الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجِنايات
4542 -
كذا عبر به "التنبيه" و"الروضة"(1)، وهو أحسن من تعبير "المنهاج" و"المحرر" بالجراح (2)؛ لأن الجناية قد تكون بغير جراح؛ كالمثقل والتجويع ونحوهما، لكن الجراح أغلب طرقها؛ فلذلك عبر به "المنهاج".
4543 -
قول "التنبيه"[ص 213]: (الجناية ثلاث: خطأ، وعمد، وعمد خطأ) أحسن من قول "المنهاج"[ص 468]: (الفعل المزهق) لتناوله غير المزهق، وقد ذكره "المنهاج" بقوله بعد ذلك [ص 475]:(يشترط لقصاص الطرف ما شُرط للنفس).
4544 -
قول "التنبيه"[ص 214]: (والعمد: أن يقصد الجناية بما يقتل غالباً) يرد عليه: أنه لا بد من قصد الشخص المجني عليه بعينه، فلو قصد شخصاً فأصاب غيره .. فهو خطأ، وكذا لو قصد إصابة أحد رجلين كما في "الروضة" وأصلها في أوائل (الجنايات) وفي الكلام على المنجنيق (3)، واعتمده في "المهمات".
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الأرجح المعتمد، وصحح في "الروضة" من زيادته قبيل (الديات): وجوب القصاص (4)، وانعكس ذلك على النشائي (5)، ومشى "المنهاج" على الأول فقال [ص 468]:(وهو - أي: العمد -: قصد الفعل والشخص بما يقتل غالباً؛ جارحٌ أو مُثَقَّل) و"الحاوي" فقال [ص 555]: (وفي العمد بأن قصد الفعل والشخص، المحض، بأن يهلك غالباً) ثم قال: (وبجارح كثيراً) ومع ذلك فأورد عليهما شيخنا الإمام البلقيني: أنه لا بد مع قصد الشخص من أن يعرف أنه إنسان، ثم حكى عن "الصحاح" أن الشخص: سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد (6)، قال: فلو رمى شخصًا اعتقده نخلة فكان إنسانًا .. لم يكن عمداً على الصحيح، وبه قطع الشيخ أبو محمد.
وقال السبكي: إن أريد بما يقتل غالباً: الآلة .. ورد غرز الإبرة في مقتل أو في غيره مع الورم والألم إلى الموت؛ فإنه عمد والآلة لا تقتل غالبًا، وإن أريد: الفعل .. ورد إذا قطع أنملة إنسان
(1) التنبيه (ص 213)، الروضة (ص 9/ 122).
(2)
المحرر (ص 386)، المنهاج (ص 468).
(3)
فتح العزيز (10/ 120، 458)، الروضة (9/ 123، 342).
(4)
الروضة (9/ 254).
(5)
انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه"(ق 168).
(6)
الصحاح (30/ 1042).
فسرت الجراحة إلى النفس، أو غرز إبرة في غير مقتل وأعقبت ورمًا .. فالقصاص واجب والفعل لا يقتل غالبًا، ثم قال: اعتبار الآلة مطلقًا لا معنى له وإن صرح به القفال الشاشي في "محاسن الشريعة"(1) والجويني في "مختصر المختصر" والفوراني والمتولي، ألا ترى أنه لو ضربه بعصا صغيرة في مقتل أو في غيره، في شيخ كبير أو ضعيف، أو حر شديد أو برد شديد، أو والى به الضرب ضى مات بحيث كان ذلك الفعل بتلك الآلة في ذلك الشخص يقتل غالباً .. فإنه يجب القود، وأيضا فقد يضربه بمثقل كبير ضربة خفيفة لا يقتل مثلها غالبا لكنه يحتمل ويتفق الموت منها، قال: فلا ينبغي أن يغتر بكلام من ذكرنا؛ فإن مرادهم: أن القصاص لا يختص بالآلة المحددة خلافًا لأبي حنيفة، فاسترسلوا في كلام لم يقصدوا مفهومه، قال: وأما مسألة قطع الأنملة فصعبة، قال الإمام: وإيجاب القصاص فيها لا توقيف فيه، وإنما تلقاه العلماء من تصرفهم في العمد (2).
قال السبكي: وليس استشكال الضابط بأولى من استشكال الحكم فيها إذا لم يرد توقيف، إلا أن يكون فيه إجماع، قال: ومع تسليم الحكم لا يمكن الجواب عنها، إلا بأن يقال: المراد بما يقتل غالبا في المحدد: الآلة، وفي المثقل: الفعل، وقد يستفاد ذلك من كلام صاحب "التنبيه" إذ وافق على الحد المذكور، ثم قال: فإن جرحه بما له مَوْر من حديد أو غيره فمات منه .. وجب القود، ولم يفصّل، ثم ذكر المثقل وفصل فيه، وكذلك صاحب "التهذيب" قال: وهذا إن كان مدركه أن المحدد يقتل في الغالب؛ فذلك شيء لا تنقاد النفس لقبوله (3).
