الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإحرام وما يحرم فيه
قوله: أما التطيب في ثوبه فقد قال في القديم: واجب أن يجمر رحله وثيابه. فمنهم من أجراه على ظاهره، وقال: له أن يطيب ثياب بدنه للإحرام كما يطيب بدنه، ويكون مستحبًا كما حكاه القاضي الحسين، وهو الذي صححه الإمام. انتهى كلامه بحروفه.
وما نقله- رحمه الله عن الإمام من أن الصحيح إجراء القديم على ظاهره، حتى يجوز له ذلك، ويكون مستحبًا- سهو منه، فإن الإمام إنما صحح الجواز فقط، ولم يتعرض لكونه مستحبًا، فقال ما نصه: ولو طيب المحرم قبل الإحرام إزاره أو رداءه، وتوشح واتزر، ثم أحرم- فحاصل ما قيل فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن ذلك يسوغ كما يسوغ تطييب البدن، والثاني: لا يجوز، فإن الطيب يبقى على الثوب وينمحق على البدن، والثالث: أنه إن لم يكن عينًا فلا بأس، وإن كان عينًا لم يجز، والأصح: أنه لا يمنع تطييب الثوب. هذا لفظه بحروفه، ولم يذكر ما يخالفه.
قوله: ولو نوى إحرامًا كإحرام زيد، وكان إحرام زيد فاسدًا- ففي انعقاده مطلقًا وعدم انعقاده وجهان في ((تعليق)) أبي الطيب مشبهان بوجهين حكاهما فيما لو نذر صلاة فاسدة: هل يلزمه صلاة صحيحة، أو لا يلزمه شيء؟ وقال في ((الروضة)): إن الصحيح: الثاني. انتهى كلامه.
وهو يوهم أن تصحيح النووي عائد إلى المسألة الأولى فقط، لكونها هي المقصودة بالذكر، وحكاية الوجهين في الصلاة لغرض التشبيه، أو يعود إليهما معًا، وليس الأمران كذلك، بل صحح في مسألة الإحرام من ((زياداته)) انعقاده، وصحح في الصلاة عدم الانعقاد.
قوله: وإن أحرم بنسك، ثم نسيه- ففيه قولان: الجديد: أنه ينوى القران، وظاهر كلام الشافعي في ((الأم)) و ((الإملاء)): أنه يلزمه ذلك، وهو المفهوم من كلام الأصحاب، وبه صرح الماوردي، وفي ((النهاية)): أنه لا يجب.
ثم قال عقبه: وإذا نوى القران وأتمه سقط عنه حجة الإسلام بلا خلاف، وهل تسقط عمرته؟ إن جوزنا إدخال العمرة على الحج فنعم، وإن منعنا فالمذهب في
((تعليق)) البندنيجي وغيره: أنها لا تسقط، عن أبي إسحاق: أنها تسقط، لأن النسيان ضرورة. قال في ((البحر)) وغيره: إنه ضعيف. انتهى.
واعلم أن حاصل كلامه أن المعروف وجوب نية القران، وأن الحج فقط يحصل له. إذا علمت ذلك، فاعلم أنه إذا نوى الحج فقط حصل به لا شك، لأنه إن كان محرمًا بالحج فقط، أو بالقران فتجديد نية الحج لا تضر، وإن كان محرمًا بالعمرة حصل له الحج- أيضًا- لأن إدخاله عليها جائز، فإذا كان الحج حاصلًا إذا نواه ولم يزد عليه، ولا يحصل له بنية القران زيادة عليه- أعني على الحج- فكيف يعقل مع ذلك إيجاب نية العمرة- أيضًا- لأنه إيجاب شيء لا فائدة فيه أصلًا؟! ورأيت في ((المجموع)) للمحاملي: أن أبا إسحاق له في حصول العمرة وجهان: أحدهما: ما جزم المصنف بنقله عنه، والثاني: كمقالة الجمهور.
