الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحيض
قوله: ثم التسع في حق الصبية تقريب أو تحديد؟ فيه وجهان: فإن قلنا: إنه تقريب- وهو ما رجحه الروياني والرافعي- فلا يؤثر نقصان اليوم واليومين كما قاله الماوردي.
والمتولي قال: إن قلنا: إنه تقريب، ففائدته أنها لو رأته قبله بزمان لا يسع طهرًا وحيضًا يكون حيضًا، دون ما إذا كان يسعهما، وهذا ما أورده الرافعي، وفي ((البحر)) حكاية الأمرين. انتهى كلامه.
وما نقله- رحمه الله عن ((التتمة)) و ((البحر)) من كون هذا الزمان الذي لا يسع حيضًا وطهرًا يكون أوله من حين رؤية الدم، غلط مخالف لما ي الكتابين المذكورين، فإن المذكور فيهما: أن أوله من حين الانقطاع، فقال في ((التتمة)) ما نقصه فمنهم من قال: تقريب، حتى لو رأت الدم قبل التسع لمدة قريبة تجعل حيضًا، وحد القرب: ألا يكون بين انقطاع الدم والتسع زمان يتسع لحيض وطهر. هذه عبارته، وذكر في ((البحر)) مثله- أيضًا- فقال: ومن أصحابنا من قال: حد القرب: ألا يكون بين انقطاع الدم والتسع زمان يتسع لحيض وطهر. هذا لفظه- أيضًا- وما نقله المصنف عن ((التتمة)) ذكره النووي في ((شرح المهذب)) تبعًا للرافعي، فقلد المصنف فيه أحدهما.
قوله: نص الشافعي في موضع على أن أقله يوم وليلة، وفي آخر على أن أقله يوم، واختلفوا فيهما على ثلاث طرق:
إحداها: القطع بأن أقله يوم وليلة.
والثانية: القطع باليوم فقط، واختارها في ((المرشد))، ونقلها في ((الشامل)) عن أكثر الأصحاب.
والثالثة: على قولين. انتهى ملخصًا.
وما نقله عن ((الشامل)) هنا غلط، فإن الذي فيه عن الأكثرين إنما هو القطع بالقول المعروف وهو ويم وليلة، وقد نقله عنه في ((شرح المهذب)) على الصواب. وأما
((المرشد)) فإنه قال: وأقل الحيض يوم، لأنه وجد، وأكثره خمسة عشر، وغالبه ست أو سبع. هذه عبارته، وليس فيها ما يقتضي اختيار الطريقة القاطعة، لأنه مصنفه لا يذكر فيه إلا ما عليه الفتوى، ولا يتعرض لما في المسألة من الخلاف، فيجوز أن يكون قد اختار طريقة القولين، ولكن صحح أن أقله يوم، فدعوى المصنف ما ادعاه ذهول عجيب وغفلة، على أنه يجوز أن يكون قد أراد: مع الليلة، كما حملوا عليه عبارة الشافعي، ويدل عليه أنه لم يصرح بالليالي في القسمين الآخرين، وهما الأكثر في الغالب.
قوله: فإن قيل: لو دل الاستقراء على أن أقل الطهر دونه خمسة عشر يومًا، هل يجري فيه الخلاف السابق، أي في أقل الحيض ونحوه؟
قلت: الظاهر من كلام الأصحاب إجراؤه، إذ لا فرق، لكن نص الشافعي على إتباع الوجود، فإن الماوردي قال في كتاب العدد
…
إلى آخر ما قال. انتهى.
وكلامه- رحمه الله يقتضي عدم الوقوف على الخلاف، ولهذا حاول إثباته من جهة القياس، وهو غريب جدًا فإن الخلاف مشهور في كتب الأصحاب حتى في ((الرافعي))، فإنه قال: لو رأينا من تحيض أقل من يوم وليلة أو أكثر من خمسة عشر، وتطهر أقل من خمسة عشر- فثلاثة أوجه.
