الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الضمان
قوله: وهو ما روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والزعيم غارم))، وقال: إنه حسن صحيح. انتهى.
واعلم أن الموجود في نسخ ((الترمذي)) إنما هو تحسينه. نعم، أخرجه ابن حبان في صحيحه.
قوله: وإذا ضمن العبد بإذن سيده، وفي يده شيء من أموال التجارة- تعلق به على الصحيح.
ثم قال: فرع: إذا قلنا يتعلق بمال التجارة، فهل يتعلق بما يكسبه بعد الضمان، أو به وبما في يده من الربح الحاصل من قبل، أو بهما وبرأس المال؟ فيه ثلاثة أوجه، أقيسها الثالث. انتهى.
وتعبيره بقوله: بعد الضمان، سهو، بل صوابه المجزوم به في ((الرافعي)) وغيره: اعتبار الإذن لا الضمان، فإنه قد يتراخى عنه بأعوام.
قوله: فإن قيل: الحر لو قال: ضمنت لك ما لك على فلان في هذا المال، لم يصح- قلنا: لا نسلم أن الضمان في العين لا يصح، فإن القاضي ابن كج صححه كما ستقف عليه. انتهى كلامه.
ولم يذكر المصنف عن ابن كج بعد ذلك في المسألة شيئًا بالكلية، ولا شك أن النقل عنه غلط، لأن المصنف لم يقف على كتابه، وإنما ينقل عنه بواسطة نقل الرافعي، ولم ينقل الرافعي ذلك عنه.
قوله فإن قيل: الحر لو قال: ضمنت لك ما لك على فلان في هذا المال، لم يصح- قلنا: لا نسلم أن الضمان في العين لا يصح، فإن القاضي ابن كج صححه كما ستقف عليه. انتهى كلامه.
ولم يذكر المصنف عن ابن كج بعد ذلك في المسألة شيئًا بالكلية، ولا شك أن
النقل عنه غلط، لأن المصنف لم يقف على كتابه، وإنما ينقل عنه بواسطة نقل الرافعي، ولم ينقل الرافعي ذلك عنه.
قوله: ولا يصح الضمان حتى يعرف الضامن المضمون له دون المضمون عنه. وقيل تشترط معرفتهما.
ثم قال: وقيل: لا تشترط معرفة واحد منهما، لأن عليا وأبا قتادة ضمنا دين من لم يعرفاه، كذا قاله الماوردي، مع أنه حكى في موضع آخر: أن المضمون عنه كان من أهل الصفة. انتهى كلامه.
واعلم أن هذه اللفظ الذي نقله عن الماوردي لا اعتراض عليه فيه، لأنه إنما يصح الاعتراض أن لو أراد بقوله: دين من لم يعرفاه، هو المضمون عنه، ولم يصرح به فيما نقله عنه، بل المتبادر منها عند الإطلاق إنما هو المضمون له، لأن الدين له. نعم، الماوردي عبر بقوله: ضمنا عمن لم يعرفاه ولا لمن يعرفاه. هذا لفظه، والاعتراض عليه متوجد حينئذ، وكأن المصنف لما وقف عليه ظهر له الاعتراض، ولكن عبر بعبارة تدفعه، على أن الجواب عن الماوردي سهل، وهو أنهما كانا إذ ذاك غير عالمين، ثم ظهر بعد ذلك.
قوله التفريع: إن قلنا باشتراط معرفة المضمون عنه فلا خلاف في عدم اشتراط رضاه. انتهى.
وما ذكره من نفي الخلاف ذكره إمام الحرمين ثم الرافعي والنووي، وليس كذلك، فقد نقل هو في ((المطلب)) عن ((تعليقه)) القاضي الحسين وجهًا: أنه يشترط، وأن أبا الحسن الجوري في ((شرح المختصر)) قد قال به أيضًا.
قوله- نقلًا عن الإمام-: ولا يشترط رضا المضمون له عند الأكثرين، لكن لا يلزمه قبوله ما يحضره الضامن إن كان بغير إذن المضمون عنه.
ثم قال: وإن كان بإذن المضمون عنه حيث لا يثبت له الرجوع ففي اللزوم وجهان.
والأشهر: انه ليس له الامتناع، وهما مبنيان على أن المؤدى يقع فداء أو موهوبا ممن عليه الدين؟
إن قلنا بالثاني لم يكن له الامتناع. انتهى كلامه.
وهذا البناء الذي نقله عن الإمام قلد الرافعي في نقله عنه، وليس مطابقًا لما في
((النهاية))، فإنه قال فيها ما نصه: إذا قال لغيره: أد ديني، وقلنا: لا يثبت الرجوع إذا لم يقيد- ففي امتناع مستحق الدين عن القبول وجهان:
أحدهما: ليس له الامتناع، وهو الأشهر، فإن المؤدي مستناب من جهة الآذن، وليس لمستحق الدين تخير في عين المؤدى.
والوجه الثاني: له الامتناع، فإنه إذا كان لا يملك الرجوع فالمدفوع إلى مستحق الدين يقع فداء أو موهوبًا: فإن كان فداء لم يلزمه القبول كما لو كان الأداء بغير إذنه، وإن كان المؤدى في حكم الموهوب ممن عليه فالهبة إنما يثبت الملك فيها بالقبض، ولمستحق الدين أن يقول: لست أجلب ملكًا لمن عليه الدين بيدي، ولا يلزمني ذلك. هذا كلامه ومخالفته لما قاله الرافعي ظاهرة، ثم ذكر- أعني الإمام- بعده كلامًا آخر، فقال: وإذا لم يبعد إلزامه تحصل الملك للمؤدى عنه مع افتراض عوضه باشتراط الرجوع، لم يبعد إلزامه قبض ما يقدر موهوبًا في حق المديون، وهذه الزيادة- أيضًا- لا تحقق ما قاله المصنف، فإن غايته أنه ذكر بحثًا في اللزوم على القول بأن هبة، بعد أن جزم بعدمه تفريعًا عليه، وجعل مستند عدم اللزوم شيئًا آخر.
