المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الحج قوله: والعمرة واجبة في أصح القولين، والثاني: لا، لما - الهداية إلى أوهام الكفاية - جـ ٢٠

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب السواك

- ‌باب صفة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وسننه

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب ما ينقض الوضوء

- ‌باب الاستطابة

- ‌باب ما يوجب الغسل

- ‌باب صفة الغسل

- ‌باب الغسل المسنون

- ‌باب التيمم

- ‌باب الحيض

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب مواقيت الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب طهارة البدن والثوب وموضع الصلاة

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب فروض الصلاة

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌باب ما يفسد الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صفة الأئمة

- ‌باب موقف الإمام والمأموم

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب ما يكره لبسه وما لا يكره

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب هيئة الجمعة

- ‌باب صلاة العيد

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌باب ما يفعل بالميت

- ‌باب غسل الميت

- ‌باب الكفن

- ‌باب الصلاة على الميت

- ‌باب حمل الجنازة والدفن

- ‌باب التعزية والبكاء على الميت

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب صدقة المواشي

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة الناض

- ‌باب زكاة المعدن والركاز

- ‌باب زكاة التجارة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب صدقة التطوع

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب صوم التطوع

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام وما يحرم فيه

- ‌باب كفارة الإحرام

- ‌باب صفة الحج

- ‌باب صفة العمرة

- ‌باب فرض الحج والعمرة وسننها

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الأضحية

- ‌باب العقيقة

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأطعمة

- ‌باب النذر

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب ما يتم به البيع

- ‌باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌باب الربا

- ‌باب بيع الأصول والثمار

- ‌باب بيع المصراة والرد بالعيب

- ‌باب بيع المرابحة والنجش، والبيع على بيع أخيهوبيع الحاضر للبادي والتسعير والاحتكار

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب التفليس

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب العارية

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌باب العبد المأذون

- ‌باب المساقاة

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب الجعالة

- ‌باب المسابقة

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوقف

- ‌باب الهبة

- ‌باب الوصية

- ‌باب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب عتق أم الولد

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب الفرائض

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب ما يحرم من النكاح

- ‌باب الخيار في النكاح والرد بالعيب

- ‌باب نكاح المشرك

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء والقسم والنشوز

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب عدد الطلاق والاستثناء فيه

- ‌باب الشرط في الطلاق

- ‌باب الشك في الطلاق وطلاق المريض

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌باب اللعان

- ‌باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب كفارة اليمين

- ‌باب العدد

- ‌باب الاستبراء

- ‌باب الرضاع

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الزوجات

- ‌باب نفقة الأقارب والرقيق والبهائم

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب من يجب عليه القصاص ومن لا يجب

- ‌باب ما يجب به القصاص من الجنايات

- ‌باب العفو والقصاص

- ‌باب ما تجب به الدية من الجنايات

- ‌باب الديات

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب قتال البغاة

- ‌باب قتال المشركين

- ‌باب قسم الفيء والغنيمة

- ‌باب عقد الذمة وضر بالجزية

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد قاطع الطريق

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب التعزير

- ‌باب أدب السلطان

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب ولاية القضاء وأدب القاضي

- ‌باب صفة القضاء

- ‌باب القسمة

الفصل: ‌ ‌كتاب الحج قوله: والعمرة واجبة في أصح القولين، والثاني: لا، لما

‌كتاب الحج

قوله: والعمرة واجبة في أصح القولين، والثاني: لا، لما روى الترمذي عن جابر أنه- عليه الصلاة والسلام سئل عن العمرة: أهي واجبة؟ فقال: ((لا، وأن تعتمر فهو أفضل))، وأجاب الأول عن الحديث بأن في رجاله ابن أرطاة وابن لهيعة وهما ضعيفان. انتهى.

وما ذكره من أن الحجاج بن أرطاة رفعه فقد قال غيره: فإن الترمذي رواه عنه عن محمد ابن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان المحفوظ- كما قاله البيهقي- إنما هو وقفه على جابر. وأما دعواه أن ابن لهيعة رواه عن جابر مرفوعًا فغلط وقع لصاحب ((المهذب))، فقلده فيه المصنف، بل الذي رواه المذكور إنما هو عدم الوجوب، قال البيهقي: روى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر أنه- عليه الصلاة والسلام قال: ((الحج والعمرة فريضتان واجبتان)) قال: إلا أن إسناده ضعيف. وقد ذكر النووي في ((شرح المهذب)) - أيضًا- هذا الاعتراض.

