الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النذر
قوله: ولو نذر فعل معصية لغا نذره، وقيل: يلزمه كفارة يمين.
ثم قال: وعلى الخلاف يتخرج نذر الصلاة في الحيض، ونذر الصوم أيام العيدين والتشريق ونحو ذلك. نعم: لو نذر الصلاة في الأوقات المكروهة- فقد تقدم أن الكراهية كراهة تحريم، فيأتي فيه الخلاف مع وجه آخر- حكاه الأصحاب: أنه ينعقد نذره على القضاء في غيرها دون الوفاء به. وهذا هو المنقول. انتهى كلامه.
فيه أمران: أحدهما: أن ما ادعاه من أن الخلاف ليس بمنقول، وإنما هو على سبيل التخريج، وأن المنقول صحة النذر ووجوب الوفاء به في وقت آخر- غريب، فقد حكى فيه الرافعي في الكلام على الأوقات المكروهة وجهين، أضعفهما: ما ادعى المصنف انحصار النقل فيه، وأصحهما: أن نذره لاغٍ، وبناهما على أنه إذا تحرم بالصلاة في ذلك الوقت: هل ينعقد؟ إن قلنا: نعم- صح نذره، وإلا فلا. والغريب: أن المصنف قد حكاهما- أيضًا- هنالك. نعم: يصح له ما ادعاه في الوجه الثالث القائل بلزوم الكفارة، فإنهم لم يصرحوا به.
الأمر الثاني: أن القائل بصحة النذر لم يوجب فعلها في وقت آخر- كما ادعاه المصنف، بل قال: إن الأولى ذلك. وممن ذكره هكذا الرافعي والنووي.
قوله: ولو نذر شيئًا ولم يعلقه على شيء فقد قيل: لا يصح، لأنه لا يسمى نذرًا، والمذهب: أنه يصح، لعموم الأدلة، وما ذكره من أنه لا يسمى نذرًا ممنوع، لأن الله- تعالى- قال- حاكيًا عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا
…
} الآية [آل عمران:35]، فأطلق النذر ولم يذكر تعليقه. انتهى كلامه.
وما ذكره من كون هذه المقالة من كلام مريم- عليه السلام غلط عجيب وذهول، فإنه من كلام أمها لما كانت حاملًا بها، فاستحضر الآية تجده كذلك. نعم: وقع ذلك من مريم في قوله- تعالى-: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} الآية [مريم:26]، فاشتبه ذلك على المصنف.
قوله: والوجهان جاريان فيما لو نذر أن يحج من شوال، والأظهر- وهو اختيار
صاحب ((التهذيب)) -: اللزوم، وكذا لو نذر أن يحرم من بلد كذا. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من أن الأظهر أن زمان الإحرام يتعين بالنذر قد خالفه في باب كفارات الإحرام، في الكلام على قول الشيخ: ويجب عليه القضاء من حيث أحرم، فإنه جزم بأنه لا يتعين، ومثل بشوال كما مثل به هاهنا، وقد سبق ذكر لفظه هناك، فراجعه.
قوله: وإن نذر المشي إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
إلى آخره.
ثم قال في أثنائه ما نصه: بناء على الوجهين فيما لو نذر أن يعتكف شهرًا بصوم هل يجزئه أن يعتكف رمضان؟ انتهى.
وما ذكره هنا من حكاية الوجهين هو الصواب، وقد ادعى في باب الاعتكاف عدم الخلاف فيه، وسبق ذكر لفظه هناك والوعد بذكر هذا الموضع.
قوله: قال- يعني الشيخ-: وإن نذر المشي إلى ما سواهما من المساجد لم يلزمه
…
إلى آخره. ثم تكلم في أن نذر الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة هل يلزم أم لا؟ فقال ما نصه: لكن الرافعي ادعى أن الصحيح في هذه الصورة اللزوم. انتهى كلامه.
وما نقله عن الرافعي هنا قد وهم في نقله عنه، بل الصحيح عنده عدم التعيين، وقد سبق التنبيه عليه في باب الاعتكاف.
قوله: الثاني إذا نذر الصلاة في مسجد غير الثلاثة انعقد نذره بالصلاة، ولم تتعين عليه الصلاة في المسجد الذي عينه في نذره، بل له أن يفعلها في بيته.
ثم قال: ووراء ما ذكرناه وجوه:
أحدها: أنه إذا نذر أن يصلي ركعتين في مسجد تعين عليه الصلاة فيه، حكاه في ((الذخائر)).
والثاني- حكاه مجلي أيضًا-: أن من أصحابنا من قال: إذا نذر الصلاة في الجامع تعين عليه.
والثالث- حكاه في ((البحر)): أنه إذا نذر الصلاة في الجامع له أن يصلي في مسجد وإن لم يكن جامعًا. انتهى كلامه.