قوله: ثم لو زاد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن مكروهًا.
ثم قال: وقد حكى الشيخ أبو حامد أن أهل العراق ذكروا عن الشافعي: أنه يكره الزيادة على ذلك، وغلطوا فيه، فإن المنقول عنه ما ذكرناه، وهو ما أورده الفوراني. انتهى كلامه بحروفه.
واعلم أن الفوراني قد جزم بكراهة الزيادة، كذا رايته في ((الإبانة)) له.
قوله: تنبيه: لبيك: من ((التلبية))، وهي إجابة المنادي، والقصد بها هاهنا إجابة إبراهيم- على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- التي أمر بها، كما تقدم في أول الباب. انتهى.
وما ذكره من تقدم ذلك في أول الباب سهو. نعم، تقدم ذلك في أول كتاب الحج.
قوله: قال: وإذا أحرم حرم عليه لبس المخيط في جميع بدنه.
اعلم أن الشيخ- رحمه الله قد ذكر بعد هذا مسألة أخرى، فقال: فإن فعل ذلك لزمه الفدية. ونسي المصنف هذه المسألة، فلم يتعرض لها ولا لشرحها.
قوله: فإن لم يجد إزارًا جاز أن يلبس السراويل، أي: الذي لا يتأتى الاتزار به لو فتق.
ثم قال: ولا يقال: ما الفرق بينه وبين القميص، حيث لا يجوز لبسه إذا لم يجد رداءً لإمكان ارتدائه بالقميص؟ لأنا نقول: المسألة مصورة في المحرم الذي لا يمكنه الاتزار بالسراويل لو فتق، أما إذا أمكن فالذي أورده الجمهور: أنه لا يجوز لبسه على هيئته. انتهى كلامه.
واعلم أنه إذا عدم الإزار، فإن تأتي الاتزار بالسراويل على هيئته فلا يجوز له لبسه بلا شك، كما في الارتداء بالقميص، وقد جزم به النووي في ((شرح المهذب))، وإن تأتى بعد فتقه جاز لبسه عند الأكثرين كما قاله الرافعي، فإنه نقل المنع عن الإمام والغزالي فقط.
ثم قال: لكن الأصح عند الأكثرين إنما هو الجواز. وذكر مثله في ((الشرح الصغير)) - أيضًا- وبالغ فيه النووي في ((شرح المهذب)) فحكى طريقين، وصحح طريقة القطع بالجواز، ونقلها عن الأكثرين.
إذا علمت ذلك علمت أن جميع ما قاله المصنف خطأ، فتأمله، وقد تفطن المصنف لبعضه، فكتب على حاشية الكتاب أن المنقول في مشاهير الكتب خلافه.
قوله: ويحرم عليه شم الأدهان المطيبة كدهن الورد والزنبق والبان المنشوش- وهو المغلي بالمسك ونحوه- بالقياس على المنصوص عليه. وقد أطلق الإمام الحكاية عن الشافعي: أن البان ودهنه ليس بطيب، وعن بعض المصنفين: أنه يعتبر عادة كل ناحية في طيبها، وقال: إنه فاسد، فإنه يشوش القواعد، وقال الغزالي: إنه غير بعيد. والأكثرون أطلقوا القول بأنه طيب، وقيده المصنف والماوردي والبغوي بأن يكون منشوشًا- وهو المغلي بالمسك ونحوه- وقالوا: إن البان غير المغلي ليس بطيب، قال الرافعي: ويشبه أن يكون من أطلق القول بأنه ليس بطيب، مراده: غير المنشوش، ومن أطلق بأنه طيب أراد: المنشوش. قلت: لكن كلام القاضي الحسين ينفي هذا الحمل، فإنه قال: البان يحرم على المحرم استعماله، سواء شمه، أو اتخذ منه الدهن واستعمله، أو عصر ماءه واستعمله. انتهى كلام ابن الرفعة.
