المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب طهارة البدن والثوب وموضع الصلاة - الهداية إلى أوهام الكفاية - جـ ٢٠

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب السواك

- ‌باب صفة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وسننه

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب ما ينقض الوضوء

- ‌باب الاستطابة

- ‌باب ما يوجب الغسل

- ‌باب صفة الغسل

- ‌باب الغسل المسنون

- ‌باب التيمم

- ‌باب الحيض

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب مواقيت الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب طهارة البدن والثوب وموضع الصلاة

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب فروض الصلاة

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌باب ما يفسد الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صفة الأئمة

- ‌باب موقف الإمام والمأموم

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب ما يكره لبسه وما لا يكره

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب هيئة الجمعة

- ‌باب صلاة العيد

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌باب ما يفعل بالميت

- ‌باب غسل الميت

- ‌باب الكفن

- ‌باب الصلاة على الميت

- ‌باب حمل الجنازة والدفن

- ‌باب التعزية والبكاء على الميت

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب صدقة المواشي

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة الناض

- ‌باب زكاة المعدن والركاز

- ‌باب زكاة التجارة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب صدقة التطوع

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب صوم التطوع

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام وما يحرم فيه

- ‌باب كفارة الإحرام

- ‌باب صفة الحج

- ‌باب صفة العمرة

- ‌باب فرض الحج والعمرة وسننها

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الأضحية

- ‌باب العقيقة

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأطعمة

- ‌باب النذر

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب ما يتم به البيع

- ‌باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌باب الربا

- ‌باب بيع الأصول والثمار

- ‌باب بيع المصراة والرد بالعيب

- ‌باب بيع المرابحة والنجش، والبيع على بيع أخيهوبيع الحاضر للبادي والتسعير والاحتكار

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب التفليس

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب العارية

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌باب العبد المأذون

- ‌باب المساقاة

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب الجعالة

- ‌باب المسابقة

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوقف

- ‌باب الهبة

- ‌باب الوصية

- ‌باب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب عتق أم الولد

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب الفرائض

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب ما يحرم من النكاح

- ‌باب الخيار في النكاح والرد بالعيب

- ‌باب نكاح المشرك

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء والقسم والنشوز

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب عدد الطلاق والاستثناء فيه

- ‌باب الشرط في الطلاق

- ‌باب الشك في الطلاق وطلاق المريض

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌باب اللعان

- ‌باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب كفارة اليمين

- ‌باب العدد

- ‌باب الاستبراء

- ‌باب الرضاع

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الزوجات

- ‌باب نفقة الأقارب والرقيق والبهائم

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب من يجب عليه القصاص ومن لا يجب

- ‌باب ما يجب به القصاص من الجنايات

- ‌باب العفو والقصاص

- ‌باب ما تجب به الدية من الجنايات

- ‌باب الديات

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب قتال البغاة

- ‌باب قتال المشركين

- ‌باب قسم الفيء والغنيمة

- ‌باب عقد الذمة وضر بالجزية

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد قاطع الطريق

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب التعزير

- ‌باب أدب السلطان

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب ولاية القضاء وأدب القاضي

- ‌باب صفة القضاء

- ‌باب القسمة

الفصل: ‌باب طهارة البدن والثوب وموضع الصلاة

‌باب طهارة البدن والثوب وموضع الصلاة

قوله: وإن أصاب أسفل الخف نجاسة، فمسحه على الأرض بحيث أزال عين النجاسة، وصلى- ففيه قولان، الجديد: أنه لا يجزئه.

ثم قال: وقد أفهم كلام الشيخ أمورًا، أحدها: أن الخف لا يطهر على القول الأول، والأصحاب مطبقون عليه، وهو نظير قوله: إن المحل بعد الاستنجاء بالحجر نجس وإن جازت الصلاة قبل غسله. انتهى كلامه بحروفه.

ودعواه إطباق الأصحاب على عدم الطهارة باطلة، فقد رأيت للجرجاني في كتابه المسمى بـ ((الشافي)) فيه خلافًا فقال: فصل: ومنها: النجاسة تصيب أسفل الخف ولا يجب غسلها بالماء، لما فيه من لحوق المشقة وعموم البلوي، ولكنه يدلكها بالأرض، فإذا أزال عينها طهر على أحد القولين، للحاجة، وقيل: لا يطهر بالدلك قولًا واحدًا، ولكنه يعفى عن أثرها بعد الدلك على أحد القولين، للحاجة، وهو الأصح، ولا يعفى عنه على القول الآخر حتى يغسل بالماء كالثوب النجس. هذا لفظه بحروفه.

