الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القرض
قوله: وقد روي عن كل من ابن مسعود وابن عباس وأبي الدراء أنه قال: ((لأن أقرض مرتين أحب إلى من أن أتصدق مرة)). وروى البزار عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((قرض مرتين يعدل صدقة مرة))، وإنما كان القرض خيرًا من الصدقة، لأنه لا يأخذه إلا محتاج إليه، بخلاف الصدقة. انتهى.
وهذا الحكم الذي استدل عليه، وهو تفصيل القرض على الصدقة- لم يتقدم له ذكر، بل تقدم ما يقتضي عكسه، فإن الحديث والآثار التي ذكرها تدل على أن الصدقة من حيث هي أفضل من القرض، على خلاف ما استنبطه منها.
قوله: وهذا إذا كان المقرض عينا، أما إذا كان دينا مثل أن يقول: أقرضتك عشر دراهم صفتها كذا، وقبل، فإن عين في المجلس صح، وإن عين بعد مفارقة المجلس.
قال في ((المهذب)): إن لم يطل الفصل جاز، وإن طال لم يجز حتى يعيد لفظ القرض. انتهى كلامه.
اعلم أن اشتراط التعيين لا يستلزم اشتراط القبض كما أوضحوه في الكلام على الاستبدال عما في الذمة، وفي كتاب الصلح، وصاحب ((المهذب)) لم يذكر التعيين، وإنما شرط القبض، فقال: وإن قال أقرضتك ألفا، وقبل، وتفرقا، ثم دفع إليه ألفا-: فإن شرط لم يطل الفصل جاز، لأن الظاهر أنه قصد الإيجاب، وإن طال الفصل لم يجز حتى يعيد لفظ ((القرض))، لأنه لا يمكن البناء على العقد مع طول الفصل. هذا لفظه. على أن المسألة فيها نظر، وقد نقلها صاحب ((البحر))، ثم عزاها بعد ذلك إلى ((المهذب)).
قوله: ومما يندرج في كلام الشيخ قرض منفعة دار بعينها، لأنه لا يجوز السلم فيها، وقد صرح بذلك القاضي حسين في كتاب الغصب، ومن جوز نظرًا إلى جواز البيع قد يجوز ذلك. انتهى كلامه.
وهذا الذي ذكره بحثا معناه: أن من جوز السلم نظرًا إلى جواز البيع- يعني الإجارة- قد يجوز قرضها، وحاصل ما ذكره الجزم بالمنع، وليس فيه إلا ما ذكره
بحثا. إذا علمت ذلك فقد جزم بعد ذلك- بدون ورقة- بعكسه، فقال: إن القبض في المنافع المقرضة يكون بقبض العين المستوفى منها، وهو يقتضي جواز قرض المنافع.
قوله: قال الأصحاب: ويصير الحال مؤجلًا فيما إذا أوصى من له الحق ألا يطالب به إلا بعد شهر مثلًا كما حكاه المتولي، وسمعت من بعض مشايخنا أنه يتأجل بالنذر أيضًا. انتهى كلامه.
ومقتضاه: أنه لم يقف على نقل في هذه المسألة، وهو غريب، فقد ذكرها- أيضًا- المتولي عقب هذه المسألة التي نقلها هو عنه من غير فصل بينهما، فقال في الباب الخامس من أبواب البيع: الثامن: إذا كان له حق حل أجله، فقال: إن شفى الله مريضي، أو: رجع غائبي- فلله علي ألا أطالبه شهرًا- فالحكم فيه كالحكم فيما لو نذر عيادة المرضى وتشييع الجنائز. هذا كلام المتولي، وقد ذكرها- أيضًا- الروياني في ((البحر)) في كتاب البيع، قبل باب بيع اللحم بالحيوان بنحو ورقة، فقال: إن فيه وجهين كالوجهين فيما إذا نذر تشييع الجنازة. وهذا الكلام يقتضي أن الراجع من الوجهين هو الوجوب، لأنه الراجح في تشييع الجنائز وأنظاره.
وما نقله المصنف عن ((التتمة)) قد جزم به الرافعي في باب الفساد من جهة النهي، إلا أنه لم يصرح بكونه يصير مؤجلًا، بل بوجوب الإمهال، قال المصنف في ((المطلب)): وإنما تنفذ الوصية بعدم المطالبة إلى مدة بشرط أن يخرج فيه الدين من الثلث، لأنهم قالوا: إن البيع بثمن مؤجل يحسب كله من الثلث إذا لم يحل منه شيء قبل موت الموصي، لأنه منع الورثة من التصرف فيه فكان كإخراجه عن ملكهم، وهذا مثله.
ثم قال: وأنا أقول: إذا قلنا: إن الملك ينتقل في المبيع في زمان الخيار، ويجوز إلحاق الزيادة بالعقد- كان ذلك صورة أخرى، لأن الدين كان حالًا وقد تأجل. قال: بل هذه بالذكر أولى، لأن ما كان حالا تأجل، وما عداها قد يقال: إن الدين باق بصفته، وإنما يمنع من طلبه مانع كالإعسار. ذكر ذلك في آخر الباب الثالث من أبواب البيع.
