الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيع الأصول والثمار
قوله: ولا خلاف في اندراج الأسفل من حجري الرحا إذا كان المبيع باسم الطاحون، وكذا الأعلى على الأظهر، ولا خلاف في أنه إذا قال: بعتك هذا الباغ أو البستان أو الحائط، دخل فيه الأرض والأشجار والحيطان ومجاري الماء، وإن كان فيها بناء فعلى الخلاف. انتهى كلامه.
وما حكاه من نفي الخلاف فمردود في المسألتين جميعًا:
فأما الأسفل من حجري الرحا ونحوه كالإجانات في المدبغة، فالخلاف ثابت فيه في الرافعي وفي غيره كـ ((التتمة)).
وأما الحيطان فقد صرح بالخلاف فيها الروياني في ((البحر))، وضعف التفرقة بينها وبين ما في الأبنية الكائنة في البستان فقال: فرع: لو قال: بعتك هذا البستان، يدخل في البيع الأرض وما فيها من الأشجار.
ثم قال: وأما البناء الذي فيه والجدار المحيط به فعلى الطرق التي ذكرناها، وقال بعض أصحابنا: يدخل الجدار المحيط قولًا واحدًا، لأن البستان اسم لجميعها، وهو ضعيف عندي.
قوله: وإذا باع أرضًا وفيها زرع لا يحصد في السنة إلا مرة، كالحنطة والشعير والجزر والفجل وما في معناه، لم يدخل في البيع، وللبائع تبقية ذلك إلى أول إمكان حصاده.
ثم قال ما نصه: نعم، عليه- يعني البائع- قلع ما يضر بالأرض من عروق الذرة وأصول القطن، وهل يلزمه تسوية الأرض؟ الكلام فيه مثل الكلام فيما إذا كان في الدار المبيعة ما لا يسعه بابها، وقد حكى القاضي أبو الطيب فيه: أنه يجب نقض الباب حتى يخرج، ويلزم البائع ما نقض من الباب. ثم قال: ويحتمل أن يقال: يلزمه بناؤه كما تلزمه تسوية الأرض. انتهى كلامه.
وحاصله: أنه لا يجب- أيضًا- تسوية الأرض إلا على احتمال ضعيف، بل يجب أرشها، لأنه جعل الحكم فيها كالحكم فيما إذا نقض الباب، ثم أوجب في نقضه ما
ذكرناه، والذي ذكره غلط نبه عليه في حاشية الكتاب فقال: المنقول في مسألة نزع العروق: وجوب التسوية، لا وجوب الأرش كما بينت ذلك في المطلب، وهذه غلطة وقعت مني في فهم كلام الرافعي، حيث قاس هذه المسألة على مسألة توسيع الباب. نعم، في الغصب وجه: أنه لا يجب على حافر الأرض التسوية، بل يجب الأرش، ولا يبعد مجيئه هاهنا. هذا كلامه.
قوله: فرع: لو باع الأرض وما بها من زرع
…
فإن كان قمحًا، ولم نجوز بيعه في سنبله- بطل فيه، وفي الأرض قولًا تفريق الصفقة.
اعلم أن هذه المسألة حكى فيها الرافعي طريقين مبنيين على أن الصفقة إذا فرقناها وصححنا فيما يصح هل يصح: بالقسط أم بالكل؟ فإن قلنا: بالكل، جاء في الأرض القولان في تفريق الصفقة، وإن قلنا: بالقسط، فلا يصح فيها، لأن التقسيط هنا ممتنع لتعذر قيمتها. ثم صحح القطع بالبطلان، وعداه الرافعي في الكلام على تفريق الصفقة إلى كل عقد جمع مجهولًا ومعلومًا، وتبعه عليه المصنف في باب ما يجوز بيعه، وقد ذكرت لفظه هناك لغرض آخر، فراجعه.
إذا علمت ذلك فما جزم به المصنف هنا من طريقة القولين مناقض لما جزم به هناك، وأنه إنما يأتي على طريقة ضعيفة عنده وعند غيره.
قوله: ولا يجوز بيع الثمار قبل بدو الصلاح إلا بشرط القطع، لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها.
ثم قال: وذلك يدل على منع البيع مطلقًا .... فاستثنى منه ما قام الإجماع على جوازه، وهو البيع بشرط القطع، وبقي على عمومه فيما عداه. انتهى كلامه.
وما ادعاه من الإجماع قلد فيه الرافعي، وليس كذلك، فقد ذهب سفيان الثوري وابن أبي ليلى إلى أنه لا يصح البيع مع هذا الشرط- أيضًا- وممن نقل الخلاف فيه الشيخ تقي الدين في ((شرح العمدة)).
قوله: ولا يجوز بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع.
ثم قال: وحكم أصول البطيخ والباذنجان ونحوهما عند الغزالي حكم الزرع، فلا يجوز إلا بشرط القطع إذا بيعت دون الأرض، والذي ذكره العراقيون وغيرهم: أنه يجوز، ولا حاجة إلى شرط القطع إذا لم يخف اختلاف ثماره. انتهى كلامه.
