الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوكالة
قوله: والوكالة في الشرع: إقامة الوكيل مقام الموكل في العمل المأذون فيه. انتهى وهذا حد عجيب يلزم منه الدور، لأنه تعريف الشيء بما هو مأخوذ منه، والأولى في حد ذاته أن يقال: تفويض ما له فعله مما يقبل النيابة، إلى من يفعله في حال حياته. وعدل في ((المطلب)) عما ذكره هنا، فقال: نيابة اختيارية في قول أو فعل
…
إلى آخر ما قال.
قوله- في توكيل الصبي في حمل الهدية، وفي الإذن في الدخول-: قال الإمام: إن لم توجد قرينة ففي الاعتماد عليه وجهان ينبنيان على الوجهين في روايته. ثم قال: وهذا ما حكاه الفقهاء، والذي حكاه الأصوليون: منع قبول روايته. انتهى كلامه.
وما توهمه من المغايرة بين كلام الأصوليين والفقهاء بالنسبة إلى إثبات الخلاف ونفيه ليس كذلك، فإن الخلاف عند الأصوليين ثابت مشهور كالفقهاء، والفقهاء- أيضًا- قد صححوا المنع كالأصوليين، حتى صححه الرافعي والنووي لما حكياه في استقباله القبلة والمياه وغيرهما.
وقد ذكر المصنف هنا من الألفاظ المحتاجة إلى الشرح لفظ ((العرامة))، وهي بعين مفتوحة وراء مهملتين.
قوله- نقلًا عن: الشيخ-: من جاز تصرفه فيما توكل فيه جاز توكيله وجازت وكالته، ومن لا فلا، إلا كذا وكذا. ثم قال: وقد استثنى مما ذكره الشيخ مسائل، منها: إذا قال لزوجته: إذا طلقتك فأنت طالق قبلة ثلاثًا، فإنه يمتنع عليه إيقاع الطلاق على رأيٍ، وله التوكيل في الطلاق، فإذا طلق الوكيل وقع على الأصح كما حكاه الجيلي، وأجاب عنه بعد ذلك بأن قال: يجوز أن يكون الشيخ اختار فيها وقوع الطلاق. هذا لفظه.
وفيه أمران:
أحدهما: أن جواز التوكيل والحالة هذه قد ذكره الرافعي في كتاب الطلاق جازمًا
به، ونقله عن الإمام وغيره، واقتصار المصنف على نقله عن الجيلي غريب، فإن عادته- وهو الذي ينبغي، أيضًا- ألا يقتصر على النقل عنه إلا في شيء لم يوجد لغيره، والظاهر أنه لم يستحضر ذلك في هذا الموضع، ولم يقف عليه لغيره.
الأمر الثاني: أن جوابه بقوله: يجوز أن يكون اختيار الشيخ هو الوقوع، أغرب من السؤال، فإن العادة- أيضًا- ألا تطلق هذه العبارة إلا في حكم لم يعلم اختيار قائله، والشيخ قد صرح بها في ((التنبيه))، وصح خلاف ما جوز أن يكون هو اختياره، مع أنه الكتاب المشروح ومحفوظ المصنف أيضًا.
قوله: مجيبًا عن بعض الصور التي أوردت على الشيخ-: وهذا خارج من كلامه، لأن ((ما)) في قوله: من جاز تصرفه فيما يوكل فيه، نكرة موصوفة، والكاف في ((يوكل)) مفتوحة، فيكون تقديره: في شيء يقبل النيابة. انتهى.
وما ذكره من تكلف إخراج ((ما)) عن كونها موصولة إلى كونها نكرة موصوفة، يقتضي توقف الجواب عليه، وهو عجيب، فإن الموصولة كذلك أيضًا.
قوله: ثم جواز التوكيل في الفسوخ مصورًا بما إذا لم يكن حق الفسخ على الفور، أما إذا كان على الفور.
قال الرافعي: فالتأخير فيه بالتوكيل قد يكون تقصيرًا، وهذا ما ذكره المتولي جزمًا. انتهى كلامه.
