الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيع المصراة والرد بالعيب
قوله: ووراء ذلك وجوه: أحدها: أن اللبن إذا كان باقيًا يرده.
ثم قال: الثالث: أنه لا يتعين التمر وإن كان غالب قوت البلد، وهو قول ابن أبي هريرة على ما حكاه الماوردي، بل يجوز إخراج ما يجزئ في زكاة الفطر، وهذا صححه الرافعي، انتهى كلامه.
وما نقله من تصحيح الرافعي هنا غلط، فإن الذي صححه الرافعي في كتبه كلها إنما هو تعيين التمر، وأما المجزئ في الفطرة فصححه، تفريعًا على أن التمر لا يتعين.
قوله: الخامس: أن الصاع لا يتعين، ولكن الواجب يتقدر بقدر اللبن، لما سبق من رواية ابن عمر، وعلى هذا فقد يزاد الواجب على الصاع وقد ينقص. ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة، وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف، ومنهم من أطلقه إطلاقًا.
ثم على قول اعتبار القيمة، قال الإمام: تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز، وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلًا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن الإمام غلط، ووقع للرافعي فقلده فيه المصنف، فإنه تفريع لا يلتئم بعضه ببعض، لأنه مفرع على أن الواجب يتقدر بقدر اللبن كما سبق في أول هذه المسألة، وأول هذا التفريع يقتضي اعتبار التمر والحيوان، والذي ذكره الإمام صحيح، فإنه قال: إنا إن لم نر إيجاب الصاع نعتبر قيمة التمر والحيوان، فإذا فعلنا جرى الأمر في المبذول على الحد المطلوب. هذا كلامه، ولا شك أنه موهم، وقد أوضحه الغزالي في الوسيط فقال: إنا نقوم شاة وسطًا وصاعًا وسطًا في أكثر الأحوال، فإذا قيل: هو عشر الشاة مثلًا، أوجبنا من التمر ما هو قيمة عشر الشاة. هذا كلامه، وليس فيه اعتبار اللبن لا في الأول ولا في الأخير، وقد اختصره الشيخ عز الدين على هذا المعنى أيضًا، وبالجملة: فاختصاره على ما قاله الرافعي ثم المصنف، غلطٌ محض.
قوله: وقول الشيخ: جعل، يرشد إلى أنه لا رد فيما إذا تحفلت الشاة بنفسها، وهو قضية ما صححه البغوي في مسألة المصراة. انتهى.
وما يحصل من كلامه من تصحيح البغوي، عدم الرد إذا تحفلت بنفسها- غلطٌ، بل صحح العكس، وقد نقل هو عنه ذلك في موضعه، أعني ابن الرافعة.
قوله: أما حموضة الرمان المعروفة وحلاوته فليست بعيب، ولا خيار لفواتها، إلا أن يشترط، وعلى ذلك يحمل ما قاله الرافعي وغيره. انتهى كلامه.
وما ذكره من إطلاق الرافعي، وأنه محمول على ما فصله غيره من الشرط وعدمه فغريب، فإن الرافعي قد صرح بذلك، فقال في أوائل خيار النقص: وليست حموضة الرمان بعيب، بخلاف البطيخ. وقال في أواخر الباب فيما إذا اشترى مأكولًا لا يعرف عيبه إلا بكسرة: ولو شرط في الرمان الحلاوة فبان حامضًا بالغرر رد.
قوله: واعلم أن طريق معرفة الأرش: أن يقوم المبيع سليمًا، فإذا قيل: مائة، قوم معيبًا، فإذا قيل: تسعون، عرف أن التفاوت بينهما العشر، فيرجع بعشر الثمن، وفي القيمة المعتبرة ثلاثة أقوال: أحدها: وقت العقد، والثاني: وقت القبض.
ثم قال ما نصه: والثالث- وهو الأصح-: أقل القيمتين من يوم العقد إلى يوم القبض، لأنها إن كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري، وإن كان يوم القبض أقل فما نقص من ضمان البائع. انتهى كلامه.
