الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حمل الجنازة والدفن
قوله: ويختار أن يجعل للنساء على السرير كالقبة، وكذا فعلته أسماء بنت عميس لزينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه رأته كذلك في الحبشة، فلما رآه عمر قال: نعم خباء الظعينة. انتهى.
واعلم أن الرائي له هو: زينب لا أسماء، على خلاف ما يوهمه كلامه، فكأنها أوصت بذلك.
وعميس: بعين مهملة مضمومة، وبسين مهملة، أيضًا. والظعينة- بالظاء المشالة-: هي المرأة.
قوله: فإن الواحد أول العدد، وليس بعدد عند الحساب. انتهى.
وتعبيره بـ ((أول)) تحريف، فإن أول الأشياء من الأشياء، فلو قلت: زيد أول الداخلين، لكان منهم، وإنما الذي قاله أهل الحساب، ونقله عنهم الرافعي في مواضع-: أن الواحد منشأ العدد أو أصله، فتحرف عليه ((الأصل)) بـ ((الأول)).
قوله: أهل الذمة لا يمكنون من إخراج الجنازة نهارًا، ويجب على الإمام أن يمنعهم من ذلك، حكاه الجيلي عن ((الأحكام السلطانية)). انتهى كلامه.
وهذا النقل ليس مطابقًا لما في ((الأحكام السلطانية)) للماوردي، وإن كان مطابقًا لكلام الجيلي، فإن الماوردي قد ذكر المسألة في الباب الثالث عشر من الكتاب المذكور، فقال ما نصه: ويشترط الإمام عليها مستحقًا ومستحبًا. فذكر المستحق.
ثم قال: وأما المستحب فستة. فذكر منها: إخفاء دفن موتاهم، ثم قال- بعد أن عددها- ما نصه: وهذه الستة لا تلزم بعقد الذمة حتى تشترط عليهم، فتصير بالشرط ملتزمة، ويؤدبون على ارتكابها، ولا يؤدبون إن لم تشترط. هذا كلامه، وليس فيه تعرض لمنع إخراجها نهارًا على الإطلاق كما اقتضاه كلام الكتاب، ولا وجوب الاشتراط عليهم، بل قوة كلامهم تقتضي عدم الوجوب، ولهذا أعقبه بعدم التأديب عند عدم الاشتراط، وهذا الخلل وقع في نقل الجيلي عنه، لا في نقل المصنف عن الجيلي. ثم إن اقتصار المصنف على النقل عن الجيلي عجيب، فإن المسألة قد ذكرها
الرافعي في آخر عقد الذمة من جملة مسائل منقولًا أكثرها عن ((الحاوي)) للماوردي، وعبر بقوله: يؤخذ على أهل الذمة أن يخفوا دفن موتاهم، وألا يخرجوا جنائزهم ظاهرة. هذه عبارته من غير زيادة عليها. واعلم أن الماوردي في ((الحاوي)) لما ذكر المسألة حكى وجهين في وجوب ذلك بالشرط.
قوله: وكيفية ذلك: أن يوضع رأس الميت- وهو في التابوت- عند الموضع الذي يكون فيه رجلاه في القبر، ثم يسل من قبل رأسه سلًا، وينزل إلى القبر على رأسه، ويستحب أن يدنى في اللحد من مقدمه، كي لا ينكب على وجهه. انتهى كلامه.
ومراده بالكلام الأخير ما ذكره الأصحاب من استحباب تقريب وجه الميت وباقي بدنه إلى جدار اللحد، حتى لا ينقلب على وجهه. وقوله: يدنى، هو بالنون. ومقدمه: هو الجدار الذي يلي وجه الميت.
قوله: ويكره أن يجعل تحت رأسه مخدة، أو تحته مضربة، وقال في ((التهذيب)): لا بأس به، إذ روى ابن عباس ((أنه جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء)) أخرجه مسلم. انتهى.
وما اقتضاه نقله عن ((التهذيب)) من المخالفة في المخدة والمضربة، سهو أوقعه فيه الرافعي كما أوضحته في ((المهمات))، فإن البغوي إنما ذكر ذلك في المضربة خاصة، فإنه قال: ويجعل تحت رأسه لبنة، ولا بأس أن يبسط تحت جنبه شيء. هذه عبارته.
واعلم أن تعبيره بـ ((جعل))، هو بضم الجيم على البناء للمفعول، فإن ابن عباس راو له لا جاعل، بل الجاعل له إنما هو شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلله بقوله:((حتى لا يلبسها أحد بعده)).