واعلم أن إذا اطلع على العيب وهو يأكل، أو في حمام أو ليل- فإنه لا يلزمه المبادرة ولا التلفظ بالفسخ، وإن كان الفسخ بالعيب على الفور، فإذا وكل فيه لم يكن تقصيرًا بلا نزاع، وإذا اجتمع المالك مثلًا أو القاضي، فلم يفسخ، بل وكل فيه- كان تقصيرًا، وعليه يحمل كلام ((التتمة))، فلما انقسم ذلك قسمين عبر الرافعي بقوله:((قد يكون))، إذ لا يحسن إطلاق الجزم بأحدهما، هذا حاصل كلام الرافعي، وما فهمه من أن الرافعي متوقف، ممنوع، فإن الحمل على ذلك يعكر عليه الرافعي فيما ذكرناه في القسم الأول، وأيضًا: فإن المسألة في ((التتمة))، ويبعد عدم اطلاع الرافعي عليها، وأيضًا: فإن هذه الصيغة ليست صيغة توقف.
قوله: وما ذكره الجمهور والقاضي، بناء على الصحيح في أن الإبراء من المجهول لا يصح.
أما إذا قلنا: إنه يصح، فيحسن أن نجزم بالصحة، وعليه يتفرع ما إذا قال أبرئ فلانًا عن شيء من ديني، أو عما شئت من ديني- فيصح إبراؤه بشرط أن يبقي منه شيئًا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره من تفريع الصحة في هاتين المسألتين على القديم حتى يكون باطلًا على الجديد، سهو أوقعه فيه إلباس وقع في كلام الرافعي، فإنه قال: وقوله- يعني ((الوجيز)) -: يستدعي علم الموكل، يجوز إعلامه أيضًا، لأنا إذا صححنا الإبراء عن المجهول لا يعتبر علم الموكل أيضًا. ثم ينظر في صيغة الإبراء: إن قال: أبرئ فلانًا عن ديني، أبرأه عن الكل، وإن قال: عن شيء منه، أبرأه عن قليل منه، وغن قال: عما شئت، أبرأه عما شاء، وأبقى شيئًا. هذا كلامه، فقوله: ثم ينظر، استئناف كلام، ولذلك احترز في ((الروضة))، فذكره حكمًا مستقلًا بلفظ لا إلباس فيه، فتوهم ابن الرفعة أنه تفريع على ما قبله، فصرح به، وهو باطل.
أما في قوله: عما شئت، فواضح، فإن التخيير ليس من أقسام الجهالة قطعًا، ولهذا لو قال: بع بما تراه، أو: بع ما شئيت من عبيدي، ونحوه- صح.
وأما إذا قال: عن شيء منه، فلأن المجهول الذي يبطله هو الإبراء عن دينه، ولا يعلمه، لما في تصحيحه من الغرر الظاهر، ولفظ ((الشيء)) محمول على الأقل، فلا غرر فيه، وقد وافق في ((المطلب)) على ما قلناه في ((ما شئت))، وقال في لفظ ((الشيء))، إنه تفريع على الإبراء من المجهول، وأولى بالبطلان.
الأمر الثاني: أن ما ذكره في المسألتين من كونه يصح إبراؤه بشرط أن يبقى شيئًا- صحيح في المسألة الثانية، وأما في الأولى فلا، بل لا يبرئه إلا عن أقل ما ينطلق عليه الاسم، أن اللفظ لا عموم فيه ولا تخيير، والاسم قد صدق بالأقل، فكيف يبرئه عن زيادة مع الشك في إرادته؟! وقد صرح صاحب ((التتمة)) بذلك، ونقله عنه في ((الروضة))، وقال: إنه واضح. وكلام الرافعي المتقدم كالصريح فيه، ولهذا غاير بني المسألتين.
قوله: ثم ما ذكرناه من عدم اشتراط الفورية في الوكالة مفروض فيما إذا لم يعين زمان العمل الذي وكل فيه.
فإن تعين وخيف فواته كان القبول فيها على الفور.
