الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الوضوء
قوله في قول الشيخ: نوى رفع الحدث، أو الطهارة للصلاة، أو الطهارة لأمر لا يستباح إلا بالطهارة: كمس المصحف وغيره.
ثم قال: واحترز بقوله: للصلاة، عن نية مطلق الطهارة، فإنها لا تكفي عند الجمهور لترددها بين طهارة الحدث والخبث، واللغوية والشرعية، وحملوا ما نقله البويطي من قول الشافعي: لو نوى طهارة مطلقة أجزأه، على إرادة الطهارة للصلاة أو من الحدث. انتهى كلامه.
وما ذكره من حمل كلام الشافعي في ((البويطي)) على إرادة الصلاة غلطٌ، سببه: عدم الوقوف على كلام البويطي، فإنه قد صرح بالإجزاء وإن لم ينو الصلاة، فقال ما نصه: قال الشافعي: وإن نوى به الطهارة، ولم ينو به صلاة مكتوبة ولا نافلة ولا جنازة ولا قراءة مصحف- أجزأه أن يصلي به. هذا لفظه بحروفه، ومن ((البويطي)) نقلته.
قوله: وقد أفهم كلام الشيخ أمورًا.
منها: أن نيته على غير هذا النحو الذي ذكره لا تصح، وذلك يشمل صورًا لا يسلم بعضها من نزاع.
منها: ما إذا نوى استباحة ما لا يستباح إلا بالطهارة كالصلاة وغيرها، فإن المشهور من المذهب إجزاؤها، ويمكن أخذه من قول الشيخ: نوى رفع الحديث، لأنه يشمل ما إذا أتى مطابقة أو تضمنًا، ونية استباحة ما لا يستباح إلا بالطهارة تضمنت رفع الحدث.
وأيضًا: فإنه قد تعرض في صفة الغسل إلى أن نية الاستباحة كافية، وتعرض هنا إلى ذكر كيفية أخرى لم يتعرض لمثلها ثم، فكان كلامه في كل باب ينبه على ما يقبل مثله في الباب الآخر. انتهى.
وهذا الجواب الثاني سهو، فإنه لم يتعرض هناك لنية الاستباحة، بل ذكر مثل ما ذكر هنا، فقال: أو نوى الغسل لاستباحة ما لا يستباح إلا بالغسل. وهذا هو نظير قوله
هنا: أو الطهارة لأمر لا يستباح إلى بالطهارة. لا جرم أن المصنف هناك قد اقتصر على الجواب الأول.
قوله: ما إذا نوى رفع الحدث الأكبر، وقد جزم الماوردي بأن ذلك يجزئ، بخلاف ما إذا كان جنبًا فنوى رفع الحدث الأصغر لا يجزئه، لأنه يصح أن يرتفع الأدنى بالأعلى دون العكس، وفي ((الرافعي)) وجه: أنه لا يجزئ في الأولى- أيضًا- لأنه نوى طهارة غير مرتبة. وهو المختار في ((تلخيص)) الروياني، وقال القاضي الحسين: لعل الخلاف مبني على أن الحدث الأصغر يحل جميع البدن أم لا؟ فإن قلنا: يحل، أجزأ، وإلا فلا، إذ كيف يصح الفرض بنية النفل؟! وكيف كان الأمر فالصحيح الأول. انتهى.
واعلم أن ما ذكره في هذا الفصل غلط، لأن الرافعي وغيره ممن تكلم في المسألة فرضوا ذلك فيما إذا اغتسل، وكلام الشيخ الذي استدرك هذا عليه إنما هو في الوضوء.
قوله: نقلًا عن الشيخ، ويسمي الله- تعالى- ويغسل كفيه ثلاثًا، ثم يتمضمض
…
إلى آخره.
ثم قال ما نصه: واعلم أن بعضهم قال: إنما أتى الشيخ هنا بـ ((ثم))، وعطف بالواو فيما تقدم، لأن الغرض أن تجتمع النية مع التسمية مع غسل الكفين، لتكون النية مقارنة لهما.
قلت: وعلى هذا يعرض سؤال، وهو أن الأصحاب كافة قد استحبوا مساعدة اللسان القلب بالنطق للمنوي، وإذا كانت النية مقارنة للتسمية وغسل الكفين تعذر مساعدة اللسان للقلب. انتهى كلامه.