قوله: ثم محل الخلاف- أي في ضمان الثمن في مدة الخيار- إذا كان الخيار للمشتري وحده أو لهما، أما إذا كان للبائع وحده صح وجهًا واحدًا، صرح به المتولي. انتهى كلامه.
واعلم أن هذا النقل مذكور في ((التتمة)) على ما نقله المصنف، لكن قد تقدم في البيع في الكلام على أقوال الملك في زمن الخيار: أن الثمن والمبيع لا يجتمعان في ملك شخص واحد، بل حيث قلنا: إن الملك في المبيع للمشتري، فالثمن للبائع، وإن قلنا: للبائع، فالثمن للمشتري، وإن قلنا: موقوف، فموقوف، وتقدم- أيضًا- أن هذه الأقوال الثلاثة جارية سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما، إلا أن الصحيح أنه إذا كان الخيار لأحدهما كان الملك له، وقيل: محل الخلاف إذا كان لهما، فإن كان لأحدهما فالملك له قطعا. وعلى هذا: فإذا كان الخيار للبائع كان الملك في المبيع له: إما بلا خلاف، وإما على الصحيح، وحينئذ فلا ثمن على المشتري قطعًا، أو على الراجح، فضلًا عن كونه لازمًا، فكيف يتصور أن يقال فيه بصحة الضمان بلا خلاف مع حكاية الخلاف في عكسه؟! وبذلك يظهر أن هذه الطريقة قد انعكست على صاحب ((التتمة)).
قوله: وخرج ابن سريج قولًا بجواز تعليق الضمان، فعلى هذا: لو قال: إذا بعت عبدك لفلان بألف فأنا ضامن للثمن، فباعه منه بخمسمائة- فعند صاحب ((التقريب)): يكون ضامنًا لها، وعند ابن سريج: لا. ثم قال: قلت: وقد حكى الإمام عن ابن سريج في أواخر هذا الباب: أن رجلًا لو ادعى أن فلانًا ضمن لي ألف درهم، وأقام شاهدين: شهد أحدهما أنه ضمن ألفا، والآخر أنه ضمن خمسمائة- فالألف لا تثبت، وهل تثبت الخمسمائة؟ فعلى قولين خرجهما ابن سريج، وكان يتجه أن يخرج مثلهما هاهنا. انتهى كلامه.
وما حاوله- رحمه الله من تخريج الأولى على هذا الخلاف سهو، فإن الحكم المذكور فيها- أعني في الأولى- مفرع على صحة التعليق، والمعلق عليه هو البيع بألف، ولم يوجد، فلذلك جزم ابن سريج بأنه لا يكون ضامنًا لشيء، وهذا المعنى غير موجود في مسألة الشهادة.
قوله: قال: وإن أحاله على من لا دين له عليه، أي: وصححناها- لم يرجع في الحال، لأنه لم يغرم شيئًا.
قال: حتى يدفع إليه المحال عليه، ثم يرجع على الضامن فيغرمه، ثم يرجع الضامن على المضمون عنه، لأنه حينئذ غرم بإذنه.
وهذا من الشيخ تفريع على أن هذه الحوالة لا تحصل براءة ذمة المحيل في الحال.
فإن قلنا بالبراءة لم يشترط دفع المحال عليه، بل يشترط رجوع المحال عليه على المحيل الذي هو الضامن. انتهى كلامه.
واعلم أن الشيخ قد صحح في باب الحوالة: أن الحوالة على من لا دين عليه غير صحيحة، واقتضى كلامه أن إذا صححناها برئت ذمة المحيل كما نقله عنه المصنف هناك، وحينئذ فيصير تقريره هنا لكلام الشيخ مخالفًا للمذكور هناك من وجهين، وهما: جزمه بصحة الحوالة، وبعدم البراءة، ولنا عن هذا كله مندوحة، فإن الشيخ هنا لم يتعرض لصحة الحوالة ولا لبطلانها، والحكم الذي ذكره لا يتوقف على صحتها، لأن ما وقع إذن في أداء الدين، والإذن فيه كافٍ في استحقاق الرجوع إذا وقع الأداء، فيكون قد صحح هناك بطلانها، وفرع هنا على ما صححه هناك، وهذا أصوب من التقرير الذي ذكره المصنف، فإنه واضح جلي لا تناقض معه.
قوله: وإن غاب المكفول إلى موضع معلوم لم يطالب به حتى يمضي زمان يمكن
المضي فيه إليه والرجوع، فإذا مضت تلك المدة ولم يأت به حبسه الحاكم إلى أن يحضره أو يموت المكفول به، انتهى كلامه.
وما ذكره في آخره من تقييد غاية حبسه بالموت ليس كذلك بل الصواب ما قاله في ((المطلب)): إلى أن يتعذر إحضاره بموت أو جهل بموضعه أو إقامة عند من يمنعه.
واعلم أن الاقتصار على مدة الذهاب والإياب ذكره الأصحاب- أيضًا- وينبغي أن تعتبر مع ذلك مدة إقامة المسافرين، وهي ثلاثة أيام غير يوم الدخول والخروج، للاستراحة وتجهيز المكفول.