وكذلك لو عرضها الحاكم عليه عند ثبوتها عنده صار قبولها على الفور، صرح به الماوردي، وتبعه الروياني. انتهى.
أهمل صورة ثالثة ذكرها الروياني، وهي أن يوكله في إبراء نفسه.
قوله: ولا يجوز التوكيل في إثبات حد لله تعالى، لأنه يحتاط لإسقاطه، فالتوكيل في إثباته مناقض للمقصود.
ولأن الوكالة لو جازت في ذلك لكانت في الدعوى، والدعوى فيه غير مسموعة كما صرح به في ((البحر)). انتهى كلامه.
واعلم أنه يستثنى من ذلك مسألة واحدة ذكرها الرافعي في كتاب اللعان وقذف الزوجات، وهي دعوى القاذف على المقذوف أنه زنى.
قوله: فرع: هل يجوز للوكيل البيع بالألف المأذون بالبيع بها مع من يرغب بزيادة؟ فيه وجهان في ((التتمة)) وغيرها، والذي يظهر: ترجيح المنع. انتهى كلامه.
وظاهره أنه لم يقف فيه على ترجيح، فإن الرافعي لم يرجح في ((الكبير)) شيئًا، والراجح المنع كما ذكره المصنف بحثًا، فقد رجحه الرافعي في ((الشرح الصغير)) فقال: إنه الأشبه. والنووي في ((زيادات الروضة)) فقال: إنه الأصح.
قوله: ولو دفع إليه آنفًا، وقال: اشتر بهذا الثمن عبدًا ولم يقل: بعينه، ولا: في الذمة- فوجهان.
أحدهما- وهو قول أبي علي الطبري في ((إفصاحه) -: أن مقتضاه الشراء بعينها [وقد تقدم حكمه والثاني: أنه يجوز أن يشتري بعينها] وفي الذمة، وينقد الألف، وهو ما اختاره في ((المرشد))، ورجحه الرافعي. انتهى كلامه.
وما ذكره من حكاية وجهين مع الإشارة إلى الشراء بالألف، وأن الرافعي وصاحب ((المرشد)) صحيحًا وجه التخيير- غلط، فإنهما لم يذكرا هذه المسألة، والمنقول فيها: أنه يتعين الشراء بالعين على وفق ما نقله المصنف عن ((الإفصاح))، كذا صرح به الإمام في الكلام على ما إذا دفع إلى إنسان دراهم، وقال: اشتر لي بها طعامًا، ونقله المصنف عنه فيما إذا وكله في شراء شاة، فاشترى شاتين، وذكر معه الوهم الذي ذكره هاهنا، والمذكور في ((الرافعي)) و ((المرشد)): ما إذا وكل وسلم الألف، فإن الرافعي
قال: ولو سلمه إليه، وقال: اشتر كذا، ولم يقل: بعينه، ولا قال: في الذمة- فوجهان، أحدهما: أنه كما لو قال: اشتر بعينه، لأن قرينة التسليم تشعر به، وأظهرهما: أن الوكيل يتخير بين أن يشتري بعينه أو في الذمة، لأن على التقديرين يكون إتيانا لمأمور، ويجوز أن يكون غرضه من تسليمه إليه مجرد انصرافه إلى ثمن ذلك الشيء. هذا كلام الرافعي، والعجب من فهم ابن الرفعة ذلك مع التعليل بقرينة التسليم! نعم، ذكر- أعني الرافعي- فيما إذا دفع دينارًا، وقال: اشتر به شاة- أنه يصح الشراء بعينه وفي الذمة، ثم ينقده. وهذا التصوير كانه لم يقع عن قصد، وأما ابن عصرون فقال في ((المرشد)): وإن دفع إليه ألفا، وقال: اشتر عبدًا، ولم يقل: بعينها- فله أن يشتري بعينها، وله أن يشتري في الذمة وينقدها فيه، عملًا بمطلق الإذن. هذا لفظه نقلته من النسخة التي كانت ملكًا للمصنف- أعني ابن الرفعة- وعليها خطه.