واعلم أن الصحيح اعتبار الأقل كما قال، لكن هل المعتبر أقل الأمرين من يوم العقد والقبض حتى لا تعتبر الحالة المتوسطة، أو المعتبر أقل الأمور كلها من العقد إلى القبض؟ اختلف فيه كلام النووي: ففي الروضة الأول، وهو الذي قاله الرافعي في كتبه، وجزم في المنهاج بالثاني، فإنه غير عبارة المحرر، واعتذر في الدقائق. إذا علمت ذلك فقد خلط المصنف مقاله: فتعبيره أولًا بالقيمتين يقتضي الأول، وتعبيره بيوم العقد إلى القبض يقتضي الثاني.
قوله: وإن وقف المبيع، أو كان عبدًا فأعتقه أو مات- رجع بالأرش.
ثم قال ما نصه: وحكى الإمام قبيل كتاب الرهن أن المزني ذهب إلى أن الرجوع بالأرش لا يثبت بعد تلف المقبوض. انتهى كلامه.
واعلم أن الإمام إنما ذكر هذا النقل عن المزني في السلم خاصة لا في البيع، وقد سبقه إليه القاضي الحسين وبسطه، فلنذكر كلام القاضي ثم كلام الإمام، فنقول: قال القاضي قبل كتاب مختصر الرهن بأسطر: فصل: إذا أسلم في طعام، وقبض البعض
وأتلفه، ثم قبض الباقي واطلع على عيب به، فادعى أن المتلف كان به هذا العيب- فالقول قول المسلم إليه مع يمينه، لأن الأصل عدم العيب، فإن حلف تخلص، وإن نكل حلف المسلم، ورجع عليه بالأرش.
قال المزني: وجب ألا يجز له الرجوع بالأرش، لأنه يؤدي إلى أن يأخذ بعض المسلم فيه وبدلًا عن الباقي. قلنا ليس هذا من الاستبدال في شيء، وإنما هو فسخ العقد في البعض، لأنه كاحتباس جزء، ألا ترى إنما يثبت له حق استرداد ما يقابل العيب من رأس المال، فإن نقص عشر القيمة مثلًا استرد عشر رأس المال، ولو أسلم في كر حنطة، وقبضها وأتلفها، ثم اطلع على عيب قديم بها ينقص عشر قيمتها- رجع على المسلم إليه بعشر رأس المال. هذا لفظ القاضي، فتلخص أنه لم يخالف في البيع، بل في السلم، للمعنى المتقدم، وأما الإمام فإنه قد قال في الموضع المذكور أيضًا: فرع: إذا قبض المسلم المسلم إليه، وتلف في يده، واطلع على عيب- فرده والاستبدال منه غير ممكن بعد التلف، ولكن له الرجوع بالأرش، وهو قسط من رأس المال، وإذا حصل له الرجوع به لم يكن هذا استردادًا، ولكنه في حكم فسخ العقد في ذلك المقدار المسترد. وذهب المزني إلى أن الرجوع بالأرش لا يثبت بعد تلف المقبوض. هذا لفظه، ومراده بالمقبوض: إنما هو الذي يتكلم فيه، وهو المسلم فيه، فتوهم المصنف أنه للعموم، وإنه لمعذور في ذلك، لكن الإمام أخذه من القاضي على عادته، فكان من حقه إيضاحه كما أوضحه.
قوله: واعلم أن الكلام فيما يرجع بأرشه من العيوب فيما إذا خرج عن ملكه ونحو ذلك بمفروض فيما عدا الخصي، فإن كان العيب القديم هو الخصي فلا أرش له أصلًا، إذ لا نقص في القيمة حتى يعتبر من الثمن، صرح به الإمام والرافعي، وفي تعليله نظر، فإنه قال: لا أرش له كما لا رد، وقد صرح هو وغيره بثبوت الرد عند إمكانه بعيب الخصي. انتهى كلامه.
وهذا الكلام الذي فهمه المصنف من كلام الرافعي غلط قبيح وذهول شنيع، فإن المراد أن المشتري في هذه الحالة قد امتنع عليه الأمران- وهما الرد وطلب الأرش- فانتقل المصنف عن صورة المسألة المطابقة للدعوى إلى صورة أخرى غير مطابقة، ثم اعترض عليه.
قوله- في أمثلة العيوب-: واعتياد الإباق كما صرح به الغزالي والإمام في باب السلم، دون المرة الواحدة، خلافًا لأبي علي الزجاجي والقاضي الحسين كما صرح
به في الموضع الذي سنذكره، وهذا منهما إشارة إلى أنه لو وجد في يد البائع ولم يوجد في يد المشتري كفى، وعلى الأول لا يكفي، وإلى ذلك أشار في الإشراف. انتهى كلامه.