قال ابن الصباغ: ألا ترى أن الناس يحتجمون ويفتصدون، أفترى ذلك يقتل في الغالب وهم يقدمون عليه؛ ! وإن كان مدركه مزيد احتياط في المحدد .. فسيأتي الكلام عليه.
وخص "الحاوي" اعتبار الهلاك غالباً بالمثقل، واكتفى في الجارح بالهلاك كثيراً، وتبع فيه الغزالي (4).
وقال السبكي: هو الذي يدل عليه نصه في "الأم"، ويوافقه كلام كثير من الأصحاب تصريحا وتعريضا.
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه كلام لا يقوم عليه دليل ولا شاهد من نصوص صاحب المذهب، مع كون شيخنا يوافقه على اختصاص اعتبار الهلاك غالبا بالمثقل، لكنه يكتفي في
(1) محاسن الشريعة (ص 527).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 41).
(3)
التهذيب (7/ 32).
(4)
الحاوي (ص 555)، وانظر "الوجيز"(2/ 126).
الجارح بأن يكون له وقع وتأثير بحيث يظهر القتل به، وقال: إنه صريح نص الشافعي في "الأم".
وظاهر نص "المختصر" ومقتضى كلام الأصحاب، وقال: إن قول "المنهاج"[ص 468]: (بجارح أو مثقل) زيادة على "الروضة" وأصلها، وإن اعتبار القتل غالبًا في الجارح لا يعرف في كلام الشافعي ولا أحد من أصحابه، ومع ذلك: فيخرج عن هذا التقييد التجويع ونحوه، فكان حذفه أولى.
ثم أورد على نفسه: أن في "أصل الروضة" في شريك السبع أن الخلاف فيما إذا كان جرح السبع يقتل غالباً (1).
ثم أجاب عنه: بانه إنما اعتبر فيه أن يقتل غالبًا؛ لأنه ليس بجارح عادة.
وأورد شيخنا الإمام البلقيني أيضاً على تفسير العمد بما تقدم: أن العمد يتعلق به القصاص والدية المغلظة وإيجاب القصاص على شريك المتعمد فيتقيد كلامهم بأمرين:
أحدهما: أن من قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبًا بجهة حكم ثم ظهر الخلل في مستند الحكم بلا تقصير؛ كما لو ظهر الشاهدان عبدين أو فاسقين .. فأظهر القولين: أن حكمه حكم الخطأ حتى تجب الدية مخففة على العاقلة، قال: والقياس المعتمد: أن شريكه كشريك المخطئ، ولم أر من تعرض له.
ثانيهما: لو رمى إلى حربي فأسلم ثم أصابه السهم فمات .. فالأصح في "الروضة": أن الواجب دية خطأ (2)، لكن المعتمد: أنها حالّة في مال الرامي، ولو اقتص الوكيل جاهلاً بعزله أو بعفو الموكل .. فالدية مغلظة على المشهور حالّة على الوكيل على الأصح فيهما، وشريكه شريك متعمد على المعتمد وإن لم يذكروه.
4545 -
قول "التنبيه"[ص 213، 214]: (فالخطأ: أن يرمي إلى هدف فيصيب إنساناً) مثال، ولا ينحصر الخطأ فيه، وعبارة "المنهاج" [ص 468]:(فإن فُقِدَ قَصْدُ أحدهما؛ بأن وقع عليه فمات، أو رمى شجرة فأصابه .. فخطأ) ويرد عليه: ما لو رمى إلى شخص ظنه شجرة فبان إنسانًا .. فهو خطأ على الصحيح كما تقدم.
قال شيخنا الإمام البلقيني: وكذلك يرد عليه ما ثبت فيه حكم الخطأ مما تقدم مع أنه قصد الفعل والشخص بالقتل، وكذلك خطأ التعزير والأدب والطب وغيرها مما هو مقرر في (ضمان الولاة)، ولا بد فيه أيضًا من كون الفعل فيه له مدخل في الإهلاك، والوقوع عليه ليس مثالاً لفقد قصد أحدهما، بل لفقدهما، وقصد الشخص دون الفعل متعذر.
(1) الروضة (9/ 162).
(2)
الروضة (9/ 256).