قوله: ولو استمهل البائع الوكيل في الرد بالعيب إلى أن يعلم موكله، لم يلزمه ذلك، فلو أجاب فهل يسقط حقه من الرد؟
فيه وجهان في ((المهذب))، والمختار منهما في ((المرشد)): عدم السقوط، وقد حكاهما الإمام عن العراقيين- أيضًا- فيما لو أبطل الوكيل حق رد نفسه بإلزام العقد، وصحح وجه السقوط، وهو الذي اختاره في ((المرشد)).
ثم قال عقبه من غير فاصل: وعلى هذا إذا حضر الموكل وأجاز العقد فلا كلام، وإن لم يرض به ففي ((التهذيب)): أن المبيع للوكيل، ولا يرد، لتأخيره مع الإمكان.
وقيل: له الرد، لأنه لم يرض بالعيب، وضعفه وهذا القول لم يحك البندنيجي والمتولي سواه، واختاره في ((المرشد))، وادعى الإمام أنه متفق عليه، لأنه إذا لم يبطل حق الموكل بإبطال الوكيل فبالتأخير أولى.
ثم هذا إذا توافق البائع والمشتري والموكل على أن العقد وقع للموكل بالنية أو بالتصريح بالسفارة. انتهى كلامه.
وهذا الذي قاله- رحمه الله غلط يحتاج في فهمه إلى فكر وخلو بال وتطويل، فنقول لا شك أنه فرض ذلك فيما إذا توافقوا على أن العقد وقع للموكل كما ذكره في آخر المسألة، وحينئذ فالتفريع المشار إليه بقوله: وعلى هذا
…
إلى آخره، قد تقدمه
مسألتان: المسألة الأولى: إذا استمهل البائع، والثانية: إذا رضي الوكيل بالعيب وألزم العقد:
فإن كان ذلك التفريع عائدًا على المسألة الثانية- وهو المتبادر من كلامه- فهو باطل، لأنه لا خلاف والحالة هذه أن البيع للموكل، وأن له الرد على البائع، وتعود السلعة إليه، ولا تعود إلى الوكيل، وقد صرح الرافعي بذلك- أعني بعدم الخلاف فيه- ونقل القول به عن البغوي بخصوصه، وأيضًا: فتعليله الذي نقله عن الإمام يمنع تصوير المسألة بذلك بالضرورة، فراجعه.
وإن كان التفريع المذكور راجعًا إلى المسألة الأولى، وهي مسألة الاستمهال، لكونها المسألة الأصلية، والثانية كالتذييل عليها- فلا يكون التفريع عليها الذي قاله كله صحيحًا، بل المستقيم منه ما نقله عن ((التهذيب)) خاصة، وقد نقله عنه الرافعي، ثم استشكله، فقال: ولو أخر كما [إذا] التمس البائع، فحضر الموكل، ولم يرضه- قال في ((التهذيب)): المبيع للوكيل، ولا رد، لتأخيره مع الإمكان، وقيل: له الرد، لأنه لم يرض بالعيب، قال: وهو ضعيف، ولك أن تقول
…
إلى آخره. وهذا الذي قاله الرافعي مطابق لكلام المصنف إن أراد ما قلناه، لكن هذا التفريع إنما هو على القول ببطلان خيار الوكيل عند الاستمهال بلا شك، فكان ينبغي أن يصرح به فيقول: فإن أبطلنا، أو ما في معناه، فإنه قد ت قدم منه ذكر وجهين، لاسيما وقد نقل ترجيح عدم البطلان واقتصر عليه، فكيف يصح أن يقول: وعلى هذا، مشيرًا إلى البطلان؟! فإن ذلك لا يصح مع عدم الرجحان، فضلًا عما إذا كان مع رجحان الصحة.