قوله: قال- يعني الشيخ-: وإن صلى وفي ثوبه دم البراغيث، أو اليسير من سائر الدماء أو سلس البول أو دم الاستحاضة- جازت صلاته، لأن ذلك يتعذر الاحتراز منه.

ثم قال: وقد أفهم كلام الشيخ أمورًا، أحدها: أن البدن ليس كالثوب في العفو عما ذكره، وهذا وإن أمكن توجيهه بما سنذكره عن القاضي في الفرق بين دم البراغيث وغيره، لكن المنقول: أن البدن في ذلك كالثوب إذا صادفه ذلك ابتداء. انتهى كلامه.

وحاصله: أنه ليس في المذهب مقالة موافقة لما أفهمه كلام الشيخ من عدم العفو في البدن، وليس كذلك، فقد حكاه الجرجاني في ((التحرير)) وجهًا- أي: في الدم- وفرق بأن تكرر الغسل في الثوب يبليه، فعفي عنه فيه، بخلاف البدن.

قوله: الثاني: أن دم القمل والبق والبعوض والزنابير، ونحو ذلك مما ليس له نفس

ص: 110

سائلة- لا يلتحق بدم البراغيث، وهي تلتحق به بلا شك، وكذا ونيم الذباب وبول الخفاش. انتهى.

وما اقتضاه كلامه من نفي الخلاف في ونيم الذباب- وهو روثه- ليس كذلك، ففيه وجه: أنه لا يلتحق بدم البراغيث، حكاه النووي في ((التحقيق)) وغيره.

قوله: الثالث: ما أفهمه كلام الشيخ أنه لا يلتحق بدم الاستحاضة دم القروح السيالة التي يدوم مثلها وتنزف الدماء، والتي لا تدوم. وفي الثاني خلاف حكاه الرافعي في أنه هل يلتحق بدم البراغيث فيعفى عن القليل منه، وفي الكثير وجهان، أو يلتحق بدم الأجنبي [كذا] فلا يعفى عنه مع الكثرة ومع القلة؟ وجهان. انتهى كلامه.

وتعبيره بقوله: وفي الثاني خلاف، ظاهر في أن الرافعي لم يحكه في الأول، وهو الذي يدوم، وليس كذلك، وقد حكى الرافعي فيه وجهين أحدهما- وهو ما نقله عن قضية كلام الأكثرين، وصححه النووي-: أنه كالبثرات، والثاني: أنه كدم الاستحاضة، قال: وهو الأولى.

قوله: ولا خلاف في العفو عن قليل دم البراغيث إلا إذا حصل ذلك بفعله، كما إذا قتل قملة أو برغوثًا ونحو ذلك، في ثوبه أو بدنه- ففي العفو عنه وجهان مشبهان بما إذا فتح الصائم فاه قصدًا غبار الطريق.

ثم قال: ومثلهما جارٍ فيما لو صلى على ثوب فيه دم براغيث، أو لبس ثوبًا فيه دم براغيث. انتهى.

وتعبيره بقوله: أو لبس، غير صحيح، فإن الثوب المعفو عنه الذي ذكره هو وغيره هو الثوب الملبوس بلا نزاع، وإنما صوابه أن يقول: أو حمل في كمه، فإن المتولي قد نقل المسألة هكذا، ونقلها عنه في ((شرح المهذب)) - أيضًا-: لأن البسط والحمل مستغنى عنه، ولهذا صحح النووي في ((التحقيق)) عدم العفو في المسألتين جميعًا.

قوله: وقضية إطلاق الشيخ العفو عن القليل من دم الكلب والخنزير، وبعض المتأخرين استثناه وقال: إنه نص على استثنائه الأئمة، لما خص به من التغليظ. انتهى كلامه.

وهو يشعر بأنه لم يقف على نقل في ذلك، والاستثناء المذكور قد رأيته مجزومًا به في كتاب ((المقصود)) للشيخ نصر المقدسي، وفي ((البيان)) للعمراني، ونقله النووي في ((شرح المهذب)) عن ((البيان))، وذكر مثله في ((التحقيق)) وقال: إنه لم ير لغير العمراني تصريحًا بموافقته ولا مخالفته.