فيه أمور:
أحدها: أن ما قاله الشيخ من تحريم شم الأدهان المطيبة، ووافقه عليه المصنف- مردود مخالف لكلامهم، لم أر أحدًا قد قال به، بل الذي قاله الأصحاب: أنا إذا قلنا: إن هذه الأدهان من الطيب، كان استعمالها حرامًا، هكذا عبروا به، ومنهم الشيخ في ((المهذب)) والنووي في ((شرحه)) له، والرافعي في كتبه، فلم يقل أحد منهم بتحريم الشم، بل الاستعمال، واستعمال مثلها إنما هو بالاستهلاك، ويؤيده تصريح المصنف تبعًا للأصحاب كلهم: أن شم ماء الورد لا يحرم.
الأمر الثاني: أن ما نقله عن الإمام عن بعض المصنفين، كلامه يقتضي أنه نقله في البان خاصة، وليس كذلك، بل حكاه- أعني الإمام- في كل طيب، فإنه بعد ذكره
لما يحرم من أنواع الطيب قال ما نصه: فهذا قولنا فيما يكون طيبًا، وقد ذكر بعض المصنفين أن من أصحابنا من يعتبر عادات كل ناحية فيما تتخذ طيبًا، وهذا فاسد مشوش للقواعد، ولا خلاف أن ما يطعم في قطر ملتحق بالمطعومات في الربا. هذا لفظه بحروفه، وهو صريح في تعميمه، لا في البان بخصوصه، والذي أوقع المصنف فيما وقع فيه: أن البان وقع تأخيره عن سائر أنواع الطيب، وتعقيب هذا النقل له على سبيل الاتفاق، فتوهم المصنف عوده إليه لعدم تأمله للكلام بآخره.
الثالث: أن ما قاله- رحمه الله من الرد على الرافعي بهذا الكلام المنقول عن القاضي، كلام عجيب، فإنه ليس فيه إلا أن البان طيب، وليس فيه تقييد بكونه منشوشًا أو غير منشوش، وهذا هو عين ما نقله الرافعي عن الجمهور.
واعلم أن ((الزئبق)): بزاي معجمة مفتوحة، ثم نون ساكنة، ثم باء موحدة مفتوحة، ثم قاف، قال في ((شرح المهذب)): هو دهن الياسمين الأبيض، قال: ولم يخصه الجوهري بالأبيض، وهو لفظ عربي.
وأما ((المشوش)): فبميم مفتوحة، ونون ساكنة، وشينين معجمتين- هو المغلي، قال الجوهري: النشيش: صوت الماء وغيره إذا على.
قوله: ويجوز له النيلوفر والبنفسج، لأنهما لا يتخذ من يابسهما طيب، فأشبها الأترج والسفرجل، قال الإمام: وفي النفس من الأترج والنارنج شيء، وألحق التفاح بالسفرجل، وستعرف ما حكاه غيره فيه. انتهى. يعني أن غير الإمام قد حكى في التفاح ما يخالف كلام الإمام، ثم ذكر بعد ذلك ما أحال هذا الموضع عليه، فقال بعد حكاية القولين في الريحان الفارسي ما نصه: والريحان الفارسي هو الضميران المذكور في باب جامع الأيمان، والقولان يجريان- أيضًا- كما قال في ((المهذب)) في النرجس والنبق، وكذا في التفاح والمرزنجوش، كما قال البندنيجي تبعًا للشيخ أبي حامد والقاضي الحسين. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدهما: أنه كما فسر الريحان الفارسي هنا بالضميران المذكور في الأيمان فسر الضيمران المذكور هناك بالريحان الفارسي المذكور هنا، وهو تفسير دوري وقع غيره فيه أيضًا.