أظهرها: أنه لا عبرة به. هذا كلامه، والمصنف قد نقل هنالك ما يدل عليه، فإنه قال عقب ذكر الشيخ لأقل الحيض وأكثره ما نصه: فإن قيل: إذا كان مستندكم في التقدير لأقله وأكثره هو الاستقراء، فينبغي إذا وجد في عصر من الأعصار بسبب تغير الطباع أقل من ذلك أو أكثر، أن تتبعوه- قيل: قد قال به جماعة من المحققين منهم الأستاذ أبو إسحاق، وأبو إسحاق المروزي- كما قال في ((التتمة)) - والقاضي الحسين في جواب له، وعليه يدل ما سنذكره من نص الشافعي من بعد.
ثم قال: ومنهم من منع النقصان عما ذكرنا والزيادة عليه، ومنهم من قال: إن قال بعض العلماء به اعتمد، وإلا فلا. انتهى. وحكاية الخلاف في أكثر الحيض يؤخذ منها الخلاف في أقل الطهر.
واعلم أن الرافعي عبر بقوله: أحدها: نعم، وذهب إليه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في جواب له، والقاضي الحسين فيما حكى. والمصنف جعل القائل بذلك في جواب له هو القاضي الحسين، فكأنه لما نقل هنا حالة التصنيف من ((الرافعي)) قدم وأخر.
قوله: وإن رأت المرأة يومًا طهرًا ويومًا دما ففيه قولان:
أحدهما: تضم الطهر إلى الطهر، والدم إلى الدم.
والثاني- وهو الأصح عند الجمهور-: أنها لا تضم، بل الجميع حيض. ثم استدل على الثاني فقال: ولأن الناس أجمعوا على أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا، فلو قلنا: يوم النقاء طهر، لأدى إلى أن يكون يومًا. انتهى.
وما نقله من الإجماع المذكور ليس بصحيح، فإن في أقله خمسة مذاهب حكاها في ((شرح المهذب)) كلها دون الخمسة عشر:
أحدها: أنه غير محدود بالكلية، وهو رواية ابن القاسم عن مالك، ونقله ابن المنذر عن أحمد وإسحاق.
والثاني: خمسة أيام، ورواه ابن الماجشون عن مالك.
والثالث: ثمانية، رواه سحنون عنه.
والرابع: عشرة، نقله الماوردي عنه.
والخامس: ثلاثة عشر، وهو منقول عن أحمد، أيضًا.
وقد نقل المصنف القول الأول والرابع قبل هذا الموضع بدون الورقة. ثم إن الخلاف ثابت- أيضًا- عندنا في المسألة، ويعرف من الاعتراض المذكور قبل هذا.
قوله: لما روى البخاري عن عائشة: ((أن نساء كن يبعثن إليها بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء)). والكرسف: القطن، والقصة البيضاء: شيء كالخيط الأبيض يخرج عند انقطاع الدم. انتهى كلامه.
وتفسيره القصة بأنه شيء كالخيط تحريف فاحش، بل القصة هو الجص الذي تبيض به البيوت، قال في ((شرح المهذب)): القصة- بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة- هو الجص، شبهت الرطوبة النتنة الصافية بالجص. هذه عبارته.
والدرجة: بضم الدال وإسكان الراء المهملتين وبالجيم، وروي بكسر الدال وفتح الراء، وهي خرقة أو قطنة أو نحو ذلك تدخله المرأة فرجها، ثم تخرجه لتنظر: هل بقي شيء من أثر الحيض أم لا؟
واعلم أن البخاري ذكر هذا الأثر تعليقًا، أي: بغير إسناد، فاعلمه. فإن كلام المصنف قد يوهم خلافه، إلا أن تعليقات البخاري هكذا صحيحة إذا كانت بصيغة جزم، وقد رواه- أيضًا- مالك في الموطأ بإسناد صحيح.
قوله: لأنه روي عن ابن عباس أنه قال: ((دم الحيض أسود محتدم بحراني ذو
دفعات، له رائحة تعرف)). والمحتدم: الحار، يقال: يوم محتدم، إذا كان شديد الحر. والبحراني: الشديد الحمرة، ينسب إلى ((البحر))، لصفاء لونه
…
إلى آخر ما قال.
والمحتدم: بحاء ودال مهملتين، وما ذكره في تفسيره ذكره الفقهاء في كتبهم، والمشهور في كتب اللغة- كما نبه عليه في ((شرح المهذب)) -: أن المحتدم هو الذي اشتدت حمرته حتى اسود.