ص: 111

قوله: الثالث: أن ((سلس البول)) و ((دم الاستحاضة))، معطوف على ((اليسير من سائر الدماء))، لأنه أقرب مذكور، وهو يفهم عدم العفو عما كثر من ذلك، وليس الأمر كما أفهمه كلامه في سلسل البول ودم الاستحاضة، بل العفو شامل للقليل منه والكثير، وحينئذ يتعين أن يكون معطوفًا على قوله:((دم البراغيث)). انتهى كلامه.

وما ذكره من كونه معطوفًا على ((اليسير))

إلى آخره، يقتضي عكس ما يحاوله من إفهام العفو عن القليل دون الكثير في سلسل البول والاستحاضة، ويصير دالًا على العفو مطلقًا- كما هو الصواب- ويظهر ذلك بما إذا قدرته في موضع ((اليسير))، لأن هذا هو شأن المعطوف، بل الصواب- على هذا التقدير الذي يريده- أن يقول: إنه معطوف على ((سائر)). وهو الذي ذكره النووي في ((لغات التنبيه)) جازمًا به فقال: ((وسلس البول)) و ((الاستحاضة)) مجروران عطفًا على ((سائر)). هذا كلامه، وهو غلط، لأن الحكم بخلافه، فيتعين عطفه على ((دم البراغيث))، لاسيما أنه واضح فصيح.

قوله: قال الإمام: لأنه صح أنه- عليه الصلاة والسلام نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريقة وبطن الوادي، والحمام، وظهر الكعبة، وأعطان الإبل. وقد أخرج هذا الخبر بمعناه الترمذي، ولكن في بعض رجاله مقال. انتهى.

اعلم أن هذا الخبر المذكور قد اشتمل على ((بطن الوادي))، مع أنه لم يقع في رواية الترمذي، بل ولا يعرف عن غيره- أيضًا- والذي ذكره هو وغيره عوضًا عنه:((المقبرة)).

قوله: وإن اشتبه عليه ثوب طاهر وثوب نجس اجتهد، وصلى فيما غلب على ظنه طهارته، ولا يجب عليه عندنا إعادة الاجتهاد لصلاة أخرى، وقال القاضي الحسين والمتولي: إنه يجب عليه أن يعيد الاجتهاد ثانيًا، وهو الذي صححه الرافعي والنووي. انتهى.

وهذا الكلام الذي نقله عن الرافعي والنووي غلط: أما الرافعي فلم يذكر المسألة في كتبه بالكلية، وأما النووي فذكرها في ((شرح المهذب)) و ((التحقيق))، وصحح عدم وجوب الإعادة، وعبر بـ ((الأصح))، ولم يذكر في غير ذلك ما يخالفه.

قوله: اعلم أن المصنف قد ذكر في هذا الباب ألفاظًا:

منها: في حديث البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع في قبل البيت ركعتين، وقال:((هذه القبلة)). انتهى.

ص: 112

قبل بضم القاف والباء، ويجوز إسكان الباء، واختلفوا في معناه: فقيل: مقابلها، وقيل: ما استقبلك منها، أي: بوجهها، ويؤيده رواية ابن عمر في ((الصحيحين)) في هذا الحديث:((فصلى ركعتين في وجه الكعبة)).

ومنها: الكنيسة- بفتح الكاف وكسر النون المخففة وبالسين المهملة- هي الأعواد المرتفعة على المحمل، المعدة لأن يوضع عليها السترة التي تستر الراكب وتقي من الحر والبرد، يقال: كنس الظبي يكنس- كضرب يضرب- إذا دخل في كناسه، وهو موضعه من الشجر.

ومنها: الصبي العرم: هو بعين مهملة مفتوحة وراء مكسورة، قال الجوهري: صبي عارم، أي: شرس الخلق، يعني سيء الأخلاق كثير الخلاف، ومراد الفقهاء: من لا تركن النفس إلى إخباره.

ومنها: عتبة بن غزوان الصحابي باني البصرة، فأما ((عتبة)) فبعين مهملة مضمومة بعدها تاء مثناة ساكنة، وأما ((غزوان)) فبغين معجمة مفتوحة وزاي معجمة ساكنة.

