الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إزالة النجاسة
قوله: قلنا: قد قال به- أي: بنجاسة مني الآدمي- صاحب ((التلخيص)) تخريجًا، كما قاله القاضي الحسين وغيره، والماوردي قال: إن الكرابيسي حكاه عن القديم، وفي ((التتمة)) حكاه عن الشافعي ولم يقيده بالقديم، وأنه يكفي فيه الفرك، وسوى بين رطبه ويابسه. انتهى كلامه.
وما حكاه عن ((التتمة)) من كونه لم يقيد هذا القول بالقديم، وأن الفرك فيه كاف- كلاهما غلط، فقد قال في ((التتمة)) ما نصه: ويحكى عن القديم قول آخر- وهو مذهب مالك-: أن المني نجس، رطبًا كان أو يابسًا، ويجب غسله في الأحوال كلها. هذا لفظه بحروفه.
قوله: وفي ((التتمة)) حكاية وجه: أن القيء إذا لم يتغير يكون طاهرًا، وهو بعيد. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن صاحب ((التتمة)) لم يحكه وجهًا، بل جزم به.
الثاني: أن دعواه بعده ليس كذلك، ففي كتب المذهب- حتى ((الروضة)) وهذا الكتاب نفسه- أن البهيمة إذا أكلت حبًا ثم ألقته صحيحًا: فإن كانت صلابته باقية، وهو الذي لو زرع لنبت- كان طاهر العين، فيغسل ويؤكل، وإلا يكن نجسًا، وقياسه كذلك في القيء، بل أولى، لأن الخارج من الدبر أسوأ من الخارج من الفم، وحينئذ لو شب ماء وتقيأه فإنه يطهر بمكاثرته، وإن كان حبًا ونحوه غسله وأكله بالشرط المتقدم.
قوله: نعم، لو ماتت الدجاجة ونحوها وفي جوفها بيض ففي نجاسته ثلاثة أوجه، ثالثها: إن كان قويًا فهو طاهر، وإن كان ضعيفًا رخوًا فنجس.
ثم قال ما نصه: والقاضي الحسين والغزالي قالا: إن لم يتصلب فنجس، وإن تصلب فوجهان. وعليه جرى الرافعي. انتهى كلامه.
وما حكاه عن الرافعي من متابعتهما على هذه الطريقة غلط، فإن المذكور في
شرحيه ((الكبير)) و ((الصغير)) إنما هو الجزم بالوجه الثالث، ولم يذكر هذه الطريقة ولا غيرها مما يقتضي خلافًا.
قوله: واستدل غير الماوردي على نجاسة الخنزير بأنه أسوأ حالًا من الكلب، فإنه يجب قتله، ولا يجوز الانتفاع به، بخلاف الكلب. انتهى.
وهذا الذي ذكره من وجو بقتله خلاف المنقول، فإن منقول المذهب هو الاستحباب، حتى جزم به النووي في ((شرح المهذب)) هنا، وكذلك العمراني في ((البيان)).
قوله: وفي نجاسة الجزء المبان من الآدمي طريقان.
ثم قال: وطرد- أعني الرافعي- الخلاف في المبان من السمك والجراد ومشيمة الآدمي، وصحح القول بطهارة الجميع، والمذكور في ((تعليق)) أبي الطيب والبندنيجي و ((التتمة)): نجاسة الجميع. انتهى كلامه.
وما ذكر عن ((التتمة)) غلط، فإن المذكور فيها: أنها طاهرة في أصح القولين، كبعض الآدمي، ذكر ذلك في الباب الثاني في الماء النجس.
قوله: فرع: إذا رأى شعرًا ولم يعلم أنه طاهر أم نجس، فإن علم أنه شعر مأكول اللحم فهو طاهر، وإن علم أنه شعر غير مأكول فهو نجس، وإن شك فيه قال الماوردي: ففي طهارته وجهان من اختلاف أصحابنا في أصول الأشياء: هل هي على الحظر فيكون نجسًا، أو على الإباحة فيكون طاهرًا؟ وهذا فيه نظر، لأن الخلاف المذكور مفرع على القول بمسألة الحسن والقبح، ونحن لا نقول به. انتهى كلامه.