الأمر الثاني: أن ما حكاه الشيخ في ((المهذب)) من جريان القولين في النبق غلط، فإن النبق لا ذكر له فيه بالكلية، ولهذا لم يتعرض له النووي في ((شرحه)) له، ويبعد
جريان الخلاف فيه، لما ستعرفه.
الأمر الثالث: أن حكاية القولين في التفاح- أيضًا- غلط، بل يجوز شمه بلا خلاف كما هو موجود في كتب الأصحاب، وصرح بذلك- أعني بنفي الخلاف فيه- جماعة منهم النووي في ((شرح المهذب))، وكيف يمكن أن يقال بجريان القولين فيه، وبالجواز جزمًا في الأترج؟! وهو- أيضًا- يبطل ما ادعاه في النبق، ويوضح الوهم السابق ذكره، وهذا الذي وقع فيه المصنف سببه تحريف ((اللفاح)) الذي أوله لام بـ ((التفاح)) المعروف، فإن الجماعة الذين ينقل عنهم ذلك ذكروه في ((اللفاح)) وهو مثله في الحروف والوزن لفظًا وخطًا، إلا ما ذكرناه من أول هذا لام، وذاك تاء، وهو معروف أكبر من التفاح وأطيب رائحة، وقد نقل في ((شرح المهذب)) عن البندنيجي حكاية القولين في اللفاح- باللام- وهو أحد الجماعة الذين نقل عنهم المصنف ذلك، ولولا أن المصنف حين ذكر التفاح أولًا أحال على هذا الكلام- كما سبق- لكان يمكن أن يقال: إن ذلك سبق قلمٍ منه.
قوله: قال الأصحاب: أما الجلوس عند الكعبة وهي تجمر- أي: تبخر- فلا يكره، وإن قصد ذلك لأجل الطيب، وأما الجلوس عند العطار وعند المتطيب فقد قال البندنيجي: إنه ينظر" فإن كان لغير شم الطيب لم يكره قولًا واحدًا، وإن كان لشم الطيب كره، وأطلق الرافعي حكاية قولين فيما إذا جلس عند الكعبة وعند حانوت العطار، وقال: إن أصحهما: الكراهة. وحكي عن القاضي الحسين: أن الكراهة ثابتة لا محالة، والخلاف في وجوب الفدية. والذي رايته في ((تعليقه)): أنه هل يكره أن يستنشق الروائح الطيبة؟ فيه وجهان، وينبغي أن يخرج في وجوب الفدية- إذا قصد الاستنشاق- وجهان، كالصائم إذا فتح فاه حتى وصل إلى جوفه غبار الطريق وغربلة الدقيق، فإن في حصول الفطر به وجهين. انتهى كلامه.
واعلم أن التخريج الأخير- أيضًا- من كلام القاضي، إذا علمت ذلك ففيه أمور:
أحدها: أن مقتضى كلامه في نقله عن الرافعي أنه لم يفصل بين أن يقصد الشم أو لا يقصد، بل حكى قولين، وصحح الكراهة، وليس كذلك، فإن المذكور في ((الرافعي)) إنما هو التفصيل، فقال: أحدهما: لو عبق به الريح دون العين، بأن جلس في حانوت عطار، أو عند الكعبة وهي تجمر، أو في بيت يجمر ساكنوه فلا فدية، لأن ذلك لا يسمى تطيبًا. ثم إن قصد الموضع لا لاشتمام الرائحة لم يكره، وإن قصده لاشتمامها كره على الأصح، وعن القاضي الحسين: أن الكراهة ثابتة لا محالة،
والخلاف في وجوب الفدية. هذا لفظ الرافعي، وقد ظهر لك- أيضًا- من كلام الرافعي: أنه لم يحك قولين بخصوصهما، بل حكى خلافًا محتملًا للقولين وللوجهين. نعم، جعله النووي في ((الروضة)) قولين.
