الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصلاة على الميت
قوله- نقلًا عن الشيخ-: فإن اجتمع جنائز قدم إلى الإمام أفضلهم.
ثم قال: وهذا الكلام يشمل ما لو حضروا معًا، وأرادوا إفراد كل واحد بالصلاة والإمام واحد، ولم يخش التغير، والمنقول في ((الحاوي)): إنه يقرع، ويقدم من خرجت قرعته وإن كان مفضولًا. انتهى.
والذي ادعاه من الشمول غير صحيح، فإن تعبيره بقوله: فإن تعبيره بقوله: ((قدم إلى الإمام))، يشعر بالصلاة عليهم دفعة واحدة، فلو ادعى أن هذه الصورة خرجت بهذا القيد- وقد صرح به صاحب ((الحاوي)) - لكان أصوب.
قوله: ويقف الإمام عند رأس الرجل وعجيزه المرأة، وحكى الماوردي أن البصريين من أصحابنا قالوا: يقف عند صدر الرجل، ولم يورد الفوراني والغزالي والبغوي غيره. انتهى.
وما نقله عن الأولين صحيح، وأما ما نقله عن الثالث- وهو البغوي- فغلط، فإنه في ((التهذيب)) قد حكى وجهين، وزاد على ذلك فصحح الوقوف عند الرأس.
قوله: فلو كبر شخص على ميت خمسًا فهل تبطل صلاته؟ فيه وجهان، أصحهما: لا، لأنه ذكرٌ، وزيادة الذكر ليست مبطلة، كذا علله الروياني، وعلله الرافعي بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل الماوردي وغيره عن ابن سريج: أن الاختلاف المذكور من الخلاف في المباح، وأن بعضه ليس أولى من بعض، والذي نقله عن ابن سريج غير الوجه الذي صححه الرافعي، لأن الخمس والأربع عند ابن سريج سواء، وصاحب ذلك الوجه يقول: إن الأربع أولى، فهو غيره. انتهى ملخصًا.
والذي اقتصر عليه في المغايرة عجيب، فإنه يقتضي أن ابن سريج يقول بتجويز الخامسة فقط، وليس كذلك، بل يقول- أيضًا- بجواز الاقتصار على ثلاث، فإن الماوردي نقل ذلك عن طائفة، ونقل الأربع عن طائفة ثانية، والخمس عن ثالثة، ثم نقل عن ابن سريج: أنه من الخلاف المباح، فدل على أن ابن سريج يجوز الثلاث- أيضًا- والوجه الذي صححه الرافعي جازم بمنع الثلاث، فأين أحدهما من الآخر؟!
ثم إن المغاير التي زعمها مردودة، فإن المراد بالمباح في كلامهم غالبًا إنما هو الجائز، فقال: إن جميع ما رد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه يجوز لنا فعله، وليس تعيين بعضه للجواز بأولى من تعيين البعض، وكيف تصح إرادة المستحب والأربعة متفق عليها، والزائد مختلف في جوازه؟! والخروج من الخلاف مستحب بلا شك إذا لم يوقع في ترك سنة.
قوله في المسألة- أي: زيادة الخامسة-: وفي ((تعليق)) القاضي الحسين و ((التتمة)): أنه إن كان عالمًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا لم تبطل. وإذا جمعت بين النقلين حصل لك ثلاثة أوجه، ثالثها: الفرق بين العالم والجاهل، والرافعي خص الوجهين بحالة العلم، وقطع بالصحة في حالة الجهل، وفيه نظر، لأنا قد قررنا أن عدد التكبيرات كعدد ركعات الصلاة، وتحرم بها- لم تصح صلاته، فكذا ينبغي أن يكون هنا كذلك. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا النقل الذي نقله المصنف عن الرافعي في الجاهل سهو، وحينئذٍ فلا يرد السؤال لا في حال الجهل، بل لم يتعرض للجهل بالكلية، فإنه قال: فلو كبر خمسًا لم يخل إما أن يكون ساهيًا، أو عامدًا
…
إلى آخره. وما ذكره- أيضًا- عن ((التتمة)) غلط، فإنه إنما ذكر الفرق بين الناسي والعامد، وكذا نقله النووي- أيضًا- في ((شرح المهذب)). نعم، النقل عن القاضي الحسين صحيح، وكأنه عبر به عن الناسي، ولهذا فهمه عنه تلميذه- وهو المتولي- وأيضًا حتى لا يلزمهم الاعتراض الذي ذكره المصنف، فإنه اعتراض صحيح.
