الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطلاق
قوله: وفي طلاق السكران قولان.
ثم قال: ومنهم من خص القولين في ما له كالنكاح، أما ما عليه، كالضمان، والإقرار، فهو نافذ لا محالة تغليظًا عليه.
وعلى هذا فلو كان التصرف له من وجه، وعليه من وجه، كالبيع، والإجارة، فيحكم بنفوذه تغليبًا لطرف التغليظ.
وفي التهذيب: أنه يصح الإجارة ولا يصح بيعه، لأنه يجمع ما له وعليه، فغلب ما له، وكذلك لا يصح نكاحه ولا إنكاحه. انتهى كلامه.
وما نقله عن التهذيب تفريعًا على صحة ما عليه دون ما له من صحة الإجارة دون البيع- غلط نشأ عن تحريف، فإن صاحب التهذيب قال ما نصه: فعلى هذا يصح إقراره، ولا يصح بيعه، لأنه يجمع ما له وعليه، فيغلب جانب ما له وكذلك لا يصح نكاحه ولا إنكاحه. هذا لفظ التهذيب فتحرف الإقرار بالإيجاز ثم عبر هو عنه بالإجازة.
قوله: الرابع: إذا جرى لسانه بكلمة الطلاق ولم يرفع صوته بقدر ما يسمع، ففي التتمة: أن الكرخي حكى أن المزني نقل فيه قولين:
أحدهما: وقوع الطلاق، لأنا نوقع الطلاق بالكناية مع النية، فعند اللفظ أولى.
والثاني: المنع، لأنه ليس بكلام، ولهذا يشترط في قراءة الصلاة أن يسمع نفسه. انتهى كلامه.
وما نقله عن التتمة من حكاية الكرخي للقولين عن المزني غلط، فإن صاحب التتمة إنما حكاه عن الزجاجي، ذكر ذلك قبيل الفصل الرابع، وهكذا نقله عنه الرافعي أيضًا والنووي في الروضة، وصحح من زوائده القول الثاني وهو ظاهر.
قوله: والنية المؤثرة في الكناية بالاتفاق أن تقترن بجميع اللفظ من قوله ((أنت)) إلى
آخر القاف من طالق، كما صرح به المتولي في باب النية في الصلاة، فإن اقترنت بأوله ثم عزبت في أثنائه، فالمذهب الوقوع.
ولو خلا أوله- وهو ((أنت)) - عن النية، ثم نوى في أثنائه عند قوله:((طالق))، ففي الوقوع وجهان. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن تعبيره بطالق غلط في الموضعين، بل الصواب التعبير ببائن أو نحوه، فإن الكلام في الكنايات، وقد عبر في التتمة بالبائن كما ذكرناه لا بما نقله عنه، وهو طالق.
الثاني: أن ما نقله عن التتمة من الاتفاق لم يتعرض له بالكلية وإن كان صحيحًا.
الأمر الثالث: أن تمثيله اقترانًا بالأثناء بما إذا خلا عنها ((أنت)) وقارنت طالقًا- وقع في التتمة هناك.
وفي الرافعي هنا فقلدهما المصنف فيه وهو غلط، لأن اللفظ الذي تردد الأصحاب في أن النية هل يشترط اقترانها بجميعه، أم يكفي اقترانها ببعضه؟ إنما هو لفظ الكناية فقط، لأن المقصود من النية تفسير إرادة الطلاق الذي يحتمله ويحتمل غيره، والمفتقر إلى التفسير لما فيه من الاحتمال إنما هو صيغة الكناية دون ما معها، فتقدم النية عليها لا يفيد قطعًا وإن كان متصلًا بـ ((أنت)) أو غيرها مما قبله، وقد صرح بهذا الذي ذكرته: البندنيجي والماوردي وصاحب الشامل وغيرهم، إلا أن المصنف في المطلب قد أثبت وجهين في المسألة، وأيد الاكتفاء عند ((أنت)) بما إذا وقع ((أنت)) في زمن الطهر و ((طالق)) في زن الحيض، فإن ابن سريج قال: يكون الطلاق سببًا ويحصل لها قراء واحد.
قوله: وهل الحرام من الصرائح، أو من الكنايات؟ فيه خلاف.
ثم قال: وعد الحرام من الكنايات على قولنا ليس بصريح محله: إذا قلنا: إن لفظ ((الحرام)) غير صريح في إيجاب الكفارة.
أما إذا قلنا: إنه صريح، فقد حكى الحناطي وجهًا: أنه لا يكون طلاقًا، وهو قضية الضابط المذكور في النهاية وغيرها: أن اللفظ إذا كان صريحًا في باب ووجد نفاذًا في موضوعه فلا سبيل إلى رده عن العمل فيما هو صريح فيه، ويستحيل أن يكون صريحًا
نافذًا في أصله ووضعه، ويكون كناية منوية في وجه آخر، وهو ما جزم به في المهذب تفريعًا على هذا القول عند الكلام فيه.
والمذهب: أنه يكون طلاقًا.
قال في الذخائر: لأنه إنما يكون صريحًا في إيجاب الكفارة عند عدم النية، فأما مع وجود النية فلا يكون صريحًا في الكفارة. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن المهذب والذخائر غلط، أما المهذب: فإنه جزم بأن الزوج إذا نوى به الطلاق وقع، ولم يتعرض للتخريج الذي نقله عنه المصنف بالكلية، فإنه قال: فصل: إذا قال لامرأته: أنت علي حرام ونوى به الطلاق فهو طلاق. هذا لفظه، ولم يتعرض فيما إذا نوى لغير ذلك.