قوله: وقد اقتضى كلام الشيخ وجوب الاستقبال في أمور، منها: صلاة الجنازة في الحضر والسفر، لأنها فرض كفاية، وعليه نص في ((الأم))، ومنه يؤخذ أنه لا يجوز فعلها على الراحلة، إذ لو جاز لم يشترط فيها الاستقبال، وهو الصحيح، والغزالي وجهه بأن معظم أركانها القيام، ومقتضاه: أنه لو تمكن من القيام عليها أنه يجوز، وقد قال الإمام: الظاهر أنه يجوز، وإن قال في الفريضة: إنه لا يجوز مطلقًا. انتهى.

واعلم أن المعروف في حكاية النص المذكور في الجنازة إنما هو في منع فعلها على الراحلة، كذا حكاه الرافعي وغيره في كتاب التيمم، وحكاه المصنف- أيضًا- هنالك كذلك، ثم علله الرافعي وغيره بما ذكره من كون معظم أركانها هو القيام، ثم استنبطوا من ذلك جواز فعلها عليها قائمًا إذا تمكن منه، وقياسه: تجويز المشي- أيضًا- إلى القبلة وإلى غير القبلة، وأما الذي ذكره من كون النص في الاستقبال حتى يلزم امتناع فعلها على الراحلة فعلى العكس، ويقتضى- أيضًا منع الأداء قائمًا، وليس كذلك.

واعلم أنه قد وقع هنا في ((شرح المهذب)) تصحيح امتناع المشي، وفي ثبوت ما قاله نظر، والغالب أنه وهم، ويدل عليه أنه لما صححه قال: كما تقدم في التيمم. وليس له ذكر هناك.

قوله: والمحكى عن نصه في ((الأم)): أنه لا يجوز فعل المنذورة على الراحلة

ص: 113

والأصحاب قالوا: هو جواب على أن النذر كواجب الشرع كما هو الصحيح، أما إذا قلنا: إنه كجائزه، فيجوز على الراحلة كما في النفل.

ثم قال: وفي ((الرافعي)) حكاية وجه آخر: أنه إن أوجبها بالأرض لا يصليها على الراحلة، وإن أوجبها وهو راكب أجزأه فعلها على الدابة. انتهى.

وحكاية هذا الوجه غلط، وعزوه إلى الرافعي غلط- أيضًا- فإن الرافعي إنما نقله عن الكرخي من أصحاب أبي حنيفة، ولهذا قال: ولك أن تعلم المسألة بالحاء. فتوهم المصنف أنه الكرخي الشافعي، ذاهلًا عما قاله الرافعي بعده، فأثبته وجهًا.

قوله: ومنها- أي: ومن الصلوات التي دل كلام الشيخ على أنه لا يجوز فعلها على الراحلة-: ركعتا الطواف، وذلك ظاهر إذا قلنا: إنهما فرض، أما إذا قلنا: إنهما: سنة، فقد قال الرافعي والمتولي والفوراني: إنه يجوز فعلهما على الراحلة. والذي رأيته لغيرهم: أنه لا يجوز- أيضًا- لفقد السير حال الإتيان بهما مع كونه في البلد، والأصحاب متفقون على أنه لا يجوز للمسافر وهو في البلد أن ينتقل على الدابة في حال سكونه. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن الذي ذكره في تقرير المنع من فقدان السير عجيب جدًا، فإن ركعتي الطواف لا يشترط فعلهما في مكة، بل يجوز فعلهما فيما شاء من الأمكنة أو الأزمنة، كما صرح به هو وغيره في كتاب الحج، فقول من قال: إنه لا يجوز وهو في البلد، صحيح، وذلك لفقدان السير، وقول الرافعي وغيره: إنه يجوز إذا كان مسافرًا، صحيح- أيضًا- فتخيله أن ذلك اختلاف، عجيب جدًا، وقد جزم في ((شرح المهذب)) بالجواز على القول بالنفلية مع اطلاعه وتتبعه للخلاف.

الأمر الثاني: أن ما ادعاه من عدم الخلاف في حال السكون عجيب- أيضًا- فقد ذكر هو قبل ذلك بدون الورقة ما يخالفه فقال: أما إذا لم يكن المقيم سائرًا فقد افهم كلام بعضهم أنه لا يجوز بلا خلاف على مذهب الإصطخري، وكلام الإمام كالصريح في أنه لا يشترط على هذا المذهب أن يكون سائرًا، كما لا يشترط ذلك في المسح على الخف يومًا وليلة في الحضر، وإن كان الترخص بالمسح شرع، إعانة للسائر على مقاصده.

