الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الأذان
قوله: وحكى القاضي أبو الطيب والمروازة وجهًا: أن الإمامة أفضل منه، وقال القاضي أبو الطيب والغزالي: إنه الصحيح. وكذا الرافعي، ورجحه الروياني- أيضًا- وحكاه عن نص الشافعي في كتاب الإمامة، وعلله بأن الإمامة أشق. انتهى كلامه.
وما نقله هنا عن الروياني ليس كذلك، فإن الذي رجحه الروياني في ((البحر))، وحكاه عن نص الشافعي في كتاب الإمامة- هو وجه آخر ذكره المصنف بعد هذا، وهو أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل، وإلا فالأذان، وأما ترجيح الإمامة مطلقًا فإنه لم يختره، بل قال: ومن أصحابنا
…
إلى آخره.
قوله: وقد نص الشافعي في ((الأم)) على كراهة الإمامة فقال: أحب الأذان، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((غفر الله للمؤذنين))، وأكره الإمامة، للضمان وما على الإمام فيها. انتهى كلامه.
وما نقله هنا عن الشافعي قلد في نقله النووي كما دل عليه كلامه قبل هذا، والنووي قلد فيه جماعة، وليس هذا النقل على وجهه، بل له تتمة دالة على خلاف ما يدل عليه هذا اللفظ لم يذكرها المصنف ولا الذين قلدهم في نقله، فإن الشافعي قد قال عقب هذا الكلام المنقول عنه من غير فصل ما نصله: وإذا انبغى أن يتقي ويؤدي ما عليه في الإمامة، فإن فعل رجوت أن يكون أحسن حالًا من غيره. هذا لفظه، وهو يدل على عدم كراهة الإمامة في هذه الحالة، بل على استحبابها.
وقد نقل هذا النص على الصواب جماعة منهم صاحب ((الشامل)).
ثم قال بعد نقله: وهذا يدل على أنه إذا كان يقوم بحقوق الإمامة وما يجب فيها كانت أفضل. وكذلك قال في ((البحر)): فيما ذكروه من لفظ الشافعي خلل، ولم يذكروا تمام الكلام، فإنه قال كذا وكذا
…
ثم ذكر ما أسلفته.
قوله: والإقامة إحدى عشرة كلمة معروفة.
ثم قال: ووراءه أقوال عزيت إلى القديم: أحدها: أنها عشر كلمات، وذلك بألا يكرر لفظ الإقامة، والثاني: تسع كلمات، ما ذكرناه قبله غير أنه لا يكرر لفظ التكبير
في آخرها، ليكون قد رد الإقامة إلى شطر الأذان، والثالث: ثمان كلمات، ما ذكرناه غير أنه لا يكرر التكبير في الأول- أيضًا- وفي قولٍ اختاره ابن خزيمة من أصحابنا: أنه إن رجع في الأذان ثني الإقامة- أي: جميع ألفاظها- وإلا أفرادها. انتهى كلامه.
وتعبيره في آخره بقوله: وإلا أفردها، مقتضاه: إفراد الجميع، وهو مقتضى كلام الرافعي و ((الروضة))، وليس كذلك، بل يثني في هذه الحالة لفظ التكبير في الأول والأخير، ولفظ الإقامة- أيضًا- فيجعلها أحد عشر، كذا نبه عليه في ((شرح المهذب)).
قوله: وقد ذكرنا أنه يجوز الأذان لكل صلاة ما دام وقت اختيارها باقيًا. انتهى.
وما اقتضاه كلامه من عدم الجواز بعد ذلك عجيب مخالف لكلامهم، وكأنهم عبروا بالمشروعية اختيارًا، فتوهم المنع بعده.
قوله: ويستحب أن يرتل الأذان ويدرج الإقامة، لما روى أبو داود عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يا بلال، إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر))، وروي:((وإذا أقمت فاحذم)).
قال أبو عبيد: الرواية بالحاء. ويكره البغي وهو التطريب، وقيل: أن يرفع صوته حتى يجاوز المقدار. انتهى.