وابن لهيعة: هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي قاضي مصر، ويكنى أبا عبد الله. ولهيعة: بلام مفتوحة، ثم هاء مكسورة، بعدها ياء بنقطتين من تحت، وبالعين المهملة، لم يذكر له الجوهري، ولم يزد على قوله: إنه اسم رجل.

قوله: وإذا دخل إلى مكة لحاجة لا تتكرر ففي وجوب الإحرام قولان: فإن أوجبنا فتركه فقد قيل: لا قضاء عليه، لعدم إمكانه، فإنه لو خرج ليقضي فعوده يقتضي إحرامًا جديدًا، فلا يمكنه تأدية القضاء لذلك. وعلى هذا: لو صار حطابا أو صيادًا وجب عليه، ونسب في ((المهذب)) ذلك إلى صاحب ((التخليص)). وقيل: يجب القضاء، وطريقه: أن يتصور بعبور المترددين الذين لا يلزمهم الإحرام للدخول كالحطابين، وينسب هذا- أيضًا- إلى صاحب ((التلخيص))، قال الإمام: وهو في غاية البعد. انتهى كلامه.

وهذا النقل المذكور ثانيًا عن صاحب ((التخليص)) غلط، فإن الذي ذهب إليه هو ما نقله في ((المهذب)) عنه، فقال في أول الحج من ((التخليص)) ما نصه: وكل عبادة

ص: 276

واجبة على المرء إذا تركها فإن عليه القضاء والكفارة، إلا واحدة وهو الإحرام لدخول مكة، فإنه واجب، ومن تركه فلا قضاء عليه ولا كفارة، إلا في مسألة واحدة قلتها تخريجًا: وهو أن رجلًا لو دخل مكة بغير إحرام ولم يكن حطابًا فلا قضاء عليه، وإن صار حطابًا فعليه القضاء في القول الذي لا يوجب الإحرام على الحطابين. هذا لفظ ((التخليص)) ومنه نقلت:

قوله: إحداها: أن يدخل لحاجة تتكرر كالحطابين والصيادين فلا يجب عليهم الإحرام، وقيل بطرد القولين، وقال في ((البحر)) عن صاحب ((التلخيص)): إنه قال: إن قلنا في غيرهم: لا يلزمهم الإحرام، فهؤلاء أولى، وإلا فوجهان. انتهى.

وهذا النقل عن صاحب ((التلخيص)) سهو، فإن حاصله: أنه حكى قولين فيمن لا يتكرر، وطريقة فيمن تكرر، إحداهما: الجزم، والثانية: ذات وجهين، وليس كذلك، فإن صاحب ((التلخيص)) جازم بالوجوب فيمن لا يتكرر، وجازم بحكاية قولين فيمن يتكرر، فإنه قال ما نصه: ويجب على كل من أراد دخول مكة للإحرام بحجة أو عمرة، إلا على واحد وهو المملوك، وفيه قول: أنه رخص للحطابين ومن دخلها لمنافع أهلها. هذا لفظه بحروفه، ثم راجعت ((البحر)) فوجدته إنما نقل ذلك عن صاحب ((الإفصاح))، ثم راجعت ((الإفصاح)) فوجدت الأمر فيه كما نقله في ((البحر)) عنه، إلا أنه لم يصرح بوجهين، بل قال: فيحتمل وجهين. هذا لفظه.

قوله: القسم الثاني: أن يدخلها مقاتلًا لباغٍ أو قاطع طريق، أو خائفًا من ظالم- فلا يلزمه الإحرام، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، ولو كان محرمًا لم يلبسه، وقد كان خائفًا من غدر الكفار وعدم قبولهم للصلح الواقع بينه وبين أبي سفيان. انتهى كلامه.

وما ذكره- رحمه الله في هذا الفصل قد ذكره- أيضًا- غيره، وفيه أمور:

أحدها: أن الاستدلال على عدم الوجوب في حق هؤلاء بلبس النبي صلى الله عليه وسلم، ذهولٌ وغفلة، وذلك لأن من خصائصه- عليه الصلاة والسلام جواز دخول مكة بغير إحرام على القول بالوجوب على غيره، كما ذكره الرافعي وغيره في كتاب النكاح.

الأمر الثاني: أن قوله: ولو كان محرمًا لم يلبسه، مع قول: وقد كان خائفًا من غدرهم- كلام متدافع غير مستقيم، فإن المحرم الخائف يباح له اللبس بلا خلاف. نعم، يستدل بما روى مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. هذا لفظ إحدى روايات مسلم.

ص: 277

الأمر الثالث: أن تعليل ترك الإحرام واللبس بالخوف كيف يجتمع مع قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]؟! وفي الحديث: ((لما نزلت هذه الآية ترك الحرس)).