واعلم أن النقل في هذه المسألة على خلاف ما نقله فيها عن بعضهم استنباطًا من لفظ ((التنبيه))، وأقره عليه، وأورد عليه سؤالًا، فقد نص عليه الشافعي في ((المختصر))، فقال ما نصه: قال- الشافعي-: وإذا قام الرجل إلى الصلاة من نوم، أو كان غير متوضئ- فأحب أن يسمي الله- تعالى- ثم يفرغ من إنائه على يديه، ويغسلهما ثلاثًا. هذا لفظ الشافعي، وجرى عليه أئمة المذهب عند شرحهم له، وصرحوا بأن الأمر فيما كما قاله، حتى قال الشيخ أبو حامد في ((التعليق)): فأما الهيئة: فالتسمية أولًا، ثم غسل الكفين. وصرح به- أيضًا- الغزالي في ((الوسيط)).
والعجب منه في هذه المسألة حيث قال ما قال مع شهرة القائلين بها لا سيما
((الوسيط))، وكأن المصنف أخذ ما ذكره من ((الإقليد)) وهو شرح ((التبنيه)) للشيخ تاج الدين الفركاح، فإنه قال: يستحب في أول غسل الكفين اقتران النية والتلفظ بالتسمية، فتجتمع الثلاثة- وهي: القصد، والنطق، والفعل- في وقت واحد. هذا كلامه، وهو مدفوع بما ذكرته، والرجل قليل الخبرة بالمذهب، وولده أمثل منه فيه، فمن جهل نص إمامه وكلام مشاهير أصحابه في أشهر كتبه وكتبهم، في مسألة من أوائل الفقه- كيف حاله في غير ذلك؟!
قوله: نعم، إتيان الشيخ بالواو بين المضمضة والاستنشاق يعرفك أن تقديم المضمضة على الاستنشاق ليس شرطًا في تأدية السنة، وهو وجه في المسألة مع إجزائه يشترط إذا قلنا: إنه يفصل بغرفتين كما قاله الإمام، أو بست غرفات كما قال الرافعي وجعله أظهر، والماوردي أطلقهما. انتهى كلامه.
وما نقله عن الرافعي من اختصاص الوجهين بما إذا فرعنا على أنه يفصل بست غرفات غلط، فإن حاصل كلام الرافعي جريانهما مطلقًا، سواء قلنا يفصل بغرفتين أو بست، فإنه حكى أولًا قولين في أنه هل يفصل أو يجمع.
ثم قال ما نصه: فإن قلنا بالفصل ففي كيفيته وجهان:
أصحهما: أنه يأخذ غرفة يتمضمض منها ثلاثًا، وغرفة أخرى يستنشق منها ثلاثًا، لأن علي بن أبي طالب كذلك رواه.
والثاني: أنه يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاثًا للاستنشاق، لأنه أقرب إلى النظافة وأيسر. ثم على هذا القول تقدم المضمضمة على الاستنشاق، وهذا التقديم مستحق على أظهر الوجهين. هذا لفظ الرافعي بحروفه، وهو يبين لك أن المذكور في الكتاب سهو، وكان سببه: أن الرافعي لما ذكر الوجهين عقب الوجه القائل بالست توهم عودهما إليه، ذاهلًا عن تعبير الرافعي بقوله:((ثم على هذا القول))، فإنه صريح في أن مراده قول الفصل، وأما الفصل بست فإنه وجه لا قول.
واعلم إن إمام الحرمين لم يحك على قول الفصل إلا الفصل بغرفتين فقط، ولم يذكر الفصل بست، فحكايته للوجهين في اشتراط التقديم- تفريعًا على أنه يفصل بغرفتين- ليس لمعنى في الغرفتين دون الست، كما دل عليه نقله عن الرافعي في عكسه، بل لأن الإمام لم يحك إلا ذلك، فاعلمه.
قوله- بعد حكاية قول الفصل والجمع-: وهذا الخلاف في الأفضل بلا خلاف، حتى لو تمضمض واستنشق كيف كان أدى سنتهما. انتهى.
وما ادعاه من عدم الخلاف كأنه قلد فيه النووي في ((شرح المهذب))، وهو غريب، ففي ((النهاية)) الجزم بامتناع الخلط إذا شرطنا الترتيب بين المضمضة والاستنشاق، فإنه قال: وقطع أصحاب القفال بأن ترتيب الاستنشاق على المضمضة مأمور به، والخلط يجزئ إذا قلنا: الترتيب ليس مأمورًا به، والخلط وإن أجزأ إذا لم نشترط الترتيب ليس مأمورًا به. هذه عبارته، وهي تحتاج إلى تأمل.
