الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحجر
قوله: والمراد بالحجر في اصطلاح العلماء: المنع من التصرف. انتهى كلامه.
وهذا التعريف ناقص، ولابد أن يقول: من التصرف في المال، لأن طلاق السفيه وخلعه صحيحان، فإن قيل: هذا القيد وإن حسن لإخراج طلاق السفيه، لكن يعكر من جهة أن طلاق الصبي والمجنون لا يصح، فلابد من إدخالهما- قلنا: إنما لم يصح طلاقهما، لسلب عبارتهما، وهو أمر زائد على معنى الحجر.
قوله: وهو- أي الحجر- نوعان: الأول: لحق الغير، وهو خمسة أضرب: حجر المفلس لحق الغرماء، وحجر الراهن لحق المرتهن، وحجر المريض لحق الورثة، وحجر العبد لحق السيد وكذا المكاتب، وحجر المرتد لحق المسلمين قلت: وينبغي أن يلحق بما ذكر حجر سادس: وهو الحجر على الورثة في التركة لحق الميت وحق الغرماء، وسابع: وهو الحجر على السيد في المكاتب لحقه، وكذا في العبد الجاني على قول. انتهى كلامه.
أهمل- رحمه الله ضروبًا كثيرة:
أحدها: الحجر الغريب المذكور في البيع، وهو الحجر على المشتري في السلعة وجميع ماله إلى أن يحضر الثمن، وكذلك المستأجر.
الثاني: الحجر على الممتنع من إعطاء الدين وماله زائد، إذا التمسه الغرماء كما صححه الرافعي في بال الفلس.
الثالث: إذا فسخ المشتري بعيب كان له حبس المبيع إلى قبض الثمن، ويحجر على البائع- والحالة هذه- في بيعه كما نقله الرافعي في الكلام على حكم المبيع قبل القبض عن صاحب ((التتمة)).
الرابع: الحجر على المؤجر فيما استأجره على العمل فيه، وقد ذكره الرافعي في البيع في الكلام على حكم المبيع قبل القبض، في أثناء كلام أوله: قال: وبيع الميراث، فقال: ومنها: إذا استأجر صباغًا ليصبغ ثوبًا وسلمه إليه، فليس للمالك بيعه ما لم يصبغه، لأن له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحق فيه العوض، وإذا صبغه فله بيعه
قبل الاسترداد إن وفي الأجرة، وإلا فلا، لأنه ليستحق حبسه إلى استيفائها. هذا كلام الرافعي، ثم عدد- أيضًا- أمثلة أخرى ملحقة بذلك، والإلحاق واضح من التعليل، وقد ذكر في ((التتمة)) ما ذكره الرافعي، ثم ذكر شيئًا آخر يبغي معرفته، فقال في الباب السابع من أبواب البيع: الثالث عشر: إذا استأجر شهرًا ليرعى أغنامه، أو ليحفظ مالا له معينًا، ثم أراد أن يتصرف في ذلك المال- فالبيع صحيح، لأن حق الأجير لم يتعلق بذلك المال، فإن المستأجر لو أراد أن يستعمله في مثل ذلك العمل لكان جائزًا.
الخامس: الحجر على الغانم لمال من استرق وعليه دين، فإذا كان على حربي دين فاسترق وله مال، ثم غنم الذي أسره أو غيره ذلك المال- فإنه يحجر على حربي دين فاسترق وله مال، ثم غنم الذي أسره أو غيره ذلك المال- فإنه يحجر عليه فيه، مراعاة لأرباب الديون، كالحجر على الوارث في التركة، لأن الرق كالموت، وتوفى منه ديون العبد وإن زال ملكه عنه، كذا ذكر الرافعي في كتاب السير.
السادس: ذكره الجرجاني في ((الشافي))، وهو الحجر على المشتري في المبيع قبل القبض.
السابع: ذكره المحاملي، وهو الحجر على العبد المديون لحق الغرماء.
الثامن: نفقة الأمة المزوجة ملك للسيد، وليس له أن يتصرف فيها ببيع أو غيره حتى يعطي بدلها للأمة، لأن حقها متعلق بعينها، كذا ذكره الرافعي.
التاسع: إذا أعتق الشريك نصيبه، وقلنا: لا يسري إلا بدفع القيمة، فتصرف المالك بالبيع وغيره- ففي صحته وجوه، أصحها عند الجمهور- كما قال الرافعي-: أنه لا يصح، لأن صحته تؤدي إلى إبطال ما يثبت للمعتق من الولاء، والثاني: نعم، والثالث: يصح العتق دون غيره.