وهذا الاحتمال الذي أبداه ابن الرفعة من كونه حالًا امتنعت المطالبة به لعارض، بحث ظاهر، وله فوائد:
منها: إذا عجله المدين قبل المدة لغرض البراءة، فهل يجبر رب الدين جزمًا- أي: على أحد الأمرين، وهما القبول والبراءة- كسائر الديون الحالة، لاسيما أن هذه
المدة لم تقع برضا المدين، أم يتخرج على الخلاف في الدين المؤجل؟
ومنها: الحنث إذا حلف: لا مال له، وقلنا بالتفصيل بين الحال والمؤجل.
ومنها: إذا أفلس المدين فهل لصاحبه المطالبة به؟ إن قلنا: إنه من باب التأجيل، فيأتي فيه الخلاف في حلول المؤجل بالإفلاس، وإن قلنا: إنه حال منع المطالبة به مانع، فالمتجه عدم المطالبة لقيام المانع، ويحتمل خلافه، لما فيه من الضرر، ويحتمل التخريج على المؤجل، لأن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب الأصلي، ويحتمل التخريج على المؤجل، لأن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب الأصلي، ويحتمل التفصيل بين أن يقول: لله علي ألا أستوفيه إلا بعد كذا وكذا ونحو ذلك، فلا يحل، أو يقول: لله علي تأجيله. وهذا كله إذا كان الناذر والمديون حيين، فإن كان المديون ميتًا فلا شك أن المسارعة إلى براءة ذمته واجبة إذا حلف وفاءً، وحينئذ فلا يؤثر النذر حتى لو رضي الوارث ورب الدين معا بالتأخير لم يجز، لما ذكرنا، وأيضًا: فلأن قصد الناذر التبرع برفق المديون، وقد زال ذلك بموته. وإن كان الناذر ميتًا فالمتجه بقاء المدة، سواء كان وارثه رشيدًا أم محجورًا عليه، لأن من ورث مالا ورثه بحقوقه التي عليه والتي له، ويحتمل التفصيل السابق، وهو الفرق بين أن يلتزم التأجيل أو عدم مطالبته هو، ومن تفاريع المسألة إخراج الزكاة عن ذلك المال، فنقول: للنذر حالان:
أحدهما: أن يكون بعد تمام الحول فلا إشكال في وجوب إخراج قدر الزكاة، غير أنه هل يستثنى ذلك القدر من وجوب الإنظار، لأن الملك فيه لغيره، بناء على الصحيح، وهو أن الفقراء شركاء رب المال، أو يجب الإنظار فيه- أيضًا- وهو المتجه لكونه قادرًا على تمام نذره بجواز الإخراج من غيره، كما قلنا به فيما إذا رهن مالا زكويًا وحال عليه الحول، بل الإخراج من غيره عند القدرة هاهنا أولى، لأن الرهن سابق على الوجوب، بخلاف النذر.
الحال الثاني: أن يكون قبل تمام الحول، ففي إلحاقه بما بعد الحول احتمال، لأن النذر في هذه الحالة يصرف منه قبل تعلق نصيب الفقراء، وقياس مسألة الرهن وجوب الإخراج من غيره عند القدرة ومنه عند عدمها.
وهذه الأمور التي ذكرناها خلاف موضوع الكتاب، واللائق بذلك إنما هو كتابنا ((المهمات)).
قوله: وأما جواز أخذ البدل عن عين القرض إذا كان المقترض في يد المستقرض، ففي ((الشامل)): أنه لا يجوز أن يأخذ عوضه، لأنه قد زال ملكه عن العين، أي: إذا قلنا: إنه يملك بالقبض.
قال: أما إذا قلنا: إنه لا يملك إلا بالتصرف فقد قال بعض أصحابنا: لا يجوز أخذ بدله للمقرض، فإنه وإن كان ملكه باقيًا إلا أنه قد ضعف بتسليط المستقرض. هذا آخر كلامه.
وفي ((الرافعي)) ما يفهم حكاية هذا عن ((الشامل)) فيما إذا أورده أخذ العوض عن البدل الثابت في الذمة، وكلامه لا يقتضي إلا ما ذكرناه، فليتأمل. انتهى كلام ابن الرفعة. رحمه الله.
وما نقله عن ((الشامل))، واعترض على الرافعي بسببه في حكايته عنه- غلط، سببه إسقاط بعض كلام ((الشامل))، فإنه قال ما نصه: هذا- أي جواز الاستبدال- محله إذا كان العوض قد استقر في ذمته، فأما إذا كان المقترض في يده فإنه لا يجوز أن يأخذ عوضه، لأنه قد زال ملكه عن العين ولم يستقر في ذمته، لأنه يعرض أن يرجع في العي، فأما إذا قلنا: إنه لا يملك إلا بالتصرف، فقال بعض أصحابنا: لا يجوز. هذا لفظه بحروفه، ثم ذكر التعليل الذي نقله عنه المصنف، فاقتصر ابن الرفعة على قوله:((لأنه قد زال ملكه عن العين))، وذهل عما بعده، وكأنه أولًا اقتصر عليه، ظانًا أنه لا حاجة إلى ما بعده، ثم بعد ذلك رآه مع كلام الرافعي لا يجتمع، فاعترض.