الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة القضاء
قوله: قال- يعني الشيخ-: وإن أقام شاهدًا واحدًا أي: عدلًا وسأله أن يحبسه حتى يأتي بالثاني، أي: وقال: إنه في مكان قريب، كما قال الشافعي، ففيه قولان. أصحهما: أنه لا يحبس، لأن الحق لم يثبت بعد، وهذا ما نص عليه في اللعان، وقد وافق الشيخ في تصحيحه ابن الصباغ وصاحب البحر والتهذيب، والنووي.
والثاني: يحبس، لأنه لما حبس مع كمال العدد ونقصان العدالة جاز أن يحبس مع كمال العدالة ونقصان العدد، وهذا ما ادعى الرافعي أن الروياني اختاره. انتهى كلامه بحروفه.
وهو صريح في أن الصحيح في ((التنبيه)) عدم الحبس، وليس كذلك، فإن الموجود فيه حكاية قولين من غير ترجيح بالكلية، ولهذا إن النووي نبه عليه في التصحيح، وصحح أنه لا يحبس، والذي أوقع ابن الرفعة في هذا الغلط إيهام وقع في كلام ابن يونس شارح التنبيه، فإنه عبر بقوله: قال: وإن أقام شاهدًا واحدًا وسأله أن يحبسه حتى يأتي بالثاني ففيه قولان، أصحهما: أنه لا يحبس، لأن الحق لم يثبت بعد. هذه عبارته، وابن الرفعة- رحمه الله كان يعتمد غالبًا في نقل كلام التنبيه عليه، لكونه هو الشرح المتداول في ذلك الوقت، فظن أن التصحيح من تتمة كلام الشيخ، وإنما هو من كلام ابن يونس، ناقلًا له من المهذب وغيره.
قوله: وإن استعدى على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه، كتب إلى رجل من أهل الستر- أي: وصلاحية القضاء- ليتوسط بينهما. انتهى كلامه. ما ذكره من اشتراط أهلية القضاء وقع في شرح التنبيه لابن يونس، فتابعه المصنف عليه، وليس هذا مراد الشيخ ولا مراد غيره من الأصحاب، بل المراد شخص من وجوه أهل القرية والمعتبرين فيها، كشيوخ الزرع والموسرين الكرماء ونحوهم، ولهذا عبروا بقولهم: أهل الستر، ولم يقولوا أهل القضاء، وعبروا أيضًا بقولهم: ليتوسط، ولم يقولوا: ليحكم.
قوله: وإذا ثبت عند الحاكم حق فسأله صاحب الحق أن يكتب له محضرًا بما جرى كتبه.
ثم قال: وعن ابن جرير الطبري وهو كما قاله الرافعي في أوائل كتاب الزكاة- أنه لا يكتب المحضر إذا لم يعرف الخصمين حتى لا يصير محضره الذي ثبت له حجة على ما يكون باسمهما ونسبهما. انتهى كلامه.
واعلم أن المصنف قد أخلى بياضًا بمقدار نصف سطر بين ((هو)) وبين ((كما))، والذي قاله الرافعي هناك ولم يستحضره المصنف هنا، وأخلى له ليحرره ويلحقه فلم يتفق له ذلك، هو أنه ليس معدودًا من أصحاب الوجوه، بل صاحب مذهب مستقل، فإنه قال: وتفرد ابن جرير لا يعد وجهًا، وإيراد المصنف يشعر بأن الذي كان في ذهنه هو العكس، وإلا لم يبق لذكر خلافه كبير طائل.
قوله: ولو احتاج المترجم إلى أجرة، فهل هي على صاحب الحق أم في بيت المال كأجرة الحاكم؟ فيه وجهان في الأحكام لابن شداد، وقال: إذا قلنا بالأول، فالواجب عليه أجرة المثل فيما يتعلق بخاصته في مثل حقه. انتهى كلامه.
وما ذكره أخيرًا في بيان مقدار ما يجب يعتبر قريبًا من المهمل، أو له دلالة لكن على حكم ممنوع، وهو إيجاب البعض على الطالب، والبعض على خصمه، والصواب الاقتصار على اللفظ الأول وهو إيجاب أجرة المثل، وسبب ذكر هذه الزيادة أن الإمام ذكر المزكي والمترجم والمسمع، وحكى وجهين في أن أجرتهم تجب في بيت المال أو على طالب الحق.
ثم قال ما نصه: فعلى هذا- أي: الثاني- يجب على كل واحد مقدار أجرة المثل فيما يتعلق بحقه وخصومته. هذا كلامه، ومعناه أن كل واحد من المذكورين تجب عليه بمقدار ما يقع له من العمل، وذكر في البسيط نحوه أيضًا، فاقتصر المصنف على المترجم واتبعه بهذا اللفظ المضطرب ظنًا منه أن الخصومة- بالميم- هي الخصوصية بالصاد، فأبدلها بالخاصة لكونها أوضح، وزاد لفظه ((مثل)) لغير معنى، فلزم الخلل، ثم إنك قد علمت أن الوجهين بتفردهما مشهوران، فكيف عدل إلى كتاب خامل الذكر قليل الجدوى لمتأخر غير ماهر في هذا الفن، ولا معروف لغالب أهله، وقد تأملت الكتاب المذكور فلم أظفر فيه بطائل.
قوله في المسألة: وفي الرافعي عوضًا عن الأول أن مؤنة ما يترجم للمدعي على المدعى عليه، لأنه يبلع كلامه، والخلاف جار في أجرة المسمع، ويكون على الوجه الأول على صاحب الحق. انتهى.
واعلم أن الذي ذكره الرافعي على ما هو موجود في النسخ المعتمدة أن مؤنة من
يترجم للمدعى عليه على المدعى عليه، أعني بزيادة الجار والمجرور مع الأول، وهكذا هو في الروضة أيضًا، والتعليل الذي يشهد للمصنف على هذا الحكم الذي نسبه إلى الرافعي لم يذكره الرافعي فاعلمه، ثم إن كلام المصنف وكلام الرافعي الموجود في النسخ إنما وقع فيه التعرض في طلب الأجرة لقسم واحد، وإن اختلفا أيضًا في تغيير ذلك القسم، فإن الرافعي اقتصر على ذكر ترجمة كلام المدعي للمدعى عليه، وابن الرفعة بالعكس، وحينئذ فيقال لهما: ما حكم القسم الآخر؟ ولا شك أن القسم الذي ذكره الرافعي هو القسم الذي ينبغي الكلام عليه أولًا، فإنه سابق، وبالجملة فنسخ الرافعي قد حصل فيها إسقاط تابعه عليه في الروضة، وقد علم ذلك السقوط من الشرح الصغير فإنه عبر بقوله: وعلى هذا أي: إذا لم نوجبه على بيت المال، أو تعذر أخذه منه فمؤنة ما يترجم للمدعي على المدعي، ومؤنة ما يترجم للمدعى عليه على المدعى عليه. هذه عبارته، والحاصل منها إيجاب المؤنة على المنقول إليه لا على المنقول عنه، فإنه عبر بـ ((على)) ولم يعبر بـ ((عن))، وقد ظهر أن الواقع في هذا الكتاب عن الرافعي غلط، نعم الذي ذكره أيضًا الرافعي وتبعه عليه في الروضة مردود نقلًا وبحثًا، فإن المعروف وجوبه على طالب الحق، كما أوضحته في ((المهمات)).
تنبيه: ذكر أن المخدرة تسمى الخفرة- هو: بخاء معجمة مفتوحة وفاء مكسورة وراء مهملة.