ثم قال بعد ذلك في الكلام على إيجاب الكفارة بها: وإن قال: أنت علي حرم ولم ينو شيئًا ففيه قولان.
أحدهما: تجب عليه الكفارة، فعلى هذا يكون هذا اللفظ صريحًا في إيجاب الكفارة، لأن كل كفارة وجبت بالكناية مع النية كان لوجوبها صريح ككفارة الظهار.
والثاني: لا تجب، فعلى هذا لا يكون هذا اللفظ صريحًا في شيء، لأن ما كان كناية في جنس لا يكون صريحًا في ذلك الجنس، هذا لفظه.
وكأن هذا هو سبب الوهم ولا ذكر لذلك في تهذيب البغوي أيضًا حتى يقال: هو الذي ذكره المصنف ولكن تحرف بالمهذب.
وأما النقل المتقدم عن صاحب الذخائر فإنه ليس له ذكر فيها، فإن المسالة مذكورة في الكتاب المذكور في ثلاثة مواضع: أحدها هذا، والثاني في الإيلاء، والثالث في الظهار، ولم أر ما قاله المصنف في شيء من المواضع الثلاث.
قوله: وإشارة الأخرس بوقوع الطلاق معتبرة، ثم إن كانت مفهمة للطلاق فيكتفي بها، وإن لم ينو، كذا قاله في التهذيب، وقسم الإمام وغيره الإشارة إلى صريحة تغني عن النية، وهي التي فيهم منها الطلاق المخصوصون بالفطنة والذكاء، وصوابه وهون المذكور في النهاية ونقله عنه الرافعي- أيضًا- أن يقول: إلى صريحة مغنية عن النية، وهي التي يفهم منها الطلاق كما واقف عليها، وإلى كناية مفتقرة إلى النية، وهي التي يفهم منها الطلاق المخصوصون بالفطنة. انتهى.
قوله: وإذا أضاف الطلاق إلى جزء منها وقع بطريق السراية.
وقيل: من باب التعبير بالجزء عن الكل، وله فوائد.
ثم قال: وقد يضاف إلى فوائده ما إذا ضمن إحضار جزء من إنسان شائع أو غير شائع لا تبقى الحياة بدونه، فإن قلنا: إنه بطريق السراية، لم يصح الضمان، وإن قلنا: بطريق التعبير بالبعض عن الكل، لم يصح، لكن لو قيل، لكن لو قيل به للزم أن يكون الصحيح صحة الضمان، وقد حكينا أن الراجح خلافه. انتهى.
وتعبيره في آخر كلامه بقوله: أن يكون الصحيح صحة الضمان وهم، وصوابه عدم صحة الضمان، فإنه مقتضى التفريع، وأيضًا فإن الصحيح هناك هو الصحة، وحينئذ فلزوم خلافها باطل.
قوله: ولو قال: حياتك طالق، ففي النهاية أن يقع.
وفي التهذيب: أنه إن أراد الروح وقع، وإن أراد المعنى القائم بالحي لم يقع. انتهى كلامه.
وما نقله عن التهذيب من أنه لا يقع إذا أراد المعنى القائم بالحي ليس مذكورًا فيه، وإنا عبر في التهذيب بقوله: إن أراد به الروح طلقت واقتصر عليه، فنقله عنه الرافعي.
ثم قال- أعني: الرافعي-: وهذا فيه إشعار بأنه إن أراد المعنى القائم بالحي لا تطلق كسائر المعاني، وبه قطع أبو الفرج الزاز، ويشبه أن يكون هو الأصح. هذا كلامه ثم إنا نقول: إن كلام البغوي يشعر بأنه لا يقع عند الإطلاق أيضًا، فلا وجه لاقتصاره على نقل عدم الوقوع في قسم واحد.
قوله: وفي فتاوى القفال: أنه لو قال لامرأته: يا بنتي، وقعت الفرقة بينهما عند احتمال اللبس. انتهى كلامه.
وتعبيره باللبس تحريف لا معنى له، وصوابه وهو المذكور في الفتاوى المذكورة إنما هو السن، أي يحتمل ما قاله من كونه بنتًا له، والمصنف- رحمه الله لم يظفر بهذه الفتاوى، وإنما اعتمد فيها على نقل الرافعي، والرافعي قد ذكره على الصواب.
قوله: ولو قال: امرأتي هذه محرمة علي لا تحل لي أبدًا، نقل الرافعي عن جده: أنها لا تطلق، لأن التحريم قد يكون بغير الطلاق، وقد يظن ما لا يحرم محرمًا.
وقيل: يحكم عليه بالبينونة. انتهى كلامه.
وما ذكره من كون الرافعي نقل ذلك عن جد نفسه قد وقع له مثله- أيضًا- في غير هذه المسألة، وهو غلط عجيب، وإنما نقل لذلك هو سريج الروياني عن جده: أبي
العباس، كذا نقله في باب أركان الطلاق بعد نحو خمسة أوراق من أوله، وسبب غلط المصنف في ذلك أن الرافعي ذكر هذه المسألة في أثناء مسائل كثيرة، ذكر في أولها أنها منقولة عن سريج المذكور، فوقف المصنف على المسألة غافلًا عما سبق في أول الفصل من عزوها إلى سريج، فظن أن المراد بقوله: قال جدي، أن الرافعي هو القائل ذلك يعني جد نفسه، فصرح به فوقع في الغلط، ثم إن جد الرافعي ليس معدودًا في أهل العلم بالكلية ولا معروفًا بشيء من ذلك إلا أن المصنف- رحمه الله مع جلالة قدره وانفراده في زمانه- قليل الخبرة بالأصحاب، بل بالمصنفات أيضًا.