وما ذكره من عدم الاكتفاء، تفريعًا على الأول وهو الاعتياد- كيف يستقيم؟! لأن الاعتياد لا يتوقف على تعاطيه عند المشتري. نعم، راجعت الإشراف فرأيت فيه ما ذكره المصنف، إلا أن في كلامه ما يدفع الوهم.
قوله: وفي تعليق القاضي الحسين: أن محل الرد بعيب الإباق إذا تكرر منه في يد البائع، واشتهر ووجد في يد المشتري.
أما إذا وجد في يد البائع ثم وجد في يد المشتري بحيث تنقص القيمة لم يرد، لحدوث عيب آخر في يده. انتهى كلامه.
وما نقله هنا عن القاضي الحسين يقتضي أن المرة الواحدة لا تكفي، وهو مخالف لما نقله عنه في المسألة السابقة، ومخالف- أيضًا- لما صرح به القاضي في تعليقه. نعم، ذكر القاضي هذه المسألة بعبارة صحيحة فقال: فإن أبق في يده- يعني يد المشتري- ثم علم كونه آبقا: إن لم ينقص الإباق الثاني من القيمة، بأن كان قد تكرر ذلك منه، واشتهر به- رده، وإلا فلا، لحدوث العيب في يده. هذا لفظه، وموضوع هذه المسألة إنما هو الكلام على أن الإباق في يد المشتري هل يمنع الرد بعيب الإباق الحاصل في يد البائع أم لا؟ وليس سياقها لبيان الإباق الذي يرد به على البائع مما لا يرد به عليه، فعبر المصنف عن ذلك بعبارة تدل على الثاني، ولا شك في أن اللفظ قد انعكس عليه، فإن قوله: وجد في يد المشتري، لو قدمه على ما قبله فقال: وفي تعليق القاضي: أن محل الرد بعيب الإباق إذا وجد في يد المشتري، إنما هو فيما إذا تكرر منه في يد البائع واشتهر به
…
إلى آخره- لكان موافقًا لما قاله القاضي.
قوله: ولا رد بكون الرقيق عقيمًا وغير مخفوض أو مختون، إلا إذا كان الغلام كبيرًا يخاف عليه من الختان. انتهى كلامه.
والمخفوض- بالخاء المعجمة وبالفاء وبالضاد المعجمة غير المشالة- هو المختون. قاله الجوهري، قال: واختفضت الجارية، أي: اختتنت، والخافضة: الخاتنة.
إذا علمت ذلك علمت أن المذكور هنا غير صحيح، فإنه جعلهما شيئين، فقال: ولا رد بكونه كذا وغير كذا، والسبب في وقوع ذلك: أن الرافعي وجماعة عبروا بالخفض، وجماعة آخرون عبروا بالختان، فتوهم أنهما شيئان، وأن كل طائفة نصت
على ما يقله غيرها. نعم، الخفض لا يكون إلا للمرأة، والإعذار للرجل، والختان يعمهما، ثم إن تعبيره بالغلام غير مستقيم، وصوابه التعبير بالرقيق، ليشمل الأنثى.
قوله:- وإن اختلفا في عيب يمكن حدوثه، أي: مثل تخريق الثوب، وكسر الإناء، والبرص، وأمثال ذلك، فقال البائع: حدث عندك، وقال المشتري: بل كان عندك- فالقول البائع، لأن حدوث العيب متفق عليه، والأصل عدم حصوله في يد البائع. انتهى كلامه.
واعلم أنه كيف يستقيم الفرق بأن حدوثه متفق عليه، مع أن صورة المسالة في العيب الذي يمكن حدوثه، سواء قطعنا بحدوثه بعد وجود العيب أم احتمل مقارنتهما في الوجود كالعمى وغيره، فإنه يحتمل أن يكون طارئًا وأن يكون قد خلق أكمه.
تنبيه: ذكر في الباب مخلد بن خفاف في قوله- عليه أفضل الصلاة والسلام-: ((الخراج بالضمان)).
أما ((مخلد)) فإنه بميم مفتوحة، وخاء معجمة ساكنة، و ((خفاف)) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء، وهو غفاري، والحديث صححه الترمذي وغيره.