يقال: حدر، إذا أسرع، وكذلك: حذم، بالحاء والذال المعجمة والميم في آخره. والبغي: بباء موحدة مفتوحة بعدها غين معجمة ساكنة، وهي تطلق على المعاني المعروفة كالفساد والتكبر ونحوهما، وتطلق على ما ذكره المصنف. قال الأزهري: البغي: هو أن يكون في رفع صوته يحكي كلام الجبابرة والمتكبرين. وقال صاحب ((الحاوي)): البغي: تفخيم الكلام والتشادق فيه.
قوله: وعن ((البحر)): أنه يحرم الأذان على الجنب وإن كان يصح، والمذكور في ((تلخيص)) الروياني وغيره اختصاص ذلك بما إذا كان الأذان في المسجد. انتهى كلامه.
والنقل المذكور عن ((البحر)) غلط، بل الذي فيه- أيضًا- إنما هو تقييده بالمسجد على وفق ما نقله المصنف عن ((التخليص)).
قوله: وقول الشيخ: ويستحب أن يؤذن على طهارة، يفهم كراهة أذان المتيمم، وإن استباح بتيممه الصلاة، لأنه على غير طهر عند الشافعي، ولا شك في أنه كالمتطهر بالماء. انتهى كلامه.
وما ادعاه من كون التيمم ليس بطهارة، وأن الشافعي قد قاله عجيب، بل الذي
نص عليه الشافعي، وكذا الأصحاب غير الإمام: أنه طهارة، وجاء به الحديث الصحيح كما سبق إيضاحه في أوائل الكتاب. ولاشك أنه التبس عليه، فتوهم من كونه لا يرفع الحدث أنه ليس بطهارة، ثم إنه لا يلزم من كون الشيء مستحبًا أن يكون تركه مكروهًا.
قوله: وأن يؤذن على موضع عال، لأنه قد روي أن الذي رآه عبد الله بن زيد حين أذن طلع على جذم حائط أو على نشزٍ من الأرض. انتهى.
الجذم- بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة-: هو الأصل، والنشز- بفتح الشين-: هو المرتفع، قال تعالى:{فَانشُزُوا} [المجادلة:11] أي: ارتفعوا.
وهذا الحديث رواه البيهقي بإسناد صحيح، إلا أنه لم يذكر ((النشر)). قوله: ويستحب أن الذي يقيم هو الذي أذن، فإن أذن جماعة فالأول هو المستحق إن كان راتبًا، فإن لم يكن لم يستحق التقديم في أصح الوجهين في ((الوسيط)).
ثم قال: وحيث قلنا: يستحق شخص التقدم في الإقامة، فأقام غيره، أو أقام من لم يؤذن- ففي الاعتداد بإقامته وجهان حكاهما المسعودي: المشهور منهما- وهو الذي أورده-: الاعتداد، ومقابله: أنه لا يعتد به، تخريجًا من قولنا: إنه لا يجوز أن يخطب واحد يوم الجمعة ويصلي غيره. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن الأول- أيضًا- أولى إذا كانا معًا غير راتبين كما قاله الرافعي وغيره، وكلام المصنف أولًا وآخرًا يدفعه.
الأمر الثاني: أن هذا الخلاف الذي حكاه تخريجًا مما إذا خطب واحد وأم آخر إنما يستقيم في المسألة الثانية، وهو ما إذا أقام غير من لم يؤذن، فأما في المسألة الأولى، وهو ما إذا أذنا وقلنا باستحقاق واحد، فأقام غيره- فلا. وقد صرح بالخلاف كما ذكرته صاحب ((البيان)) وصاحب ((التتمة)) وغيرهما.
وتعبيره بقوله: الاعتداد، بعد التعبير بقوله: أورده- وقع هكذا في النسخ، أي: بإسقاط الفاعل وهو المورد.
تنبيه: وقع هنا ذكر الصدائي، وهو منسوب إلى ((صداء))، بضم الصاد وتخفيف الدال المهملتين وبالمد، يصرف ولا يصرف، وهو حي من اليمن.
قوله: ثم ظاهر كلام الشيخ: أنه يلتفت في الحيعلة في الأذان والإقامة، وهو المشهور، وعليه العمل، وحكى الإمام أن بعض المصنفين ذكر مرة أن الالتفات غير
محبوب في الإقامة، قال: وهو غير صحيح، وفي ((التتمة)) و ((الرافعي)): أنه إن كان الجمع كثيرًا التفت يمينًا وشمالًا فيها، وإلا فلا. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن الرافعي ليس بصحيح، بل حاصل ما ذكره الجزم بالاستحباب فيما إذا كثروا، وتصحيحه- أيضًا- عند عدم الكثرة، فراجعه.