الأمر الثاني: أن ما نقله الرافعي عن القاضي الحسين لم يعزه إلى ((تعليقته))، بل عبر بقوله: وعن القاضي- كما تقدم- والنقل المذكور قد حكاه المتولي في ((التتمة)) عن لفظه، لا عن تصنيفه، فقال بعد حكاية القولين: وكان القاضي الإمام الحسين يقول: إذا قصد القعود عند العطار أو عند الكعبة لاستنشاق الرائحة فهو مكروه، والاختلاف في وجوب الفدية. هذا لفظ المتولي، ولما لم ينظره الرافعي في كلام القاضي عبر بقوله:((وعن))، ولم يجزم به، تقليدًا للمتولي مع أنه تلميذ القاضي، وهذا في غاية الاحتراز والتحرير. ثم راجعت- أيضًا- ((التعليقة)) للقاضي فوجدته كما نقله المتولي أو قريبًا منه، فإنه بد ذكره لما نقله ابن الرفعة عنه من تخريج الوجهين في وجوب الفدية قال: ثم المستحب ألا يجلس عند العطارين، ولا يدخل البيت الذي يخزن فيه العود. هذا لفظه، فتلخص من ((تعليقة)) القاضي: أنه لا ينبغي له فعله، فإن فعل ففي الفدية وجهان، وهو عين ما نقله الرافعي، إلا أنه لم يصرح بالكراهة. وأما ما ذكره المصنف عن ((تعليقه)) القاضي فهو مسألة أخرى، لأن كلام الرافعي فيما إذا قصد الموضع لذلك، وهو أخص مما تكلم فيه ابن الرفعة، إذ يصح حمل الوجهين المذكورين في ((التعليقة)) على ما إذا لم يقصد الموضع ولكن وصل إليه في مروره، ونحو ذلك.
الأمر الثالث: أن ما اقتضاه كلامه من مخالفة الرافعي للأصحاب وانفراده عنهم في حكاية الخلاف في الجلوس عند الكعبة بقصد الطيب، فليس كذلك، وعجب- أيضًا- فإن القاضي لما ذكر المسألة علل في آخرها عدم وجوب الفدية بقوله: لأنه لم يقصد الطيب. هذا لفظه، وقال في ((التتمة)): السابعة: إذا جلس عند الكعبة وهي تجمر، فإن لم يكن قصده اشتمام الرائحة بل قصده القربة فلا يكره، وأما إذا قصد الدنو من الموضع لأجل شم الطيب، ذكر الشيخ أبو حامد قولين: أحدهما: لا يكره، لأنه لم يحصل مستعملًا للطيب، والثاني: يكره. هذه عبارته، ثم نقل عن القاضي سماعًا ما هو أبلغ منه، وهو الجزم بالكراهة، كما سبق نقله عنه. وقال القاضي أبو الطيب في ((تعليقه)): قد ذكرنا أن جلوسه عند العطار واجتيازه في سوق العطارين جائز، وكذلك جلوسه في الكعبة وهي تجمر، وكذلك إذا دخل البستان.
ثم قال: إلا أنه يكره له قصد هذه المواضع لشم الروائح. هذا لفظه، ولم يتعرض الإمام ومن تبعه- كالغزالي- للمسألة، بل إنما يتكلم عن الفدية وعدمها، وكذلك جماعة منهم الماوردي. نعم، ذكر البندنيجي في ((تعليقه)) كما ذكر المصنف.
واعلم أن استمداد ((الكفاية)) من خمسة كتب: ((تعليقة)) القاضي الحسين، و ((تعليقة)) البندنيجي و ((تعليقة)) أبي الطيب، و ((النهاية)) و ((التتمة))، فهذه هي التي أغلب نقله منها، فلذلك لم أذكر لك ما عداها من الذين سووا بين الكعبة وغيرها. ويلي هذه الخمسة جماعة آخرون ينقل عنهم كثيرًا، وقد علمت أنه لم يقل بما ذكره من هؤلاء الخمسة إلا البندنيجي، وقد نقل النووي في ((شرح المهذب)) كلامه.