الأمر الثاني: أن زيادة التكبير لا تزيد على زيادة الركن أو الركعة، وزيادتهما نسيانًا لا تضر بلا خلاف، وحينئذ فكيف يستقيم حصول ثلاثة أوجه عند الجمع بين كلام ناقل الوجهين- وهو الرافعي وغيره- وكلام القاضي والمتولي؟! بل إطلاق الوجهين محمول على التعمد لا على النسيان، لما ذكرناه، وحينئذٍ فيوافق كلام الرافعي، وأما الجهل فلا يتأتى فيه خلاف، فتلخص أنه ليس في المسألة إلا وجهان.
قوله: وقد أفهم عطف الشيخ القراءة على التكبيرات أن دعاء الاستفتاح والتعوذ غير مشروعين في هذه الصلاة، والأصح: استحبابه. انتهى.
وما ادعاه من الإفهام عجيب، فإن التعوذ لما كان من مستحبات القراءة كان
التعرض لها تعرضًا له، فلو ادعى أن الإفهام بالعكس كان أصوب.
قوله: وحكى الرافعي عن النص أنه لو أخر قراءة الفاتحة إلى التكبيرة الثانية جاز.
ثم قال: وقياس ما حكاه: أن تتعين التكبيرة الثالثة للصلاة، والرابعة للدعاء إن كان الترتيب بين القراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء شرطًا، كما هو ظاهر الخبر. انتهى كلامه.
فأما تأخير هذين الركنين- وهما الصلاة والدعاء- فالمنقول فيه: المنع، على خلاف ما ذكره بحثًا، كذا صرح بنقله الشيخ محيي الدين في ((شرح المهذب))، حتى ادعى نفي الخلاف في أن الدعاء لا يؤخر عن الثالثة.
وأما توقف ما قاله على وجوب الترتيب فظاهر الفساد، إذ لا منافاة بين اجتماع الكل في تكبيرة واحدة مع الإتيان بالترتيب، فإنه قد يؤخر القراءة إلى الثانية ولكن يأتي بها ثم بالصلاة ثم بالدعاء قبل التكبيرة الثالثة.
واعلم أن النووي في كتاب ((التبيان)) قد جزم بوجوب الفاتحة عقب الأولى.
قوله: وبقي واجبات أخرى لم يذكرها الشيخ، منها: طهارة الحدث والخبث، وسترة العورة، واستقبال القبلة. انتهى.
وما ذكره من الإهمال مردود، فإنها صلاة، وقد سبق من كلام الشيخ أن هذه الأمور شرط في الصلاة، فتركه هاهنا إحالة على ما سبق.
قوله: وعن ((بحر المذهب)) فيما سمعته: أن الصلاة على الغائب لا تفعل إلا حيث لم يكن صلى عليه أحد، وكذا كانت قصة النجاشي. انتهى كلامه.
واعلم أن صاحب ((البحر)) إنما نقل هذه المقالة عن الخطابي، وقال: إنها حسنة. وذلك بعد أن ذكر- كما ذكر غيره- أنه يصلي على الغائب من غير تفصيل، ولفظه: فإن قيل: النجاشي آمن وكتم إيمانه وهو بين كفار، ولم يكن ثم من يقوم بحقه، فلزم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه إذ هو وليه وأحق الناس به- قلنا: أبو حنيفة، وهو المخالف، لا يقول بهذا، لأنه قال: إذا غرق في البحر لا يصلى عليه. ولأن النجاشي ملك يستحيل ألا يوافق في دينه أحدًا فيصلي عليه إذا مات، وذهب الخطابي إلى هذا التأويل فقال: إذا مات الآن مسلم ببلد، فإن علم أنه قد صلى عليه لم يصل عليه من كان غائبًا، وإن علم أنه لم يصل عليه لعائق، فالسنة أن يصلي عليه، وهذا حسن. هذا كلام ((البحر)).