قوله: ويحثي عليه كل من حضر الدفن ثلاث حثيات بيديه جميعًا. انتهى.
وتعبيره بـ ((من حضر الدفن))، مخالف لكلامهم، فقد عبر الرافعي والنووي بقولهما: ويحثي من دنا. وعبر في ((شرح المهذب)) بقوله: من على القبر. وعبارة الشيخ في ((المهذب)) وغيره: لمن على شفيره.
ثم إن تعبير المصنف هاهنا تعبير ركيك فتأمل كلامه إلى آخره.
قوله: وتسطيح القبر أفضل من تسنيمه، فإن قيل قد روى أن رجلًا رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر مسنمة، قيل: راوي هذا الخبر مجهول، ولا حجة عندنا في المراسيل. انتهى كلامه.
وما ذكره من رد هذا الخبر، وتعبيره بقوله: روي، وتعليله بجهالة راويه- عجيب،
فإن الحديث رواه البخاري في ((صحيحه)) عن سفيان التمار أنه شاهد ذلك، ولأجل ذلك اعتذر البيهقي عن الحديث كما نقله عنه النووي في ((شرح المهذب)) بأمور، منها: أنه كان أولًا كذلك، ثم وقعت حائط البيت فأعيد مسنما، ومنها: أنه وإن كان صحيحًا إلا أنه من فعل الصحابة، رضي الله عنهم.
ثم إن تعبيره- أيضًا- في مثل هذا بالمرسل غير مستقيم، فتأمله، وأين الإرسال هاهنا؟!
قوله- في المسألة-: نعم، قال أبو علي الطبري في ((الإفصاح))، وكذا أبو علي بن أبي هريرة: إن تسنيمه الآن أفضل، لأن التسطيح صار شعارًا للروافض. وزاد فقال: إنه لا يجهر بالتسليم، لأنه صار شعارًا لهم، وكلام الغزالي قد يفهم منه اختيار ما صار إليه ابن أبي هريرة من ترك الجهر بالسلام. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن عزو اختيار التسنيم إلى ((الإفصاح)) غلط، فإن المذكور فيه هو اختيار التسطيح، فقال: ويرش عليه الماء، ليستمسك التراب، ويوضع عليه الحصباء.
ثم قال: وقد ذكرنا أن القبر يسطح، لما روي أنه- عليه السلام سطح قبر ابنه إبراهيم، وقال القاسم: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر مسطحة.
وقال بعض أصحابنا: هذا إنما يفعل إذا لم يؤد ذلك إلى افتنان العامة، وإيهام أن صاحب القبر يميل إلى البدعة. هذا كلامه، ومن ((الإفصاح)) نقلته، وهو مذكور في وسط كتاب الجنائز لا في الكلام على الدفن، فاعلمه، وحاصله حكاية وجه في المسألة، كما حكاه الرافعي والمصنف وغيرهما. ثم إنه لم يطلقه، بل قيده بحالة التوهم، وهذا أن وقع فإنما يقع في بعض النواحي، وإلا فأكثر الأماكن لا يعرفون فيها ذلك بالكلية. وسبب وقوع المصنف في هذا الغلط: أن أبا علي بن أبي هريرة شيخ أبي على الطبري ذهب إلى هذه المقالة، وهو الذي عبر عنه في ((الإفصاح)) بـ ((بعض الأصحاب)). ثم إن الشيخ أبا إسحاق رأى ذلك معزوا على أبي علي، فتوهم أنه الطبري، لا ابن أبي هريرة، فصرح به في ((المهذب)) غالطًا فيه، ثم إن المصنف وقف على ((المهذب))، فقلده، وزاد عليه أنه في ((الإفصاح))، لكونه هو الكتاب المشهور عنه، فتفطن لهذه الأمور، واحمد الله على تيسير الوقوف عليها!
الأمر الثاني: أن ما نقله من تعدية ذلك إلى الجهر بالتسليم في الصلاة قد تكرر منه كما ذكرته في لفظه الذي نقلته عنه، وهو غلط عجيب حصل من تحريف، وصوابه- وهو الذي ذكره الإمام والغزالي والرافعي والنووي في كتبهم-: إنما هو البسملة، أي:
بسم الله الرحمن الرحيم، لا التسليم، وليت شعري ما الذي فهمه من المراد به: هل هو الذي يأتي به الإمام، أو المأموم، أو المنفرد، فإن كلا منها لا تستقيم إراداته؟!
