الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العتق
قوله: ((العتق في الشرع: إزالة ملك عن رقبة آدمي لا إلى مالك، تقربًا لله تعالى)). انتهى.
وهذا الحد يرد عليه الوقف، فإن الملك فيه لله- تعالى- كما أن الحر كذلك، وأيضًا فالعتق هو الزوال، وأما الإزالة، فتفسير للإعتاق، لا للعتق، وقد ذكر بعد هذا أن عتق الكافر ليس بقربه، إلا أنه قد يجاب عن هذا: بأن الكافر قصد التقرب، وإن لم يصح له ما قصده.
قوله: ومحل كون العتق قربة، إذا كان منجزًا، أما العتق المعلق فليس عقد قربة، وكذلك الإيصاء ليس بعقد قربة، بخلاف التدبير، حكاه الرافعي في كتاب الصداق في مسألة الرجوع بنصفه)). انتهى كلامه.
واعلم: أن العتق حيث وقع، كان قربة بلا نزاع، سواء كان منجزًا أو معلقًا. والكلام الآن فيه، ولهذا فسره بقوله: إزالة ملك، وأما تعليق العتق، فهو الذي يمكن أن يقال فيه: إنه ليس قربة، وهو الذي صرح به الرافعي هناك، فإنه نقل عن الشيخ أبي محمد: أن تدبير العبد يمنع الرجوع في نصفه، بخلاف تعليق عتقه.
ثم قال: وفرق بأن التدبير قربة محضة، وتعليق العتق ليس عقد قربة، وإنما يقصد به منع أو حث، هذه عبارته، وهو كلام مستقيم، فالتبس على المصنف تعليق العتق بالعتق المعلق.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن التعليق ليس قربة، بل القياس أن يأتي فيه ما قد قيل في النذر، وقد ذكرت ذلك في كتابنا المسمى بـ ((المهمات)) مبسوطًا، وجمعت فيه من كلام الأئمة ما لم يقع في غيره، ولم يخطر للناظر وقوعه، وحررت ذلك ونقحته، فليطالع منه.
قوله: فرع: لو كانت أمته تسمى حرة، قبل جريان الرق عليها، فقال: لها يا حرة، على قصد النداء- لم تعتق، وإن أطلق، فوجهان، أشبههما: عدم العتق. انتهى كلامه.
والذي ذكره- رحمه الله غلط، سلم منه في شرح الوسيط، وسبب الغلط
الانتقال من كلام الرافعي من مسألة إلى مسألة، فإن الرافعي ذكر مسألتين فقال: ولو كانت أمته تسمى قبل جريان الرق عليها: حرة فقال لها: يا حرة، فإن لم يخطر له النداء باسمها القديم، عتقت لا محالة، وإن قصد نداءها به، فوجهان.
ذهب القاضي الحسين، والغزالي: إلى أنها تعتق، لأن اللفظ صريح في بابه، وإن كان اسمها في الحال حرة، وقال: يا حرة، فإن قصد النداء لم تعتق، وإن أطلق فوجهان: أشبههما: أنها لا تعتق. انتهى كلامه ملخصًا.
فأخذ المصنف تصوير المسألة الأولى وجواب الثانية وحذف ما بينهما، إما لانتقال نظره، وإما لغلط نسخته. وقد أهمل الرافعي والمصنف قسمًا ثالثًا وهو ما إذا لم يكن اسمها حرة، لكن قال: أنا أسميها بذلك.
ثم قال: يا حرة، وقصد النداء، قال الغزالي: الظاهر أنها لا تعتق.
قوله: لو قال لعبده: أعتقك الله، قال القاضي الحسين: لا يعتق، لأنه دعاء له بالإعتاق، ولو قال: الله أعتقك، فالظاهر أن هذا صريح في العتق. انتهى كلامه.