4546 -
قول "التنبيه"[ص 214]: (وعمد الخطأ: أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبًا) لم يذكر الشخص كما فعل في العمد، وعبارة "المنهاج" [ص 468]:(قَصَدهما بما لا يقتل غالباً) ولابد مع ذلك من أن يكون له مدخل في الإهلاك، وألأَ يكون مأذوناً فيه شرعًا كالتعزير ونحوه.
وأيضاً فلو قال الشاهدان الراجعان: لم نعلم أنه يقتل بقولنا، وكانا ممن يخفى عليهما ذلك .. فحكمه حكم شبه العمد مع وجود قصد الشخص والفعل بما يقتل غالبًا.
4547 -
قول "المنهاج"[ص 468]: (ومنه: الضرب بسوطٍ أو عصا) محله في العصا الصغيرة بشروط، أما الكبيرة التي تقتل غالباً .. فيجب بها القصاص، وقد فصل ذلك "التنبيه" فقال [ص 214]:(وإن ضربه بمثقل كبير أو بمثقل صغير في مقتل أو في رجل ضعيف، أو في حر شديد أو برد شديد، أو والى به الضرب فمات .. وجب عليه القود) ودخل في الضعيف ما لو لم يعلم بضعفه وهو الأصح، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك (1).
وخرج بالموالاة ما لو فرَّقها حتى مات، وفيه وجهان في "أصل الروضة" بلا ترجيح (2)، وقال المسعودي: لو ضربه ضربة وقصد ألَّا يزيده عليها، فشتمه المضروب، فضربه ثانية، ثم شتمه فضربه ثالثة حتى قتله .. فلا قصاص؛ لعدم المولاة، قال الرافعي: وينبغي ألَّا ينظر إلى صورة الموالاة، ولا تقدر مدة التفريق، بل يعتبر أثر الضربة السابقة والآلام الحاصلة بها، فإن بقيت ثم ضربه أخرى .. فهو كما لو والى (3).
قال شيخنا الإمام البلقيني: هذا ممنوع؛ فإنه في كل ضربة لم يقصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا، بخلاف ما لو قصد ولاء الضرب ووالى الضربات .. فإنا نوجب عليه القصاص نظراً إلى قصد الشخص والفعل بمجموع فعل يقتل غالباً، والضربة السابقة لا قصاص بها، فكيف يجب القصاص بالتي بعدها، وهي لو كانت قاتلة .. لكان كالجارح جراحتين إحداهما عمد والأخرى خطأ؟ !
4548 -
قول "التنبيه"[ص 214]: (وإن غرز إبرة في غير مقتل؛ فإن بقي منها ضَمِناً - أي: متألمًا - حتى مات .. وجب القود) يقتضي أنه لا يشترط مع ذلك حصول ورم، وكذا صححه النووي في "شرح الوسيط"، وكذا قال شيخنا الإمام البلقيني: الصحيح: أنه يجب إذا كان مثله يقتل غالبًا، واشترطه في "الروضة" وأصلها (4)، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 468]:(وكذا بغيره إن تورم وتألم حتى مات) واعتمده شيخنا الإسنوي في "تصحيحه"(5)، واقتصر "الحاوي"
(1) المنهاج (ص 471).
(2)
الروضة (9/ 126).
(3)
انظر "فتح العزيز"(10/ 126، 127).
(4)
فتح العزيز (10/ 124)، الروضة (9/ 125).
(5)
تذكرة النبيه (3/ 400).
على الورم فقال [ص 555]: (وغرز إبرة بورمٍ) ولم يذكر الألم؛ للزومه للورم.
4549 -
قول "التنبيه"[ص 214]: (وإن مات في الحال .. فقد قيل: يجب، وقيل: لا يجب) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 468]:(فشبه عمد، وقيل: عمد، وقيل: لا شيء) وهو مفهوم تعبير "الحاوي" المتقدم.
قال في "المنهاج"[ص 468]: (ولو غرز فيما لا يؤلم كجلدة عقب .. فلا شيء بحال) ولمحل الخلاف أيضاً شرطان:
أحدهما: في "الرقم" للعبادي أن الغرز في بدن الصغير والشيخ الهمّ ونضو الخلق .. يوجب القصاص بكل حال، وجعل التفصيل والخلاف في غيرهم.
ثانيهما: في "الكفاية" عن جماعة: أن محل الخلاف: فيما إذا لم يبالغ في إدخالها، فإن بالغ فيه .. وجب القود جزماً (1).
