الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السواك
قوله: ويتأكد- أيضًا- في حالة اصفرار الأسنان، وإن كان ذلك بسبب غير التغير، قال الرافعي: ويشهد له قوله- عليه الصلاة والسلام: ((ما لكم تدخلون علي قلحًا؟! استاكوا)). انتهى كلامه.
وهذا الذي عزاه إلى الرافعي من استدلاله بهذا الحديث غلط، فإن الحديث المذكور ليس له ذكر في ((الرافعي)) بالكلية، والحديث المذكور رواه النسائي في ((الأغراب)) والطبراني- واللفظ له- في ((المعجم الكبير)) من حديث تمام بن بالعباس، ورواه البغوي والبزار في ((مسنديهما)) من رواية تمام بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب، والصواب: أنه من حديث تمام، قاله البغوي.
قوله: ويكره للصائم بعد الزوال، لقوله- عليه الصلاة والسلام:((لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))، رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح حسن. والخلوف- بضم الخاء- تبدل الرائحة، والسواك يزيله، ونظمه دليلًا أنه أثر عبادة مشهود له بالطيب، فكرهت إزالته كدم الشهيد. انتهى كلامه.
أما الحديث فهو كما قال، غير أن البخاري ومسلمًا قد أخرجاه في ((صحيحيهما))، فكيف ينبغي مع ذلك إسناده لمن أسنده على الوجه الذي ذكره وهو تحسينه، لا تصحيحه؟!
وأنا القياس الذي ذكره فإن الرافعي قد ذكره- أيضًا- وهو غير مستقيم، لأن إزالة دم الشهيد حرام لا مكروه، وحينئذ فإن كان هذا القياس صحيحًا فيلزم استواء المقيس والمقيس عليه في الحكم، فلا يكون أحدهما مكروهًا والآخر محرمًا، فكان الصواب أن يعبر بقوله: فكان إبقاؤه راجحًا على تركه.
قوله: والمستحب أن يستاك بعود من أراك، لما روى أبو زجرة:((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك بالأراك)). انتهى كلامه.
وتعبيره عن الراوي بقوله: أبو زجرة، تحريف، وصوابه: أبو خيرة- بخاء معجمة مفتوحة، من بعدها ياء مثناة من تحت، ثم راء مهملة، ثم هاء- ويعرف بالصباحي: بصاد مهملة مضمومة، بعدها باء موحدة، وبعد الألف حاء مهملة، كذا ضبطه النووي
في ((شرح المهذب)) هنا.
ثم قال- نقلًا عن ابن ماكولا-: إنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذه القبيلة سواه. وأيضًا: فحديث أبي خيرة إنما هو من قوله لا من فعله، هكذا رواه الطبراني وغيره في حديث قال فيه: ثم أمر لنا بأراك، فقال:((استاكوا بهذا)). وفي رواية له: فزودنا الأراك نستاك به، والله أعلم.
قوله: وكذا استياكه بكل عين تزيل القلح- أي: فإنه يجزي بلا خلاف- ولا يرد على ذلك ما إذا تمضمض بماء الغاسول ونحوه، فإنه لا يحصل سنة السواك وإن أزال القلح، لأنه لا يسمى مستاكًا، على أن الإمام قال: إنه ليس عريًا عن احتمال بعيد. انتهى.
مقتضى ما ذكره أن التمضمض بنفس الغاسول يكفي، وإن كان كلام الإمام إنما هو في الماء، وليس كذلك، فإن الإمام قال في ((النهاية)): لو تمضمض بغاسول قلاع، وتحامل حتى أزال القلح- فما أراه كافياًا، وفيه احتمال. وعبر- أعني الإمام- أيضًا في ((مختصر النهاية)) بقوله: ولو تمضمض بشيء قلاع فالوجه القطع بأنه لا يكفي.
قوله: وقد استدل الجيلي له- أي: لوجوب الختان- بأن بقاء ما يجب قطعه يحبس النجاسة، وذلك يمنع صحة الصلاة، وفيه نظر، لأن القاضي أبا الطيب ذكر أن الخصم استدل على أن ذلك سنة بأنه أمر به حتى لا يجتمع تحتها بول، وهذا القدر من النجاسة لا تجب إزالته عندنا، وإنما هو مستحب، فيجب أن يكون القطع مثله، فأجاب عنه ولم يمنعه الحكم، فدل على أنه عندنا كذلك، انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن حاصل كلامه أنه لم يقف على نقل في المسألة، فإنه توقف فيما قاله الجيلي، واستند في التوقف إلى شيء ضعيف، والذي قاله الجيلي من وجوب الإزالة وبطلان الصلاة عند عدم ذلك قد رأيتهما مجزومًا بهما في ((فتاوى)) القفال وشبهه بباطن الفم.
الأمر الثاني: أن هذا الفهم الذي فهمه المصنف من كلام القاضي مع الحنفية فهم عجيب، فإن الخصم- وهو أبو حنيفة- يقول: إن مقدار ما تلوث به المنفذ لا تجب إزالته من أي موضع كان في البدن. ولهذا قال: لا يجب الاستنجاء بالكلية. وهذا هو الذي ذكره القاضي أبو الطيب بعينه، ألا تراه عبر بقوله:((وهذا القدر))، ففهم المصنف منه غير ما أراده.
قوله: وختان المرأة يسمى خفضًا، كما يسمى ختان الرجل إعذاراً. انتهى.
الخفض: بخاء معجمة وفاء ساكنة وضاد معجمة، والإعذار: بعين مهملة وذال معجمة ثم راء مهملة، وسيأتي فيه كلام آخر في الرد بالعيب.