اعلم: أن هذا التفصيل قد ذكره القاضي حسين في تعليقه في باب: تدبير الصبي الذي لا يعقل ولم يبلغ، وهو قبل باب الكتابة بقليل، وخالف ذلك في فتاويه، فنقل هذه التفرقة عن بعضهم، ونقل عن العبادي أنه يعتق فيهما.
ثم قال: وعندي لا يعتق في الموضعين. هذا لفظه.
قوله: فلو قال: آخر عبد من عبيدي يدخل الدار، فهو حر، فدخل واحد، ثم واحد، وهكذا لم يعتق واحد منهم ما دام الحالف حيًا، لجواز أن يدخل بعدهم غيرهم، فإذا مات، تبينًا عتق آخر من دخل منهم قبل موته، إذا كان موجودًا حين اليمين، فلو كان آخرهم دخولًا من لم يكن في ملكه حال اليمين، فالذي يظهر أن يقال: لا يعتق واحد منهم، لأن الموجودين لم توجد الصفة في واحد منهم، والذي وجدت الصفة فيه، لم يكن- حين التعليق- في ملكه، فلم يقع. انتهى كلامه.
لقائل أن يقول: المتجه وقوع العتق على آخر من دخل ممن هو في ملكه حال التعليق، لأن اليمين لا ينعقد على من سيحلفهم، بل على الموجودين، والموجودون في ملكه قد علم دخول آخرهم.
قوله في الكلام على السراية: ولو كان العتق، أي: عتق الشريك بصفة في حال مرض الموت أو موصى به، فالنظر في اليسار بقيمة الشريك، والإعسار بها بالنظر إلى الثلث دون جميع ماله. انتهى كلامه.
وما ذكره في العتق الواقع في المرض صحيح، لأن المريض كالصحيح في السراية عليه، وأما العتق الموصى به، فلا سراية فيه، كما جزم به قبل ذلك في الكلام على أن المعسر لا يسرى عليه، وعلله بأن التركة قد انتقلت إلى الورثة.
نعم! ينبغي تصوير هذه المسألة، بما إذا أوصى بعتق نصفه، وأن يكمل من ثلثه، فإن ذلك يصير كالمستثنى من مال الورثة، فيكون موسرًا به على ما نقله هو عن الروياني هناك.
قوله: فرع: إذا أعسر المعتق بعد يساره
…
إلى آخره، هذا تفريع على قول الوقف، فاعلمه.
قوله: ولو قال أعتقك نصفك، وكان يملك من العبد نصفه، فهل وقع العتق ابتداء على نصيبه بجملته، أو ينصرف على نصف العبد مشاعًا، فيقع العتق مباشرة على نصف نصفه، ثم يسري إلى الربع الآخر الذي يملكه لا غير، إن كان معسرًا، وإن كان موسرًا فإلى الجميع؟ فيه وجهان:
قال الإمام: ولا يظهر لهذا الاختلاف فائدة، إلا أن يفرض تعليق عتاق أو طلاق على ذلك بأن يقول: إن أعتقت نصفي من هذا العبد، فامرأتي طالق.
قلت: وقد يظهر له فائدة هذا الباب، وهو أن شريكه لو وكله في عتق نصفه، فإن قلنا: إن العتق يقع مثالها عتق جميع العبد على الموكل والوكيل، وإن قلنا: يقع على نصيبه، لم يعتق حصة الشريك.
وقد حكى ابن الصباغ في هذه الصورة وجهين.
أحدهما: أنه يتناول نصيب شريكه لا غير.
والثاني: يعتق نصيب نفسه لا غير، لأنه لا يحتاج إلى نية. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن حاصل كلامه أنا إذا فرعنا على قول الإشاعة وكان موسرًا، أنه يعتق منه أولًا الربع، ثم يسري إلى الباقي مما يملكه وما لا يملكه جملة واحدة، وليس كذلك، بل قائل هذا الوجه يقول: تسري أولًا إلى ما في ملكه، ثم إلى ملك شريكه، كذا نقله الرافعي، فقال: وأما على الثاني فلأنه يعتق نصفه، وهو ربع العبد، ثم يسري باقي نصفه، ثم إلى نصيب الشريك.