4550 -
قول "المنهاج"[ص 468]: (ولو حبسه ومنعه الطعام والشراب والطلب حتى مات؛ فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالباً جوعاً أو عطشاً .. فعمدٌ) كذا لو منعه أحدهما فمات بسبب منعه، أما إذا منعه الماء دون الطعام فامتنع من الأكل خوفاً من العطش فمات جوعاً .. فلا قصاص قطعاً ولا دية في الأصح (2)، ولو حبسه ولم يمنعه شيئًا فترك الأكل خوفاً أو حزنا والطعام والماء عنده، فمات جوعا أو عطشا، أو مات حتف أنفه أو بحية أو بهدم؛ فإن كان عبداً .. ضمنه باليد، وإن كان حراً .. لم يضمنه، ولو حبسه وعرّاه فمات بالبرد .. فكما لو منعه الأكل، قاله القاضي حسين.
4551 -
قوله: (وإلا؛ فإن لم يكن به جوعٌ وعطشٌ سابقٌ .. فشبه عمدٍ، وإن كان به بعض جوعٍ وعطشٍ وعلم الحابس الحال .. فعمدٌ، وإلا .. فلا في الأظهر)(3) المراد: أنه حبسه مدة إذا أضيفت إلى مدة جوعه أو عطشه السابق .. بلغت المدة القاتلة، فإن كان مجموع المدتين لا يبلغ ذلك .. فهو كما لو لم يكن به شيء سابق، ذكره شيخنا ابن النقيب، وقال: قلته تفقهًا، ولا بد منه، وهو مرادهم بلا شك (4).
قلت: هو معلوم مما ذكره في القسم الذي قبله، وعلى هذا أيضًا يحمل قول "الحاوي" [ص 555]:(وتجويع جائع بعلمه) ولم يذكر التعطيش، وهو مثله، وقد يفهم من تعبير "المنهاج"
(1) في حاثية (ج): (قال في "العجالة": وعبارة الرافعي صريحة في جريان الخلاف في هذه الحالة).
(2)
في حاثية (ج): (فائدة: ولو منعه الطعام وحده .. فيتجه إلحاقه بما لو منعهما. قاله ابن الملقن في "العجالة").
(3)
انظر "المنهاج"(ص 468).
(4)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(7/ 148).
بالعمد وعدمه: أنه إذا آل الأمر إلى الدية .. وجبت دية العمد كاملة إن قلنا: عمد، ودية شبه العمد كاملة إن قلنا بمقابله، ولكن الأظهر في "أصل الروضة" تفريعًا على عدم القصاص: أنه يجب نصف العمد أو شبه العمد؛ ولهذا قال "الحاوي"[ص 555]: (وإن جهل النصف).
4552 -
قول "التنبيه"[ص 214]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 682]: (وإن شهد على رجل فقتل بشهادته ثم رجع وقال: تعمدت ذلك .. وجب عليه القود) شرطه أن يقول: تعمد صاحبي أيضاً، فلو اقتصر على قوله:(تعمدت) .. فلا.
4553 -
قول "المنهاج"[ص 469]: (فلو شهدا بقصاص فقتل ثم رجعا وقالا: تعمدنا .. لزمهما القصاص) فيه أمران:
أحدهما: اعتبر في "أصل الروضة" مع التعمد أن يقولا: وعلمنا أنه يقتل بقولنا (1)، فإن لم يقولا ذلك .. ففي (باب الرجوع عن الشهادة): إن كانوا ممن لا يخفى عليهم ذلك .. وجب القصاص، وإن جاز خفاؤه عليهم لقرب إسلامهم .. فالذي قاله الأصحاب: أنه شبه عمد، ومال الإمام إلى وجوب القصاص، وحكاه الروياني وجهًا شاذاً مأخوذاً من ضرب المريض ضربا يقتل المريض دون الصحيح ولم يعلم مرضه (2)، وأشار إليه "الحاوي" بقوله [ص 682]:(أو ما (3) علمت يقتل بقولي) وقد عرفت أن محله: مع جواز خفائه عليه، فلو قالوا: لم نعلم أنه يقتل بشهادتنا؛ لظهور أمور فينا يقتضى ردها ولكن الحاكم قصر .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: هو شبه عمد كالذي قبله، ولم أر من تعرض له.
ثانيهما: أنه يرد على مفهومه ما لو قال كل منهما: تعمدت ولا أعلم حال صاحبي، أو اقتصر على (تعمدت) .. فإنه يلزمهما القصاص كما في "أصل الروضة" في رجوع الشهود عن البغوي وغيره (4).
4554 -
قول "المنهاج"[ص 469]؛ (إلا أن يعترف الولي بعلمه بكذبهما) فيه أمور:
أحدها: أن المراد: اعترافه بعلمه بذلك حين القتل، وهو مفهوم من تعبير "المحرر" بلفظة (كان)(5)، أما لو اعترف بعلمه به بعد القتل .. لم يسقط القصاص عنهما.