قوله: الثاني: أنه لا فرق في جعل الأسود حيضًا- إذا وجد شرطه- بين أن يكون مبتدأ به أو متأخرًا أو متوسطًا، حتى لو رأت خمسة دمًا أحمر، وخمسة دمًا أسود، ثم أطبق الأحمر، أو رأت خمسة عشر دمًا أحمر، ثم مثلها أسود، أو بالعكس- كان الأسود هو الحيض. وعن ابن سريج: أنه يشترط في جعله حيضًا: أن يقع مبتدأ به، فلو وقع الابتداء بالأحمر فلا تمييز. وحكى الغزالي وجهًا: أن النظر إلى ما وقع الابتداء، فإن وقع بالأسود فهو الحيض، وإن وقع بالأحمر فهو الحيض.
وقيل: إن أمكن جعلهما حيضًا- كما في مثلنا- جعل، وإن لم يكن كما لو رأت خمسة حمرة، ثم أحد عشر سوادًا- ففاقدة للتمييز.
وقيل: إن كانت مبتدأة فحيضها السواد، وإن كانت معتادة فيحضها ما سبق ولو كان حمرة. انتهى ملخصًا.
وهذا الوجه الذي ذكر أن الغزالي حكاه في الأمثلة الثلاثة غلط منه- أي: من المصنف- فإن الغزالي حكاه في المثال الثاني والثالث، وأما إذا تقدمت الحمرة فإنه وإن حكى- أيضًا- الوجه فيه لكن شرط له ألا يمكن الجمع، كما هو مدلول كلام ((الوسيط))، وزاد إيضاحًا في ((البسيط)) فقال: وحكى الشيخ أبو محمد في ((المحيط)) وجهًا: أنه إذا امتنع الجمع جرد النظر إلى الأولية. هذه عبارته.
وإذا تقرر ذلك فالمثال الذي ذكره المصنف أولًا لم يمتنع فيه الجمع، فلا يجئ الوجه فيه.
قوله: ولو رأت المبتدأة حمرة فتترك الصلاة فيها، لاحتمال ألا تجاوز أكثر الحيض، فلو استمر إلى مجاوزة خمسة عشر وطرأ الأسود فتترك- أيضًا- فيها، لأنها مستحاضة، والاعتبار بالقوى، وهذه امرأة تؤمر بترك الصلاة شهرًا كاملًا، ثم ينظر: إن انقطع الأسود على خمسة عشر قضت أيام الأحمر، وإن جاوز الخمسة عشر فلا تمييز، وفيما تحيضه من أول الدم الأحمر قولان يأتيان في الكتاب، وابتداء دورها الحادي والثلاثون على القولين، فإن حيضناها يومًا وليلة أمرت بترك الصلاة أحدًا
وثلاثين يومًا، وإن حيضناها ستًا أو سبعًا أمرت بترك الصلاة ستًا وثلاثين أو سبعًا وثلاثين. انتهى ملخصًا.
وهذا الذي ذكره في غاية الترك قلد فيه غيره، ومقتضاه: أنه لا يتصور الترك زيادة على ذلك، وهو غريب، فقد تؤمر بالترك في أضعاف هذه المدة: كما إذا رأت صفرة، ثم شقرة، ثم حمرة، ثم سوادًا بلا ثخانة ولا رائحة كريهة، ثم سوادًا بأحدهما، ثم سوادًا بهما معًا، ونحو ذلك، وأقام كل دم خمسة عشر- فإنها تترك في كل واحد، للمعنى الذي قالوه، وهو كونه أقوى من غيره.
قوله: وإذا قلنا: إن المبتدأة ترد إلى عادة العشيرة، فاختلفت عادتهن- تعينت الست، لوقوع الاتفاق عليه، ولو زادت على السبع ردت إلى السبع.
ثم قال: وحكى الإمام عن شيخه عند اتفاق عادتهن ومجاوزتها السبع أنه قال: يحتمل أن تثبت لها تلك العادة بعينها، ولا تختص بالست والسبع.
قال: وهذا الذي ذكره حسن ولكني لم أره لغيره، وعندي: إنما ذكره مخرجًا [كذا]، وإنا أبدى وجهًا من الاحتمال. انتهى كلامه.