قوله: قال بعضهم: إنما صحت صلاة الصف الطويل، لأنه لم يتعين الخارج منه عن السمت. وإلى هذا يميل كلام ابن الصباغ، لأنه قال- بعد حكاية صحة صلاة

ص: 114

الصف الطويل-: وهذا لعمري يكون مع تقوس الصف، فأما مع الاستواء فلا تمكن المحاذاة، وإنما طريقه الظن، وإذا لم يتعين المخطئ فلا يجب على أحد القضاء. قلت: وقول ابن الصباغ: وهذا لعمري يكون مع تقوس الصف، مؤذن بأن محل الكلام إذا كان بمكة، وإلا فلا معنى للتقوس. انتهى.

وهذا الذي ذكره من أنه لا معنى للتقوس عجيب جدًا، وكلام ابن الصباغ على عمومه، فإن الصف الطويل الخارج عن مكة متى لم يتقوس، وإلا خرج بعضه عن المحاذاة قطعًا كما في مكة.

قوله: وقد قال الأصحاب: إنه إذا كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل خلقي كالجبال والتلال جاز له الاجتهاد عند فقد المخبر- كما سنذكره- وإن كان الحائل طارئًا كالبناء فهل يلزمه طلب اليقين، أو يجوز له الاجتهاد كما لو كان الحائل خلقيًا؟ فيه وجهان، قال في ((المهذب)) و ((التتمة)): إن ظاهر المذهب منهما: الثاني. وهو المختار في ((التهذيب)) و ((المرشد))، وقال القاضي أبو الطيب: إنه أشبه بالصواب. وقال الغزالي: إنه بعيد. انتهى كلامه.

وما حكاه عن القاضي أبي الطيب من جواز الاجتهاد لمن هو بمكة- سواء كان الحائل خلقيًا أو حادثًا- قد نقل عنه بعد ذلك بدون صفحة عكسه، فقال: وقال أبو الطيب: إن من كان بمكة ففرضه طلب اليقين، سواء كان الحائل أصليًا أو طارئًا، ومن كان خارجًا عنها: فإن كان مكيًا ففرضه- أيضًا- طلب اليقين كيف كان الحائل، وإن كان غريبًا: فإن كان الحائل أصليًا ففرضه الاجتهاد، وإن كان حادثًا ففيه الوجهان. هذه عبارته، وهو كما ذكرناه، أعني على عكس المتقدم، وقد راجعت كلام القاضي فوجدته موهمًا.

قوله: ولو انهدم البيت- والعياذ بالله تعالى- ولم يبق من جدرانه شيء شاخص، فالواجب: أن يستقبل جميع العرصة، فلو وقف بوسط العرصة واستقبل باقيها لم يصح، وعن ابن سريج أنه يصح، وهو خلاف النص، قال الإمام: ولا شك أن تخريج ابن سريج يجري فيما لو صلى على ظهر الكعبة. وهذا منه دال على أن ابن سريج إنما نص على الجواز في العرصة، وكذا حكاه بعضهم، وصرح في ((التهذيب)) عنه بنفي الجواز على ظهر الكعبة، والفرق لائح، إذ لا شيء عند انهدامها يستقبل غير العرصة، فقام بعضها مقام كلها، كما قام بعض بناء البيت مقام كله، ومع بقائها لا يستقبل عرصتها، فلذلك امتنعت الصلاة على ظهرها من غير شاخص. انتهى كلامه.

ص: 115

وهذا النقل المذكور عن ((التهذيب)) غلط، ففي التهذيب عن ابن سريج: أنه يجوز، فقال ما نصه: ولو صلى على ظهر الكعبة لا يجوز، إلا أن يكون بين يديه شيء من بناء الكعبة مثل مؤخرة الرحل، وقال ابن سريج: يجوز وإن لم يكن بين يديه شيء من بناء البيت إذا وقف بحيث يمكنه السجود، وبه قال أبو حنيفة: كما لو صلى على أبي قبيس. هذا كلام البغوي، وهو صريح فيما قلناه، وقد نقله النووي في ((شرح المهذب)) على الصواب. نعم، وقع في بعض نسخ ((الرافعي)) ذلك، فقال: وصرح في ((التهذيب)) بنفي الجواز عنه. هذه عبارته، فتبعه عليها المصنف، فغلط، وفي بعضها: بنقل الجواز، وهذه هي الصواب، ولم يصرح البغوي بخلاف ابن سريج في الواقف في العرصة، فاعلمه، فإن النووي قد غلط في ((شرح المهذب)).