وما ذكره من أن الخلافة المذكور مفرع على الحسن والقبح كلام عجيب، فإنه لا ارتباط بينهما ولا مناسبة بالكلية، وكأنه لما سمع أن الأصوليين تنزلوا وسلموا للمعتزلة قاعدة التحسين والتقبيح، ومع ذلك لم يجزموا بحكم العقل فيه، بل حكوا فيه خلافًا لأصحابنا ولغيرهم- توهم أنه مفرع عليه. وليس كذلك، فإن مدرك الخلاف هاهنا إنما هو أدلة سمعية وأقيسة شرعية، لا التحسين والتقبيح العقلي، وذلك واضح عند أهل المعرفة بهذا الشأن.
قوله: ومن النجاسات: شعر الميتة، وعشر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حال حياته، ولبن ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي.
ثم قال: وظاهر قول الشيخ: وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حال حياته، يقتضي إدخال شعر الآدمي وإن قلنا بطهارة جثته
…
إلى آخر ما قال.
وما ذكره من شموله ليس كذلك، لأن الاستثناء والصفة ونحوهما إذا تعقبت جملًا عادت إلى الكل عند الشافعي، والشيخ قد قال بعده: غير الآدمي.
قوله: وما تنجس بذلك.
ثم قال: وعدول الشيخ عن قوله: وما لاقى ذلك، إلى ما ذكره، لأنا مع الملاقاة قد لا نحكم عليه بالنجاسة، وذلك في صور:
إحداها: الماء الكثير.
والثانية: القليل إذا وقع فيه ما لا يدركه الطرف.
والثالثة: إذا وجدت الملاقاة بين جافين. انتهى.
أهمل مع هذه الثلاث مسائل أخرى:
الأولى: ما لا نفس له سائلة.
ثانيها: الهرة إذا أكلت فأرة ونحوها، ثم غابت وولغت.
ثالثها: اليسير من الشعر الذي حكمنا بتنجيسه فلا ينجس الماء القليل، كما نقله في باب الأواني من ((الروضة)) عن الأصحاب.
قال: ولا يختص الاستثناء بشعر الآدمي في الأصح.
رابعها: الحيوان إذا كان على منفذه نجاسة، ثم وقع في الماء، فإنه لا ينجسه على الأصح، كما قاله الرافعي في شروط الصلاة.
خامسها: الصبي على التصوير المذكور في الهرة، كما ذكره ابن الصلاح في ((فتاويه)).
سادسها: الدخان النجس.
وقد أشار إليها المصنف بعد ذلك.
قوله: وإذا دبغ جلد الميتة جاز بيعه على الجديد، والقولان جاريان في إجارته، وفي أكله إذا كان مما يؤكل.
ثم قال ما نصه: وفي ((تعليق)) القاضي الحسين: أنا إذا قلنا: لا يجوز بيعه، فلا يحل أكله، وفي إجارته وجهان، وإن قلنا: يحل بيعه، تجوز إجارته، وفي حل أكله وجهان. انتهى كلامه.
وهذا التفصيل المذكور هنا قد ذكره الماوردي في ((الحاوي))، ولم يذكره القاضي حسين، وقد نبه عليه المصنف بخطه في حاشية الكتاب.
قوله: إذ الولوغ يختص بما إذا كان في الإناء شيء، أما إذا لم يكن فيه شيء فيقال:
لحس الإناء، والشرب أعم من الولوغ، فإن كل شرب ولوغ، ولا يلزم العكس. انتهى كلامه بحروفه.
وما ذكره من كون الشرب أعم سهو، وإنما هو أخص، وتعليله الذي ذكره يدل عليه، فإنه ضابط الأخص.
قوله: ووجهه في الكلب قوله- عليه الصلاة والسلام: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب))، وفي رواية:((إحداهن))، أخرجه مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه. انتهى كلامه.