والذي ذكره في آخره كلام عجيب لا يفهم منه شيء، أو يفهم منه غير المراد، وسببه إسقاط حرف وتقديم كلمة، فإن الإمام قال: وعندي أنه ما ذكره وجهًا مخرجًا. هذه عبارته، ومعناه: أنه لم يذكر ما ذكر على أنه وجه مخرج.
قوله: وهذه المرأة- أي الناسية للعادة والوقت- تسمى بالمتحيرة: إما لتحيرها في شأنها، أو لتحير الفقيه في أمرها. انتهى كلامه.
وهو غلط سقط منه شيء، وصوابه الذي قاله الرافعي وغيره: أنها تسمى متحيرة، لتحيرها، ومحيرة- بكسر الياء- لتحير الفقيه في أمرها. فكل اسم له علة، فنسي أحد الاسمين، وجمع بين العلتين.
قوله: واغتسالها يكون بعد دخول الوقت على الأصح، وقيل: لو وجد دخوله، وانطبق آخره على أول الوقت- جاز. انتهى.
وهذا الوجه لم يحكه المصنف على وجهه، فإن قائله يشترط- أيضًا- انطباق أول الصلاة على آخر الغسل، كما صرح به الأصحاب، حتى الرافعي فقال: وفي وجه: لو وقع غسلها قبل الوقت، وانطبق أول الوقت وآخر الغسل- جاز. هذه عبارته.
قوله- فيما إذا كان على المتحيرة صوم يومين، وأرادت قضاءهما-: إنها تصوم
ستة أيام من ثمانية عشر يومًا: ثلاثة في أولها، وثلاثة في آخرها، فتبرأ ذمتها منها، لأن الدم إن كان قد طرأ في أثناء اليوم الأول منها انقطع في مثله من السادس عشر، وسلم لها السابع عشر والثامن عشر. قال: ولا يختص الخروج عن العهدة بصوم الثلاث في أول الثمانية عشر متواليات، وكذلك في آخرها، بل لو صامت يومين في أول المدة، ويومين في آخرها، ويومين فيما بين ذلك، سواء كانا متصلين باليومين الأولين أو باليومين الأخيرين أو مفردين عنهما- خرجت عن العهدة.
ثم قال ما نصه: وضابط هذا: أن تعرف ما عليها من صوم وتصومه مثله بعد استكمال خمسة عشر يومًا من أول صومها الأول، وتصوم يومين فيما بين الصومين، مثاله: إذا كان عليها ثلاثة أيام صامتها في أي وقت شاءت، وصامت يومين بعدها إلى تمام خمسة عشر يومًا، وتصوم ثلاثة أيام عقب الخمسة عشر، فتخرج عما عليها بيقين. انتهى كلامه.
وهذا الضابط الذي ذكره غلط فاحش، والعمل المتفرع عليه في المثال المذكور غلط- أيضًا- فإن الصواب فيما إذا أرادت أن تصوم مثله: أنها تصومه بعد استكمال ستة عشر، لا كما قاله من كونه بعد خمسة عشر، فإذا كان عليها صوم ثلاثة كما مثله هو، فصامتها في أول الشهر مثلًا، وصامت بعدها يومين- فإنها تصوم الثلاثة الباقية بعد ستة عشر، فتصوم السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، فعلى تقدير أن يطرأ الدم في أثناء اليوم الأول، فيقطع في أثناء السادس عشر- فتصح لها الثلاثة التي بعده، وأما على ما قاله المصنف من كونها تبتدئ بالسادس عشر فلا يصح لها يومان، فيبقي عليها يوم، فلا تبرأ ذمتها، وهذا واضح، وسبب الوهم: أن الرافعي ذكر أنها تضعف مع عليها وتزيد يومين، ثم لها حينئذ طريقان:
إحداهما: أن تصوم نصف المجموع متواليًا متى شاءت، والنصف الآخر بعد استكمال خمسة عشر من صومها.
والطريقة الثانية: ما حاول المصنف ذكره.
وقد الرافعي الطريقة الأولى، فسها المصنف منها إلى الثانية، فعبر بـ ((الخمسة عشر)).