الأمر الثاني: أن كلامه يقتضي أنه لم يظهر له إلا هذه الفائدة، وليس كذلك بل من فوائده سؤال العتق، ولنقدم عليه مقدمة، وهي أن المرأة لو قالت: طلقني ثلاثًا ولك
ألف، فطلقها طلقة ونصفًا فهل يستحق ثلثي الألف لوقوع طلقتين، أو النصف خاصة، لأنه إنما أوقع نصف الثلاث، والتكميل حكم الشرع؟ فيه وجهان في كتاب الخلع من الرافعي من غير ترجيح، ورجح في الروضة من زوائده الوجه الثاني، وما ذكروه هناك يأتي بعينه- هاهنا- فإذا قال: اعتق النصف الذي لك على ألف، فأطلق إعتاق النصف، فإن قلنا: ينزل على نصيبه استحق، وإن قلنا: يكون شائعًا حتى لا يعتق أولًا إلا نصف نصيبه، ثم سرى، فالراجح أنه لا يستحق إلا نصف الألف كما تقدم، لأن الإعتاق على مال كالخلع على مال، كما قاله الرافعي في الفصل المعقود لذلك، وهو في آخر كتاب الظهار. ثم إن صورة المسألة ما إذا قال: أعتقته عنك، وكذا إن أطلق على ما صححه الرافعي في الظهار، فإن قال: عني: ففي سرايته خلاف، نقف عليه- إن شاء الله تعالى- قبيل التدبير.
قوله: ولو قال: المعتق بين ثلاثة: لأحدهم نصفه، ولآخر ثلثه، ولآخر سدسه، فأعتق صاحب الثلث والسدس حصتهما في وقت واحد، وهما موسران، سرى العتق إلى النصف الثاني عليهما.
وفي كيفية التقويم قولان:
أحدهما: أنه عليهما نصفين، والثاني على قدر الملكين. وبعض الأصحاب جزم بالأول، كالجراحات.
ثم قال: وهذا ما أورده في المهذب، والشامل، والحاوي، وقال الرافعي: إنه أظهر، باتفاق فرق الأصحاب إلا الإمام، فإنه قال: ليس هذا كذلك، لأن الجراحات لها غور، وضبطها غير ممكن. انتهى كلامه.
وما نقله عن الرافعي من الحصر ليس كذلك، فإن الرافعي قد نقل ذلك عن الإمام الغزالي، ولعل المصنف اعتمد على الروضة في النقل عن الرافعي، فإنه قد وقع فيها ذلك، واعلم: أن كلام المصنف يوهم أن فرق الأصحاب رجحوا التنصيف مع كونهم قائلين بالقولين، وليس كذلك، بل المراد اتفاقهم على القطع.
قوله:- فيما إذا أعتق أحد عبديه أو إحدى أمتيه- ثم قال:
فرع: إذا باع إحداهما أو وهبها أو أجرها، فهل يكون اختيارًا منه للملك في ذلك، أم لا؟ حكمه حكم الاستخدام، فإن قلنا: يكون اختيارًا، صح البيع، قاله القاضي الحسين، وكان يتجه أن يتخرج على الخلاف في نظير المسألة من بيع الأب ما وهبه لولده. انتهى كلامه.
وهذا البحث الذي ذكره- رحمه الله قد نبه في حاشية هذا الكتاب على فساده، فقال: إن هذا التخريج لا وجه له، لأن الملك ثم قد زال، وهو يريد استرجاعه وقطعه بالبيع، واللفظ الواحد لا يصلح مملكًا وقاطعًا للملك، ولا كذلك هنا، فإن الملك دائم، فلا منافاة. هذا كلامه.