قوله: والمعنى في رش الماء أن يلتصق به ما وضع عليه من حصًا، وليمنعه من أن ينهار، وكذا المتولي، وألحق به طلاءه بالخلوق ترابه، فيزول أثره، ولأن فيه تفاؤلً بتبريد المضجع، ويكره أن يرش عليه ماء الورد، لأن فيه إضاعة للمال، قاله في ((التهذيب)). انتهى كلامه.
وهو مشتمل على تخبيط، ولا يفهم منه معنى، وسببه تقديم وتأخير، كأنه حصل عند نقله من المسودة، والحاصل- كما تحرر لي من مراجعة أصوله-: أن تعبيره بقوله: ((وكذا المتولي، وألحق به طلاءه بالخلوق))، محله بعد قوله: قاله في ((التهذيب))، فاعلمه. ثم إن التعليل بأن فيه تفاؤلًا لا بتبريد المضجع، قد حرف- أيضًا- ألفاظه، وصوابه ما عبرت به، فتفطن له.
قوله: قال البندنيجي: قال أصحابنا: إن البناء على القبر في المقابر المسبلة مكروه. وكلام غيره يقتضي أنه لا يجوز، لأنه عللوا المنع بأن فيه تضييقًا على الناس، ولو بني عليه هدم، فقد قال الماوردي: قال الشافعي: رأيت من الولاة بمكة من يهدمه، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه. انتهى ملخصًا.
وما اقتضاه كلامه من عدم الوقوف على نقل التحريم، حتى استنبطه من التعليل- غريب، فقد صرح به خلائق منهم، الماوردي في ((الحاوي)) قبيل هذا الكلام الذي نقله هو عنه، وعبر بقوله: لم [يجز]. وعلل بهذه العلة بعينها، وكذلك القاضي الحسين في ((تعليقته))، وابن أبي عصرون في ((الانتصار))، والنووي في ((شرح المهذب)).
قوله: روى أبو داود عن همام بن عبد الله قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقلنا: الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال:((احفروا وعمقوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد)). انتهى.
وتعبيره بـ ((همام)) غلط، وصوابه- وهو المذكور في ((أبي داود)) - إنما هو جابر.
قوله: فلو بادر بعض الورثة، ودفنه في أرض تركها الميت- كان للآخر نبشه وإخراجه، والأولى ألا يفعل، لما فيه من هتك الميت. انتهى كلامه.
وما جزم به من كونه خلاف الأولى قد وقع في ((الرافعي)) - أيضًا- ولكن الأصحاب قالوا: إنه يكره. وقد نقله عنهم النووي في ((شرح المهذب)).
قوله: ولا يدوس القبر إلا لحاجة، وفي هذه الحالة ينبغي أن يقلع ما في رجليه،
لما روى بشار قال: حانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة، فإذا رجل يمشي في القبور بنعلين، فقال:((يا صاحب السبتيتين، ألق سبتيتيك)) رواه أبو داود. انتهى كلامه.
وتعبيره بقوله: بشار- أعني بالألف- تحريف، وإنما هو: بشير، بالباء الموحدة والشين المعجمة والياء المثناة من تحت، وهكذا ذكره أبو داود، وهو بشير بن معبد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه في الجاهلية: زحمًا- بزاي معجمة- فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرًا.
والسبتيتان: هما النعلان، الواحد: سبتية، منسوب إلى ((السبت)) - بسين مهملة مكسورة، ثم باء موحدة ساكنة، ثم تاء مثناة- وهي جلود البقر المدبوغة بالقرظ، قاله الجوهري.
قوله: لما روى يزيد بن حصيب
…
إلى آخره.
هكذا ذكره- أعني يزيد- وصوابه: بريدة، بباء موحدة مضمومة، وراء مهملة مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت للتصغير، ثم دال مهملة بعدها تاء التأثنيت. والحصيب- بحاء مهملة مضمومة، وصاد مهملة مفتوحة- تصغير ((الحصب)).
تنبيه: وقع في الباب ألفاظ منها:
حين يقوم قائم الظهيرة، هو بظاء معجمة مشالة، وبالتاء في آخره- هو وقت شدة الحر عند انتصاف النهار، ويسمى- أيضًا-: الهاجرة، وقائمها: هو البعير البارك، يقوم في ذلك الوقت، لشدة الرمضاء.
ومنها: الرجل الربع، هو- بفتح الراء وسكون الباء- من ليس بطويل ولا قصير، ويسمى- أيضًا- بالمربوع.
ومنها: القصة- بقاف مفتوحة وصاد مهملة مشددة- هي الجص الذي يبيض به الثوب، تقول منه: قصص داره، يقصصها.
ومنها: الموتان- بضم الميم وبالتاء المثناة- هو كثرة الموت في الحيوان.