الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة التطوع
قوله: أفضل عبادات البدن الصلاة، ووجهه: قوله- عليه الصلاة السلام-: ((استقيموا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)) رواه أبو داود. ورأيت في كلام بعضهم: ((استقيموا، ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) انتهى كلامه.
وهذا اللفظ الذي أورده في معرض الاستغراب قد رواه ابن ماجه في ((سننه)) في كتاب الوضوء، والبيهقي فيه، وفي فضائل الصلاة، قبيل استقبال القبلة، روياه من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص، ومن حديث ثوبان، لكن في رواية ابن ماجه عن عبد الله:((أن من خير أعمالكم))، أعني بإثبات ((من)) وكذلك في بعض روايات البيهقي، وإسناد رواية عبد الله فيه ضعف، وإسناد رواية ثوبان جيد، لكنه من رواية سالم بن أبي الجعد عن ثوبان، وقد قال أحمد بن حنبل: إن سالمًا لم يسمع من ثوبان. وذكره مالك في ((الموطأ)) مرسلًا معضلًا، فقال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا. إلا أنه أتى بـ ((لن)) عوضًا عن ((لا)) في ((يحافظ)).
واستقيموا، معناه: ألزموا طريق الاستقامة. ولن تحصوا، أي: تطيقوا الاستقامة في جميع الأعمال، وقيل: لن تحصوا ما لكم في الاستقامة من الثواب العظيم.
قوله: ولأنه تلو الإيمان الذي هو أفضل القرب، وأشبه به، لاشتمالها على نطق باللسان وعمل بالجنان واعتقاد بالقلب. انتهى.
وهذا التعبير غفلة عجيبة، فإن ((الجنان)) هو ((القلب))، والصواب أن يقول- كما قاله غيره-: وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان.
والمراد بالأركان: الأعضاء.
قوله: وأفضل التطوع ما شرع له الجماعة.
ثم قال: فإن قيل: قد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) رواه مسلم- فجوابه: أنه محمول على النوافل المطلقة، لقيام الإجماع على أن رواتب الفرض أفضل منها
…
إلى آخره.
وما ادعاه من الإجماع غريب، ففي ((الرافعي)) عن أبي إسحاق المروزي: أن صلاة الليل أفضل من الرواتب. وقال في ((الروضة)) و ((شرح المهذب)): إنه قوي: للحديث المذكور.
قوله: وفي الوتر وركعتي الفجر قولان، أصحهما: أن الوتر أفضل، لأن أبا حنيفة يقول بوجوبه، ولم يختلف أحد في عدم وجوب ركعتي الفجر. انتهى.
وما ادعاه من عدم الاختلاف في ركعتي الفجر ليس كذلك، فقد ذهب الحسن البصري إلى وجوبهما، كذا نقله النووي في ((شرح المهذب)) عن القاضي عياض عنه.
قوله: ولأنها- يعني ركعتي الفجر- تبع لصلاة الصبح، والوتر تبع للعشاء، والصبح آكد من العشاء، لأنها الصلاة الوسطى عند الشافعي، فوجب أن يكون متبوعها أوكد من متبوع العشاء. انتهى.
وتعبيره بـ ((المتبوع)) سهو في الموضعين، والصواب التعبير بـ ((التابع)) فيهما.
قوله: ويدل على عدم وجوب الوتر قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، فلو كان الوتر واجبًا لم يكن فيها وسطى، لأن الستة لا وسط لها، كذا قاله الماوردي. وقوله- عليه الصلاة والسلام:((كتب على ثلاث- ولم تكتب عليكم-: الضحى والأضحى، والوتر))، ولأنه- عليه الصلاة والسلام كان يوتر على الراحلة كما ثبت في ((الصحيحين))، وروى مسلم أنه- عليه الصلاة والسلام كان يسبح على الراحلة، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. فإن قيل: لا دلالة فيه، لأن الوتر كان واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: أجاب ابن الصلاح بأن المراد: أن ما وجب على العموم لا يجوز أداؤه على الراحلة، والوتر ليس كذلك. انتهى ملخصًا.