وعلى كل حال فما نقله عن ((التهذيب)) ثابت فيه، لكنه لا يصح الإبراء إلا بالإضمار المذكور، وأما ما بعده- وهو قوله: وهذا القول لم يحك البندنيجي
…
إلى آخره، فغلط، وذلك لأنه لا يمكن حمله على الإشارة إلى الوجه الأول الذي اختاره صاحب ((التهذيب)) من أن الموكل إذا لم يرض بالبيع فيرتد على الوكيل، لأن الإمام والمتولي وغيرهما من الجماعة الذين نقل عنهم هذا القول قائلون بالعكس، وهو جواز الرد على البائع، فتأمله، فبطل العود بسببه لذلك الوجه، والتعليل الواقع في كلام الإمام يوضحه، هذا مع أمور أخرى.
منها: أنه يلزم منه أن يكون كلام البغوي هو المشهور المعروف في المسألة، والأمر بالعكس كما دل عليه كلام الرافعي.
ومنها: أن قوله قبله: وعلى هذا، إنما يستقيم إذا ذكر قبله وبعده خلافه، ولم يذكره، ولا يمكن- أيضًا- حمله على الإشارة إلى الوجه الثاني الذي ضعفه البغوي، وهو القائل بأن الكيل يرد على البائع إذا رد الموكل عليه، لما قلناه من أن التعليل الذي علل به ناقلًا له عن الإمام، تعليلٌ لجواز رد الموكل على البائع، لا لجواز رد الوكيل عليه، ولأن المذكورين- أيضًا- لم يقولوا بذلك، بل قالوا بخلافه على اختلاف بينهم لا ضرورة لنا إلى الإطالة بذكره.
وقد ظهر لي سبب الغلط في كلام المصنف، وهو أن المشهور- كما تقدم- جواز رد الموكل على البائع، فتوهم المصنف: أن الوجه الذي ضعفه البغوي- وهو القائل بأن له الرد- يعود إلى الموكل، فأشار إليه، فقال ما حاصله أنه المعروف، والذي ضعفه البغوي إنما هو الجواز من الوكيل، وما قلته من السبب هو الموقع له بلا شك، وقد أتعبت نفسي يومًا وليلة كاملين في تحقيق هذا الموضع، ثم في تقريره، ثم في ذكر سببه.
قوله: وإن قال: اشتر بهذا الدينار شاة، فاشترى شاتين- كانا للموكل، لما روي ((انه صلى الله عليه وسلم دفع إلى عروة البارقي دينارًا ليبتاع به شاة، فاشترى به شاتين، فلقيه رجل، فسامومه في إحداهما، فباعها بدينار، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه شاة ودينار، وحدثه الحديث، فقال: بارك الله لك في صفقة يمينك))، فكان بعد ذلك يخرج إلى كناسة الكوفة، فيربح الربح العظيم، وكان من أكثر أهل الكوفة مالًا.
وقيل: للوكيل شاة بنصف دينار، والأخرى للموكل، والحديث قد قيل: إنه مرسل، كما حكيناه عند بيع الفضولي، فلا حجة فيه، وإن صح- كما ذكر عبد الحق- أن البخاري خرج عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يتحدثون عن عروة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا
…
)) وذكر الحديث، ففيه ما يستدل به لهذا القول. انتهى كلامه.
وما توهمه من أن رواية البخاري هنا متصلة محتج بها، ليس كذلك، فإن قول الراوي: سمعت الحي يتحدثون، هو عين الإرسال الذي أشار إليه من قال: إنه مرسل، لأن عدالة الراوي شرط، ولم تحصل تسميته حتى تعرف عدالته، كذا صرح به البيهقي
وغيره، وقد تفطن في ((شرح الوسيط)) للصواب، فقال عقبه ما نصه: وهذه وإن أخرجها البخاري فهي منقطعة، فلا حجة فيها عند الشافعي. هذا لفظه، وإنما أخرجه البخاري، لأن فيه قطعة متصلة.
قوله: فرع: لو ادعى البائع على الوكيل علمه برضا الموكل بالعيب، فحلف ورد، ثم حضر الموكل، وصدق البائع- بان بطلان الرد كما حكى ابن سريج، وعن القاضي الحسين خلافه كما حكاه المتولي، والذي رأيته في ((تعليقه)): أن الموكل إذا حضر وقال: كنت قد رضيت به، لا يحتاج إلى بيع جديد. انتهى.
