الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النفقات
باب نفقة الزوجات
قوله: وفي مقدار الواجب أقوال، المشهور منها أنها مقدرة بمدين على الموسر، ومد ونصف على المتوسط، ومد على المعسر، والثاني عن رواية الشيخ أبي محمد أنه يعتبر بقدر الكفاية كنفقة القريب، والثالث عن رواية صاحب التقريب: أن الاعتماد فيه على فرض القاضي، وعليه أن يجتهد في ذلك. انتهى كلامه.
وما نقله عن صاحب التقريب من عدم التقدير مطلقًا غلط، فإن أصل من تعرض لحكاية ذلك عن التقريب هو الإمام، فقال ما نصه: حكى صاحب التقريب والشيخ أبو علي في نفقة المتوسط، والزيادة على المد في نفقة الخادمة في حق الموسر أنه تقدير في الزيادة، وإنما النظر به إلى اجتهاد القاضي. هذه عبارته.
وحاصلها أنه إنما يرجع إلى اجتهاد القاضي في نفقة المتوسط خاصة، وظاهرها أيضًا أنه لا في المد، بل في الزيادة عليه، ثم إن الغزالي في الوسيط نقل كلام الإمام بعبارة موهمة، فقال: ونقل صاحب التقريب قولًا: أن الزيادة على المد لا مرد لها، وهو إلى فرض القاضي.
هذا لفظه. وهو موافق لنقل الإمام في أنه لا مدخل لاجتهاد القاضي في نفقة المعسر، ولا في المد بالنسبة إلى الموسر والمتوسط، لكنه مخالف له في أنه يرجع إليه فيما زاد على المد في حقهما معًا، ثم إن الرافعي نقل كلام الوسيط على أزيد بيان مما فيه من الخلل، فقلده فيه المصنف فأخطأ.
قوله: فالذي ذكره الماوردي أن الموسر: من يقدر على نفقة الموسرين في حق نفسه، وحق كل من يلزمه نفقته من كسبه لا من أصل ماله.
والمعسر: من لا يقدر على أن ينفق من كسبه على نفسه، وعلى من يلزمه نفقته لا نفقة المعسرين، وإن زاد عليها كانت من أصل ماله لا من كسبه.
والمتوسط: هو أن يقدر على أن ينفق من كسبه على نفسه وعلى من يلزمه نفقته نفقة المتوسطين، وإن زاد عليها كان من أصل ماله، وإن نقص عنها فضل من كسبه، ثم قال بعد ذلك:
فرع: لو اختلفا في يساره وإعساره، فإن لم يعرف له مال فالقول قوله، وإن عرف له مال أيسر به فالقول قولها.
وهذا يظهر على قول من اعتبر وجود المال في اليسار، وأما على طريقة القاضي والماوردي، فالذي يظهر أنه لا أثر لوجود المال أو عدمه. انتهى كلامه.
ومقتضاه: أنه لم يقف على كلام الماوردي، أو أنه قائل بالمال، كما قاله غيره وليس كذلك، فقد ذكر الماوردي المسألة بعبارة توافق طريقته، فقال: القول قوله ما لم يتحقق يساره، لأن الأصل في الناس العدم، والأصل براءة الذمة حتى يتحقق الاستحقاق. انتهى.
فعبر باليسار، وعنده أن اليسار ليس للمال فيه مدخل.
قوله: وإن تصرفت فيما أخذت من الكسوة ببيع أو غيره، جاز كالمهر.
وقيل: لا يجوز لأن له غرضًا في تجملها، وهذا قول ابن الحداد، وهو مبني على أن الكسوة إمتاع والأول على القول بأنها تمليك.
ثم قال ما نصه: فإذا قلنا بمذهب ابن الحداد، فقد قال أبو إسحاق: إن لها أن تلبس ما دون المأخوذ كما في النفقة، والظاهر المنع، لما للزوج من غرض التزين. انتهى كلامه.
وما ذكره من تفريع الخلاف المذكور آخرًا على قول ابن الحداد غلط، بل الصواب وهو المذكور في الرافعي وغيره: تفريعه على مقابله، وهو طريقة الجمهور.
قوله: ولا تجب النفقة إلا يومًا بيوم.
وقال في القديم: تجب بالعقد، إلا أنه لا يجب التسليم إلا يومًا بيوم، ثم قال بعد ذلك: وللقولين فوائد عند المراوزة.
منها: لو اختلفا في التمكين فقالت المرأة: مكنت من وقت كذا، وأنكر، فإن قلنا بالجديد فالقول قوله وإلا فقولها، ومحل الخلاف مصور في الوجيز والوسيط بما إذا تنازعا في النشوز.
قال الرافعي: ولفظ الأكثرين كما صورناه، ويجب أن يكون ما ذكره محمولًا عليه.
ومنها إذا لم يطالبها بالزفاف، ولم تمتنع هي منه، ولا عرضت نفسها عليه، ومضت مدة فتجب النفقة على القديم، وأما على الجديد فلا، وهو ما حكى الإمام عن العراقيين القطع به. انتهى كلامه.