ثانيها: يرد على حصره ما لو اعترف القاضي بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل دون الولي .. فالقصاص على القاضي دون الشهود ولو اعترفوا.
(1) الروضة (9/ 129).
(2)
الروضة (11/ 299، 300).
(3)
في النسخ: (لا ما)، ولعل الصواب ما أثبت من "الحاوي".
(4)
الروضة (11/ 299).
(5)
المحرر (ص 386).
ثالثها: المراد بالولي هنا: ولي المقتول، أما لو قال ولي القاتل: أنا أعلم كذبهما في رجوعهما وأن مورثي قتل .. فلا قصاص عليهما، وهذا واضح.
واعلم: أن المقتضي لوجوب القصاص عليهما هو رجوعهما مع اعترافهما بالتعمد، لا كذبهما، حتى لو تيقنا كذبهما؛ بأن شاهدنا المشهود بقتله حيأ .. فلا قصاص عليهما؛ لاحتمال عدم تعمدهما.
4555 -
قول "التنبيه"[ص 214]: (وإن أكره رجلاً على أكل سم فمات منه .. وجب عليه القود) يتناول إيجاره وإكراهه حتى أكله بنفسه، وفي الثانية قولان حكاهما الداركي وغيره وحكى الرافعي عن "العدة": أن أصحهما: الوجوب، ثم قال: والوجه أن يكون كإكراهه على قتل نفسه (1)، ومقتضاه: تصحيح عدم الوجوب، وأرسل في "الروضة" تصحيح الوجوب، وهو مخالف لما ذكر بعده أنه الوجه (2)، وهو الذي صرح في "الكفاية" بنقله عن تعليق القاضي حسين و"التتمة" و"النهاية"(3)، كذا اقتصر في "المهمات" على هذا النقل، لكن الرافعي قد ذكر هذا البحث بعد ذلك نقلًا فقال بعد حكاية القولين في إكراهه على قتل نفسه: ويجري القولان فيما لو في "الروضة" على ذلك (4).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس الوجه أن يكون كإكراهه على قتل نفسه؛ لأن شرب السم قد يُرجى منه الشفاء، بخلاف قتل النفس؛ فكان الأظهر هنا: وجوب القصاص بخلاف إكراهه على قتل نفسه، وجزم الشيخ أبو حامد وغيره بالوجوب في صورة السم، وهو مقتضى نص "الأم"(5)، قال: وينبغي أن محل القولين: إذا علم الشارب أنه سم قاتل، فإن لم يعلم .. وجب القصاص على المكره قطعًا. انتهى.
وقد عرفت أن ما بحثه منقول، والله أعلم.
4556 -
قوله: (وإن قال: لم أعلم أنه سم قاتل .. ففيه قولان)(6) الأصح: الوجوب.
4557 -
فوله: (وإن خلط السم بطعام فاطعمه رجلاً، أو خلطه بطعام لرجل فأكله فمات .. ففيه قولان)(7) فيه أمور:
(1) انظر "فتح العزيز"(10/ 131).
(2)
الروضة (9/ 130).
(3)
نهاية المطلب (16/ 59).
(4)
فتح العزيز (10/ 131)، الروضة (9/ 130).
(5)
الأم (6/ 42).
(6)
انظر "التنبيه"(ص 214).
(7)
انظر "التنبيه"(ص 214).
أحدها: أن الأصح: عدم الوجوب، كذا صححه في "الروضة" و"المحرر" و"المنهاج" و"تصحيح التنبيه"(1)، والذي في "شرح الرافعي" نقل ترجيح الوجوب عن الروياني وغيره، قال: ومال الإمام وغيره إلى ترجيح المنع؛ وهو قياس ما سبق في مسائل التغرير والمباشرة (2).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن الوجوب مذهب الشافعي؛ فإنه رجحه فقال: إنه أشبههما (3).
ثانيها: أن محل الخلاف: في البالغ العاقل، فلو فعل ذلك بصبي أو مجنون .. وجب القصاص قطعًا، ذكره في "المنهاج"(4)، ومثلهما الأعجمي الذي يعتقد وجوب الطاعة فيما أمر به، قال الرافعي: ولم يفرقوا في الصبي بين المميز وغيره، ولا نظروا إلى أن عمده عمد أو خطأ، قال: وللنظر فيه مجال (5).