العاشر: إذا قال الشريكان للعبد المشترك: إذا متنا فأنت حر، فلا يعتق العبد ما لم يموتا جميعا- إما على الترتيب أو معًا، لأنهما علقا عتقه بموتهما، كذا ذكره الرافعي في أوائل التدبير، ثم قال: فإن ماتا معا ففي ((الكافي)) للروياني وجه: أن الحاصل عتق تدبير، لاتصاله بالموت، والظاهر: أنه عتق، لحصول الصفة لمعلق العتق بموته وموت غيره، والتدبير تعليق العتق بموت نفسه، وإن ماتا على الترتيب فعن أبي إسحاق: أنه لا تدبير- أيضًا- والظاهر: أنه إذا مات أحدهما يصير نصيب الباقي مدبرا، لتعلق العتق بموته، وكأنه قال: إذا مات شريكي فنصيبي منك مدبر، ونصيب الميت لا يكون مدبرًا وهو بين المدتين ملك للورثة، فلهم التصرف فيه، بما لا يزيل الملك كالاستخدام والإجارة، وليس لهم بيعة، لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك
الآخر، وقيل: لهم بيعه، لأن أحد شرطي العتق لم يوجد.
الحادي عشر: الدار التي استحقت المعتدة بالحمل أو بالأقراء أن تعتد فيها لا يجوز بيعها، لأن حق المرأة متعلق بها، والمدة غير معلومة، بخلاف عدة الوفاة.
الثاني عشر: إذا اشترى دابة، فأنعلها، ثم اطلع على عيب بها، وكان قلع النعل يؤدي إلى التعييب، فردها المشتري وترك النعل للبائع- فإنه يجبر على قبوله، وليس للمشتري طلب قيمة النعل، ثم ترك النعل هل هو تمليك من المشتري للبائع لو سقط، أم إعراض، فيكون للمشتري؟ وجهان، أشبههما- كما قاله الرافعي- هو الثاني. وإذا علمت ذلك فيمتنع بيعه على المشتري، لما تقدم في دار المعتدة.
الثالث عشر: إذا أعار أرضًا للدفن فإنه لا يرجع فيها قبل أن يبلى الميت، لما فيه من هتك حرمته بالنبش، ولو أراد بيع تلك البقعة لم يجز، لجهالة مدة البقاء.
الرابع عشر: إذا فعل الغاصب في المغصوب، ما يقتضي انتقاله إليه، كما لو خلطه بما لا يتميز، ونحو ذلك مما ذكروه في الغصب كالتعفين الساري للهلاك- فإنه يجب عليه البدل، ولا يمكن إيجابه عليه مع بقاء المغصوب في ملك المغصوب منه، لئلا يجتمع في ملكه البدل والمبدل، فتعين انتقاله إليه ولا يمكن أن يجوز للغاصب التصرف فيه، لأن المغصوب منه لم يرض بذمته فتعين الحجر عليه فيه.
الخامس عشر: إذا أوصى بعين تخرج من الثلث وباقي ماله غائب، فيحجر على الموصي له في الثلثين، لاحتمال التلف، والأصح: أنه لا ينفذ تصرفه في الثلث- أيضًا- وإن تيقنا أنه له، كما أن الوارث لا يتمكن من التصرف في الثلثين.
السادس عشر: الحرج على من اشترى عبدًا بشرط الإعتاق، فإنه لا يصح بيعه وإن كان بشرط الإعتاق على الأصح، لأن العتق مستحق عليه.
السابع عشر: الحجر على السيد في بيع أم الولد.
الثامن عشر: إذا أقام شاهدين على ملك سلعة، ولم يعدلا- فإن الحاكم يحول بينها وبين المدعى عليه على الصحيح وحينئذ فيمتنع عليه بيعها وهبتها وغير ذلك، كما ذكره الرافعي في الباب الثاني من أبواب الشهادات، وفي المنع قبل الحيلولة وجهان.
التاسع عشر: إذا اشترى عبدًا بثوب مثلًا، وشرطا الخيار لمالك العبد- فالملك فيه له، ويكون الملك في الثوب باقيا على من بذله، لئلا يجتمع الثمن والمثمن في ملك رجل واحد، وحينئذ لا يجوز لمالكه التصرف فيه قبل فسخ مالك العبد، لئلا يؤدي
إلى إبطال ما ثبت فيه من الخيار.
العشرون: إذا رهن جارية، ثم وطئها، فحبلت منه وهو معسر- فإن الاستيلاد لا ينفذ على الصحيح، فلو حل الحق وهي حامل لم يجز بيعها على الأصح، لأنها حامل بحر، وإذا ولدت لا تباع حتى يسقي الولد اللبأ ويجد مرضعة، خوفًا من أن يسافر بها المشتري فيهلك الولد، كذا قاله الرافعي، ول قيل بالبيع وإلزام الإقامة كما في الحرة وأمه كان متجهًا.
