الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصلح
قوله: ولو قال: أبرئني من الدين، كان إقرارًا، وإن قال: أبرئني من المال، فكذلك على الأصح، وفي ((الإشراف)): أن ابن القاص حكى عن بعض أصحابنا: أنه ليس بإقرار، لأن الله تعالى قال:{فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزاب:69] وموسى صلى الله عليه وسلم لم يكن آدر، وتبرئته عن عيب الأدرة لم تقتض إثبات الأدرة. انتهى كلامه.
وما ذكره من الجزم في الدين والتردد في المال ذكره- أيضًا- في ((المطلب))، وهو باطل بلا شك، فإنهما على حد سواء إذا أراد بكل منهما الدين المدعى به، فيكون الوجه ثابتًا فيما، إلا أن ابن القاص تكلم على المثالين.
والأدر- بهمزة مفتوحة، بعدها ألف، ثم دال مفتوحة ثم راء مهملتين-: هو الذي انتفخت خصيته، والأدرة- بضم الهمزة، على وزن ((الحمرة)): هو انتفاخها، قاله الجوهري.
قوله: ولو أذن المدعى عليه المنكر لأجنبي في مصالحة المدعي، فهل يكفي ذلك في صحة الصلح، أم لابد من إقراره عند الوكيل بأن العين ملك للمدعي؟ فيه وجهان.
أصحهما في ((الحاوي)): أنه يكفي.
ثم قال: فعلى هذا يكفي الوكيل أن يقول: هو لك، وقد وكلني في مصالحتك. وبه جزم القاضي أبو الطيب في ((تعليقه)).
وإن قلنا: لابد من إقراره فلابد أن يقول الوكيل: العين لك، وقد أقر بها المدعى عليه، ووكلني في مصالحتك. وهذا ما ادعى ابن يونس أن كلام الشيخ محمول عليه، وهو الذي أورده ابن الصباغ والمحاملي. انتهى ملخصًا.
فأما ما ذكره أولا على القول بأنه يكفي من أنه لابد أيضًا من اعتراف الوكيل بأنه للمدعي، وأن القاضي أبا الطيب قائل به- فإن القاضي وإن جزم بذلك إلا أنه لم يفرعه على القول بالاكتفاء بالمصالحة، فقال: فإن صالحه للمدعى عليه جاز الصلح إذا أقر للمدعي بالعين، وقال: إنه وكلني في مصالحتك. هذا لفظ ((التعليقة))، فيجوز أن
يكون ذلك تفريعًا على اشتراط الإقرار.
وأما ما ذكره على القول باشتراط الإقرار من أن الوكيل لابد مع ذلك من اعترافه بأن العين للمدعي فمعلوم: أن الوكلاء لا يشترط فيهم ذلك. وما ذكره عن ((الشامل)) من اشتراطه غلط، فإنه قال ما نصه: فإنه يقول للمدعي: إن المدعى عليه معترف لك في الباطن، وقد وكلني أن أصالح عنه. هذه عبارته، ولم يشترط معه شيئًا آخر، وكذا ذكر ابن يونس، فقال نقلًا عن الشيخ: قال: وإن كان المدعى عينًا لم يجز حتى يقول: هو لك- أي: هو مقر لك في الباطن- وقد وكلني في مصالحتك، فعند ذلك يصح. انتهى كلامه. فهذا هو الذي حمل عليه كلام الشيخ، وليس فيه اشتراط اعتراف الوكيل مع الأمرين الأخيرين.
قوله: وما روى عن صاحب ((التلخيص)) من أنه جوز الصلح عن أرش الموضحة إذا علما قدره، وأنه منع صحة بيعه- فقد خالفه فيه المعظم.
وقالوا: إن كان الأرش مجهولًا كالحكومة التي لم تقدر بعد لم يصح الصلح عنه ولا بيعه.
وإن كان معلوم القدر والصفة: كالدراهم إذا ضبطت في الحكومة جاز الصلح عنها، وجاز بيعها ممن هي عليه.