قال شيخنا الإمام البلقيني: والذي نص عليه في "الأم" وصرح به الشيخ أبو حامد عن النص والماوردي والمحاملي في "التجريد" وابن الصباغ والسرخسي والمتولي وغيرهم أن إيجاب القصاص إنما هو في غير المميز، فأما المميز .. فكالبالغ (6)، وفي "أصل الروضة" عن البغوي فيما لو أمر مجنوناً له تمييز بقتل شخص .. أنه لا شيء على الآمر سوى الإثم (7)، فإن صح ما قاله البغوي .. اقتضى أن المجنون الذي له تمييز هنا كالعاقل.
ثالثها: قيد "المنهاج" المسألة الثانية بما إذا كان الغالب أكله منه (8)، وكذا في "الروضة" وأصلها (9)، وأسقطه في "المحرر".
وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يذكر الشافعي هذا القيد، وليس بمعتبر؛ لأن من رمى إلى شخص فقتله .. لا يعتبر أن تكون الإصابة غالبة، بل العبرة في المرمي به أن يكون سلاحاً ينهر الدم ويشق اللحم أو غيره يقتل غالبا من غير غلبة الإصابة، كذلك هنا.
رابعها: شرطه: ألَّا يعلم الضيف حال الطعام، فإن علم أنه مسموم .. فلا شيء على الذي ضيفه، ذكره في "المنهاج"(10).
(1) المحرر (ص 386، 387)، المنهاج (ص 469)، الروضة (9/ 130)، تصحيح التنبيه (2/ 157)، تذكرة النبيه (3/ 403).
(2)
فتح العزيز (10/ 131)، وانظر "نهاية المطلب"(16/ 65).
(3)
انظر "الأم"(6/ 43).
(4)
المنهاج (ص 469).
(5)
انظر "فتح العزيز"(10/ 131).
(6)
الأم (6/ 43).
(7)
الروضة (9/ 141)، وانظر "التهذيب"(7/ 68).
(8)
المنهاج (ص 469).
(9)
فتح العزيز (10/ 131)، الروضة (9/ 131).
(10)
المنهاج (ص 469).
خامسها: تسويته بين الصورتين في حكاية القولين كذلك هو في "المنهاج"(1)، وفي الثانية طريقة قاطعة بنفي القصاص، ومال إليها شيخنا الإمام البلقيني؛ لأن الشافعي حكى القولين في الأولى، وقال: أشبههما: إيجاب القود، وجزم في الثانية بعدم القود، ثم قال: وفيها قول آخر: أنها كالمسألة الأولى، قال: وهو ظاهر في ترجيح الطريقة القاطعة بالمنع (2).
سادسها: أنهما أطلقا السم، ويعتبر كونه يقتل غالباً كما نص عليه الشافعي والأصحاب، وفيه وجه أو قول في "الروضة"(3) لأن للسم نكاية في الباطن كالجراحة.
4558 -
قول "المنهاج"[ص 469]: (ولو ألقاه في ماء لا يُعَدُّ مغرقاً كمنبسطٍ فمكث فيه مضطجعاً حتى هلك .. فَهَدَرٌ) قيده في "الروضة" فقال: بأن كان راكداً في موضع منبسط (4).
قال في "المهمات": ولا حاجة إليه، والصواب: حذفه كما في "المحرر".
قلت: عبارة الرافعي: بأن كان واقفاً (5)، وهو صفة للملقى، ففهم في "الروضة" أنه صفة للماء .. فعبر بالركود، وهو فهم عجيب!
4559 -
قوله: (وإن أمكنته - أي: السباحة - فتركها .. فلا دية في الأظهر)(6) تبع "المحرر" في أن الخلاف قولان (7)، وهو الصواب؛ فهما في "الأم"(8)، وفي "الروضة" وأصلها: وجهان أو قولان (9).
4560 -
قوله: (ولا قصاص في الصورتين، وفي النار وجه)(10) أجراه الأكثرون في الماء أيضاً؛ فلا اختصاص له بالنار.
4561 -
قوله: (ولو حفر بئراً فردَّاه فيه آخر .. فالقصاص على المردي فقط)(11) يوهم تعلق القصاص بالحافر لو انفرد، وليس كذلك؛ فالحفر شرط، والشروط لا يتعلق بها قصاص، وعبارة "الروضة" وأصلها:(فالضمان على المردي دون الحافر)(12)، وهي أولى.
(1) المنهاج (ص 469).
(2)
انظر "الأم"(6/ 43).
(3)
الروضة (9/ 130).
(4)
الروضة (9/ 131).
(5)
فتح العزيز (10/ 133).
(6)
انظر "المنهاج"(ص 469).
(7)
المحرر (ص 387).
(8)
الأم (6/ 6، 7).
(9)
فتح العزيز (10/ 133)، الروضة (9/ 132).