قوله: وقد حكى في ((البحر)) عن والده فيما إذا كان قد وجد الزاد والراحلة في حال ردته، ثم أسلم ومات في الحال: هل يقضي عنه أم لا؟ فيه قولان، بناء على أن الردة تزيل الملك أم لا: فإن قلنا: تزيله، لا يلزمه الحج، لأن ملكه زال عن الزاد والراحلة قبل استقرار الحج عليه، وهما شرطان في الوجوب، فصار كزوال الملك بالتلف. وإن قلنا: لا تزيل الملك، لزمه. انتهى كلامه.

وهذا التصوير الذي نقله- رحمه الله عن ((البحر)) مخالف للمذكور فيه، فإن صاحب ((البحر)) قال ما نصه: فرع: قال والدي- رحمه الله: إذا ارتد الرجل بعدما وجد الزاد والراحلة وقبل إمكان الأداء، ومضى وقت الحج في الردة: هل يلزمه الحج حتى إذا أسلم ومات في الحال هل يقضى عنه أم لا؟ فيه قولان، بناء على أن الردة تزيل الملك أم لا. هذا لفظه ذكره في أواخر الحج، قبيل باب قتل المحرم للصيد.

قوله: وإن أحرم- أي: المميز- بغير إذن الولي، وصححناه- قال الرافعي: فالزائد على نفقة الحضر يكون على الولي إن لم يحلله. انتهى كلامه.

لم يصرح الرافعي بأنه على الولي، فإنه عبر بقوله: إذا أحرم بغير إذنه وجوزناه حلله، فإن لم يفعل أنفق عليه. هذه عبارته، ولم يبين هل ينفق من ماله أو مال الولي.

قوله: فرع: لو أراد المولى أن يحرم عن العبد، قال الإمام: إن كان بالغًا فليس له ذلك، وهو يحرم عن نفسه. وسكت عن العبد الصغير، والقياس: أن يكون الحكم فيه كما في تزويجه. انتهى.

وقد رأيت في ((الأم)) الجزم بالصحة، فقال في أول كتاب الحج: وإذا أذن للمملوك بالحج، أو أحجه سيده- كان حجه تطوعًا. هذا لفظ الشافعي، ومن ((الأم)) نقلته، وأقل مراتبه حمله على الصغير، والتخريج على النكاح مردود، فإن هذا فيه ثواب وتمرين على العبادة من غير لزوم مال، ولهذا جوزناه للوصي والحاكم، بخلاف الإجبار على التزويج.

قوله- في شروط الاستطاعة-: وأن يكون ذلك فاضلًا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم، وقيل: يباعان، وفرقوا بينه وبين الكفارة: بأن العتق في الكفارة له بدلٌ معدول إليه، بخلاف الحج، لكن الذي أورده الأكثرون: الأول. انتهى كلامه.

ص: 278

وما نقله عن الأكثرين هنا قد نقل عنهم عكسه في كتاب الظهار كما تقف عليه في موضعه- إن شاء الله تعالى- والمذكور هنا هو الصواب.

قوله: ولا يلتحق بالمسكن والخادم الحاجة إلى التزويج، فيقدم الحج عليه، اللهم إلا أن يخاف العنت، فيكون صرف المال إلى النكاح أهم من صرفه إلى الحج. هذه عبارة الجمهور، كما قال الرافعي، وعللوه بأن حاجة النكاح ناجزة، والحج على التراخي، قال: والأسبق إلى الفهم من التقديم الذي أطلقوه: أنه لا يجب الحج والحالة هذه، ويصرف ما يملكه إلى مؤنات النكاح، وقد صرح الإمام بهذا المفهوم. قلت: الذي حكاه الإمام عن العراقيين العبارة المذكورة. انتهى كلامه.

وما ذكره- رحمه الله مستدركًا على الرافعي من أن الإمام إنما حكى عن العراقيين ما ذكره الجمهور في عبارتهم، غلطٌ عجيب، فإن الإمام قد قال ما نصه: قال العراقيون: لو فضل شيء، وخاف العنت لو لم يتزوج، وكان بحيث يباح له نكاح الأمة- لم يلزمه أن يحج، بل له صرف المال إلى النكاح، لأنه في حكم ضرورة ناجزة، والحج على التراخي، فإذن لا استطاعة ولا وجوب. هذا لفظ الإمام بحروفه، وكأن المصنف اقتصر على نقل أول الكلام ولم ينظر آخره، فوقع في هذا الغلط الفاحش، إذ لا ينبغي الاستدراك إلا بعد تثبت.