وما ذكره أولًا عن الماوردي استدلال غلط، كما تقدم في الكلام على الصلاة الوسطى، وأما ما ذكره أخيرًا فذهول عن المنقول، فإنه- عليه الصلاة والسلام إنما كان يصلي الوتر على الراحلة في السفر، والوتر لم يكن واجبًا عليه إلا في الحضر، كذا ذكره الحليمي في ((شعب الإيمان)) والشيخ عز الدين في ((القواعد))، والقرافي في ((شرح المحصول)) و ((شرح التنقيح)).
قوله في الحديث: ثم خرج ليلة في رمضان، فرأى الناس قزعًا في المسجد فمن واحد يصلي، ومن اثنين يصليان، ومن ثلاثة يصلون
…
إلى آخره.
اعلم أن المشهور في الحديث: فرأى الناس أوزاعًا. والأوزاع- بالزاي المعجمة-: هم المتفرقون، من قولهم: وزعه على الناس، أي: فرقه، والمصنف قد ذكره كما يراه،
فيجوز أن يكون بالقاف من ((القزع)) المقول على السحاب وعلى الشعر، وهو القطع المتفرقة.
وذكر قوله في الحديث- أيضًا-: من تعار من الليل
…
إلى آخره.
تعار: بتاء مفتوحة بنقطتين من فوق، ثم عين مهملة، وبالراء المشددة.
يقال: تعار الرجل من الليل، إذا استيقظ من نومه مع صوت، قاله الجوهر.
ثم ذكر المصنف- أيضًا- نعيم بن هبان: فأما نعيم فبضم النون، وأما ((هبار)): فكتبه المصنف بالنون في آخره، وهو غلط، بل بالراء على كل حال، ثم اختلفوا فقيل: إنه بالهاء والباء الموحدة المشددة، وقيل: إنه بالهاء- أيضًا- ولكن بالميم المشددة، وقيل: إنه بالحاء المكسورة والميم المخففة.
قوله- فيما إذا جمع مصلي الوتر بين أكثر من ركعتين-: وقد تلخص من ذلك أن له أن يقتصر على تشهد واحد بلا خلاف، وهل تجوز الزيادة على التشهد الواحد؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا، والثاني: نعم، فيتشهد ما شاء، والثالث- وهو الأصح-: يجوز بتشهدين، ولا تجوز الزيادة عليهما. انتهى كلامه.
وما ادعاه من نفي الخلاف في الاقتصار على تشهد واحد ليس كذلك، بل فيه وجه مشهور مذكور حتى في ((الرافعي)): أنه لابد من تشهدين.
قوله: ثم المشروع من القنوت هنا هو ما ذكرناه في الصبح، لرواية أبي داود عن الحسين بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر ((اللهم، أهدني فيمن هديت
…
)) إلى آخره.
والذي ذكرته عن المصنف من كون الراوي هو الحسين بالتصغير هو كذلك في خطه، وهو خطأ، فإن روايه إنما هو الحسن مكبرًا لا مصغرًا، كذا هو في كتب الحديث وغيرها، وقد وقع له نظير هذا بعينه- أي التباس الحسين بالحسن- في باب العدد، ويأتي هناك التنبيه عليه، إن شاء الله تعالى.
قوله: فإذا فرغ من القنوت فالمستحب أن يقول: ((سبحان الملك القدوس، رب الملائكة والروح))، لما روي في خبر أبي أنه- عليه الصلاة والسلام كان يقول ذلك ثلاث مرات، ويطيل في آخره. انتهى كلامه.
وما ذكره من كونه يقول ذلك بعد القنوت ذكره صاحب ((البحر))، فقلده فيه المصنف، وهو سهو، فإن المنقول للأصحاب والوارد في الحديث إنما هو بعد الفراغ من الوتر.
قوله: روى مسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقول الليل فترك قيام الليل))، وروى البخاري ومسلم- أيضًا- عنه
…
إلى آخره.
واعلم أن المصنف قد عبر بقوله: عن عبد الله بن عمر- أعني بغير واو- كما نقلناه عنه، فيقتضي أن يكون عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو غلط صريح، وإنما هـ عبد الله ابن عمرو بن العاص.