ثم قال: وليس كما قال، بل المذهب طرد الخلاف في الجميع. فصح ما قاله الرافعي، وبطل ما دل عليه كلام المصنف من انفراده بذلك.
قوله: الثاني: إذا قبل المحرم بيع الصيد أو هبته، وقبضه- فعليه رده إلى صاحبه. ثم قال: ولو لم يرده إلى صاحبه حتى مات في يده، وقد قبضه على حكم البيع والهبة- لزمه الجزاء، وضمنه لمالكه بالقيمة في البيع، دون الهبة، لأنه لم يدفعه إليه على أن يستحق لأجله عوضًا، كذا قال الشافعي نصًا في الهبة، وهو مبني على أصح الوجهين في ((الروضة)) في أن الهبة الفاسدة غير مضمونة، وقد سوى الرافعي بين الهبة والبيع والوصية، وجعل الكل مضمونًا عليه بالجزاء والقيمة. انتهى كلامه.
وما نقله عن الرافعي من تسويته بين الأمور الثلاثة غلط، فإنه إنما أوجب الضمان في البيع خاصة كما هو الصواب، فقال بعد حكاية الخلاف في الثلاثة المذكورة ما نصه: فإن صححنا هذه العقود فذاك، وإلا فليس له القبض، فإن قبض فهلك في يده فعليه الجزاء لله- تعالى- والقيمة للبائع. هذا لفظه، فانظر كيف لم يذكر أنه تلزمه القيمة للمالك حتى تدخل فيه الهبة والوصية، بل خصص البائع باللزوم حتى تخرجا عنه، والذي أوقع المصنف في هذا الغلط هو النووي، فإنه بعد اختصاره لكلام الرافعي على الصواب حصل له ذهول عما قرره، بحيث أداه إلى أن ظن فيه خلاف ما هو عليه، فبادر إلى التصريح بما ظنه والاعتراض عليه، والمصنف هنا قد صرح بنقله عن ((الروضة))، فرأى هذا الموضع فقلده فيه، وهو موضع غريب، فراجع ((الروضة)) تتعجب لما وقع له.
قوله: ولو صال عليه حلال راكب حمار وحش، ولم يتمكن من دفعه إلا بقتل الحمار- قال الصيدلاني: ففي الجزاء قولان للقفال، والذي أورده الأكثرون منهما:
وجوبه. انتهى كلامه.
وما ذكره من أن القولين للقفال حتى يقتضي أنهما وجهان، ليس كذلك، ففي ((النهاية)) وكتب الغزالي: أن القفال حكاهما قولين، وكأن الموقع للمصنف في هذا إنما هو كلام وقع للنووي.
قوله: وفي موضع آخر أيد الفرق- يعني: الإمام- بأنه لو حلف لا يدخل دارا، فدخلها مجنونًا- لم يحنث قولًا واحدًا، ولو دخلها ناسيًا ففيه قولان. انتهى كلامه.
وما نقله- رحمه الله عن الإمام من نفي الخلاف في المجنون وأقره عليه، قد ذكر مثله- أيضًا- في كتاب الأيمان نقلًا عن البندنيجي، وليس كذلك، بل في المجنون- أيضًا- قولان حكاهما المصنف في باب الإيلاء عن ((التتمة)) و ((التهذيب))، ذكره عند قول الشيخ: قال: فإن جامع، وأدناه أن يغيب الحشفة في الفرج- فقد وفاها حقها.
تنبيه: ذكر المصنف في هذا الباب ((الضماد))، وهو بكسر الضاد المعجمة بعدها ميم، وفي آخره دال مهملة: اسم للعصابة المجعولة على الجرح، تقول منه: ضمد الجرح يضمده ضمدًا، على وزن: أكل يأكل أكلًا، إذا شده بالضماد، وقد حرف المصنف هذه اللفظة، فاعلم ذلك.