(10)
انظر"المنهاج"(ص 469).
(11)
انظر "المنهاج"(ص 469).
(12)
فتح العزيز (10/ 138)، الروضة (9/ 133).
ولا يخفى أن وجوب القصاص على المردي إذا كانت التردية يحصل منها القتل غالبا.
4562 -
قول "التنبيه"[ص 214]: (وإن طرحه في لجة فالتقمه حوت قبل أن يصل إلى الماء .. ففيه قولان، أحدهما: يجب القود، والثاني: لا يجب) الأظهر: الوجوب، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(1)، وعبارة "الروضة": على الصحيح المنصوص، وخرج الربيع قولاً: أنه لا قصاص (2).
ومقتضى كلاما "التنبيه": أنه لو كان ذلك بعد وصوله إلى الماء .. وجب قطعًا، وبه يشعر كلام الشيخ أبي حامد وغيره، والصحيح: أنه لا فرق؛ ولذلك أطلقه "المنهاج" و"الحاوي".
وخرج باللجة: ما لو كان غير مغرق .. فلا قصاص قطعًا، وبه جزم "المنهاج"(3)، وعليه مشى "الحاوي"(4)، لكن لو علم الملقي بالحوت .. كان كالمغرق، صرح به في "الوسيط" واقتضاه كلام الرافعي (5).
وخرج بقولهم: (فالتقمه) ما لو ألقمه فاه .. فيجب القصاص قطعاً.
وقال شيخنا الإمام البلقيني: قد يكون الماء في نفسه مغرقاً ويمكنه التخلص منه بسباحة وغيرها، فكان ينبغي أن يقول: لا يمكنه التخلص منه في الأغلب كما عبر به الشافعي رضي الله عنه (6).
4563 -
قول "المنهاج"[ص 470] و"الحاوي"[ص 553]: (ولو أكره على رمي شاخصٍ علم المكرِه أنه رجلٌ وظنه المكرَه صيدا .. فالأصح: وجوب القصاص على المكرِه) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه مفرع على وجه مرجوح أن المكرَه كالآلة، والأصح: أنه شريك، قال: فالأصح المعتمد في الفتوى: أنه لا قصاص على المكرِه؛ لأنه شريكُ مخطئٍ، ثم حكاه عن "تعليق القاضي حسين" و"التهذيب" و "النهاية" و"البسيط"(7)، ويوافقه كلام "المنهاج" [ص 470]:(فيما إذا أكره بالغ مراهقًا .. فإنه لم يوجب القصاص على البالغ إلا إذا قلنا: عمد الصبي عمد).
4564 -
قوله: (أو على صعود شجرة فزلق ومات .. فشبه عمد، وقيل: عمد)(8) قال بالأول
(1) الحاوي (ص 555)، المنهاج (ص 469).
(2)
الروضة (9/ 134).
(3)
المنهاج (ص 469).
(4)
الحاوي (ص 555).
(5)
الوسيط (6/ 267)، وانظر "فتح العزيز"(10/ 138، 138).
(6)
انظر "الأم"(6/ 7).
(7)
نهاية المطلب (16/ 119)، التهذيب (7/ 67).
(8)
انظر "المنهاج"(ص 470).
الفوراني والبغوي (1)، وعليه مشى "الحاوي"(2)، وبالثاني الغزالي (3).
قال شيخنا الإمام البلقيني: والذي عندنا أن الأصح: أنه خطأ محض؛ لأن من الصور التي ذكرها الرافعي: أن يكرهه على صعود سلم أو نزول منحدر فتزلق رجله (4)، وهذا ليس بشبه عمد؛ إذ لا مدخل لصعود السلم أو نزول المنحدر في الإهلاك، ولا بصعود الشجرة الصغيرة ولا الطويلة للعارف بذلك، وإنما هذا تولد من قضية سليمة، فهو خطأ محض، ولو قيل: لا يلزم المكره شيء .. لكان له وجه.
4565 -
قول "التنبيه"[ص 221]: (وإن أمر السلطان رجلاً أن ينزل إلى بئر أو يصعد إلى نخلة لمصلحة فوقع ومات .. وجب ضمانه) قال الرافعي: وجوب الضمان على جعلنا أمر السلطان إكراهاً، وقضية كلام الجمهور تصريحاً ودلالة: أنه ليس بإكراه (5)، وصرح في "الشرح الصغير" بأنه الأظهر.
قال في "الكفاية": لو كان هذا هو المأخذ .. لما أوجبه العراقيون؛ لأنهم لم يجعلوا أمره إكراهاً.