وإن كان معلوم القدر دون الصفة، كالإبل الواجبة في الدية ففي جواز الاعتياض عنها بلفظ الصلح وبلفظ البيع وجهان. انتهى كلامه.
وما قاله- رحمه الله من نقل هذا التقسيم عن صاحب ((التخليص)) قلد فيه الرافعي، وهو لا ينطبق على ما نقله هو عنه، فإنه فرض المسألة في المصالحة عن أرش الموضحة إذا علم قدر أرشها، فكأنه صالحه على خمس من الإبل، وهو القسم الثالث من التقسيم المتقدم، فلا يجئ القسمان الأولان أصلًا.
قوله: واعلم أنه كما يجوز له أن يشرع الجناح إلى الشارع يجوز لمن له فيه داران متقابلتان أن يركب عليهما ساباطًا، ويجوز له أن يحفر فيه سردابًا ويبني عليه أزجا يمر عليه المارة، ويحكمه، صرح به العراقيون وغيرهم.
قال في ((بحر المذهب)): ويمثل هذا أجاب الأصحاب- يعني في السرداب- فيما إذا لم يكن الطريق نافذًا، وغلط من قال بخلافه. انتهى كلامه.
وما نقله- رحمه الله عن ((البحر)) قد غلط فيه عليه، فإن المذكور في ((البحر)) إنما هو ترجيح المنع، فإنه ذكر حكم الشارع في إخراج الجناح والساباط والسرداب،
ثم قال: فرع: لو كان زقاقا غير نافذ اختلف أصحابنا فيه: فقال بعضهم- وهو اختيار أبي حامد-: الحكم فيه كالحكم في الطريق النافذ، بدليل أنه يجوز لكل أحد دخول هذا الزقاق. وقال هذا القائل: والشافعي لم ينص على هذه المسألة في ((الأم)). ثم قال ما نصه: وقال بعض أصحابنا- وهو اختيار القاضي الطبري، رحمه الله: ليس له ذلك، لأن ذلك مملوك لهم، ولا يجوز لأحد منهم الانفراد بهوائه، وهذا أقيس عندي. هذا كلام ((البحر)) بحروفه، ولم يذكر فيه غير ذلك، ولم ينص في غير النافذ على السرداب بخصوصه، لكنه يؤخذ مما سبق في الشارع.
وذكر الروياني في ((الحلية)) أيضًا مثله، فقال- بعد ذكر الجناح والساباط في الشارع-: وكذلك لو حفر سردابًا من داره إلى دار أخرى له بحذائها في طريق شارع، وأحكم ذلك بالأزج- يجوز، لأنه لا فرق بين أن يرتفق بما تحتها، أو بما فوقها إذا لم يضر بالمارين، ولو أراد ذلك في طريق سكة غير نافذ فلا يجوز إلا بإذن أهل السكة في ظاهر المذهب، وهو اختيار القاضي الطبري وجماعة. هذا لفظ ((الحلية)) - أيضًا- والموقع للمصنف في هذا الغلط هو الرافعي، فإنه نقله عن الروياني.
قوله: أما إذا قلنا بالقول القديم- أي: في وضع الجذوع على جدار الجار- فلا تجوز له المصالحة على عوض، لأن من وجب عليه حق لم يجز أن يعتاض عنه.
قلت: قد حكى الغزالي في كتاب الإجارة فيما إذا أسلمت امرأة، وليس هناك من يحسن الفاتحة إلا واحد، فجعل صداقها تعليمها الفاتحة- جاز على الأصح من الوجهين، مع أن ذلك واجب عليه، فيتجه أن يجئ مثل ذلك هنا. انتهى كلامه.
والجواب عما قاله قد ذكره الإمام في كتاب الصداق، وهو أن الوجوب إذا لاقى الشخص يجب عليه بذلك الأجرة لغيره، وإن تعين الغير طريقًا، والوجوب هنا لم يلاق صاحب الجذوع، بل لاقى الجار أولًا، فلا يأخذ عنه عوضًا.