن الرفعة من عبارة الرافعي ما توهم صرح به فوقع في صريح الغلط، واعلم أن مدرك الإفساد يعارض العرف واللفظ، وأن تقييد المسألة بالباب الضيق عندنا، بل الملك لا معنى له.
والوقر: بكسر الواو، وهو الحمل قاله الجوهري.
قوله: فإن باع المكري العين من المكتري جاز، وقد أشار في ((الوسيط)) إلى خلاف في صحة البيع بقوله:((والظاهر الصحة، وأنكره بعضهم، وبعضهم قال: إنه مصرح به في ((المحيط)) وكان مستخرجه من أصول في المذهب سأذكرها.
فإن قلنا بالصحيح: لا تنفسخ الإجارة خلافًا لابن الحداد.
وإن قلنا بالانفساخ: ففي عود ما بقي من المنفعة إلى البائع وجهان وفي رجوع المشتري عليه بصحته من الأجرة وجهان أيضًا.
ثم قال ما نصه، قلت: ومن القول بانفساخ الإجارة، ورجوع منفعة المدة الباقية إلى الأجير البائع وعدم رجوع المشتري عليه بقسطها من الأجرة تمسك القائل يصحح ما
أوهمه لفظ الغزالي من عدم صحة البيع، لكون ذلك ملازمًا للبيع فتصير المنفعة في تقيمه المدة كالمستثناة، والاستثناء باللفظ إذا كان مبطلًا للعقد كان الاستثناء بالشرع مثله.
دليله: بيع الجارية واستثناء حملها، وبيعها إذا كانت حاملًا بحر والله أعلم انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا الخلاف الذي أوهمه كلام الغزالي ثابت، فقد رأيته مصرحًا به في شرح المصباح لأبي الخير سلامة بن إسماعيل بن جماعة المقدسي، وأبو الخير المذكور توفي قبل الغزالي بسنين كثيرة، فإن الغزالي توفي في سنة خمس وخمسمائة، وتوفي أبو الخير سنة ثمانين وأربعمائة، كما نقله المشقرني عن الحافظ المنذري، وأوضحته- أيضًا- في كتاب ((الطبقات))، ونقل ابن أبي الدم في كتاب ((العدد)) غيره من شرحه للوسيط عن ابن جماعة المذكور، وقال: إنه رجل مجهول وهو غريب منه، فقد ترجم له غير واحد منهم المقشراي والمنذري المذكوران ومنهم الكنجي في ((تاريخ بيت المقدس)) في ترجمة الفقيه سلطان 193/أالمقدسي ثم رأيته- أيضًا- مذكورًا في خطبة كتاب البيان الذي ألفه الفقيه سلطان المشار إليه في التقاء الختانين، فقال: كان عديم النظير في زمنه، لما كان مخصوصًا به من حضور القلب وصفاء الذهن وجودة الحفظ، هذا لفظه.
الأمر الثاني: ما ذكره من التمسك على إثبات الخلاف بانفساخ الإجارة إلى آخره تمسك فاسد، لأن جميع ذلك إنما هو تفريع على صحة البيع، والوجه الذي يخاف إثباته إنما هو إفساده، فكيف يستدل على الفساد بما هو مفرع على ضده، وهو قول الصحة.
قوله نقلًا عن الشيخ: وإن كان- أي: العين المؤجرة- عبدًا فأعتقه عتق، ويلزم المولى للعبد أقل الأمرين من أجرته أو نفقته.
ثم قال: وهذا الوجه لم أره لأحد، بل المحكى في المهذب وغيره: أن العبد هل يستحق على السيد أجرة المثل أم لا؟
فيه قولان: القديم: نعم، والجديد: لا، فعلى هذا هل يرجع على السيد بنفقته؟
فيه وجهان:
أحدهما: أنها تجب في بيت المال.
والثاني: وهو الأشبه في الرافعي، والمختار في المرشد: أنها تكون على السيد استيفاء لما تقدم. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن ما أنكره قد ذكره في الروضة من زوائده، فقال: فإن قلنا: النفقة على السيد، فوجهان:
أحدهما: تجب بالغلة ما بلغت.