واعلم أن هذا النقل عن ((التتمة)) ليس كما قاله، وكأنه قلد فيه الرافعي، فإنه نقل عنها ذهاب القاضي إلى نفوذ الفسخ، وعبارة ((التتمة)): حكى القاضي. وحكاية المذهب لا تستلزم ذهاب الحاكي إليه.
قوله: وإن وكله في البيع في سوق، فباع في غيرها- جاز.
وقيل: لا.
ثم قال: وقال في ((رفع التمويه)): محل القول الثاني إذا لم يقدر له الثمن، فإن قدره فباع به جاز وجهًا واحدًا. انتهى كلامه.
واقتصاره على نقل ذلك عمن ذكره عجيب، فإن المسألة مجزوم بها في ((زيادات الروضة))، نقلا عن صاحب ((الشامل)) و ((التتمة)).
قوله: ولو اختلفا في التصرف فالمصدق الموكل، وفي قولٍ: الوكيل، وكلام الماوردي يدل على جريان القولين قبل العزل وبعده.
ثم قال: وقد حكى الرافعي أن قول الوكيل بعد العزل لا يقبل وجهًا واحدًا، وأن محل الخلاف قبله. انتهى كلامه.
وما عزاه إلى الرافعي من دعوى عدم الخلاف لم يذكره، فإنه قال: نظر: إن جرى هذا الخلاف بعد انعزال الوكيل لم يقبل قوله إلا ببينة، لأنه غير مالك للتصرف حينئذ، وإن وقع قبله فقولان. هذه عبارته، وحاصلها: أنه ساكت عن ذكر الخلاف، ولا يلزم منه نفيه، فإن المصنفين كثيرًا ما يطلعون على الخلاف ولا يذكرون: إما لقصد الاختصار، أو لضعف المدرك، فكيف ينسب إلى الرافعي أنه وقع في الخلل، وهو دعوى عدم الخلاف فيما الخلاف ثابت فيه بمجرد سكوته عن الخلاف؟!
قوله: وقال- يعني القاضي- في كتاب الحجر: ظاهر المذهب أن الإغماء لا
يقتضي العزل. وحكاه غيره وجهًا، وهو الأظهر عند الإمام، ولذلك صححه في ((الوسيط))، لكنه احتج له بأن المغمى عليه لا يلتحق بمن يولى عليه، والمعتبر في الانعزال: التحاق الوكيل أو الموكل بمن يولى عليه.
وهذا منه يدل على أن مراده إذا لم تطل مدته بحيث يولى عليه. انتهى كلامه.
وما نقله عن ((الوسيط)) من التعليل بالعلة المذكورة التي تقتضي تخصيص الحكم بقصر المدة غلط، فإن هذه العلة لم يذكرها الغزالي في ((وسيطه)، بل صحح أنه لا ينعزل مطلقًا، على خلاف ما في ((الوجيز))، ولم يتعرض لتعليلٍ، وقد وقع في كلام الرافعي هنا ما يوهم ذلك، وكأنه السبب فيما وقع للمصنف، ولم يصحح في ((البسيط)) شيئًا.
قوله- نقلًا عن الشيخ-: وإن تعدى الوكيل انفسخت الوكالة.
ثم قال ما نصه: وهذا ما قال الإمام: إنه المذهب، كا هو قضية كلام الشيخ. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن الإمام غلط، فإن الذي عزاه في ((النهاية)) إلى المذهب إنما هو عدم الانعزال، فإنه قال: فرع: إذا أسلم الرجل عينا إلى وكيله، ووكله ببيعها، فتعدى الوكيل في العين، وصار ضامنًا بعدوانه- فالمذهب: أنه لا ينعزل عن البيع، وأبعد بعض أصحابنا فقضى بانعزاله، قياسًا على انعزال المودع، فإنه لا يعود أمينًا وإن ترك العدوان، مع اطراد الأمر بالحفظ على الأزمان. هذا لفظ الإمام.