قوله: نعم، يتصور أن تخرج عن عهدة اليومين بخمسة أيام لكن من تسعة عشر يومًا، فتصوم يومًا، وتفطر يومًا، وتصوم الثالث، ثم تصوم- أيضًا- السابع عشر من اليوم الأول والتاسع عشر منه، وفيما بين الرابع والسادس عشر تصوم اليوم الخامس،
وضابط هذا: أن تعرف ما عليها من صوم، فتصوم يومًا وتفطر يومًا، إلى أن تستوفيه، ثم تترك الصوم ثمانية عشر يومًا من أول صيامها، فتصوم يومًا وتفطر يومًا قدر ما صامت وأفطرت من أول المدة، وتصوم يومًا آخر فيما بين آخر فطرها بعد صيامها الأول والسادس عشر منه، مثاله: إذا كان عليها صوم ثلاثة أيام تصومها من أحد وعشرين يومًا، فتصوم يومًا، وتفطر ثانية، وتصوم ثالثه، وتفطر رابعه، وتصوم خامسه، فيحصل لها صيام ثلاثة أيام قدر ما عليها، وتصوم السابع عشر من أول يوم صامته والتاسع عشر منه، والحادي والعشرين منه، وذلك قدر ما صامته أولًا، وتصوم فيما بين اليوم السادس من أول صيامها واليوم السادس عشر منه يومًا آخر، فتخرج عن العهدة. انتهى كلامه.
وهذه القاعدة التي أطلقها واقتضى كلامه اطرادها في جميع ما عليها، ليست كذلك، بل إنما تأتي إلى تمام سبعة أيام، وأما من الثامن فصاعدا فالأمر فيه كما قالوه من زيادة يومين على الضعف، ولا تتأتى البراءة بزيادة يوم كما ذكره الدرامي ونقله عنه في ((شرح المهذب)).
قوله: ولو كان رمضان ناقصًا والشهر الآخر تامًا: فعلى قياس الشافعي- وهو بطلان خمسة عشر يومًا من الكامل- لا يخفى الحكم، وعلى الطريقة المشهورة- وهو بطلان ستة عشر يومًا- فيحصل لها منهما سبعة وعشرون يومًا، والباقي عليها يومان. وقال في ((المهذب)): يلزمها قضاء يوم واحد. فمن الناس من خطأه، ومنهم من أجراه على ظاهره- وهو صاحب ((البيان)) - فقال: الشهر الهلالي لا يخلو في الغالب عن طهر كامل، فيحصل أربعة عشر يومًا كالكامل، وبعضهم يحكي عنه غير هذه العبارة، وهو: أن الشهر الهلالي لا يخلو عن طهر صحيح، إما متفرقًا وإما متتابعًا، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين يومًا فلابد من وجود طهر كامل، فيدخل النقص على أكثر الحيض، لأنه يجوز نقصه، ولا يدخل على أقل الطهر، لأنه لا يجوز نقصه، قال بعضهم: هذا لا يصح، ومحل المنع فيه ما ادعاه من أن الشهر الهلالي لا يخلو من طهر صحيح، والمسلم: أنه لا يخلو عن طهر صحيح إنما هو الدور إذا كان ثلاثين يومًا، لا الشهر الناقص. قلت: وهذا لا يقدح في قول العمراني، لأن مراده أن الشهر الهلالي لا يخلو عن طهر كامل وحيض عند الشافعي، ولذلك اكتفى في عدة المتحيزة بثلاثة أشهر، ووافقه جمهور أصحابه
…
إلى أخر ما ذكره.
وهذا الذي قاله- رحمه الله ليس بشيء، لأن التفريع على قول الاحتياط،
والشافعي وغيره يجوزون خلو الشهر الواحد عن الطهر الكامل بلا شك، واعتذروا عن الاعتداد بثلاثة أشهر بأن الصبر إلى سن اليأس حرج شديد، لأنه لا يرغب فيها إذ ذاك، فاكتفينا بالأشهر، لأن الغالب اشتمالها على ثلاثة أطهار، وقد ذكر المصنف هذا كله هناك، ولو استحضر المصنف هنا ما قالوه هناك لم يذكر ما ذكر.
قوله: فإن كان الذي عليها متتابعًا بنذر أو غيره، فإن كان بقدر ما يقع فيه في شهر صامته على الولاء، ثم مرة أخرى قبل السابع عشر، ثم مرة أخرى من السابع عشر، مثاله: عليها يومان، تصوم يومين متواليين والسابع عشر والثامن عشر، وتصوم بينهما يومين متتابعين. ولو كان عليها شهران متتابعان صامت مائة وأربعين يومًا على التوالي، أربعة أشهر لستة وخمسين يومًا، وعشرين يومًا لأربعة أيام. انتهى كلامه.