قوله: ولو كان عليه شعر خفيف وكثيف غسل ما تحت الخفيف دون الكثيف، والماوردي خص ذلك بما إذا تميز أحدهما عن الآخر، فإن لم يتميز وجوب غسل ما تحت الجميع، لما في الإفراد من المشقة، وقيل: إنه يجب غسل ما تحت الجميع مطلقًا، قال الرافعي: وهو المذكور في ((التهذيب)). انتهى.
واعلم أن هذا النقل عن ((التهذيب)) غلط، فإن المجزوم به في ((التهذيب)) أن لكل واحد حكمه، ولكن الرافعي وقع له هذا الغلط، ولم يتفطن له المصنف. نعم، الخلاف ثابت وإن ثبت غلط النقل عن ((التهذيب))، فقد جزم القاضي الحسين بالوجوب، كذا رأيته في ((شرح التلخيص)) له، وهو كتاب عزيز الوجود.
قوله: فرع: إذا حلق الشعر الذي لا يجب غسل ما تحته بعد إفاضة الماء عليه لا يجب غسل ما تحته، وكذا في الشعر إذا حلق بعد المسح عليه لا يعيد المسح على الرأس، بخلاف ما إذا ظهرت الرجل من الخف بعد المسح، والفرق: أن الشعر هنا أصل، بدليل أنه لو غسل ما تحته فقط أجزأه في الأصح، وعن ابن خيران: إلحاق شعر الرأس بالخف، وهو بعيد. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن تعبيره بـ ((الأصح)) فيما إذا غسل ما تحت شعر الوجه صريح في إثبات الخلاف في إجزائه، ولم يذكر ذلك أحد علمناه مع شدة الفحص، بل ولا هو- أيضًا- في الموضع الذي أحال عليه، وهو الكلام على مسح الرأس، وإنما نقل عدم الإجزاء عن القاضي فقط، واقتصر عليه.
الثاني: أن ما نقله عن ابن خيران قد حكاه عنه الإمام ومن تبعه، وهو تحريف، فإن القائل به إنما هو ابن جرير، فلا خلاف إذن في المسألة، وممن نبه عليه النووي في ((شرح المهذب)) وفي غيره، وأشار إليه هو- أعني المصنف- في موضعه.
قوله: وإذا خلق له يد زائدة أو إصبع زائدة أو سلعة في محل الفرض وجب غسل
ذلك، ولو خلق ذلك في غير محل الفرض لم يجب غسله، إلا أن يحاذي شيء منه شيئًا من محل الفرض، فيجب غسل المحاذي فقط. وفي ((الشامل)) و ((الحاوي)) وغيرهما حكاية وجه: أنه لا يجب، اعتبارًا بمنبته، قال الرافعي: وقد صار إلى تقريره كثير من المعتبرين.
ثم قال: والراجح عند كثير من الأصحاب هو الأول، وبه جزم البندنيجي والإمام، بخلاف ما إذا انكشطت جلدة من العضد وتدلت منه لا يجب غسل شيء منها، سواء قابل محل الفرض أم لا، لأن اسم ((اليد)) لا يقع عليها. انتهى.
وما حكاه من الخلاف في وجوب غسل ما حاذى محل الفرض من السلعة ليس له ذكر في شيء من هذه الكتب التي أضاف نقله إليها، فضلًا عن أن يكون هو الصحيح، فإنهم إنما حكموه في اليد الزائدة، وأما السلعة فإن بعض المذكورين لم يتعرض لها، وبعضهم تعرض لها وجزم بعدم الوجوب، وما ذكره المصنف من الفرق بعدم وقوع اسم ((اليد)) منبه على الصواب لمن تنبه، وقد تفطن المصنف في شرح ((الوسيط)) فصرح فيه بالتقرير الذي ذكرته، وبأنه لا خلاف في عدم الوجوب.
قوله: لأن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ، فأحسن وضوءه.
ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صادقًا من قلبه- فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)) أخرجه مسلم. انتهى كلامه.
وهذا اللفظ كله لم يخرجه مسلم عن عمر، بل لفظه في الرواية عنه:((ما منكم من أحد يتوضأ، فيبلغ أو يسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله- إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء))، وهو مغاير لما ذكره المصنف من وجوه، فتأمله. وفي رواية له:((من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله))، هذا هو ما ذكره مسلم فاعتمده، ولا تغتر بنقل غيره عنه.