الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العارية
قوله: العارية: مشددة الياء، وروي تخفيفها، وجمعها: العواري- مشددًا ومخففًا- وهي مشتقة من: عار الرجل، إذا ذهب وجاء، وقيلك من ((العار))، لأن طلبها عار وعيب، قاله الجوهري. انتهى.
ودعواه اشتقاقها من ((عار)) غير مستقيم، لأنه فعل، والاشتقاق- على المعروف- إنما هو من المصدر، وقد رده أيضًا بعضهم بأنه من ذوات الياء، يقال: عار يعير، و ((العارية)) من ذوات الواو، لأن جمعها: العواري. وهو اعتراض مردود، لأنه يقال: عار يعير، وعار يعور- بالياء والواو- وحكاهما الجوهري.
قوله- نقلًا عن الشيخ-: ويكره إعارته الجارية الشابة من غير ذي رحم محرم. انتهى.
وافق الشيخ على تقييد انتفاء الكراهة في المحرم بما إذا كان ذا رحم- أي: قرابة- وليس كذلك، فإن إعارتها للمحرم من الرضاع أو المصاهرة، وإعارتها من الزوج والمرأة- جائزة بلا خلاف كما ذكره النووي في ((تصحيحه))، والعلة مرشدة إليه.
قوله: ولو استعار صيدا، فتلف في يده: فإن كان المعير محرمًا، والمستعير حلالًا- فلا جزاء على المستعير، وعليه القيمة إن قلنا: لا يزول ملك المحرم عنه، وإن قلنا بزواله فلا، وعلى المحرم القيمة، لتقصيره بعدم الإرسال، قاله المحاملي: انتهى كلامه.
وإيجاب القيمة على المحرم سهو، والصواب: الجزاء أو الفدية.
قوله- في الكلام على ما إذا استعار شيئًا ورهنه-: وأبدى الرافعي احتمالًا لنفسه في جواز البيع في حال يسار الراهن، كما يطالب الضامن في حال اليسار، وكأنه لم يقف على ما حكيناه عن البندنيجي. انتهى كلامه.
وما ادعها من أن الرافعي حكى ذلك احتمالًا لنفسه ليس كما قال، وذلك أن
الرافعي أولا نقل عن الإمام وحده: أنه لا يباع إلا بعد الإعسار ثم استدرك عليه، فقال: إن قياس المذهب هو البيع مطلقًا. وهذا اللفظ لا يقال فيه: إنه احتمال، ولا: إنه له، بل بيان لحكم المسألة، ولأجل ذلك جزم به في ((المحرر)).
قوله: أما لو وضع الميت في القبر ولم يدفن، فكلام الرافعي يقتضي منع الرجوع في هذه الحالة، فإنه قال: وله الرجوع قبل الحفر وبعده ما لم يوضع فيه الميت.
ثم قال: وقال المتولي: له الرجوع، ومؤنة الحفر في هذه الحالة على ولي الميت، ولا يلزم المعير الضمان. وكلام الإمام يقتضي ما ذكره المتولي. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ادعاه من أن كلام الرافعي يقتضي امتناع الرجوع بعد الوضع ليس كذلك، فإن الرافعي عبر بقوله: فله الرجوع قبل الحفر وبعده ما لم يوضع الميت، قال في ((التتمة)): وكذا بعد الوضع ما لم يواره التراب. هذا لفظه، وحاصله: امتناع الرجوع في المسائل الثلاث، إلا أن الأوليين لم ينقلهما عن أحد، لوضوحهما، وأما الثالثة فلما لم يجدها إلا لصاحب ((التتمة)) نقلها عنه، ولم يصرح بموافقته ولا مخالفته. نعم، خالفه في ((الشرح الصغير)) فصحح امتناع الرجوع.
الأمر الثاني: أن هذا النقل المذكور عن ((التتمة)) في وجوب الضمان على الولي غلط وقع من الرافعي، فتبعه عليه المصنف، والمذكور في ((التتمة)) هو الجزم بوجوبه على المعير، فإنه قال: فرعان: أحدهما: إذا رجع في العارية بعد الحفر قبل الدفن غرم لولي الميت مؤنة الحفر، لأنه بإذنه له في الحفر أوقعه في التزام ما قد التزم من المؤنة، وفوت عليه مقصوده لمراعاة مصلحة نفسه، فلو لم تلزمه الغرامة لأدى إلى الإضرار به. هذا لفظ المتولي بحروفه.
قوله: وفيما سوى الإعارة للدفن يرجع فيه متى شاء. انتهى.
أهمل مسألة أخرى، وهي ما إذا كفن أجنبي ميتًا، فإن الكفن باق على ملك الأجنبي في أصح الوجهين، كما ذكره في ((الروضة)) من ((زوائده)) في كتاب السرقة. وإذا قلنا بالصحيح، فقال في ((الوسيط)) في باب الوصية: إنه يكون عارية. وقال في السرقة: إنه من العواري اللازمة. وذكر الرافعي معنى هذا- أيضًا- هناك.
ولو أراد الصلاة المفروضة، فأعارة ثوبًا ليستر به عورته، أو ليفرشه في مكان
نجس، ففعل وأحرم، وكان الرجوع والأخذ يؤديان إلى بطلان الصلاة- فيتجه منه، ويحتمل الجواز، وتكون فائدته طلب الأجرة، ويستثنى من رجوع المستعير ما لو استعار الدار لسكنى المعتدة، فإنه يمتنع عليه الرجوع وإن جاز للمعير، كذا ذكره الأصحاب في كتاب العدد.
قوله: وإن أتلف ولد العارية، ففي ضمانه وجهان بناهما القاضي الحسين وغيره على أن العارية تضمن ضمان الغصوب أم لا؟
فعلى الأول: يضمن الولد.
وعلى الثاني يكون حكمه كحكم ما لو هبت الري بثوب إلى داره.
ثم قال: ولا فرق في ذلك بين الولد الموجود حال العقد أو الحادث بعده.
وفي ((الجيلي)) تخصيص محل الخلاف بما إذا حدث، وجزم فيما إذا كان موجودًا حال العقد فتسلم الأم وتبعها الجحش: أنه لا ضمان. انتهى كلامه.
وهذا الذي نقله عن ((الجيلي)) خاصة قد صرح به القاضي الحسين والبغوي في ((فتاويهما))، ولم يذكر في ((الروضة)) من ((زوائده)) غيره، والتعميم الذي ذكره عجيب غير مستقيم، فإن القول بالضمان في الولد الحادث إنما محله إذا قلنا بضمان العارية ضمان الغصوب، كما صرح به الآن نقلًا عن الأئمة، والغاصب للأم إذا تبعها ولدها لا يكون ضامنًا لولدها في أصح الوجهين، كما اقتضاه كلام الرافعي، وصرح به في ((الروضة)).