وهذا الضابط الذي ذكره ومثل له باليومين قد استدرك عليه الدرامي، وتبعه صاحب ((الحاوي الصغير)) فقال: محله إلى آخر اليوم السابع فقط. قال: وشرطه: أن يقع الصوم المتوسط بعد الثالث من صومها الأول وقبل السادس عشر، فتترك يومًا بعد الصوم الأول وهو الرابع في مثالنا، ويومًا قبل الأخير وهو السادس عشر في المثال المذكور، ثم تصوم بينهما، وحاصله: أنها تصوم مرتين متفرقتين في خمسة عشر، والمرة الثالثة من سابع عشر صومها الأول، وأما الثامن إلى آخر الرابع عشر فطريقها فيه: أن تصوم ستة عشر يومًا مع قدر المتتابع متواليًا، والخمسة عشر فاصعدًا حكمها يعلم مما ذكره في الشهرين.
قوله: ويحرم عليها الصلاة، ويسقط عنها فرضها، للإجماع، ويدل على السقوط ما رواه مسلم:((أن معاذة سألت عائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقال: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكن أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة)). ويحرم عليها الصوم، للإجماع، ومفهوم خبر عائشة يدل عليه. انتهى.
والخبر الذي نقله عن عائشة لا يدل بمنطوقه ولا بمفهومه على الترك، فإن العبادة قد يشرع فعلها ومع ذلك يجب قضاؤها لخلل فيها، وذلك كثير جدًا. سلمنا دلالة الخبر على الترك، لكن لا يدل على تحريم فعله وهو المدعى.
قوله: ثم ليس لتحريم الصوم عليها معنى معقول كما قال الإمام، ويدل عليه أن عائشة لما سئلت عن الفرق عدلت إلى النص، وقد قيل: المعنى فيه: أن يضعفها. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من الاستدلال بقصة عائشة سهو، فإن عائشة إنما سئلت عن الفرق بالنسبة إلى القضاء لا بالنسبة إلى الأداء، وقد تقدم لفظه قريبًا، فراجعه.
قوله: والصحيح عند الجمهور: أن الحائض ليست مخاطبة بالصوم في حال الحيض.
ثم قال بعد ذلك: قال بعضهم: وفائدة الخلاف تظهر إذا قلنا: إنه يجب التعرض للأداء والقضاء في النية. انتهى كلامه.
ومعناه: أنا إن قلنا بوجوبه عليها نوت القضاء، وإلا نوت الأداء، فإنه وقت توجه الخطاب عليها، وهذه الفائدة التي نقلها عن بعضهم وأقرها قد رأيتها مصرحًا بها في كتاب ((الذخائر)) بالتقرير الذي ذكرته والتعليل، والذي قاله غير صحيح، فإنه لا يلزم من كونه وقت توجه الخطاب أن يكون أداء، بل هو قضاء على كل حال، لخروج وقته الأصلي، بدليل من استغرق الوقت بالنوم مثلًا فإن الصلاة التي يفعلها بعد ذلك قضاءٌ بلا نزاع، حتى أول العلماء قول النبي صلى الله عليه وسلم:((فإن ذلك وقتها))، على وقت الفعل.
ورأيت لبعض الفضلاء- ممن قدم إلى ديار مصر بعد وفاة صاحب ((الذخائر)) بقليل- تصنيفًا قد شرع فيه في الرد على ((الذخائر))، فوضع على الربع الأول منها مجلدة لطيفة أبدى فيها مناقشات وتصحيفات وغير ذلك وقت لمصنفها، إلا أن فيه تعصبًا بينًا وتحاملًا غالبًا أنبأ عن شدة حسد- نعوذ بالله من ذلك- وهذا الموضع من جملة المواضع التي تكلم فيها، فقال في أثناء كلامه عليه: وكيف نقول إذا نوت الأداء؟ هل نقول: أداء صوم شهر رمضان، أو: أداء صومٍ ما، غير مضاف إلى ((رمضان))، وكل منهما لا يمكن صحته، ولقائل أن يجيب عن هذا المنع بما ذكره في القسم الأول والتزام صحته.