وأصحهما: يجب أقل الأمرين من أجرة مثله وكفايته، هذه عبارته.
الثاني: أن ما نقله عن الرافعي هنا غلط، فإن الأشبه في الرافعي إنا هو الوجه الأول، وهو الوجوب في بيت المال، فانعكس ذلك على المصنف.
الأمر الثالث: أن القولين معًا في الجديد خلافًا لما ذكره هؤلاء وقلدهم فيه المصنف، فإن القول الذي نسبه المصنف إلى القديم، وهو القائل بالرجوع على السيد قد نص عليه في الأم في كتاب الصلح، وهذا الكتاب مذكور بعد أبواب اللعان فقال فيه في الكلام على ما إذا صالح على خدمة عبد سنة ما نصه:((ولو كانت المسألة بحالها فأعتقه السيد، كان العتق جائزًا، وكانت الخدمة عليه إلى منتهى السنة يرجع بها على السيد، لأن الإجارة بيع من البيوع لا تنقض ما دام المستأجر مسلمًا)). هذا كلامه بحروفه ومنه نقلته.
قوله: قال- يعني الشيخ-: ولا تستقر الأجرة في هذه الإجارة أي الواردة على الذمة، إلا بالعمل ثم قال: وفي الرافعي، والوسيط: أن الإجارة إذا وردت على الذمة وسلم دابة بالوصف المشروط، فمضت المدة عند المكري استقرت الأجرة لتعين حقه بالتسليم وحصول التمكين، ويمكن أن يحمل ما قاله الشيخ على ما إذا اعتمد العقد العمل، كما إذا قال: ألزمت ذمتك خياطة ثوب من صفته كذا بكذا، وما قاله الرافعي وغيره على ما إذا اعتمد الدابة فقال مثلًا: أجرتك دابة في ذمتي ونصفها. انتهى.
وهذا الحمل الذي ذكره غير صحيح، فإن الرافعي صرح في القسمين بالاستقرار، فإنه صرح به أيضًا فيما إذا ألزم ذمة الحر عملًا فسلم نفسه أو عبده، ومضت المدة كما صرح به في الدابة، فعلم بذلك أن الرافعي يسوي بين الصورتين.
قوله: قال- يعني الشيخ-: وإن دفع إليه ثوبًا فقطعه قميصًا، فقال صاحب الثوب أمرتك أن تقطعه قباءً فعليك الأرش، وقال الخياط: بل أمرتني بقميص فعليك الأجرة
تحالفا على ظاهر المذهب.
ثم قال: وقد روى القاضي أبو الطيب: أن الشافعي قال في اختلاف العراقيين: كان ابن أبي ليلى يقول: القول قول المالك، وهذا أصح القولين، وعير القاضي يرونه أشبه القولين: انتهى كلامه.
وهو يوهم انفراد القاضي بنقل لفظ الأصح عن الشافعي، وليس كذلك، فقد عبر بهذه اللفظة بعينها جماعات منهم: المحاملي في كتاب القولين والوجهين وفي كتاب المجموع، ومنهم ابن الصباغ في ((الشامل)) والمتولي في ((التتمة)).
قوله: وفي المسألة خمسة طرق.
ثم قال: والطريق الخامس عن ابن سريج: إن جرى بينهما عقد فليس إلا التحالف، وإن لم يجر فالخياط لا يدعي الأجرة، وإنما النزاع في الأرش، فهل يصدق المالك أو الخياط؟ قولان. انتهى.
وحكايته هذه المقالة طريقة خامسة سهو، تبع فيه الرافعي، فإن ذلك يقتضي طرد الخلاف السابق مطلقًا، سواء جرى عقد أم لا، وهو محال، فإن التحالف إنما يكون بعد الاتفاق على العقد.
وأيضًا: فإن التصوير والكلام جميعه إنما هو في طلب الخياط الأجرة ودفع الأرش عنه، ودعوى المالك عكس ذلك، نعم هذه مسألة مستقلة وحكمها متجه.