الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فرض الوضوء وسننه
قوله: وليس في هذا إلا أن فيه جميعًا بين إرادة الحقيقة والمجاز، وذلك جائز عند بعض أصحابنا. انتهى كلامه.
وهذا الذي نسبه إلى بعض الأصحاب واقتضى كلامه ضعف هو مذهب الشافعي، كما هو معروف في كتب الأصول، ونقله أصحابنا في كتبهم حتى في ((الروضة)) في كتاب الإيمان.
قوله: وعن صاحب ((التلخيص)) أنه يتقدر المسح بثلاث شعرات كما في حلق الرأس في الحج، واختاره البصريون من أصحابنا، قال الرافعي: وقد أفهم كلام بعض النقلة احتمالًا في اعتبار قدر ذلك- أيضًا- في المسح على البشرة. انتهى كلامه.
واعلم أن الاحتمال أبداه الرافعي، ثم نقل عن بعضهم ما يدل عليه، فإنه نقل عن ابن القاص أنه يتقدر بثلاث شعرات.
ثم قال: وهل يختص هذا الوجه بما إذا كان المسح على الشعر، أم يجري في مسح البشرة حتى يشترط المسح على موضع ثلاث شعرات؟ في كلام النقلة ما يشعر بالاحتمالين جميعًا، والأول أظهر. هذا لفظه، وبينهما فرق ظاهر، ولا جرم حكاهما في ((الروضة)) وجهين.
قوله: والدلالة على وجوب الترتيب [كذا] من وجهين: أحدهما: أنه- سبحانه وتعالى أمر بغسل الوجه بحرف الفاء الموجب للتعقيب والترتيب إجماعًا، حيث قال تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ، وإذا ثبت تقديم الوجه ثبت استحقاق الترتيب، لأنه لا قائل بالفرق. ثم ذكر بعد ذلك أنه لا فرق في استحقاق الفاء للترتيب بين فاء الجزاء وغيرها. انتهى.
وما ذكره- رحمه الله من دعوى الإجماع على أن الفاء للترتيب ليس كذلك، فقد ذهب الفراء إلى أنها لا تدل على الترتيب، وذهب الجرمي إلى أنها إن دخلت على الأماكن أو المطر فلا ترتيب، تقول: نزلنا- أو نزل المطر- نجدًا فتهامة، وإن كانت تهامة في وقوع المطر سابقة على نجد.
واعلم أن الاستدلال الذي ذكره المصنف استدلال باطل لا ينبغي أن يكون موضوعًا في تصنيفٍ- كما قاله النووي- لأن الترتيب إنما وقع بين هذه الجملة وما قبلها، لا بين أفراد هذه الأعضاء.
قوله: ومن السنة ما [كذا] روى مسلم عن عمرو بن عبسة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، فقال:((ما منكم من أحد يقرب وضوءه، ثم يتمضمض ويستتنشق- إلا خرت خطايا فيه وأنفه مع الماء، ثم يغسل وجهه كما أمر الله تعالى إلا خرت خطايا وجهه مع أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى مرفقيه إلا خرت خطايا بدنه من أطراف أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه مع الكعبين كما أمره الله إلا خرت خطايا رجليه من أطراف أصابعه من الماء)). انتهى كلامه.
وهذا الحديث ذكره مسلم في كتاب الصلاة في باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، لكن هذا اللفظ كله ليس في روايته، إذ ليس فيها:((كما أمر الله)) في غسل الرجلين، وفيها:((ثم يغسل قدميه إلى الكعبين)) أي: بلفظ ((إلى)) لا بلفظ ((مع)).
قوله: التتابع: عبارة عنه تطهير العضو بعد العضو بحيث لا يجف المغسول قبيله قبل شروعه فيه، مع اعتدال الزمان والمكان، فلا اعتبار بشدة الحر والبرد، ولا بالبلاد الشديدة الحرارة أو البرودة. قلت: وينبغي أن ينظر إلى اعتدال المستعمل له، فلا يعتبر بمن عليه حرارة وضدها. انتهى كلامه.
وما ذكره بحثًا في اعتدال المستعمل واقتضى كلامه عدم ذكر الأصحاب له، غريب، فقد ذكره الرافعي، وجزم باشتراطه على وفق ما ذكره، فقال: والتفريق الكثير: أن يمضي من الزمان ما يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص، ولا عبرة بحال المحموم. هذا لفظه، وتبعه عليه في ((الروضة)).
قوله: والجديد: أن التتابع غير واجب، لأن ابن عمر روى ((أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ في السوق، فغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه، فدعي إلى جنازة، فأتى المسجد، فدعا بماء، فسمح على خفيه، وصلى عليها)) قال الشافعي: وبين ذهابه من السوق إلى المسجد تفريق كثير. وقد روي ذلك موقوفًا على ابن عمر. انتهى كلامه.
وهو يقتضي أن الشافعي روى هذا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك، فإن الشافعي إنما رواه موقوفًا، فقال في ((الأم)) في كتاب اختلاف مالك والشافعي، في باب نوم الجالس- ما نصه: قال الشافعي: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه بال
في السوق، فتوضأ: فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ثم دخل المسجد، فدعي لجنازة، فمسح على خفيه. هذا لفظه بحروفه، ومن ((الأم)) نقلته، ورأيت في ((الأم)) - أيضًا- في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى- وهذا الكتاب بعد باب قطع العبد في باب صلاة الخوف منه- ما نصه: وقد روي عن ابن عمر أنه توضأ وخرج إلى السوق، ثم دعي لجنازة، فمسح على خفيه وصلى. انتهى، وهو نظير ما تقدم في الوقف على ابن عمر، لكن في هذه مخالفة لذلك لا تخفي. نعم، روى صاحب ((البيان)) هذه القصة عن ابن عمر مرفوعة.
قوله: والقولان في تفريق الوضوء جاريان في تفريق الغسل، وهل يجريان في تفريق التيمم؟ قال ابن القطان وطائفة: نعم، وقال الجمهور: لا، بل يبطل بالتفريق قولًا واحدًا.
ثم قال: وبعضهم قال: إنه لا يضر قطعًا. انتهى.
وما نقله عن الجهور من القطع بالبطلان قد خالفه في باب التيمم مخالفة عجيبة فقال: إن المشهور طريقة القولين. وستعرف لفظة هناك.
* * *