وأما ((التتمة)) ففيها التفصيل الذي ذكره المصنف، إلا أنه لم يعبر بكثرة الجمع، بل بكبر المسجد.
قوله: ويستحب أن يجعل المؤذن إصبعيه في صماخي أذنيه، لما روى البخاري ومسلم عن أبي جحيفة قال: رايت بلالًا يؤذن ويتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه)). انتهى كلامه.
وهذه الزيادة التي ساق الحديث لأجلها- وهي جعل الإصبعين في الصماخين- لم يخرجها البخاري ومسلم: فأما مسلم فلم يذكرها بالكلية، وأما البخاري فإنه ذكر الحديث بدونها، ثم ذكرها بعد ذلك تعليقًا- أي: من غير رواية عن أحد- ولم يجزم بها- أيضًا- فقال: ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه. هذا لفظه. نعم، رواها الترمذي وصححهما، ولفظه: عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: رأيت بلالًا يؤذن، ويدور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبعيه في أذنيه
…
إلى آخر الحديث.
ثم قال الترمذي: إنه حسن صحيح.
قوله: وقد أفهم كلام الشيخ أنه يقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله، مرة واحدة أو أربع مرات، والمذكور في ((تلخيص)) الروياني أنه يقول ذلك مرتين: مرة عند قول المؤذن: حي على الصلاة، ومرة عند قوله: حي على الفلاح، لأنه ظاهر السنة. قال: ويحتمل خلاف ذلك. انتهى كلامه.
وما ذكره عن الروياني في ((التخليص)) إن كان ثابتًا كما قاله فقد خالفه في ((الحلية))، فإنه نقل في المسألة وجهين، وصحح الأربع فقال: والاختيار: أن يقول في الأذان: لا حول ولا قولة إلا بالله، أربع مرات، وفي الإقامة مرتين في أصح الوجهين. هذا لفظه، وذكر في ((البحر)) عن بعضهم أنه يقول مرتين، ولم يصرح برده ولا باختياره.
قوله: وتقيم المرأة ولا تؤذن، أي: لا يستحب لها الأذان، فلو خالفت وأذنت كره، كذا قاله في ((المهذب)) والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ في إمامة المرأة، وقال ابن
الصباغ هنا: إن الشافعي قال: إنه لا يكون مكروهًا. وقال في رواية البويطي: يكون محمودًا. انتهى.
واعلم أن الذي قاله الشافعي من عدم الكراهة إنما قاله عند عدم الرفع، وممن نقله عنه هكذا [النووي] في ((شرح المهذب))، والذي قاله الشيخ في ((المهذب)) إنما فرضه عند الرفع، فإنه قال: ويكره للمرأة أن تؤذن، لأنها في الأذان ترفع الصوت. هذه عبارته قوله: في الحديث: بـ ((هوى من الليل)).
الهوي: القطعة، وهو بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد الياء، وضم الهاء لغة.
قوله: ولو كان الجمع في وقت الثانية، وبدأ بالثانية- أذن لها وأقام، ثم أقام للأولي ولم يؤذن، وقال الماوردي: يؤذن للثانية، وهل يؤذن للأولى؟ فيه ثلاث أقوال، لأنه قد أبطل الجمع بتقديمها فصارت كالفائتة. قال الإمام: ولا يعهد أن يوالي بين أذانين إلا في صورة واحدة على خلاف فيها، وهي ما إذا قضى فائتة قبل الوقت، فأذن لها على القول باستحبابه، فلما فرغ منها دخل الوقت، فأراد أن يصلي الحاضرة- فإنه يؤذن لها. قلت: وعلى طريقة الماودري لا ينحصر في ذلك. انتهى كلامه.
قد أهمل المصنف مسألة متفقًا عليها ذكرها في ((الروضة))، وهي إذا أخر المؤداة إلى آخر وقتها، فدخل الفرض الآخر عقب فعلها، فإنه يؤذن لهما قطعًا.