قوله: لما روى البخاري ومسلم أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج على عبادة أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:((نعم)). قالت: أينفعه ذلك؟ قال: ((نعم، كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه))، فشبه الحج بالدين الذي لا يسقط، فوجب أن يتساويا في الحكم. انتهى كلامه.

واعلم أن هذه الزيادة- وهي قوله: قالت: أينفعه

إلى آخر الحديث- ليست في ((الصحيحين)) ولا في أحدهما، بل فيهما الحديث بدونها. نعم، رواها في الحديث المذكور الشافعي في ((الإملاء))، ورواها- أيضًا- أحمد والنسائي بإسناد جيد كما قاله النووي في ((شرح المهذب))، لكن عن رجل لا عن امرأة.

قوله: واعلم أن قول الشيخ: ((ولا يؤدي نذر الحج وعليه فرض الإسلام))، يجوز أن يريد بفرض الإسلام: حج الإسلام، ويجوز أن يريد به فرض الإسلام من حج أو عمرة على الجديد، حتى إنه إذا كان قد حج الفرض ولم يعتمر لا يحرم بحجة نذرها، وهذه الصورة لم أقف فيها على شيء، لكن الذي يظهر الجواز، إذ لو امتنع ذلك

ص: 279

لامتنع أن يحرم بالعمرة تطوعًا من اعتمر عمرة الإسلام ولم يحج. انتهى كلامه.

وما ذكره من عدم الوقوف على هذه المسألة غريب، فقد صرحوا بجواز استئجاره ليحج عن الغير، حتى فرع الرافعي قبيل باب المواقيت على ذلك فرعًا فقال: لو استأجر للحج من حج ولم يعتمر، أو للعمرة من اعتمر ولم يحج، فقرن وأحرم بما استؤجر له عن المستأجر، وبالآخر عن نفسه- ففيه قولان، الجديد: أنهما يقعان عن الأجير. هذا كلامه، فإذا صحح حجه عن الغير تطوعًا فلأن يحج عن نفسه حجًا واجبًا أولى.

قوله: قال: والإفراد: أن يحج، ثم يخرج إلى أدنى الحل ويحرم بالعمرة. هذا التفسير وافق الشيخ فيه البندنيجي وغيره، وهو إن أريد بيان حقيقة الإفراد فهو يخرج من أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ثم حج من الميقات، ومن لم يحرم إلا بالحج من الميقات في سنة- عن أن يكون مفردًا، وقد قال القاضي الحسين والإمام: إنه مفرد في كل واحد منهما بلا خلاف. وصرح به الغزالي في الأولى. وإن أريد به بيان الإفراد الذي هو أفضل من التمتع والقران فهو يخرجهما- أيضًا- لكن قد صرح بإخراج الأخير وإدخال الأول الرافعي حيث قال: إن محل كون القران أفضل إذا اعتمر في تلك السنة، أما لو أخر فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه، لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه

إلى آخر ما قاله.

اعلم أن الرافعي لما ذكر صورة التمتع- وهي الإحرام بالحج بعد الفراغ من العمرة- ذكر لوجوب الدم شروطًا، منها: الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، ومنها: ألا يعود في الإحرام بالحج إلى ميقات من المواقيت الشرعية

إلى آخر الشروط المعروفة في وجوب الدم. ثم حكى خلافًا في أنها هل هي شروط لوجوب الدم فقط، أم لكونه متمتعًا؟ وقال: إن الأشهر الأول حتى يكون متمتعًا لا دم عليه. وإذا تقرر ذلك فالكلام مع المصنف في أمرين:

أحدهما: فيمن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ثم حج من الميقات، فإن حاصل كلامه فيه الاعتراض على الشيخ في الحكم عليها بعدم الإفراد، وأن ذلك لا خلاف فيه، وقد تقرر من كلام الرافعي أن المشهور هو ما دل عليه كلام الشيخ، غير أن الرافعي ذكر ذلك فرعًا في آخر المسألة، فذهل المصنف عنه.

الأمر الثاني: وهو مستمد- أيضًا- مما قلنا: إنه نقل عن الرافعي أن هذه الصورة أفضل من التمتع والقران، وهو غلط سببه أنه بناه على أن الرافعي يجعل هذه من

ص: 280

صور الإفراد، ثم إنه رأى كلامه في الإفراد يقتضي أن تفضيله دائر مع وقوع العمرة في سنة الحج، تقدمت أو تأخرت، فحكم بتفضيل هذه الصورة، والفرض أنها ليست من الإفراد أصلًا، فما دل عليه كلام الرافعي وهو أن شرط تفضيل الإفراد اعتماره في تلك السنة صحيح، إلا أن الإفراد عنده أن تكون العمرة بعد الحج، فإن تقدمت كان تمتعًا، سواء وقعت في أشهر الحج أو قبله.