واعلم أن رواية ((إحداهن)) لم ترد في رواية أبي هريرة، ولا خرجها- أيضًا- مسلم، وإنما الذي رواه مسلم عن أبي هريرة:((أولاهن))، ثم رواه- أيضًا- من ثلاث طرق أخر عن أبي هريرة- أيضًا- ولم يذكر فيه:((أولاهن)) ولا غيرها، بل اقتصر على الغسل سبع مرات. نعم، رواها- أعني ((إحداهن)) - الدارقطني من رواية علي، وقد نبه النووي على ذلك- أيضًا- في ((شرح المهذب)) فقال: رواية ((إحداهن)) غريبة لم يذكرها البخاري ومسلم ولا أصحاب الكتب المعتمدة، إلا الدارقطني، فإنه رواها من رواية علي. وذكر نحوه في كتاب ((الخلاصة))، وتقع في كتب الفقه:((أخراهن)) بالخاء المعجمة والراء، ولم أرها في شيء من كتب الحديث باللفظ الذي ذكروه. نعم، روى الشافعي والدارقطني:((أخراهن)) أو ((أولاهن))، وهي صحيحة كما قاله في ((شرح المهذب))، وروى مسلم- أيضًا-:((وعفروه الثامنة))، وهي في المعنى كرواية ((أخراهن))، على ما قرره الأصحاب.
قوله: ولا خلاف في أنه إذا وقعت في الإناء بعد الولوغ نجاسة كفاه غسله سبع مرات، بل لو وقعت قبل غسل السابعة كفته. انتهى كلامه.
وما ادعاه من نفي الخلاف تبع فيه النووي في ((شرح المهذب))، وليس كذلك، فقد حكى الرافعي في ((الشرح الصغير)) وجهًا: أن السبع لا تكفي، بل لابد من غسل ثامنة لأجل تلك النجاسة، فقال: ولا فرق بين أن يصيب الموضع نجاسة أخرى، كما إذا ولغ الكلب في الإناء ووقع فيه خمر، أولا يصيب، وفي وجهٍ: يغسل لتلك النجاسة، ثم لنجاسة الكلب. هذا لفظه.
قوله: وقد أبعد بعض الأصحاب فحكى قولًا: أن الجارية ملحقة بالغلام في النضح، لقول الشافعي: ولا يبين لي فرق بين الصبي والصبية.
ثم قال: والمذهب المشهور: الأول، ومراد الشافعي: أنه لا يبين لي بينهما فرق من
جهة المعنى وإن فرقت السنة بينهما. انتهى كلامه.
وما ذكره من رد القول وحمله على المحمل المذكور ذهول عن زيادة في آخر كلام الشافعي، فإنه قال: ولا يبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السنة الثابتة، ولو غسل بول الجارية كان أحب إلي، احتياطًا، وإن رش عليه ما لم تأكل الطعام أجزأ، إن شاء الله تعالى. هذا لفظه، نقله عنه البيهقي في ((سننه)) وابن الصلاح في ((مشكله)).
قوله: والدهن هل يمكن تطهيره أم لا؟ فيه خلاف.
ثم قال: والزئبق متفق على عدم إمكان غسله، قال القاضي حسين: لأنه لا يتقطع عند ملاقاة الماء على الوجه الذي يتقطع عند إصابة النجاسة. انتهى كلامه.
وما ذكره من الاتفاق غريب، فقد ذكر جماعة من الطريقين- أعني العراقيين والخراسانيين- ما يخالف ذلك:
فقال الشيخ أبو علي السنجي في ((شرح التلخيص)) والمحاملي في ((اللباب)) والبغوي في ((التهذيب)) وغيرهم: إنه إن لم يتقطع بعد إصابة النجس طهر بصب الماء عليه، وإن تقطع فكالدهن.
ورأيت- أيضًا- هذا التفصيل في ((التخليص)) لابن القاص وفي ((شرحه)) للقفال، وكذلك- أيضًا- ((شرحه)) للقاضي حسين، وفي ((عقود المختصر من نقاوة المعتصر)) للغزالي، إلا أنهم جزموا فقالوا: إن لم يتقطع طهر، وإن تقطع فلا.
قوله: وفي ((الحاوي)) و ((التتمة)) وجه نسبه الإمام إلى صاحب ((التلخيص)): أنه لا يعفي عن اللون الذي تعسر إزالته مطلقًا. انتهى.
واعلم أن المتولي إنما حكى الوجه في أنه لا يطهر، ثم صرح في آخر كلامه بأنه نجس معفو عنه، وأما ((النهاية)) فالذي نقله أيضًا إنما هو عدم الطهارة، ولا يلزم منه عدم العفو.