قوله: واعلم أنا حيث جوزنا الصلاة في الكعبة فصلاة النفل فيها أفضل منها خارجها، وكذا الفرض إن لم يرج جماعة، فإن رجاها فخارجها أفضل، قاله في ((الروضة))، وفيه نظر، لأن من قاعدة الشافعي: أنه إذا دار الأمر بين إدراك فضيلة وبين بطلان العبادة على اعتقاد غيره كان ترك الفضيلة إذا حصلت العبادة مجمعًا عليها أولى، دليله مما ستعرفه في القصر ونحوه. انتهى كلامه.

وهذا السؤال قد ذكره النووي لما ذكر هذا الحكم، وأجاب عنه فقال في ((شرح المهذب)): فالجواب: أنه إنما يستحب الخروج من خلاف محترم، وهو الخلاف في مسألة اجتهادية، أما إذا كان الخلاف مخالفًا لسنة صحيحة كما في هذه المسألة فلا حرمة له، ولا يستحب الخروج منه، لأن صاحبه لم تبلغه هذه السنة، وإن بلغته فهو محجوج بها. هذه عبارته.

قوله: والغزالي مال إلى أنه لا يشترط فيمن يقلده العدالة، لأنه قال: قلد مكلفًا مسلمًا عارفًا بأدلة القبلة، وهو ما ادعى في ((التتمة)) أنه المذهب. وقول الغزالي: قلد مكلفًا مسلمًا، يدل على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة عنده، وفيه ما تقدم. انتهى كلامه.

وما ذكره عن دلالة كلام الغزالي غلط، فإنه يدل على أنهم مخاطبون، لا على عكسه، فتأمله.

قوله: وإن تقين الخطأ لزمه الإعادة في أصح القولين، لأن ما لا يسقط بالنسيان من شرائط الصلاة لا يسقط بالخطأ كالطهارة.

ثم قال: والفرق بينه وبين الطهارة من الحدث والخبث: أنها أغلظ، بدليل أنه لو

ص: 116

توضأ بالإناءين، أو صلى في الثوبين اللذين وقع الاشتباه فيهما صلاتين باجتهادين- وجب عليه إعادتهما، ولو صلى إلى جهتين باجتهادين لم تجب الإعادة. انتهى كلامه.

وما ذكره في الفرق من وجوب إعادتهما غلط، لأنه إذا اجتهد ثانيًا، وأداه اجتهاده إلى عكس ما أداه إليه الأول- فالمنصوص: أنه لا يستعمله بالكلية، بل يتيمم، ويجب قضاء الثانية خاصة، وقيل: لا يقضيها، وابن سريج قال: إنه يستعمله ويورده موارد الأول، ولا يعيد واحدة من الصلاتين.

قوله: ثم ظاهر كلام الشيخ أن المراد بيقين الخطأ خطأ العين إذا قلنا: إنها الفرض، أو خطأ الجهة إذا قلنا: إنها الفرض، وكلام الماوردي مصرح بأن محل الخلاف إذا أخطأ من جهة إلى جهة، أما إذا أخطأ من العين إلى الجهة فلا يضره ذلك، وحكاه عند حكايته للقولين في أن الفرض العين أو الجهة عن نصه في ((الأم)). ولو ظهر له أنه انحرف عن الجهة يمينًا أو شمالًا والجهة واحدة بعد الفراغ من الصلاة فلا يضره ذلك، قاله في ((المهذب)) وغيره. انتهى كلامه.

وما نقله عن الماوري من خطأ العين إلى الجهة هو الخطأ في التيامن والتياسر بعينه، إذ العين لابد أن تكون في جهة، فالجهة في كلام الماوردي: إن كان المراد بها جهة أخرى خلاف الجهة التي فيها الكعبة فهو الخطأ من جهة إلى جهة، وهو المذكور قبله، وقد جعله مغايرًا له. وإن كان المراد جهة الكعبة فهو التيامن والتياسر المذكور بعده، وقد جعله مغايرًا له- أيضًا- فثبت بطلان ما توهمه على كل تقدير، والمراد: الثاني، كما أشرنا إليه.

ص: 117