وما نقله- رحمه الله عن الغزالي من منعه بيع أصول البطيخ إلا بشرط القطع، سهو تفطن له في شرح الوسيط، فإن الغزالي إنما ذكر بيع البطيخ على أصوله، وقال:
إنه لا يجوز إلا بشرط قطعه، أي: قطع البطيخ. قال: سواء بيع وحده أو مع أصوله. وأبدى الإمام الرافعي في تجويزه بدون هذا الشرط وجهًا لنفسه، تخريجًا من جزم العراقيين وغيرهم بأنه يجوز بيع الأصول من غير شرط.
قوله: وفي الباقلاء واللوز قال: إنه يجوز بيعهما في قشرهما ما داما رطبين، وهذا ما حكاه القاضي أبو الطيب عن ابن القاص والإصطخري. انتهى كلامه.
وما حكاه هو عن القاضي أبي الطيب فصحيح، وأما حكاية أبي الطيب ذلك عن ابن القاص فمردودة، فإنه إنما جوز في الباقلاء خاصة، فقال في ((التخليص)): ولا يجوز بيع شيء وعليه قشران حتى ترفع العليا، إلا واحد وهو بيع الفول رطبًا، قلته تخريجًا. هذا لفظه، ولم يتعرض المذكور- وهو ابن القاص- في المفتاح للمسألة.
قوله: وكان يتجه أن يلحق العلس بالأرز في جواز بيعه في قشرته، وقد جزم القاضي أبو الطيب فيه بالمنع في باب السلم. انتهى كلامه.
وهو يقتضي أنه لم يقف على الجواز في العلس لأحد، وهو غريب، فقد ذكر الرافعي المسألة في اللفظ السادس المعقود لبيع الثمار، وجزم بالجواز، وزاد الشيخ محيي الدين على ذلك، فقال في باب الغرر من ((شرح المهذب)): إنه لا خلاف فيه، أعني الجواز. نعم، ذكر الرافعي في باب السلم أنه لا يجوز، وقد أوضحته في المهمات، ورأيت في ((شرح التخليص)) للشيخ أبي علي السنجي بعد نقل الجواز عن الدراكي فقط: أنه إن كان بقاؤه فيه من مصلحته جاز، وإلا فلا.
قوله: ولو اشترى ثمرة، فلم يأخذها حتى حدثت ثمرة أخرى، فاختلطت بها ولم تتميز، أو جزة فطالت، أو طعامًا فاختلط به غيره- ففي الانفساخ قولان، فإن قلنا: لا ينفسخ، فترك البائع للمشتري حقه- وجب القبول.
ثم قال: وإذا تركه فهل يكون هبة أو إعراضًا؟ فيه خلاف كما في النعل، صرح به الإمام. انتهى كلامه.
واعلم أن الإمام قد ذكر المسألة هنا، وفي باب الخراج بالضمان، وقال: إن من أصحابنا من جعل الثمار كالنعل، ومنهم من قال: لا، فلا يلزم المشتري قبول منته. ولا شك أن هذا الكلام ليس صريحًا في الخلاف حتى نقول: صرح به الإمام، بل ولا ظاهرًا فيه، فإن سياقه يقتضي التشبيه في وجوب القبول، وكيف يأتي القول بالإعراض مع استلزامه امتناع المشتري من التصرف، وحينئذ فلا يحصل المقصود من هذه الهبة، ونحن إنما منعنا الفسخ لأجلها.
فائدة: ذكر المصنف في الباب ألفاظًا:
منها: الكش، وهو- بضم الكاف والشين المعجمة- اسم للدقيق الذي في طلع كوز النخل.
ومنها: الإبان- بهمزة مكسورة، ثم باء موحدة مشددة، وفي آخره نون- وهو الوقت.
ومنها: الفرسك: بكسر الفاء، وسكون الراء، وكسر السين المهملة، وبالكاف، قال الجوهري: هو ضرب من الخوخ ينفلق عن نواه.
ومنها: في حديث رواه عن البخاري: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تشقح))، أي: تطيب، هو بالشين المعجمة والقاف والحاء المهملة. قال الجوهري: أشقح النخل. انتهى. وكذلك التشقيح، قال في مسلم: والتاء مضمومة، والشين ساكنة، والقاف مفتوحة، ومنهم من فتح الشين. قال: ويقال- أيضًا- بالهاء عوضًا عن الحاء.
ومنها: أن الشافعي أمر بعض أعوانه بأن يشتر له الباقلاء الرطب، والعون هو الربيع وكان الثمن كسرة على ما حكاه القاضي، والذي حكاه عن القاضي، والذي حكاه عن القاضي قد رأيته لشيخه القفال في شرح التلخيص، فنقل عن الربيع أنه قال: مر الشافعي ببغداد بباب الطاق، فأعطاني كسرة فاشتريت له بها الباقلاء الأخضر. ورأيت في شرحه للشيخ أبي علي نحوه أيضًا. والكسرة: هي القطعة من الدرهم أو الدينار، تكسر منه للحوائج الصغار، ومن ذلك قول الفقهاء: الدراهم المكسرة والقراضة، وتسمية القطعة بالكسرة مشهور في بلاد الشرق، وصحيح في اللغة. قال الجوهري: الكسرة: القطعة من الشيء.