4566 -
قول "المنهاج"[ص 470]: (أو على قتل نفسه .. فلا قصاص في الأظهر) قال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب: القطع به، ولم أقف على القولين في منصوصات الشافعي، ولا يعرفان إلا في كلام البغوي والخوارزمي (6)، وحكاهما أبو الفرج الزاز وجهين، وجعل محلهما: ما إذا خؤفه بمثل ذلك القتل، فإن خوفه بعقوبة فوق القتل؛ كالإحراق والتمثيل .. فهو إكراه، ووافقه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: يشبه أن يكون ذلك إكراهاً، قال شيخنا: وهو غير معتبر؛ لأن نفسه ذاهبة على كل تقدير منه أو من مكرهه.
وسكوت "المنهاج" عن نفي الدية في هذه الصورة مع نفيها في الصورة التي بعدها يشعر بثبوتها هنا، وفي "الروضة" وأصلها: أن عليه نصف الدية إن أوجبنا الضمان على المكره، وجميعها إن لم نضمنه (7).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو مردود، والصواب: عدم وجوبها؛ لعدم الإكراه حقيقة، وبه
(1) انظر "التهذيب"(7/ 67).
(2)
الحاوي (ص 553).
(3)
انظر "الوجيز"(2/ 127).
(4)
انظر "فتح العزيز"(10/ 142).
(5)
انظر "فتح العزيز"(10/ 146).
(6)
انظر "التهذيب"(7/ 67).
(7)
فتح العزيز (10/ 143)، الروضة (9/ 137).
صرح القاضي حسين والبغوي (1)، وقال الإمام والغزالي: إنه ليس بإكراه في الحقيقة، والقاتل مختار (2)، قال شيخنا: وهو واضح لا خفاء به، ومقتضاه: أنه لا يجب عليه كفارة، ولكنه أثم بما جرى منه، وكذا قال في "المهمات": إنه لا يستقيم، قال: والمسألة في "التهذيب" على الصواب، فلما نقلها الرافعي منه .. جعل تفريع أحد القولين للآخر.
4567 -
قوله: (وإن قال: "اقتلني وإلا قتلتك" .. فالمذهب: لا قصاص، والأظهر: لا دية)(3) فيه أمور:
أحدها: يستثنى من الخلاف: ما إذا قتله دفعًا حيث تعين ذلك .. فلا قصاص ولا دية قطعاً؛ ففي "أصل الروضة" عن الأئمة: أن للمأمور دفع الآمر ولا شيء عليه إذا أتى الدفع على نفسه، قال: فعلى هذا: إذا قتله دفعاً .. ينبغي أن يحكم بأنه لا قصاص ولا دية بلا تفصيل ولا خلاف، وقد أشار إليه أبو الحسن العبادي فقال: إذا قال: (اقتلني وإلا قتلتك) فإن همّ بقتله .. فهو استسلام، وإن قتله .. فهو دفع، ويمكن أن يقال: موضع التفصيل والخلاف ما إذا أمكنه الدفع بغير القتل، وإنما لا يلزمه شيء إذا لم يمكنه الدفع بغيره.
قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا متعقب؛ فإنه إذا أمكنه الدفع بغير القتل .. لا يتحقق الإكراه، وإنما الذي يظهر أن موضع الخلاف ما إذا قتله بمقتضى الإكراه لا على قصد الدفع عن نفسه كما يدفع الصائل الطالب لنفسه، فهنا لا يلزمه شيء قطعا.
ثانيها: كان ينبغي أن يقول فيهما: على المذهب؛ لأن الخلاف فيهما معاً طريقان، ذكره شيخنا الإمام البلقيني.
ثالثها: لا يختص ذلك بالإكراه، فلو اقتصر على قوله:(اقتلني) .. فلا قصاص على المذهب، ولا دية في الأظهر أيضاً.
نعم؛ لو كان الآذن عبداً .. لم يسقط الضمان، وفي القصاص إذا كان المأذون له عبداً وجهان.
4568 -
قوله: (ولو قال: "اقتل زيداً أو عمراً " .. فليس بإكراه)(4) قال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح: أنه إكراه؛ فإنه لا يتخلص من قتله إلا بقتل واقع على معين، وليس كإكراهه على طلاق إحدى زوجتيه؛ فإنه يمكن أن يقول: أحدهما طالق، فإذا طلق معينة .. كان مختاراً، وهذا اختيار القاضي حسين بعد أن حكى الأول عن الأصحاب، وحكى أبو الحسن العبادي في ذلك وجهين.
(1) انظر "التهذيب"(7/ 67).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 118)، و"الوجيز"(2/ 128)، و"الوسيط "(6/ 264).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 470).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 470).