الحادي والعشرون: إذا أعطي الغاصب القيمة للحيلولة، ثم ظفر بالمغصوب فله حبسه إلى استرداد القيمة، كذا نقله الرافعي في باب الغصب عن نص الشافعي، ثم مال إلى خلافه، ويلزم من حبسه امتناع تصرف مالكه بطريق الأولى.
الثاني والعشرون: بدل العين الموصى بمنفعتها إذا أتلفت، حكمه حكم أصله.
الثالث والعشرون: أعطى لعبد قوته، ثم أراد عند الأكل إبداله- قال الروياني: ليس له ذلك، وقيده الماوردي بما إذا تضمن الإبدال تأخير الأكل.
الرابع والعشرون: إذا نذر إعتاق عبد بعينه فإنه لا يخرج عن ملكه إلا بالإعتاق، ومع ذلك لا يجوز له التصرف فيه، بخلاف ما إذا نذر الصدقة بدرهم بعينه، فإنه يزول ملكه عنه إلى الفقراء، ولو أوصى بإعتاقه أو بوقفه كان كالنذر.
الخامس والعشرون: إذا دخل عليه وقت الصلاة وعنده ما يتطهر به، فلا يصح بيعه ولا هبته على الصحيح، لحق الله- تعالى- وهكذا قياس السترة ونحوها كالذي يعتمد عليه العاجز عن القيام، والمصحف الذي يقرأ منه غير الحافظ.
السادس والعشرون: إذا وجبت الكفارة على الفور، وكان في ملكه ما يجب عليه التكفير به- فقياس ما سبق: امتناع تصرفه فيه، ولا يحضرني الآن نقله، ومن عليه دين لا يرجو وفاءه، أو وجبت عليه نفقة غيره- لا يحل له التصدق بما معه ولا هبته، ولكن لو فعل ففي نفوذه نظر.
قوله: ولابد عند الشراء بقصد التجارة لهما- على ما حكاه الماوردي- من أن يكون ما يشترى لا يسرع إليه الفساد، وأن يكون الربح حاصلًا منه في الغالب حالًا أو مآلًا، وأن يكون بالنقد دون النسيئة. انتهى كلامه.
وهذا الشرط الثالث الذي نقله عن الماوردي، وهو ألا يكون بالنسيئة- قد صرح الغزالي بخلافه في كتاب الفرائض من ((الوسيط))، فقال: يجوز لولي اليتيم أن يشتري له شيئًا بالنسيئة إذا كان في شرائه مصلحة.
قوله: وفي ((التتمة)): أن الغلام أذا أنزل المني قبل الطعن في العاشرة لا يكون بلوغًا، وأن الإنبات في السنة التاسعة يجعل بلوغًا. انتهى كلامه.
وما نقله عن صاحب ((التتمة)) هنا قد نقله عنه في ((المطلب)) - أيضًا- وهو صحيح بالنسبة إلى إنزال المني، وأما ما نقله عنه من أن الإنبات يكون بلوغًا في السنة التاسعة، فليس له ذكر في هذا الباب بالكلية، لا نفيًا ولا إثباتًا، وإنما حكى الخلاف المعروف فيه، ولم يقيده بسنة مخصوصة.
قوله: ثم المراد بالرشد في الدين: ألا يرتكب من المعاصي ما يخرجه عن حيز العدالة، وإن أتى بما يسقط المروءة: كالأكل في الأسواق ونحوه، كذا قاله ابن الصباغ وغيره، وهو بناء على المشهور من أن تعاطي هذه الأشياء ليس بمحرم، وسماعي من شيخ المشايخ قاضي القضاة تقي الدين أبي عبد الله محمد بن رزين: أنه سمع من بعض علماء الشام: أن تعاطي ما ترد به الشهادة من الأكل في الأسواق ونحوه، هل هو حرام أم لا؟ فيه ثلاث أوجه للأصحاب.
ثالثها: إن كان قد تحمل شهادة حرم عليه تعاطي ذلك، لأن فيه سعيًا في إبطال شهادته المتعلق بها حق الغير، وإلا فلا.
فعلى وجه التحريم: ينبغي أن يكون كسائر المحرمات. انتهى كلامه.
وما ذكره في آخر كلامه، وكذلك في أوائله حيث قال: وهو بناء على المشهور
…
إلى آخره- يقتضي أن كل محرم يقدح هنا، وليس كذلك، بل القادح إنما هو المخرج عن العدالة كما صرح به هو في أول الكلام الذي نقلته عنه، وحينئذ فلا يلزم من كون هذا محرمًا أن يكون مما نحن فيه، لجواز أن يكون من الصغائر عند هذا القائل، وهو الظاهر.