قوله: ولو أدخل الحج على العمرة بعد أن أفسدها، فقيل: ينعقد الحج صحيحًا، وقيل: ينعقد فاسدًا، وقيل: لا ينعقد.

ثم قال ما نصه: وإذا قلنا: يكون فاسدًا، فهل ينعقد على الصحة ويفسد على الاتصال، أو ينعقد على الفساد؟ فيه احتمالان. انتهى كلامه.

وهو يقتضى أنه لم يقف في هذه المسألة على نقل، وهو غريب، فقد صرح الرافعي بالمسالة، وحكى فيها وجهين، فقال: فعلى هذا ينعقد فاسدًا، أو صحيحًا ثم يفسد؟ فيه وجهان. هذا لفظه، ثم صحح الأول، ذكر ذلك قبيل الفصل الثاني المعقود لتبيين الإحرام، وكان عذر المصنف في عدم وقوفه عليه أنه مذكور في غير مظنته.

قوله: ولا يجب الدم على القارن والمتمتع إلا إذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام، وحاضر والمسجد الحرام: أهل الحرام ومن كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة، والمتبادر إلى الفهم: أنهم المستوطنون ذلك، دون المقيمين فيه والمسافرين الحاصلين فيه.

ثم قال ما نصه: وقد علل في ((الوجيز)) عدم إيجاب الدم عليه فيما إذا عن له الإحرام بالعمرة بعد دخوله مكة بأنه صار من الحاضرين، إذ ليس يشترط فيه قصد الإقامة. وقال الرافعي عقبه: إن هذا لم أجده لغيره بعد البحث، بل كلام عامة الأصحاب ونقلهم عن نصه في ((الإملاء)) و ((القديم)) ظاهر في اعتبار الإقامة، بل في اعتبار الإقامة، بل في اعتبار الاستيطان، مع أن الصورة أولًا متعلقة بالخلاف في أن من قصد مكة هل يلزمه الإحرام بحج أو عمرة. قلت: وما أنكره إن كان هو الحكم فهو ما أورده الماوردي حيث قال: من مر بميقات بلده يريد حجًا أو عمرة، فلم يحرم من ميقاته، بل جاوزه وأحرم من الحل- ينظر في موضع إحرامه: فإن كان بينه وبين الحرم مسافة لا تقصر فيها الصلاة فلا دم عليه لتمتعه ولا لقرانه، لأنه قد صار كحاضري المسجد الحرام. وكذا القاضي الحسين عند عد شرائط إيجاب الدم على المتمتع: الشرط الخامس: أن يحرم بالعمرة من الميقات، فإن جاز الميقات ثم أحرم بها لم يلزمه دم التمتع، وعليه

ص: 281

دم الإساءة، نص عليه، فمن أصحابنا من قال به. ومنهم من قال: إن بقي بينه وبين مكة مسافة القصر يلزمه دم المتعة ودم الإساءة، وإن بقي دون مسافة القصر لم يلزمه دم المتعة، ويلزمه دم الإساءة، وحمل النص عليه. وقد حكى الرافعي- أيضًا- هذا في موضع آخر، والنص المذكور نسبه الشيخ أبو حامد إلى القديم، وكذلك البندنيجي ولم يحك سواه.

وإن كان ما أنكره كونه جعله من حاضري المسجد الحرام فهو قريب، لأن غيره قال: إنه كهم كما ذكرنا، وإذا كان كهم صدق عليه أنه منهم تجوزًا، والله أعلم. هذا آخر كلامه، رحمه الله!

واعلم أن هذه المسالة التي نقلها عن الماوردي مستدركًا بها على الرافعي في قوله: إنه لم يجدها لغير الغزالي- لست هي المسألة التي تكلم فيها، لأن مسألة الغزالي أن يجاوز غير مريد للنسك، وصورة المسألة التي نقلها عن الماوردي: أن يجاوز مريدًا له، بل قد ذكر الماوردي- أيضًا- مسألة الغزالي بعينها، فقال: إذا صح أن أهل مكة وحاضريها لا دم عليهم في تمتعهم وقرانهم فكذلك من دخلها لا يريد حجًا ولا عمرة، ثم اراد أن يتمتع أن يقرن- فلا دم عليه. هذا كلام الماوردي، والعجيب من المصنف حيث ترك هذه التي هي عين مسألة الغزالي وذكر غيرها.

ص: 282