قوله: وقد أفهم كلام الشيخ أن التيمم لا يقم مقام الغسل في إباحة ما ذكرناه إذا وجد شرطه، ولا شك في أنه يقم مقامه. انتهى.
وما اقتضاه كلامه من عدم الخلاف فيه ليس كذلك، فإن التيمم الواقع في الحضر في هذه الحالة فيه وجهان مشهوران نقلهما المصنف في آخر باب التيمم عن القاضي الحسين والخوارزمي:
أحدهما: أنه يقوم مقام الغسل في إباحة هذه الأشياء كما في السفر.
والثاني: أنه لا يحل به غير الفرض، فتحرم معه قراءة ما زاد على الفاتحة وما في معناها من النوافل، وفي الفاتحة وجهان.
قوله: إذا عرفت ما هو النفاس فأقله- كما قاله الشيخ-: مجة، أي: دفعة، وهي بضم الميم، مأخوذة من: مججت الماء، إذا رميت به من فيك، فكأن الرحم يرمي بالدم رمية واحدة ثم ينقطع. انتهى كلامه.
وما ذكره من كونها بضم الميم غلط، بل صوابه الفتح، وتعبيره بقوله: فكأن الرحم يرمي بالدم رمية واحدة، يدل عليه- أيضًا- فإن المرة من مصدر الثلاثي تكون بفتح الأول، وعادة المصنف أن يأخذ هذه الأشياء من ((لغات التنبيه)) للنووي، وقد وقع فيها على الصواب.
قوله: وفي ((ابن يونس)) تبعًا لـ ((المهذب)): أن المزني قال: أكثر النفاس أربعون يومًا. ولم أره في غيرهما منسوبًا إليه، بل تفاريعه التي تأتي تدل على موافقة المذهب. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن المزني قد ذكره- أيضًا- الشاشي في ((الحلية)) والعمراني في ((البيان)) وابن أبي عصرون في ((الانتصار)).
قوله: أما إذا لم يخرج بعد الولد دم، ورأته بعد ذلك، ولم ينته النقاء إلى أقل الحيض: فهل يكون ابتداء النفاس من وقت الولادة، أو من وقت رؤية الدم؟ فيه وجهان في ((النهاية))، والمذكور منهما في ((تعليق)) القاضي الحسين: الثاني. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن القاضي سهو، فإنه إنما ذكر ذلك فيما إذا انقطع دم النفاس، ثم عاد قبل خمسة عشر أو بعدها، وقد تفطن المصنف في ((المطلب)) للصواب ونبه على خطأ المذكور هنا.
قوله: فيما إذا عبر دم النفاس الستين-: إن حكمه حكم الحيض في الرد إلى التمييز إن كانت مميزة، وإلى العادة إن كانت معتادة، وإلى الأقل أو الغالب- على اختلاف القولين- إن كانت مبتدأة.
ثم قال: والتعليل السالف في رد المبتدأة إلى أقل الحيض يقتضي ألا يجعل للمبتدأة في النفاس إذا أطبق بها الدم نفاسٌ أصلًا، بناء على أنه لا أقل للنفاس، فإنه يحتلم أن تكون ذات جفوف
…
إلى آخر ما قال.
واعلم أن ما قاله- رحمه الله لا يستقيم، لأن الذي يقول: لا أقل للنفاس، يقول: أقله لحظة، كما حكاه هو قبل هذا في الكلام على أقله، نقلًا عن الماوردي، وصرح به الرافعي حيث قال: فإن رددناها إلى الأقل فنفاسها لحظة. مع قوله: إنه لا
حد لأقل النفاس.
قوله: وما ذكره الشيخ في الأحوال الثلاثة هو المذهب، ووراءه وجهان:
أحدهما: أن الدم إذا جاوز الستين كانت الستون نفاسًا، وما زاد استحاضة.
والثاني: أن النفاس ستون، وما زاد عليها حيض بشرطه.