وما ذكره في الفائدتين للخلاف ذهول عجيب، وتناقض ظاهر وقع للرافعي، فتبعه عليه، فإن الفائدة الأولى حاصلها: أن الإيجاب في القديم بالعقد مشروط بالتمكين، والفائدة الثانية حاصلها: أن الإيجاب في القديم بالعقد مشروط بالتمكين، والفائدة الثانية حاصلها: أنه مشروط بعدم النشوز، وهو مناقض للأول، ثم إنه نقل الفائدتين معًا عن المراوزة وليس كذلك، ولا شك أن الأولى طريقة العراقيين، والثانية طريقة الخراسانيين، فأخذ تفريعين من طريقتين مختلفتين ذهولًا عن المدرك، فوقع فيما وقع، ويتلخص من الطريقتين ثلاثة أقوال:
أحدها: العقد وحده إلا أنه لا يستقر إلا بعدم النشوز.
والثاني: العقد بشرط التمكين.
والثالث: التمكين فقط، وفائدة الخلاف في الضمان وفيما لو حلف: لا مال له.
قوله: وإذا صامت تطوعًا، سقطت نفقتها.
وقيل: لا، ثم قال: وقال الماوردي: إن لم يدعها إلى الخروج منه بالاستمتاع، فهي على حقها، وإن دعاها فامتنعت- كانت ناشزة إن كان ذلك في أول النهار، وإن كان في آخره فلا، لقرب الزمان.
ويفهم من كلامه أنه لو دعاها إلى الخروج لغير الاستمتاع فلم تفعل، كانت على حقها، وهذا وجه حكاه في العدة ثالثًا.
قال الرافعي: وقد استحسن الروياني هذا التفصيل، والأكثرون سكتوا عنه. انتهى كلامه.
والتفصيل الذي نقل الرافعي استحسانه عن الروياني إنما هو الأول، وهو التفصيل
بين أول النهار وآخره لا الثاني، وهو التفصيل بين الأكل والاستمتاع، فاعلمه، فإنه عكس ما يقتضيه كلام المصنف على أن الثاني أيضًا حسن.
قوله: فرع: لو ادعت المرأة أن الزوج أبانها وأنكر، فالقول قوله، ولا تستحق عليه النفقة، قاله الرافعي في القسم والنشوز أصلًا مقاسًا عليه. انتهى كلامه.
وهذه المسألة مقيدة بما إذا لم تمكن الزوجة من نفسها، فأما إذا عادت ومكنت فإنها تستحق، فقد قال الشافعي في الأم: لو ادعت عليه أنه طلقها.
وفي السكنى قولان أصحهما عند العراقيين وغيرهم: الوجوب.
ثم قال ما نصه: ومحل الكلام في المسألة إذا لم يتقدم الموت طلاق، أما إذا تقدمه طلاق بائن فلا نزاع في وجوب السكنى. انتهى كلامه.
وما ادعاه من عدم النزاع ليس كذلك، فقد قال الرافعي قبيل الاستبراء بقليل: إن في كلام ابن الحداد ما يقتضي إجراء الخلاف فيه.
قوله: والجديد أنه لا يجوز الفسخ بالإعسار إلا بعد مضي ثلاثة أيام من وقت ثبوت إعساره.
ثم قال: الثالثة إذا مضت الأيام الثلاثة، فلها الفسخ صبيحة اليوم الرابع إن لم يسلم نفقته، وإن سلمها لم يجز الفسخ بما مضى، وليس لها أن تقول: آخذه عن نفقة بعض الأيام الثلاثة، لأن الاعتبار في الأداء بقصد المؤدي. انتهى كلامه.
وهذه المسألة التي ذكرها في آخر الكلام غلط تصويرًا وتعليلًا، وبيانه يتوقف على مسألة ذكرها عقب هذه المسألة فقال: الرابعة لو مضى يومان بلا نفقة ووجد نفقة اليوم الثالث وسلمها، وعجز في الرابع فيستأنف المدة أو يبني؟ فيه وجهان: أظهرهما البناء، فعلى هذا يصبر يومًا آخر، ويفسخ في اليوم الذي يليه. هذا كلامه.
إذا علمت ذلك، ظهر لك غلط ما تقدم، فإن عدم إجابة المرأة إلى أخذه عن أحد الثلاثة، وتعليله بأن الاعتبار بقصد المؤدي إنما يستقيم أن لو كان منه نفع للمرأة وليس كذلك، لأنا لو أجبنا المرأة لصار الرابع ثالثًا، وحينئذ فلا يفسخ إلا صبيحة الغد؟ لضرورة استكمال الثلاث، بل لا يفسخ إلا بعد تجديد الإمهال على وجه كما سبق، وكذلك الحكم لو حسبناها عن الرابع، وأعسر عن نفقة الغد، فإنها تفسخ من
غير تجديد للمدة على الأصح، كما ذكره الرافعي والمصنف بعد ذلك.
واعلم أن الرافعي قد وقع له هذا الغلط على كيفية هي أفحش مما وقع للمصنف، كما نبهت عليه في ((المهمات))، فتابعه عليه في الكتاب، وقد ذكر الإمام الغزالي المسألة على الصواب، فإنهما صوراها بما إذا سألت المرأة أن يأخذ ذلك عن نفقة ماضية ويفسخ الآن، والتصوير المذكور صحيح لا اعتراض عليه.