والوجه الأول المنقول عن ((الذخائر)) صحيح، وأما الوجه الثاني المنقول عنها فلم أر له ذكرًا فيها لا في هذا الباب ولا في باب الاعتكاف.
قوله- نقلًا عن الطبري في ((العدة)) -: لأن اسم البدنة من جهة اللسان غير واقع
على هذين الجنسين- يعني البقر والغنم- ثم قال: وما ذكره- يعني الطبري- فيه منازعة تظهر لك مما ذكرناه في باب كفارات الإحرام.
وهذه المنازعة التي أشار إليها باطلة، لأنها مبنية على ما نقله عن الأزهري هنا: أن ((البدنة)) تقع على الثلاثة، والنقل المذكور عن الأزهري غلط كما سبق بسطه، فراجعه.
قوله- في الكلام على نذر صوم سنة بعينها-: وإن كانت امرأة فحاضت قضت أيام الحيض في أصح القولين، لأن الزمان زمان الصوم فأشبه رمضان، وقد وافق الشيخ في تصحيحه البندنيجي، وأبا الحسين بن القطان، وأبا علي الطبري، وقال ابن كد: إنه المشهور. وحكى في ((البحر)) طريقة قاطعة به. والثاني: لا تقضي أيام الحيض، لأنها لا تقبل الصوم فلم تدخل في النذر كأيام العيد والتشريق ورمضان، وهذا ما صححه النووي. انتهى كلامه.
وهذا النقل الذي ذكره عن ابن القطان وأبي علي الطبري، وابن كج في دعواه المشهور- غلط، فإنه نقل عن المذكورين من ((الرافعي))، والرافعي نقل عنهم العكس فقال: ففي وجوب القضاء قولان:
أحدهما: لا يجب كيوم العيد.
والثاني: يجب كما في رمضان.
ثم قال ما نصه: وهذا أصح عند صاحب ((المهذب))، والأول أصح عند أبي علي الطبري وأبي الحسين بن القطان، ونسبه القاضي ابن كج إلى الجمهور، وتابعهم الروياني. هذا كلامه من غير زيادة عليه، ولما اختصره في ((الروضة)) وفي به فقال: أظهرهما: لا يجب كالعيد، وبه قال الجمهور، وصححه أبو علي الطبري وابن القطان والروياني. هذا لفظه، ولا شك أن النسخة التي وقعت لابن الرفعة سقط منها من لفظ ((عند)) إلى لفظ ((عند))، وأما نقله عن ((البحر)) طريقة قاطعة بالوجوب فليس كذلك، بل إنما نقلها في الفطر بالمرض.
قال:- يعني الشيخ-: ومن نذر صلاة لزمه ركعتان في أصح القولين، وركعة في الآخر: فإن قلنا بالأول فلا يجوز أن يصلي قاعدًا إلا أن يعجز.
ثم قال ما نصه: وإن قلنا بالقول الثاني جاز أن يصلي الركعة قاعدًا، كما صرح به البغوي، وحكى الرافعي في جواز القعود فيها وجهين، وقد خرج على القولين- أيضًا- ما إذا نذر
…
إلى آخر ما قال.
وما حكاه- رحمه الله عن الرافعي من أنا إذا فرعنا على القول الثاني، وهو لزوم الركعة: أن في جواز القعود وجهين- غلط، لم يذكره الرافعي، ولا توجيه له- أيضًا- من جهة المعنى، بل فرع الخلاف على الخلاف فقال: وقوله في الكتاب: تكفيه ركعة، ليعلم بالحاء والألف، وأراد بقوله: وكذا في الصلاة، التفريع على القول الأصح عنده، وهو التنزيل على أقل جائز، وهل يجوز أن يصلي قاعدًا مع القدرة على القيام؟ فيه وجهان، بناء على الأصل المذكور. هذا لفظه بحروفه، وذكر مثله في ((الشرح الصغير)) - أيضًا- وفي ((الروضة))، وسبب الغلط- والله أعلم-: أنه توهم في قول الرافعي: التفريع على القول الأول. أنه ابتداء كلام، ولم ينظر لما قبله، واشتبهت الواو في قوله)) وهل ((بالفاء، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وعليه المرجع والمآب.
تم الجزء الأول بحمد الله تعالى وعونه وبركة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
يتلوه في أول الجزء الثاني- إن شاء الله تعالى- كتاب البيوع، والحمد لله أولًا وآخرًا.
بلغ جميع هذا الجزء من أوله إلى آخره مقابلة محررة على يد كاتبه ومالكه على نسخة محررة شاهدت في حاشية آخر الجزء الذي نقلت منه ما مثاله بخط المؤلف- رحمه الله تعالى-: بلغ مقابلة محررة بالمسودة، كتبه مؤلفه، عفا لله عنه! انتهى آخر خط المصنف، وذلك في مجالس كثيرة آخرها يوم الأربعاء، التاسع عشر من شهر ربيع الآخر، من شهور سنة ست وستين وسبعمائة. وحسبنا الله ونعم الوكيل!