ثم قال: ومحل هذا الوجه- كما قال الماودري- فيمن لم تكن مبتدأة بالحيض والنفاس، أما المبتدأة بهما فلا خلاف في أن ما جاوز الستين استحاضة. نعم، هل يكون نفاسها الستين أو ما سلف؟ فيه الخلاف، وكلام الرافعي كالصريح في أن الخلاف في المعتادة والمبتدأة [كذا]، لأنه لما ذكر أن ظاهر المذهب ما ذكره الشيخ قال: وفيه وجهان آخران، أحدهما: أن الستين نفاس، وما زاد استحاضة، بخلاف ما في نظيره من الحيض، لأن الحيض محكوم به ظاهرًا لا قطعًا، فجاز أن ينتقل عنه إلى ظاهر آخر، والنفاس مقطوع به أو الولادة معلومة، والنفاس هو الدم الخارج بعد الولادة، فلا ينتقل عنه إلى غيره إلا بقين، وهو مجاوزة الأكثر. فعلى هذا: نجعل الزائد استحاضة إلى تمام طهرها المعتاد، والمردود إليه في المبتدأة، أي: من أكثر الطهر، أو غالبه، أو أقله، على ما مر، ثم ما بعده حيض. انتهى كلامه.
وما ادعاه- رحمه الله من دلالة كلام الرافعي على الخلاف غلط فاحش، سببه: التباس وجه بوجه، فإن الذي حكى هو عن الماوردي نفي الخلاف فيه عن المبتدأة، ورأيته أيضًا في كلامه- إنما هو الوجه القائل بأن الزائد حيض، والوجه الذي دل كلام الرافعي على التسوية فيه بين المبتدأة وغيرها إنما هو القائل بأن الزائد استحاضة، فتأمله.
قوله: وعليه يدل قوله- عليه الصلاة والسلام: ((فلتغتسل، ثم لتستثفر، ثم لتصل)) كما رواه أبو داود. وتستثفر: بتاء معجمة باثنتين من فوق مفتوحة، وسين مهملة ساكنة، وتاء مفتوحة بثلاث ساكنة، وفاء مكسورة، وراء مهمة، ومعناه: أن تجعل المرأة على قبلها خرقة أو غيرها، والقطن أمس، لأنه جاء في حدث حبيبة بنت جحش أنه- عليه الصلاة والسلام قال لها:((أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم)). انتهى كلامه بحروفه.
وفيه أمران:
أحدهما: أن تعبيره في ضبط ((تستثفر)) بقوله: وتاء مفتوحة بثلاث ساكنة، وهم سقط منه شيء، وصوابه أن يقول: وتاء مفتوحة مثناة، ثم ثاء مثلثة.
الأمر الثاني: أن تعبير بقوله: حبيبة بنت جحش، تحريف، إنما هي: حمنة، بحاء مهملة مفتوحة، ثم ميم ساكنة، ثم نون مفتوحة.
قوله: ووضوء المستحاضة يبيح الصلاة ولا يرفع الحدث على المذهب، فعلى هذا: لا يجزئها إلا نية استباحة الصلاة كما في التيمم، وقيل: إنه يرفع الحدث، وقياسه: أن تصح بنية رفع الحدث فقط، ولم أره، وقيل: يرفع الحدث الماضي دون المستقبل والمقارن، فعلى هذا: تنوي رفع الحدث للماضي والاستباحة للمقارن والمستقبل، وبه قال القفال، وغلطه الإمام. انتهى كلامه.
وما ذكره من كونه لم ير أحدًا يقول بالصحة فيما إذا نوى رفع الحدث فقط، غريب جدًا، فقد حكاه الرافعي والنووي في باب صفة الوضوء من كتبهما حتى في ((المحرر)) و ((المنهاج))، بل حكى الرافعي هذا الوجه مع قولنا: إن وضوءها لا يرفع الحدث، وعلله بأن الرفع يتضمن الاستباحة.
قوله: فرع: إذا كان من به سلس البول لو صلى قائمًا سال بوله، وإن صلى قاعدًا استمسك- فهل المستحب أن يصلي قائمًا أو قاعدًا؟ فيه وجهان، أصحهما في ((الروضة)) و ((الكافي)): الثاني، ولا يعيد على الوجهين معًا. انتهى.
واعلم أن حكاية الوجهين في الاستحباب ليس له ذكر في ((الروضة)) ولا في ((الكافي)) ولا في أصوله كـ ((التهذيب)) و ((تعليقه)) القاضي حسين و ((فتاويه))، ولم أر من قاله غير المصنف، بل كلامهم يقتضي أنهما في الإيجاب، وكذلك كلام ((التحقيق)) و ((شرح المهذب)).